أنا قمركم المشرد يا أهل الشام
أنا قمركم المشرد يا أهل الشام
شمس الدين العجلاني
لان اسمها مشتق من الناقة الدمشق.
لان اسمها مشتق من اسم بانيها دماشق بن قاني .
لان اسمها مشتق من المسك المضاعف 0
لان اسمها مشتق من البطل الأسطوري (دمسكوس)ابن الالة (هرمس )
لان الآراميون أسموها درمسق .
لأنها مدينة العازر
لأنها مدينة النعمان السرياني .
لأنها بيت الالة رامون .
لأنها جلق وجيرون .
لأنها دمشق الشام , دمشق التاريخ ,دمشق العرب, وارام ذات العماد وحضارة الروم وحصن الشام وباب الكعبة وفسطاط المسلمين والعذراء وقاعدة وادي سورية والفيحاء والغناء .
لأنها ملتقى المسيحية والإسلام .
لأنها جنة الله في الأرض .
لان الله كتب لدمشق أن يبدأ وينتهي بها التكوين 00
أطلق نزار توفيق قباني صرخة المدوية من عاصمة الضباب لندن وهو على فراش الموت :
(أعيدوني لمن علمتني أبجدية الياسمين)
وتنادى أهل الشام الصغير ينبئ الكبير , والرجل يخبر المرأة , والصبي ينادي الصبية 00انه الدمشقي الذي ولد من رحم الياسمين وترعرع في حارات وزواريب دمشق ,وتسلق مئذنة العروس , وكان طالبا مجدا في كتاتيب محي الدين العربي , انه نزار قباني يريد أن يعود لحبيبته وتحقيق حلمه الأبدي : (وددت لو زرعوني فيك مئذنة , أو علقوني على الأبواب قنديلا000 )
ويعود نزار قباني الى دمشق ( وهكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه00 لان دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع و أهداني أبجديه الياسمين )
ويعود طائر النورس إلى صدر امة بعد رحله العذاب في أصقاع العالم 00 ؟
أعود إلى دمشق
ممتطياً صهوة سحابة
ممتطياً أجمل حصانين في الدنيا
حصان العشق
وحصان الشعر
أعود بعد ستين عاماً
لأبحث عن حبل مشيمتي
وعن الحلاق الدمشقي الذي ختنني
يعود الشاعر إلى دمشق ملفوفا بالعلم السوري بعد أن وافته المنية في منزلة بلندن يوم الخميس 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما ورحل الشاعر عن عالمنا بدون عودة ، وترجل عن صهوة جواده تاركا لنا أسطورة وإلياذة خالدة في حب المرأة والوطن وحكايات طويلة عن دمشق وياسمينها وصليب العذاب الذي صلب عليه منذ نطق بأول بيت شعر لأنة حمل قضيه المرأة منذ نعومه أظفاره, لأنة غنى للعروبة وكان شعره السياسي خارجا عن كل قانون, جارحا تجاوز فيه كل الخطوط الحمراء , لأنه كان شاعر الحرية والديمقراطية لم يمالق ولم يهادن 00
وعلمت دمشق برحيل شاعرها وابنها البار نزار توفيق قباني فنعت وزاره الخارجية ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحفيين وأسره الفقيد الشاعر الكبير نزار قباني 0
أنا وردتكم الشامية يا أهل الشام
فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية
أنا شاعر كم المجنون يا أهل الشام
فمن راني منكم فليلتقط لي صورة تذكاريه
أنا قمركم المشرد يا أهل الشام
فمن راني منكم فليتبرع لي بفراش وبطانية صوف
لأنني لم انم منذ قرون
بهذه الكلمات اختضر الشاعر علاقته بدمشق لأن(دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجديه الياسمين 0)
وسكت قلب الشاعر العربي الأكثر جماهيرية في القرن العشرين , ونعاه أهل الشعر والعروبة وعلت الدعاءات ورنت النواقيس في بلاد العرب مودعه شاعرها وابنها البار فلم تهتز عاصمه عربيه لوفاه شاعر أو أديب كما تزلزلت لوفاه نزار ,خسرت عواصم العرب كلها نزار لأنة كان شاعر العرب بمختلف جنسياتهم وانتماءاتهم وأعمارهم وتصنيفاتهم الاجتماعية والثقافية , واستطاع ولأول مره في تاريخ العرب المعاصر أن يحطم حواجز الحدود والسدود وتجول كلماته بسرعة البرق من أقصى عالم العرب إلى أقصاه دون أن يتمكن أي دركي أو خفير من ضبطه والقبض عليه ومصادرته 0
ووصل جثمان الشاعر إلى دمشق مساء يوم الأحد الثالث من أيار من عام 1998 وكانت دمشق بكل ناسها في استقبال ابنها البار وجمع أهل دمشق كل أنواع الورود والياسمين ونثروها لاستقبال الراحل الكبير وقامت دمشق عن بكرة أبيها تبكي شاعرها, الرجال , والشيوخ , والنساء , والصبايا ,و الأطفال 00 كلهم أتوا من كل حدب وصوب لوداع شاعر العرب , وكسرت النساء التقليد الذي يحظر عليهن المشاركة في التشييع ورافقن جثمانه إلى المسجد ومن ثم إلى المقبرة 0
لم تكن جنازة تلك التي عبرت شوارع دمشق, بل قافلة اكف وأفئدة وعيون تحتضن جثمان الشاعر الكبير وتهتف ( زينو المرجه 00 والمرجه لنا ) 0
لم تكن جنازة تلك التي عبرت الشوارع , بل قافلة عشق وإخلاص وتقدير من دمشق لشاعرها الذي نثر ياسمينها على مساحة الوجود وادخل مفرداتها في قاموس العرب وجعل حمائم الأموي ترفرف فوق مآذن العالم 0
وبكى الوطن العربي نزار توفيق قباني , وعقدت مجالس العزاء في بيوت العرب 000
وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه ,ممتطيا صهوة سحابه , ممتطيا اجمل حصانين في الدنيا , حصان العشق 00 وحصان الشعر 00( لان دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع و أهداني أبجديه الياسمين )
حكاية رجل شاعر :
حكاية نزار قباني حكاية طويلة قد نبدأ بها ولا ننتهي , حكاية نزار قباني هي حكاية شهرزاد لشهريار.. إنها حكايته مع المرأة بمختلف نكهاتها ونسمات روحها التي تغنى بها ولها، بل أقام لها مملكة بلا حدود وبلا شعب سوى شوارع من الحب مملوءة بالثورة والميلاد والحرية, حكايته مع حب الوطن الذي ابتدأ ولم ينته 000 ولنبدأ الحكاية 000
بدأ نزار بكتابة الشعر وعمره 16 سنة ،( حين كانت طيور النورس تلمس الزبد الأبيض عن أغصان السفينة المبحرة من بيروت إلى ايطاليا في صيف 1939 وفيما كان رفاق الرحلة من الطلاب والطالبات يضحكون,ويتشمسون , ويأخذون الصور التذكارية على ظهر السفينة كنت أقف وحدي في مقدمتها أدمدم الكلمة الأولى من أول بيت شعر نظمته في حياتي ... وللمرة الأولى وفي سن السادسة عشرة وبعد رحلة طويلة في البحث عن نفسي نمت شاعراً.)
