منير العجلاني: السياسي المشرد

شمس الدين العجلاني

منير العجلاني: السياسي المشرد

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

 توفي الدكتور منير العجلاني القانوني والسياسي العربي السوري في مدينة الرياض في السعودية , هذا الرجل العملاق الذي شغل دنيا العرب سياسة وعلما , رحل العجلاني بصمت وهدوء دون أن نودعه ودون أن يودعنا ترجل عن صهوة جواده بعد أن كان مقاتلا لاكثرمن تسعين عاما , وفجأة ترك ساحة الحياة ممتطيا جواد عالم الخلود إلى أعالي السماء , من هو الدكتور منير العجلاني 0 ؟ هو دمشقي المولد والمنشأ والخلق والأخلاق ,  جيلنا لا يعرف العجلاني ولم يسمع عنه وعن مكانته وأنه السياسي القومي الذي نذر نفسه وعلمه لسوريه وللوطن العربي 0

بالأمس رحل العجلاني في بلاد الغربة ولم يقم له عزاء في دمشق التي عشقها ولم تذكره دمشق التي أحبته اللهم سوى ما قالته صحيفة الثورة :انه من أهم رجال الحقوق والسياسة والعلم ليس في سورية فحسب بل في العالم العربي بأسره هو الأديب والصحفي والمحلل السياسي والأستاذ الجامعي وشغل عدة مناصب سياسية وادبية وأكاديمية.)

سألني الكثيرون عن منير العجلاني وعن المكانة المرموقة التي حققها وعن أيام السجن التي قضاها بدمشق في الخمسينات وعن المؤامرة التي اتهم بها وكانت سببا في تشرده وابتعاده عن معشوقته دمشق 0000 فلكل من سألني عن العجلاني أقول :  

 من هو منير العجلاني :

ولد مُنير العجلاني في مدينة دمشق عام 1911, والده محمد علي وله من الأشقاء  ثلاث هم المحامي مختار والدكتور حسن ومصطفى والدكتور حيدر وله شقيقه اسمها فريزه كانت زوجه رجل القانون المعروف محمد الفاضل الذي اغتيل في الثمانينات, متزوج من السيدة إنعام الحسني ابنه رئيس الجمهورية السورية في الخمسينات الشيخ تاج الدين الحسني وحفيدة العلامة الشهير بدر الدين الحسني وله منها ثلاث  أولاد وبنت وهم :  منار وفواز وأمير ومنيرة 0

وعائله العجلاني من العائلات الدمشقية العربية العريقة ، توارث أفراد منها خلال فترات طويلة نقابة الأشراف بدمشق , يعود نسبها إلى سيدنا الإمام الحسين سبط الرسول العربي محمد ( ص ) وقد أثنى عليهم  الحصني في كتابه المشهور منتخبات التواريخ لدمشق تحت عنوان بيوتات العتره الطاهرة النبويه الشهيرة في دمشق , كما أثنى عليهم د0 الفرفور في كتابه أعلام دمشق والعلبي في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب , والشيخ الحلاق في كتابة حوادث دمشق اليومية , والأنصاري في كتابة نزهة الخاطر وبهجه الناظر, والخوري في كتابة أعيان المدن , و المحبي في كتابه خلاصه الأثر في أعيان القرن الحادي عشر , وأبو الهدى الصيادي في كتابه اشهر البطون القرشية في الشام ,ولم يؤرخ كتاب عن دمشق  أو أعيانها إلا ورد فيه عراقة آل العجلاني ,والى هذه العائلة ينتسب منير العجلاني الذي  بدأ تعليمة في دور الكتاتيب بدمشق ثم التحق بالكلية العلمية الوطنية ونال الشهادة الثانوية في سن مبكرة ثم نال شهادة الحقوق من جامعة دمشق وسافر إلى باريس حيث نال دكتوراه دولة في الحقوق وشهادة في الصحافة من معهد العلوم الاجتماعية العليا وشهادة في فقه اللغة وفي علم الاجتماع من السوربون. ومارس في العاصمة الفرنسية أنشطة سياسية متنوعة بصفته أميناً للجمعية العربية, ولجمعية الثقافة العربية, ونشر مقالات في صحيفة "لوسوار" انتقد فيها السياسة الفرنسية في سورية, مما دعا السلطات الفرنسية لابعاده فتوجه إلى جنيف حتى سمح له بالعودة ثانية إلى باريس لاتمام تخصصاته 0

