قطري بن الفجاءة
فارس الخوارج وشاعرهم
محمد فاروق الإمام
جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي أبو نعامة. شاعر الخوارج وفارسهم وخطيبهم والخليفة المسمّى أمير المؤمنين في أصحابه، وكان من رؤساء الأزارقة وأبطالهم.
من أهل قطر بقرب البحرين كان قد استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير. وبقي قطري ثلاث عشرة سنة، يقاتل ويسلَّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين والحجاج يسيّر إليه جيشاً إثر جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم. وكانت كنيته في الحرب نعامة و(نعامة فرسه) وفي السلم أبو محمد. قال صاحب سنا المهتدي في وصفه : كان طامة كبرى وصاعقة من صواعق الدنيا في الشجاعة والقوة وله مع المهالبة وقائع مدهشة، وكان عربياً مقيماً مغرماً وسيداً عزيزاً وشعره في الحماسة كثير.
اختلف المؤرخون في حقيقة اسمه، فقيل إن اسمه "جعونة"، وقي (مازن)، والذين يذهبون إلى أن اسمه مازن يرون أن جعونة هو اسم الابن قطري لا الوالد، وقد يكون مصدر هذا اللبس قول ابن حزم: "هو قطري بن الفجاءة، والفجاءة لقب أبيه، لأنه غاب إلى اليمن، ثم أتى قومه فجأة، واسمه جعونة".
أما نسبه الكامل فهو: جعونة بن مازن بن يزيد بن زياد بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر المازني، فهو مازني تميمي من رجال كابية الذين هم من قبائل حرقوص.
وقطري من أبناء الخليج العربي، ومنسوب إلى قطر، ولا يعرف الكثير عن نشأته الأولى، لأن اسمه لم يظهر على مسرح التاريخ إلا عندما انضم إلى صف الخوارج وصار واحداً من أشهرهم.
ولكن قطرياً مع ذلك كان أعرابياً جلفا أمياً، وقد أكسبته نشأته البدوية صلابة في الرأي وخشونة في الطبع، حتى اشتكى بعض الخوارج من غلظته، وكانت له علامة مميزة وهي البرص، وكان مع ذلك فارساً مقداماً وشجاعاً بطلاً، ومحارباً لا يشق له غبار. حتى صار يضرب المثل في قوته وشجاعته: (ما استحيا شجاع أن يفر من عبد الله بن خازم السلمي، وقطري بن الفجاءة).
وكان قطري – زيادة على شجاعته – ناسكاً متعبداً، ومعظم أشعاره وخطبه توحي بزهده في الحياة، ورغبته عنها.
واختلف في مصرع قطري، لكن المعلوم أنه مات مقتولاً على أيدي نفر من أهل الكوفة في شعاب طبرستان بعد أن تفرق شمل الأزارقة الذين كان يقودهم قطري.
دخلت قطر في موكب الحضارة الإسلامية حين استجاب للدعوة الإسلامية الملك المنذر بن ساوي التميمي ملك المناذرة العرب والذي كان يحكم أرض قطر والمناطق المجاورة لها في أواسط القرن السابع للميلاد. وقد تغنى الشعراء بقطر ونجائبها (الإبل الجيدة) ونسيجها، وذاعت شهرة برودها (جمع بردة) حتى ذكرت المصادر أن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ لبس الثوب القطري، كما لبست أم المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ـ درعاً من نسيج قطر، وكان لعمر بن الخطاب إزاراً قطرياً مرقوعاً من جلد.
وقد شارك أهل قطر في تجهيز أول أسطول بحري لنقل الجيش الإسلامي بغرض الجهاد تحت قيادة أبي العلاء الحضرمي، كما ثبت مهارة القطريين في صناعة الرماح وتقويمها والتي تعرف بالرماح الخطية. وقد نسب المؤرخون والرحالة العرب شهرة واسعة إلى شاعر قطر وفارسها قطري بن الفجاءة وذلك إعجاباً بشجاعته وثبات مواقفه.
وذكر ابن خلكان في ترجمة قطري بن الفجاءة قال: ليس اسمه قطري ولكن نسبة إلى قطر الكائنة بين عُمان والبحرين وكان من سكانها أبو نعامة الذي خرج على خلفاء بني أمية قرابة عشرين عاماً وسمي بأمير المؤمنين إلى أن قتل، وقطري هو الذي يقول في مجال الحرب يوطن نفسه على الصبر وملاقاة الأبطال.
أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك أن تراعى
فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع
فإنك لو سئلت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لن تطاعي
وقد قالت فيه الدكتورة سهير القلعاوي في كتابها (أدب الخوارج في العصر الأموي): لو أراد مصور أن يرسم صورة للفارس العربي الإسلامي في القرن الأول ما وجد أصدق من صورة قطري ولا أدق منها فهو يمثل في حياته وفي شعره الفروسية البدوية والإسلامية أقوى تمثيل، وقطري من خطباء العرب المفوهين اشتهر بالبلاغة وفصاحة اللسان وبالشجاعة وقوة النفس وكثرة الحروب، وقد ثار على الخلافة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان).
كان قطري بن الفجاءة زعيماً من الخوارج وبطلاً من أبطالهم ، وكانت له كنيتان : كنية في السلم، وهي أبو محمد، وكنية في الحرب، وهي أبو نعامة (ونعامة فرسه) عرف بخطبه، وفروسيته، وشعره، فقد كان خطيباً مشهوراً، وفارساً شجاعاً، وشاعراً معروفاً، خرج زمن مصعب بن الزبير لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير كانت ولاية مصعب سنة 66 هـ/685م . فبقي قطري عشرين سنة يقاتل، ويُسلم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين. والحجاج بن يوسف الثقفي يسيّر إليه جيشاً بعد جيش، وهو يردهم ويستظهر عليهم. قيل عثر به فرسه، فاندقت به فخذه فمات سنة 78هـ / 697م. وقيل في وفاته غير ذلك.