حصاد العمر..؟!!..
حصاد العمر..؟!!..
د.مصطفى عبد الرحمن
باريس
قبل قراءة هذا المقال .. أستأذن القارئ الكريم المرور على الملاحظات التالية :
-
هذه الصفحات تمثل شيئاً من حديث النفس في لحظات معينة .. وبعضاً مما يعتلج بداخل هذه النفس البشرية قي لحظات ضعف .. و لا تمثل أبداً حالة من السخط لا سمح الله.
-
من بعض جوانب الأدب المتعارف عليها الحديث عن الذات .. وأنا آسف سلفاً إن أزعجت القارئ العزيز في الإسهاب في الحديث عن نفسي في جوانب كثيرة داخل حنايا هذا الحصاد .. فهذا الحصاد هو نوع من السيرة الذاتية المصغرة قبل كل شيء فكان لا بد من الاستزادة والتوسعة والتوضيح.
-
المقال كتب منذ حوالي خمسة أعوام ونشر حينها في صفحة { من أدب الأطباء} وذلك في [ مجلة الطبيب العربي في أوروبا].
-1-
كان عمري قد تجاوز قليلا سن الخامسة يوم ان اكتشفت لاول مرة هذا الذي يسمونه الطبيب !... يوم ان حملني والدي رحمه الله الى طبيب قريب من حينا بعد ان استولت الحمى على كل جسمي وارقت علي نومي واذاقتني مر الالم ومنعت عن ابوي طيب الرقاد وطعم الراحة لايام وايام ... فالحال- كما تعلمون - كان هكذا في تلك الحقبة من التاريخ من اواسط الستينيات من القرن المنصرم ... فلايحمل المريض الى الطبيب الا اذا شعر الاهل- او تهيا لهم- ان ملك الموت عليه السلام يحوم حول البيت ... !... في ذلك اليوم تعرفت على الطبيب ... لكنني اصدقكم القول انني مااحببته... ومن اين لي ان احبه؟… فقد كان ضخم الجثة مبروم كالبرميل ... ذو راس اصلع مدور اكبر من كرة قدم واصغرمن كرة سلة ... ذو نظارتين صغيرتين دقيقتين تحطان رحالهما على انف عرطل ذو منخرين واسعين طالما خيل الي وانا في هذه السن ان تلك النظارتين لسد ذلك المنخرين خاصة وانه كان كلما نظر الي حنى رأسه للامام وحملق الي من فوقهما فتزحلان قليلا مما كان يضطره لرفعهما باستمرار... اما كرشه !... فشيء آخر عجيب ... كان كلما تحرك اهتز هذا الكرش متمايلا ذات اليمين وذات الشمال داخل بنطال واسع كان يحيط بوسطه مشدود الى عنقه بواسطة رباطين مطاطيين يترنحان في الذهاب والاياب من الارهاق مطلقين زفرات من الانين تصلان الى اذنيك على شكل زقزقات خفيفة ترهق اعصابك حتى تتعرف الى مصدرها... !... فانطبع في ذهني هذه الصورة (الكاريكاتورية) للطبيب كان صعب علي استبدالها بسهولة ...
ومضت الايام وتوالت السنون وتشاء المقادير ان يسكن في حينا طبيب شاب مع امه ... كان حديث التخرج من كلية الطب لكنه كان حديث الناس في الخلق والادب و...الشطارة ... واذكر ان من شطارته انه حقنني ذات مرة بإبرة بعد التهاب لوزاتي وذاك يوم وهذا يوم... فلم ارى اللوزات بعد قط ! .