عاد العجلاني إلى دمشق عام 1933 واخذ ينشر مقالات في السياسة والاجتماع بهدف تعزيز "الشباب الوطني" بمظهر عصري وتوسيع قاعدته السياسية وكان في عمله حر نفسه في كل تصرفاته, واستطاع الزعيم السوري جميل مردم بك أن يضمه إلى الكتلة الوطنية. كما كانت القيادة الفعلية لتنظيم القمصان الحديديه في سورية معقودة على العجلاني  حيث اسند إليه منصب الأمانة العامة لهذا التنظيم, وكان زعيم التنظيم عام 1936 فخري البارودي وهدف التنظيم إلى  الدفاع عن الوطن السوري , وألف مع بعض الشباب جمعية أدبية باسم "المجمع الأدبي" وكان من أقطابها علي الطنطاوي, جميل سلطان, أنور العطار, وزكي المحاسني. ومارس عمله السياسي عام 1936 وانتخب نائباً عن دمشق حيث كان اصغر أعضاء المجلس النيابي سناً وكان نواب دمشق آنذاك من رجالات سوريه الكبار أمثال فارس الخوري, جميل مردم بك, فخري البارودي, لطفي الحفار, إحسان الشريف, فائز الخوري, شكري القوتلي, عفيف الصلح, صبري العسلي, نسيب البكري, وجورج صحناوي وكان العجلاني بصغر سنه يقف معهم الند للند 0

وفي عام 1939 اصدر العجلاني مع الدكتور سامي كبارة جريدة "النضال" في دمشق وهي سياسية يومية, أخذت حيزا كبيرا من اهتمام أهل دمشق .

 لم يمارس العجلاني مهنه المحاماة سوى عده مرات في حياته , الأولى عام 1940  في محاكمة اغتيال الزعيم عبد الرحمن  الشهبندر حيث كان من أنصار الزعيم الدكتور الشهبندر وعلى علاقة وثيقة معه ويقال أن اغتيال الشهبندر غير مجرى حياة العجلاني ,  والمرة الثانية أمام محكمة الانتداب الفرنسي يوم 18 تشرين الثاني 1943 , للدفاع عن فتيات دمشق من تهمه مقاومة المستعمر الفرنسي, وكانت اشهر مدافعاته دفاعه  عن نفسه أمام المحكمة العسكرية بدمشق عام 1956 0 

 اعتقل  العجلاني و أودع السجن مرات عدة زمن المستعمر الفرنسي بسبب مواقفه الوطنية المعادية للمحتل . كما اعتقل في عهد حسني الزعيم وأديب الشيشكلي0000000

دخل العجلاني لاول مره المجلس النيابي عام 1936 وحافظ على مقعده كنائب عن دمشق إلى عام 1957 حين تم اعتقاله و أودع سجن المزه 0

 كما دخل العجلاني الوزارة السورية لاول مره في 18-4-1942 وزيرا للدعاية والشباب, و كان وزيرا للمعارف في وزاره جميل مردم بك عام 1947 ,  وزيرا للعدليه في وزاره معروف الدواليبي عام 1951 , وعاد في وزاره صبري العسلي عام 1954 وزيرا للمعارف واستمر في وزارته هذه في عهد فارس الخوري ,  وفي وزاره  سعيد الغزي عام 1955 كان وزيرا للعدل 0

قالوا عن العجلاني :

كان العجلاني رحمه الله شاغل أهل عصره واسمحوا لي بالقول انه كان سابقا عصره بعلمه السياسي والأدبي والقانوني , وبخلقه وأخلاقه الحميدة  وهذا مما جعله عرضه للهجوم الدائم من قبل حساده ومن هم أدنى منه وينطوون تحت تصنيف المراهقين و المراهقين السياسين,

لقد دفع العجلاني  ثمنا لمواقفه الوطنية والقومية وارائه الأدبية والسياسية التي سبقت عصره 0 وهذا ما جعله يتشرد في بقاع الدنيا 00 وكان الثمن الذي دفعة العجلاني لا يعوض فقد حرم من معشوقتة الأبدية دمشق ومات والحسرة في قلبه فهو لم يرها منذ دخل سجن المزه عام 1957 إلى أن وافته المنية عام 2004 ,  ولكن في الوقت نفسه كان هنالك من يعلم علم اليقين من هو العجلاني وماهي مكانته على مساحة الوطن وفي فكر وعقل آهل زمانه,  فقال عنه قال طه حسين: "ما للعجلاني وللسياسة, وهو المرشح لأعظم مجد أدبي في العالم العربي بشرط أن ينصرف لما خلق له وهو الأدب. إن ألمي لما أصابه من السياسة على قدر إعجابي وأملي فيه".