وأصدر أول دواوينه ( قالت لي السمراء) عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة بمساعده والدته0
له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى اكثر من 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن , وله عدد كبير من الكتب النثرية أهمها قصتي مع الشعر , أسس دارا للنشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني " .
في صيف 1939 نطق بأول بيت شعر ، وبعد ذلك بحوالي خمس سنوات أصدر ديوانه الأول (قالت لي السمراء) وكان طالبا في كلية الحقوق بجامعة دمشق , وتقدم بحياء من الأستاذ في كلية الحقوق والنائب والوزير الدمشقي بطلب يرجوه فيه أن يقدم له ديوانه الأول وبرغم ما ضمّه هذا الديوان من تمرد وتغيير في شكل ومضمون القصيدة العربية المتوارثة، حيث ادخل الشاعر ألفاظاً وصوراً تناول من خلالها المرأة بأسلوب جديد وغير مألوف, فقد قدم الأستاذ والنائب والوزير منير العجلاني الطالب نزار قباني للعالم وكتب مقدمة ( قالت لي السمراء ) وصدرت الطبعة الأولى منه وبكمية 300نسخة في أيلول 1944 ومما جاء في مقدمة العجلاني لقباني :
(وكأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بودلير وفيرلين والبير سامان وغيرهم من أصحاب الشعر الرمزي والشعر النقي... لا أسألك... لا أسأل الله إلا شيئاً واحداً، أن تبقى كما أنت، طفلاً يصور.. ويعشق.. كأنه ملاك يمشي على الأرض ويعيش في السماء... إنك تمر مرور الموكب الملكي أو الملائكي..) ويتنبأ الدكتور العجلاني في تقديمه لهذا الديوان أن يتبوأ نزار قباني أعلى مراتب الشعر فيقول: (ومن يدري لعل القدر يخبئ لنا فيك شاعراً عالمياً تسبح أشعاره من بلد إلى بلد وتمر من أمة إلى أمة).
وكان هذا الديوان الشرارة الأولى في الحرب التي أوقد أوارها نزار ولم ينته لهيبها حتى الآن.. الحقيقة التي لا تخفى على أحد أن نزاراً كان دائماً يلعب بالنار وطفلاً مشاكساً لم يترك عشاً للدبابير إلا وأضرم النار فيه فكان خلال تاريخه الأدبي العريق عرضة لهجمات شرسة ابتدأت مع أهل حيه واستمرت مع العديد من الأدباء والحكام والشيوخ وحتى مجلس النواب السوري.
وفي الحقيقة فان نزار منذ دخل مملكة الشعر بديوانه الأول " قالت لي السمراء " عام 1944 دخلها فاتحا وغازيا ، وحياته أصبحت منذ عام 1944 بركانا متأججا , أعلن العصيان على كل التقاليد والأعراف البالية ووقف بوجه كل الرياح العاتية 0
وكان شاعرنا يخرج من كل معركة أطول قامة وأكثر صلابة وشعبية لأنه كان مؤمناً أن أجمل أنواع الورود ما كان محاطاً بالأشواك، وان هذه المعارك التي كان يخوضها تعود إلى المثل الصيني القائل: الناس ترمي بحجارتها الأشجار المثمرة فقط، ونزار قباني هو تلك الشجرة المثمرة، شجرة الياسمين الدمشقي الدائمة الحب والعطاء.
دفع نزار ثمنا غاليا لمعاركه الأدبية فخرج من دمشق للعمل في السلك الدبلوماسي وطاف اصقاع العالم ينقش على الحجر مفردات دمشق وينثر مع الريح عطر الياسمين الدمشقي ويلقي الاشعار على مسامع البشر والحجر ليعلمهم ابجديه الياسمين واصول العشق الدمشقي 00 فتشرد شاعرنا ولم يعد لدمشق إلا بعد أن توقف القلب عن النبض 00
أنا وردتكم الشامية يا أهل الشام
فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية
أنا شاعر كم المجنون يا أهل الشام
فمن راني منكم فليلتقط لي صورة تذكاريه
أنا قمركم المشرد يا أهل الشام
فمن راني منكم فليتبرع لي بفراش وبطانية صوف
لأنني لم انم منذ قرون