وكان الطبيب في ذلك الحين عملة نادرة لاتحصل عليه الا بصعوبة ... فقد تقطع المدينة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها حتى تصادفك لوحة طبيب !…
وكنت اصغي بشغف كلما تحدث ابي مع اصدقائه عنه بحضوري ... فاحببته... ومن علامات الحب )الخجل) اذا صدقنا أدباء العربية... فكنت كلما لمحته من بعيد سارعت لانفض الغبار عن ثيابي واقف باستعداد كالجندي لاحييه... محمر الوجه خافت النفس مطرق العينين مسدل اليدين ... وكان لطيفا يلاحظ خجلي… فكثيرا ما يداعبني ويمسح على راسي ويسلم علي يداً بيد ... وكان ذلك محل فخر عندي كنت كثيراً مااطير الى امي اخبرها ان الدكتور) ج. ن ( القى الي التحية وكلمني بروية وسلم والله بيده... علي ؟ ! ... كان ذلك في اواخر العقد السادس من القرن هذا الذي مضى... وكنت احوم حول العاشرة من عمري وانا لازلت في المرحلة الابتدائية ... في ذلك السن زرع في نفسي الحب ان اصبح طبيبا ... فسالت ابي يوما : وكيف اصبح طبيبا ؟... فاجابني : ان يجب علي ان اكون دائما الاول في صفي واشطر من كل اقراني ... احفظ كل مايلقى علي واياي اياي ان انسى شيئا مما طلب الي... فقط ! ... ورغم ان جل هذه الصفات -اوقل كلها- كان ينطبق علي...اخذت اغز السير نحو هذا الهدف وانا مازلت... صبي !...
-2-
وبدات رحلتي نحو هدفي ... وتعاظم هذا الهدف في نفسي ... وكثيرا ماكنت احلم اني اصبحت طبيبا فعلا...عشقت هذه الكلمة ايما عشق ... وكثيرا ماكنت ارددها في خلدي اذا خلوت مع نفسي وبعدت عن مسامع الاخرين... وكم كنت اشعر بسعادة غامرة اذا ناداني بها ابي مداعبا ... حلاوة لم اذق لها مثيلا بعد ذلك ابدا حتى بعد ان تخرجت طبيبا... وحتى بعد ان اصبحت اختصاصيا… ولاحتى بعد ان نلت درجة هي اعلى من الاختصاص في الاختصاص ... اليس هذا عجيبا ؟ ! ... لكنه والله صحيح مائة في المائة .
كنت ايام الامتحان لااقبل ادنى من العلامة التامة في كل المواد... ولااقبل كذلك ان يسلم احد الورقة قبلي... فقد كنت اعتبر ذلك برهان سرعة بديهتي وتأكيد امر تفوقي على كل اقراني... وتتابعت السنون... وانا اسير من تفوق لاخر ومن نجاح باهربامتياز الى اخر بشرف ... واذكر كيف اني كنت اقطع الايام ادرس واحصل واسهر الليالي ابصم واحلل...
كنت محل اعجاب اساتذتي ... كل اساتذتي ... ولااذكر ان استاذاً جديداً مضى على وجوده بيننا في الصف اكثر من سويعات حتى تعرف الى قدراتي الذكائية ومقدراتي التحصيلية وسرعاتي الاستيعابية ...
وكنت دائما محلاً لحديث اساتذتي... في اجتماعاتهم الادارية وفي لقاءاتهم التقويمية وحتى... حتى في جلساتهم الترويحية...لااستثني منهم احداً... من اساتذة الفيزياء والكيمياء واللغات... الى اساتذة العلوم والتاريخ والاجتماعيات... مرورا باساتذة الجغرافيا والجيولوجيا والرياضيات ... كان استاذ اللغة العربية (ف.م) وكان أديبا بحق يتوقع لي- اذا لم تستاثر بي كلية الطب- )على حد قوله( مسقبلاً ادبياً فريداً... يفوق شهرة الرافعي ويعلو على سمعة المنفلوطي وتغيب حياله عظمة شوقي ... واذكر مرة انه طلب الينا موضوعا انشائيا ذو شقين ولسهو حصل عندي عالجت الشق الاول وسهوت عن الشق الاخر لكنني كتبت واسهبت... فصلت وصورت... صغرت وكبرت... رسمت وتخيلت... حتى جاء الموضوع على حد تعبير استاذنا) تحفة ادبية( قال حينها انه لايستطيع ان يضع اقل من عشرين على عشرين.. واقسم انه سيظل يحتفظ بهذه القطعة الادبية الفخمة ما احياه الله) لقد سمعت ان الله توفاه منذ عدة سنوات رحمه الله(.
اما استاذ الفيزياء )م.ش( فكان كثيرا مايردد... ان فيثاغورث هو انا وانا هو فيثاغورث حتى صدقت ... اما ارخميدس !...فهو شيء ضحل امامي... ولولا انه كان سباحا ماهرا لما الهم اكتشاف نظريتي قبل الاوان...