 أما ألبير أديب صاحب مجلة –الأديب -  فيقول عن مؤلفات العجلاني وأفكاره وذخائر لغته : بعضها جنود للفكرة الوطنية تعمل قبل كل شيء على إيقاظ الأمة وتذو يقها لذة الكرامة والاستقلال وبعضها جنـود للفن تعمل على المضـي به إلى الكمال 0

ويذكر الشيخ عبد الله بن خميس أن كتب العجلاني قد برهنت عن موهبة وأسفرت عن قدرة وعبّرت عن جهدٍ لا يتوفر إلا لمثله، إذ ألمّ بما أُلف عن هذه البلاد قديماً وحديثاً مترجماً إلى العربية أو غير مترجم وارتاد المكتبات ونقّب وبحث وجاء بحصيلة هي ما هي لمن يريد تقصي الحقائق واستيعاب الأخبار، ويختم ابن خميس بقوله أن كتب العجلاني أحسن ما ألف عن هذه البلاد ( يقصد السعودية )، ويذكر الدكتور فهد السماري أن مؤلفات العجلاني التاريخية تعكسُ أسلوبا خاصاً انتهجه باستخدام الحسّ التاريخي والسياسي والتجربة القانونية، ويُشير الدكتور السماري إلى أثر الخلفية القانونية للعجلاني على كتابة التاريخ، حينما تجاوز منهج المؤرخ القائم على التحقق من المصدر إلى الشّدة والصرامة في فحص الأدلة والمصادر وإخضاعها لأسئلة حقيقية وجوانب تحليليلة مفيدة، ويتابع السماري وجهود الدكتورمنير العجلاني هذه وغيرها في توثيق تاريخ المملكة العربية السعودية تعد مهمة وثمينة لأنها نتجت عن مراحل طويلة من العمل الدؤوب وامتزجت بتجاربه المتعددة في القانون والسياسة والثقافة ومواهبه العلمية المختلفة والمتميزة. وهذه الجهود لابد أن تذكر فتشكر لفائدتها الكبيرة ومعطياتها المستقبلية للباحثين والباحثات. 

أما الشيخ حمد الجاسر فقد ذكر: أنه لا يمكن الاستغناء عن الرجوع إلى ما أمدنا به الدكتور منير العجلاني من معلومات لا تتوافر لغيره 0 في حين يقول عبد الرحمن بن سليمان الرويشد لقد عاش بيننا معالي الدكتور العجلاني، الأستاذ ذو الكرسي في جامعة دمشق وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق ووزير الإعلام والمعارف والعدل والمناضل العربي، الذي ظل يناضل في الساحة ضد الاستعمار في بلاده حتى سجن وصودرت أملاكه في سبيل دفاعه عن قضيته000 وكان لمؤلفه الشهير (عبقرية الإسلام في أصول الحكم) وكتابه (الحقوق الدستورية) شهرة في العالم العربي.. أما كتبه في الأدب والقصة والتاريخ فأشهر من أن تذكر.وعندما علا صوته, واشتدت معارضته لدغته أنياب الأفاعي المتسلطة, ولفقت له عدة اتهامات أجري له على أثرها العديد من المحاكمات, وسجن واضطهد, وصودرت أمواله.. وسيظل عطاء الدكتور العجلاني الفكري والعلمي لسان ذكرى لحياته ورحيله في بلده ومسقط رأسه, كما في بلده الثاني الذي رضي أن يقضي آخر حياته في ربوعه وبين ظهراني سكانه ومحبيه. )في حين يقول محمد معروف في كتابة أيام عشتها : الدكتور منير العجلاني أستاذ القانون في الجامعة السورية والنائب الدائم عن مدينة دمشق, والوزير المستقل في اكثر الوزارات منذ الاستقلال وهو بحق سيد المنابر)

وتكتب مجلة المصور المصرية منذ عشرات السنين عن العجلاني قائلة : من الشخصيات الهامة في تاريخ سورية المعاصرة يأتي اسم الدكتور منير العجلاني في الطليعة لأنة كاد أن يكون في أحد الأيام الرجل الأول في هذا القطر الشقيق , وفي العاصمة السورية دمشق , لا يوجد مثقف واحد أو طالب جامعي دون أن يكون قد التف في يوم ما حول الدكتور منير العجلاني الزعيم المثقف والأستاذ الجامعي الذي خدم العلم والثقافة في سورية كما لم يخدمها سواه , وأعطى من ذاته لوطنه بكل معنى العطاء العربي الوفي للأهل والعشيرة , وقد انكشفت الحقيقة كاملة حول الاتهامات التي نسبت إلية مرة لغرض إبعاده عن بلدة واستغلال فرصة الإيقاع به ليقوم الحاقدون بتحقيق مآربهم الانتهازية في البلد بمعزل عن أمثال الدكتور العجلاني من كبار الزعماء المخلصين لوطنهم والغيورين على شعبهم 000 )

 ويقول سامي جمعة رجل المخابرات في الأربعينات والخمسينات  في كتابه أوراق من دفتر الوطن 1946 - 1961  : (تبين أن محاكمة منير العجلاني وجماعته من مؤيدي مشروع الملك عبد الله والأحكام المخففة التي صدرت بحقهم لم تكن إلا مسرحية من جانب العقيد الشيشكلي لتغطية اغتيال العقيد محمد ناصر الذي كان يحقد عليه.)

 وتقول المجلة العربية في افتتاحيتها حينما يُذكر د/منير العجلاني - رحمه الله - تتداعى إلى الذاكرة جملة من المآثر والمواقف المشهودة، فقد ترك الرجل بصمته الواضحة على مسيرتنا الثقافية. فالعجلاني أول رئيس تحرير لـ «المجلة العربية» تعددت مواهبه واهتماماته انعكس ذلك، بشكل عام، في عطائه في مجالات الثقافة والأدب والتاريخ، فضلاً عن الصحافة..ففي «المجلة العربية» وضع د. العجــلاني أسس عهـد ثقافي واجتمـاعي ما زالت ملامحه باقية حتى الآن، فقد حافظت «المجلة العربية» على شخصيتها المميزة التي وضع إطارها العام الوزير السعودي الشيخ حسن آل الشيخ  ، ورغم التطورات المستمرة والنقلات النوعية التي طرأت على المجلة فإنها احتفظت بتلك الشخصية الخاصة بها منذ بدايتها قبل 29 عاماً.

إن منير العجلاني ركناً مهماً في كتابة التاريخ السعودي فقد أجزل العطاء في هذا الجانب وحرص على تسجيل وقائع مهمة في تاريخنا السياسي والثقافي والاجتماعي، وكانت له عطاءات متفردة فيما ذهب إليه في كل تلك الجوانب. إسهامات العجلاني المتعددة تجعلنا نضعه في قائمة الأسماء التي خدمت وطننا من خلال سبر أغواره بالدراسات والكتابات العديدة والقيمة التي تناولت مختلف جوانب التاريخ والأدب.

ونحن في «المجلة العربية» لا نفتأ نذكر العجلاني في أحايين كثيرة، فنحن نواصل عملاً بدأه ونسترشد بموجهات كانت من بنيات أفكاره وهي تجربة عمله في رئاسة تحريرها.

اصغر نائب في البرلمان :  

في عام 1936 دخل منير العجلاني لأول مرة، المجلس النيابي السوري، نائباً عن دمشق، وكان أصغرَ عضو نيابي سوري، واستمر في جميع دورات المجلس النيابي حتى أعتقل عام 1956, فكان في مجلس 1936 و 1947 و 1954 , وكان طيلة عمله النيابي يعملُ نائباً مستقلاً، أي لم ينضو تحت لواء أي حزب سياسي، لذلك تزعّم عام 1954 ما يُسمّى بـ«الكتلة الدستورية» التي هي عبارة عن تكتل داخل المجلس النيابي تضمُ النواب المستقلين مثل سهيل الخوري وفرزت المملوك وعدد من نواب العشائر، وقد ضمت 21 نائباً.

كان العجلاني يبني سياسته على الفصل بين مهام الجيش وان مهمته حماية البلاد والدفاع عنها و وجوب ابتعاده عن سياسة الدولة ويبدوان سياسته هذه كانت وراء اعتقاله في 27 ايلول 1950 , وهنالك حادثة رويت في محاضر المجلس النيابي ربما تؤكد أن هذا هو  سبب اعتقاله , فقد شن في الثاني من آب 1950 هجوما على الجيش تحت قبة البرلمان حيث قال : ( إن الجيش يحشر نفسه في كل شيء , بقضايا التهريب , بواجبات الشرطة , بوزارة الداخلية , بالبوليس السري , وحتى بمراقبة أعضاء الجمعية ( البرلمان ) 000 ) وبعد عدة أسابيع اعتقل العجلاني 00 ؟