وماذا أحدثكم عن أستاذ الرياضيات) ف.خ( فبعد أن سلمت له ورقة الإجابة في أول اختبار له في صفنا بعد عشرين دقيقة في اختبار يمتد زمن الإجابة عليه لساعة ونصف الساعة !... ما صدق الرجل... واقسم أن لابد أن في دماغي كومبيوتر... أيام كنا نسمع أن هناك في البعيد البعيد ... في بلد يدعى أمريكا... جهاز لا نعرف شكله ولا حجمه ولا حتى لونه يدعى... كومبيوتر .
-3-
وكان ان شاء الله واكرمني ودخلت كلية الطب كما احببت وتمنيت... وحلمت واستهويت ... وبدات رحلة اخرى من الدراسة والجد.. والتحصيل والجهد ... فوالله كانت كتب الطب قبيل الامتحانات تاكل معي اذا اكلت ولها نصيب اذا شربت وتجلس تحصي انفاسي وتعد حركاتي وتعشعش في اعصابي اذا استسلمت للنوم فتحرمني طيب الرقاد بعد ان حرمتني لذة الطعام وحلاوة الشراب... وكانت تقطعني كلية عن العالم الخارجي... موسمين من الامتحانات كل عام ... فيهما رحلتين من المشاق... واحدة في الصيف واخرى في الشتاء...عشرات المواد كل سنة... وكل مادة قد تجاوز صفحاتها الالف... كان علي ان احفظ بعضهاعن ظهر قلب كاسمي... وان اطبع حروف جلها على باطن الشبكية في عيني...وان اضمها جميعا الى مخزن في ذاكرتي... وارتبها في ارشيف عجيب... لاتختلط فيه الادوية مع الامراض.. ولاتؤثر فيه الحميات على الاعصاب.. وتبتعد فيه الجراثيم عن الاوعية والاوراب...
وهكذا شاء الله و تخرجت من كلية الطب بعد سباق للجري من نوع غريب... لاتجد له مثيلا في الاولمبياد ولا في تصفيات كؤوس العالم فهو شيء خاص بكليات الطب... سباق دام ست سنوات عجاف...وكان فيه ستون حاجزا... فعند كل حاجز إياك أن تحاول القفز...فلو حاولت لاتهموك بالغش وضبطوك بالجرم المشهود...انما يطلب اليك عنده ان تفرغ كل مااختزنته ذاكرتك من علوم ومعارف...وكل ماحفظته من اسباب الامراض واسماء الجراثيم وتصنيفات الادوية... فلا يسمح لك بالمرور الا اذا افرغت ذلك كله... واياك ان تنسى شيئا فلو نسيت لما دعوك تمر وقالوا لك وبكل بساطة... عد بعد ستة اشهر...هذه هي الامتحانات في كلية الطب ...
أما فحوصات التخرج فذلك شيء آخر أعجب واغرب ... تموت فيه ثمان موتات ... موتة عند كل لجنة من اللجان الفاحصة ... تدخل على كل لجنة وإذ بخمسة نفر من هؤلاء الذين يدعون بالأساتذة...ويبدأ)الماتش (ليلعب بك كالكرة… وتهطل عليك الأسئلة كالصواعق فإذا ماانهى الأستاذ الأول تصفية حساباته معك… قذف بك إلى الثاني والثاني إلى الثالث... وهكذا إذا انتهيت إلى الخامس تكون أنفاسك قد تقطعت جميعها ووصلت إلى آخر نفس ليجهز عليه الأستاذ الأخير فان سقطت ... تكون قد سقطت بالضربة القاضية وعليك ولاشك أن تعود بعد ستة اشهر بالتمام والكمال ... وان نجحت ... وان نجحت فلاشك ان ليلة القدر المباركة تجلت لوالدتك ففتحت لها أبواب الإجابة فأصاب الدعاء القضاء فحل القدر...
وهكذا تخرجت من كلية الطب في رمضان المبارك من تلك السنة وكان وقتها في عز الصيف… نصفه في حزيران وبقيته في تموز لعام 1983 ... فقالوا الآن لابد من التخصص… وما نفع الطبيب بلا تخصص ؟… فازعنت ووافقت... ثم عزمت وتوكلت... فجمعت اوراقي ورتبت حوائجي وبكيت بدمعي ودمي... وانا أخلف ورائي قطعاً من قلبي ومزقاً من روحي... هم كل ما كنت املك في دنياي ... ابي وامي واخواتي واخي الصغير وكان لم يتجاوز السادسة بعد) وهو اليوم على بعد خطوتين للتخرج من كلية الطب ... (... ووليت وجهي شطر بلدة في أقصى الغرب من أوربا... هذه التي يسمونها فرنسا... وما بين عيني هدف واحد... وهو ان احقق حلم ابي رحمه الله وانال شهادة التخصص هذه التي كنا نحلم بها ونحن على مدرجات كلية الطب... هذه الشهادة التي تعرفونها بالضرورة شهادة الـ C.E.S .