كما وقف العجلاني , وكان حينها رئيسا للجنة المعارف و مقررا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب  موقفا صلبا بمعارضه استقالة رئيس مجلس النواب  عام 1951 رشدي كيخيا فقدم اقتراحا برفض استقالة كيخيا عرض هذا الاقتراح على المجلس وحظي بموافقة الأكثرية مما دعا كيخيا للعودة عن استقالته, وبرغم أن العجلاني ينتمي إلى أسرة عريقة توارث أبناؤها الألقاب الباشوية على مر العصور فقد تقدم باقتراح بقانون إلى مجلس النواب بتاريخ 11 أب 1951 بإلغاء هذه  الألقاب تماشيا مع الظروف الاجتماعية والسياسية والتطور الحاصل في تلك الأيام 00ولقناعته بأن الإنسان يقدر بعملة وليس بالألقاب 0

  الوزارة : 

أول عمل وظيفي في الدولة تقلده العجلاني كان مديرا لغرفة رئيس الجمهورية عام 1942 زمن رئاسة الشيخ تاج الدين الحسني للجمهورية, ومن ثم شكل الشيخ تاج الوزارة برئاسة حسني البرازي بتاريخ 17 نيسان 1942 وبعد ثلاثة أيام أضاف إلى هذه الوزارة وزارة الدعاية والشباب وعهد بها إلى الدكتور منير العجلاني , وكان في تلك الأيام يتواجد مستشار فرنسي في كل وزارة فرفض العجلاني أن يكون في وزارته أي مستشار فرنسي وكان له ذلك , كما وسمي العجلاني لاول مرة وزيرا للمعارف في وزارة جميل مردم بك بتاريخ 6 تشرين الأول 1947 ,واستمرت هذه الوزارة اقل من عام  وأعاد مردم بك تشكيل الوزارة مره أخرى في 23 أب 1948 واستمر العجلاني في هذه الوزارة وزيرا للمعارف , وفي 28 تشرين الثاني 1951 شكل معروف الدواليبي الوزارة وكان العجلاني وزيرا للعدل وفي اليوم التالي لتشكيل هذه الوزارة استلم الجيش مقاليد الحكم وقدم الدواليبي يوم 1 كانون الأول استقالة حكومته  و لم تر هذه الوزارة  النور لقيام  الشيشكلي بانقلابه العسكري واعتقل العجلاني و أودع سجن المزه مع باقي الوزراء ,  وعاد العجلاني وزيرا للمعارف في وزارة صبري العسلي في الأول من آذار عام   1954واستمرت هذه الوزارة قرابة الأربعة اشهر  , ثم سمي العجلاني وزيرا للمعارف ايضا في حكومة فارس الخوري بتاريخ 29 تشرين الأول 1954والتي استمرت ثلاثة اشهر ونصف  , وكلف في هذه الوزارة رئيسا للوزراء بالوكالة وذلك في كانون الثاني 01955 و بتاريخ 13 ايلول 1955 سمي وزيرا للعدل في وزارة سعيد الغزي وعدلت هذه الوزارة يوم 14-9-1955 واستمر العجلاني وزيرا للعدلية لغاية استقالة هذه الوزارة بتاريخ 14 حزيران 1956 0

 السجن والتشرد القسري :   

عانى العجلاني من شغف الحياة الكثير , وتحمل وزر مواقفه الوطنية والقومية وسعيه الحثيث لاقامه نواه للوحدة العربية , وذلك في الخمسينيات من القرن المنصرم في زمن كان يقال عنه انه  عصر سوريه الديمقراطية والبرلمانية والتعددية السياسية 0 ؟  فكان نزيل سجن المزه و سجن الشيخ حسن بين الفترة والأخرى , وقد ذاق العجلاني آلام وويلات السجن من تسليط التيار الكهربائي إلى الوقوف في الحمام لاكثر من ثلاثين ساعة00    ويروى عن زوجته إنعام الحسني أنها قالت يوما لاحد عناصر المكتب الثاني الذي كان يكلف دائما  بإحضاره من منزلة إلى المخفر ثم السجن ما بالك يا ( 0000 ) فهل نزلت في جهازي( أي هل كنت ضمن الأشياء التي خرجت معي من بيت أهلي إلى بيت زوجي, و المقصود به هنا جهاز العروس  )  00 ؟ وذلك للدلالة على كثره مراجعته لمنزل العجلاني لاعتقاله بتهم مختلفة ,  فقد سجن العجلاني أيام المستعمر الفرنسي وأيام الانقلابات وكانت أقصى أيام السجن علية عام 1950 وعام 1956 , ففي شهر ايلول من عام 1950 وبينما كان في منزله ويجلس لديه ابن أخته مصطفى كحاله وشخص يعمل في تأجير البيوت اسمه أبو مصطفى وصحفي يدعى عبد الرحمن الرواس ,اقتحم منزله أحد موظفي الشرطة العسكرية بدون إذن وطلب أن يرافقة وفي الطريق وجد سيارة ممتلئة بالجنود , اخذوه إلى النائب العام العسكري حيث وجهت إلية تهمه التآمر على سلامة الدولة  مع العقيد بهيج كلاس،و المقدم حسن الخير،و الملازم الأول بهيج كلاس، ،و المحامي يوسف تقلا،و رشيد كلاس،و محيي الدين مراد،و الشيخ علي أديب ,و رأفت عرنوق،و العريف نور الدين الحكيم، وشفيق دهاب ,وفي اليوم التالي نقل إلى سجن المزه,و بقي العجلاني في سجن المزه لغاية كانون الثاني 1951, وطالب قاضي التحقيق العسكري وكان آنذاك نجاتي الحلبي  في تشرين الثاني 1950 بموجب المادتين 267 و 293 من قانون العقوبات الاعتقال المؤقت  للعجلاني خمس سنوات على الأقل أو الاعتقال المؤبد 0000 ثم ما لبث أن برأه القضاء العسكري مع بقية المتهمين في هذه القضية ومن ثم ثبت أن اعتقاله كان مؤامرة مدبرة من بعض الموظفين في المكتب الثاني ضد العجلاني للمكانة المرموقة التي حققها على الصعيد الشعبي والرسمي وضد مواقفه في الدفاع عن ضرورة تغيير الاتجاه السياسي في البلاد إلى التقارب مع العراق والأردن في سبيل إقامة نواه للوحدة العربية أو الاتحاد العربي مما قد يقضي على أحلام بعض المراهقين السياسيين ومن هم أدنى من قامته الشامخة0

   ومن ثم يأتي الاعتقال مع نهاية عام 1956حين اقتحم دار العجلاني ليلا مجموعه من عناصر المكتب الثاني على رأسهم سامي جمعه وسيق به مباشرة إلى سجن المزه ,اعتقل العجلاني مع أربعة عشر متهما على رأسهم عدنان الاتاسي, والدكتور سامي كبارة, والعميد صبحي العمري, والأمير حسن الأطرش, وهايل سرور,بتهمة  الاشتراك في محاولة انقلابية ,وشكلت المحكمة العرفية لمحاكمتهم, وسمي أعضاء المحكمة العرفية من قبل عبد الحميد السراج ، فعين العقيد عفيف البزرة رئيسا للمحكمة مما أبرز اسمه للمسرح السياسي والعسكري وهو محسوب على الحزب الشيوعي السوري ، كما عين المقدم الركن أمين النفوري عضوا فيها والرئيس صلاح يوسف آغا عضوا آخر، ومحمد الجراح نائبا عاما وهو المحسوب على السراج شخصياً, ووكيل الادعاء الشخصي المحامي عبد الفتاح زلط وهو من جماعة اكرم الحوراني, وبذلك تولى جماعة الشيشكلي السابقون بالاتفاق مع عبد الحميد السراج وخالد العظم وزير الدفاع أمر القضاء في موضوع المؤامرة.   وكان العجلاني المدافع شخصياً عن نفسه أمام المجلس الذي افتتح المحاكمة في 8/1/1957م، على مدرج جامعة دمشق،و برغم تطوع وحضور عدد كبير من المحامين العرب للمرافعة عنة وعن زملائه , وظف العجلاني خبرته القانونية وكتب مرافعته الجريئة خلال جلسات المحاكمة, وطبعت هذه المرافعة عدة مرات بكتاب مؤلف من 111 صفحه تحت عنوان دفاع الدكتور منير العجلاني أمام المحكمة العسكرية, وبيع في أسواق دمشق بكميات كبيره 0 وصدرت الأحكام بحق رجال السياسة السوريين و هم عدنان الاتاسي نجل الرئيس هاشم الاتاسي, والدكتور سامي كبارة النائب والصحفي , والعميد صبحي العمري, والأمير حسن الأطرش شقيق زعيم الثورة السورية سلطان باشا الأطرش, والشيخ هايل سرور من نواب كتلة العشائر والذين اصبح فيما بعد رئيسا لمجلس النواب الأردني , وصدرت أحكام بالسجن المؤبد وبالسجن 20 سنة بحق الآخرين وكان من ضمنهم الدكتور العجلاني ,والذي رفع إصبعيه مشيرا بحرف (7) علامة النصر عندما تقدم منه مصورة مجلة لايف الاميركية وهو في قفص الاتهام يستمع لقرار المحكمة , مما دعا المحكمة لمصادرة آلة التصوير من الصحفي واتلاف الفيلم 0 ؟