-4-
وفي فرنسا .. كانت الصعوبات اشد واقسى حتى ان كل ما كان قد مر بي من قبل يعد حيالها شيء لايكاد يذكر... ولكن برضاء الوالدين وتوفيق من الله تحطمت هذه العوائق الواحدة تلو الاخرى وشاء الله ان تبدا الرحلة وتتابع النجاحات .. فتقلبت في فرنسا في مراكز فريدة.. ومشافي عديدة... حتى انني حين فكرت يوماً في احصائها وجدتها قد بلغت سبعة عشر مستشفاً جلها في باريس او محيط باريس واثنتي عشرة عيادة خاصة كلها في باريس او جوار باريس... وأمضيت من حياتي وزهرة شبابي خمس سنوات حتى حصلت على شهادة الاختصاص الفرنسية العريقة (C.E.S) في طب الاطفال... وسنتين حتى حصلت على شهادة اختصاص في الاختصاص وهي شهادة (C.U) في طب الخدج وحديثي الولادة... لكنني لم اترك- شهد الله - هاتين الشهادتين وحيدتين يتيمتين تشكوان الوحدة واليتم انما.. كنت انجب لهما تقريباً كل سنة شهادة اخرى تنضم لهما... تملأ عليهما فراغهما وتزين معهما جدران البيت وجوانبه... حتى بلغ مجموع الشهادات الفرنسية التي حصلت عليها ثمانية.. ! نعم ثمانية شهادات في مختلف فروع طب الأطفال ... كل شهادة كانت تستغرق سنة او سنتين وتقصر من عمري عاماً او عامين فهي تحتاج الى حضور وتدريب ورسالة وفحوص تشيب من هولها الاجنة في الارحام وذلك بسبب صعوبة الفحوصات الفرنسية... فالفرنسيون يقولون انك تنجح في الامتحان ليس لانك اجبت بشكل صحيح.. ! لا.. بل لان الاخرين اجابوا بشكل اقل جودة... ! واذكر... انني حفظت عن ظهر قلب اكثر من 3000 صفحة حتى نجحت في شهادة C.E.S ... والف صفحة على الأقل لكل شهادة من الشهادات السبعة الاخرى . وعبر هذه السنين العجاف... فحصت اكثر من 150000 طفل واشرفت على علاج اضعاف هذا الرقم ... وناوبت لاكثر 1800 مناوبة في مختلف اقسام انعاش الاطفال من الخدج وحديثي الولادة الى العناية المشددة لللاطفال الكبار مرورا بالرضع والاطفال الصغار ... وعملت مع ثلاثة اساتذة عظام لو سالت عنهم سوزوكي ممن عاصر ناغازاكي في اقصى اقصى الشرق لعرفهم... او صادفت ماك دو نالد من احفاد العم سام في اقصى اقصى الغرب لاخبرك انه سمع بهم .
-5-
وبعد هذا المشوار الطويل ... اشهدكم يا اصحابي اني لااملك من الدنيا سوى راتبي .. هذا الذي احث السير اليه مسرعاً... ويفصلني عنه كل شهر ايام ثقال تمر بطيئة ثقيلة حتى يصل الى يدي... فانفقه كله بتمامه وكماله على اولادي .. نعم واملك سيارة... نعم نعم سيارة... لكن مهلا... فهي والله موديل ) ؟...( والله اخجل ان اقول لكم... لا تعجبوا... ونعم نسيت أن أقول فأبوح لكم أني سأملك بيتاً بعد خمسة أعوام... نعم بعد خمس سنين بالتمام والكمال أي بعد ان أوفي ثمنه قسطاً قسطاً ... فهذه والله هي حصيلة السنوات العجاف من عمري... وثمن الامتحانات التي لاتعد... وجائزة مئات الآلاف من الصفحات التي حشوت بها رأسي ليرتاح يوماً ... فما أتى له كل ذلك الا بصداع دائم... وهم مزمن... وعلل تترى الواحدة بعد أختها...
واليوم إن مت... والله ما يعرفني احد... فسأموت شراً من البعير... فلا أنا استطعت ان اقدم شيئا للبشرية تذكرني به من بعدي... ولا البشرية أفادت من كثرة شهاداتي وتراكم أوراقي وخبراتي هذه التي صرفت جل عمري لأحصل عليها وانتزع الاعتراف بي بواسطتها ... حالة من اليأس عجيبة تلك التي انا بها... لايغبطني عليها احد ولو عرفها الناس... لهربوا من العلم سراعاً وفروا والله... من الطب فراراً...
-6-
بالأمس وانأ عائد من عيادتي، فتحت المذياع على إذاعة عربية في باريس ... واذ بالفنان المشهور... المالئ الارض طربا والاسماع اهتزازا ونغما والابصار فرحا واعجابا !... والله هكذا قالت المذيعة... فارهفت سمعي... ثم تمايلت وغممغمت... وتلوت وتدللت فزادت... انه سيحيي حفلة مشهورة وليلة معمورة في ذلك المسرح المعروف في باريس... ثم بادرت وسالته : اصحيح ان مردودك من الحفلة سيكون مائة الف دولار فقط؟ !...
وصلت البيت وفتحت التلفاز واذ بخبر عاجل في محطة فضائية (خ)..... يقول الخبر : }ان لاعب كرة القدم المشهور )مصروعادونا( وقد كان - كما تعلمون - من عدة شهور بالسجن محكوم بعد التأكد انه بالمخدرات كان محقون... سيصل الى امارة (د)..... ليوقع عقداً حصيلته 250000 دولاراً تقديراً لحضوره الموقر لحفل اعتزال لاعب من امارتنا الحبيبة… وفلول الصحافيين يعسكرون له في المطار ليفوزوا بتصريحاته الميمونة وكلماته المعسولة… لتملأ بها جميع صحفنا بالغد{ ... انتهى الخبر ؟ ! ...
-7-
يحكى... ان تيساً )والتيس هو ذكر الغنم ويضرب اهل سوريا المثل به لشدة غبائه( كان يحكم بلداً غنياً لكن اهله من الاغبياء… وحصل ان خرج من بين هؤلاء الاغبياء نابغة... فخرج من بلده وتعلم ثم عاد بعد سنين طوال الى بلده... ولما اعياه البحث عن وظيفة ياكل من ورائها خبزه ... نصحوه ان يذهب للتيس فليس احد سواه يستطيع توظيفه... وسال عن مملكة التيس فادلوه...
وبعد ان تجاوز الحرس ثم الخدم ثم الحواشي والاعوان والوجهاء والاعيان قالوا له : ان تيسنا المبجل في حديقته هناك مع فرسه واحصنته... واخيرا قدر الله ووصل نابغتنا الى قرب هذا الذي يحكم هذه المملكة والذي يسمونه التيس… فنظر صاحبنا وتعجب اذ راى التيس ينزل من على حصان ويقف ليعد الاحصنة...ثم يصعد على حصان اخر ويعد من جديد... ثم يتمتم مستغربا ومنرفزا بكلمات مااستطاع ان يفهمها عن بعد...
فاقترب قليلا حتى إذا أصبح على مرأى من التيس تنحنح صاحبنا وسلم بصوت خافت خائف...ثم شرح قصته بتمامها وكمالها...وانتظر الجواب...
فهمهم التيس وقال:انظر والله إذا...إذا استطعت أن تحل لي معضلتي هذه التي تحيرني منذ أيام طوال...لوظفتك عندي وأغدقت عليك من رزقي وضممتك إلى أعواني بل وحاشيتي... فمنذ أيام وانأ اعد أحصنتي... فساعة أراها عشروناً... وساعة واحد وعشرون... فعندما اركب حصاناً أعدها فأجدها عشروناً... وعندما انزل من عليها أعدها من جديد فأجدها واحد وعشرون !!!!! ... فقال صاحبنا مندهشاً وقد أصابه الدوار لشدة تعقيد هذا اللغز؟؟؟ !!!!…وقد أدار ظهره منصرفاً عن هذا التيس ... قال قولة مشهورة هل سمعتم بها؟:
اللهم إن كان حرماني من اجل فصاحتي فاجعلني من اكبر التيوس أكون.