 وجرت وساطات عربية ومن زعماء لبنان يتقدمهم البطريرك الماروني بولس المعوشي, وحميد فرنجية مع الرئيس القوتلي ومع الرئيس جمال عبد الناصر بعد إعلان الوحدة, بهدف تخفيف الأحكام,في وقت كان عبد الحميد السراج يرفض أي تبديل لأحكام المجلس العرفي.وكان الرئيس شكري القوتلي معارضاً أحكام الإعدام التي صدرت بحقهم

 وقامت الوحدة مع مصر وطلب الرئيس عبد الناصر تسفير جميع المحكومين إلى القاهرة حيث وضعوا في سجن في الإسكندرية عام 1959 وعند الانفصال عن الوحدة عام 1961 أطلق سراحهم وسافروا إلى تركيا وتمتعوا بالحرية. ‏

‏ثم انتقل العجلاني إلى بيروت ومنها إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من الملك فيصل بن عبد العزيز, وتمتع بكامل المواطنية في بلده الثاني مع أسرته. وعين في منصب كبير المستشارين في وزارة المعارف والتعليم العالي, ورئيس تحرير "المجلة العربية" التي جعلها في خدمة الأدب العربي. وأسهم العجلاني في تطوير التعليم في السعودية في كل مراحل التعليم من الابتدائي حتى العالي منه, وأصدر سلسلة من المؤلفات التاريخية في البلاد السعودية, وطاف في سبيلها بين مراكز المعلومات العالمية والجامعات الأوروبية وفي بيروت, وأكد في مؤلفاته أن للمملكة العربية السعودية مكانة بارزة مرموقة في العالم 0

‏وفي السنتين الأخيرتين من حياه الدكتور منير العجلاني  أقعدته أمراض الشيخوخة، وأُدخل المستشفى عدة مرات، ثم دخل في شبه غيبوبة في أيامه الأخيرة، إلى أن لفظ أنفاسه صبيحة يوم الأحد العشرين من يونيو (حزيران) 2004 عن عُمرٍ ناهز   95 عاما في مدينه الرياض وتقدم المصلين على جثمانه  الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في جامع الإمام تركي بن عبد الله, يرافقه الأمير سطام بن عبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض 0

رحل العجلاني إلى جوار ربه في بلده الثاني – الرياض – السعودية التي  منحته عام1975 وأبناءه الجنسية السعودية.

رحل العجلاني بعيدا عن محبوبتة دمشق التي لم تفارق مخيلته لحظه واحدة والتي كان يسأل عنها كل قادم منها يسألهم عن أهلها عن زواريبها عن حاراتها يسألهم هل تغير وجهها هل أصبحت أحلى واجمل , رحل منير العجلاني بعد تهجير قسري عن دمشق قارب الخمسين عاما مارسه عليه حاقدون ومراهقون حاولوا بناء مجدهم بأعقاب البنادق 0

العجلاني يقدم قباني للعالم :

بدأ نزارقباني بكتابة الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه ( قالت لي السمراء) عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة بمساعده والدته0

 له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى اكثر من 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن , وله  عدد كبير من الكتب النثرية أهمها  قصتي مع الشعر ,  أسس دارا للنشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني " .

في صيف 1939 نطق نزار قباني بأول بيت شعر وكان عمره آنذاك 16عاماً، وبعد ذلك بحوالي خمس سنوات أصدر ديوانه الأول (قالت لي السمراء) وكان طالبا في كلية الحقوق بجامعة دمشق , وتقدم بحياء من الأستاذ في كلية الحقوق والنائب  والوزير الدمشقي بطلب يرجوه فيه أن يقدم له ديوانه الأول وبرغم ما ضمّه هذا الديوان من تمرد وتغيير في شكل ومضمون القصيدة العربية المتوارثة، حيث ادخل الشاعر ألفاظاً وصوراً تناول من خلالها المرأة بأسلوب جديد  وغير مألوف, فقد قدم الأستاذ والنائب والوزير منير العجلاني الطالب نزار قباني للعالم وكتب مقدمه ( قالت لي السمراء )  وصدرت الطبعة الأولى منه وبكمية 300نسخة في أيلول 1944 ومما جاء في مقدمة العجلاني لقباني :  

(وكأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بودلير وفيرلين والبير سامان وغيرهم من أصحاب الشعر الرمزي والشعر النقي... لا أسألك... لا أسأل الله إلا شيئاً واحداً، أن تبقى كما أنت، طفلاً يصور.. ويعشق.. كأنه ملاك يمشي على الأرض ويعيش في السماء... إنك تمر مرور الموكب الملكي أو الملائكي..) ويتنبأ الدكتور العجلاني في تقديمه لهذا الديوان أن يتبوأ نزار قباني أعلى مراتب الشعر فيقول: (ومن يدري لعل القدر يخبئ لنا فيك شاعراً عالمياً تسبح أشعاره من بلد إلى بلد وتمر من أمة إلى أمة). ‏

وكان هذا الديوان الشرارة الأولى في الحرب التي أوقد أوارها نزار ولم ينته لهيبها حتى الآن.. الحقيقة التي لا تخفى على أحد أن نزاراً كان دائماً يلعب بالنار وطفلاً مشاكساً لم يترك عشاً للدبابير إلا وأضرم النار فيه فكان خلال تاريخه الأدبي العريق عرضة لهجمات شرسة  ابتدأت مع أهل حيه واستمرت مع العديد من الأدباء والحكام والشيوخ وحتى مجلس النواب السوري. ‏

وكان يخرج من كل معركة أطول قامة وأكثر صلابة وشعبية لأنه كان مؤمناً أن أجمل أنواع الورود ما كان محاطاً بالأشواك، وان هذه المعارك التي كان يخوضها تعود إلى المثل الصيني القائل: الناس ترمي بحجارتها الأشجار المثمرة فقط، ونزار قباني هو تلك الشجرة المثمرة، شجرة الياسمين الدمشقي الدائمة الحب والعطاء. ‏

دفع نزار ثمنا غاليا لمعاركه الادبيه فخرج من دمشق للعمل في السلك الدبلوماسي ولم يعد لدمشق إلا بعد أن توقف القلب عن النبض 00 تنقل بين عواصم العالم وخص بيروت ولندن بالقسط الاوفر من حياته  0

ومنير العجلاني قدم نزار قباني للعالم وقال له : (  أنت شيء جديد في عالما ) و ( مخلوق غريب ) و ( كأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بولدلير و فيرلين و ألبير سامان ) وتحققت نبوءة العجلاني و سبحت أشعار نزار من بلد إلى بلد ومن أمة إلى أمة 00 ونزار حفظ للعجلاني موقفه هذا فكتب له : ( الآن وقد قدر لهذه الدفقة من الشعر التي جعلتها بتقديمك لها , تورق وتزهر 00 أن تمر على أنامل الناس 0 الآن وقد صار شعري ملكا لغيري 00 أعود إليك لاقول لك بأنك أنبل من ولدته أم , وبان هذا الجميل الذي قدمته يداك لي لا املك ردة , لانك  على كل حال اشعر مني و لان كل هذا الشعر الذي تقرؤه الدنيا عني أن هو إلا تقدمة نثريه لتقدمتك الشعرية ).  

 منير العجلاني وبرغم ما كان يكابده من ألم الفراق على محبوبتة دمشق , فقد احتضنته الرياض بين ثناياها طفلا كبيرا عانى من ألم الفراق وقسوة الأهل والأحباء 00 ؟ فارق دمشق مكرها عام 1957 , وحرم من حنانها وجمالها وعراقتها لنحو الخمسين عاما  , وكيف لهذا العملاق ان يعود لدمشق الذي قست علية وكسرته وهو الذي وهبها علمه وعقله 00 ( الامة تفعل بعظمائها كما يفعل الأطفال بالدمى يكسرونها ثم يطلبون غيرها, انطون سعادة) وهكذا كسر المراهقون السياسيون آنذاك منير العجلاني , فلملم آماله وأحزانه , وحزم كل أمتعته وطاف في دنيا الادب والعلم  يكتب إلياذته الخالد 00 فبقي هو ورحلو ا هم 00 ؟

 منير العجلاني نبت من أصيص الياسمين في حارات وزواريب دمشق , وتتلمذ على ايدي شيوخها وحكمتها وغاب عنها وضمته الرياض سياسيا دمشقيا شرد في أصقاع العالم على ايدي خفنه من السياسيين المراهقين فهل نعيد لرجال سورية اعتبارهم 00 ؟

             

* صحفي وكاتب