شوقي ضيف.. رحيل الذاكرة
شوقي ضيف.. رحيل الذاكرة
سيدي محمد
برحيل شوقي ضيف عن عمر ناهز 95 عاما وتشييعه اليوم بعد صلاة الجمعة في مسجد جامعة القاهرة، تنطفئ شمعة أخرى من موسوعات الأمة الثقافية والأدبية التي شكلت على مر تاريخ التراث العربي والإسلامي امتدادا لعبقرية الحضارة التي أنتجت ولا تزال تنتج الكثير من أجل الإنسانية.
لقد تنوعت مؤلفات شوقي ضيف وتعددت على نحو يدعو إلى الإكبار والإجلال والإعجاب والاندهاش في الوقت نفسه، فما أنجزه ذلك العالم والأديب كما وكيفا يمثل حالة نادرة من حالات الرهبنة العلمية والتصوف الفكري والإخلاص الأكاديمي كما سماها تلميذه الناقد الكبير جابر عصفور.
يعد ضيف من الأساتذة الذين أثروا الحياة الأدبية بكتبه التي تجاوزت السبعين مؤلفا وتنوعت بتنوع العصور المختلفة التي تناولتها ابتداء من العصر الجاهلي وانتهاء بالعصر الحديث، كما تناول عددا من الظواهر الأدبية المتنوعة في مجال الدرس الأدبي حيث أفاد كثير من الطلاب والدارسين ودرست مؤلفاته في الجامعات المختلفة في العالم العربي.
لم يكن الدكتور الراحل صاحب منازلة أدبية أو معارك نقدية مع أحد، بل فضل أن يكرس حياته للعلم والتأليف. وقد كان أهم موضوع أثاره هو قضية تجديد النحو التي شاركه فيها الكثير من اللغويين والأدباء في مصر والعالم العربي مثلت ساعتها ثورة ظاهرية على تعليلات النحاة.
وكان هدف ضيف من ذلك كما يقول الدكتور محمد حماسة عضو مجمع اللغة العربية في حديث مع الجزيرة نت هو تيسير القواعد العربية على الناشئة حيث حقق الراحل كتاب ابن مضاء القرطبي الذي كانت له مآخذ على تعقيدات النحويين.
وقد أفاد شوقي ضيف -الذي رأس مجمع اللغة بالقاهرة منذ العام 1966 وحتى رحيله- من هذه الآراء وحاول أن يطبق أفكار ابن مضاء وألف ثلاثة كتب تتعلق بتجديد النحو، وكلها –حسب رأي حماسة– لا تقوم على الأساس الصحيح لأنه كان يستبدل تفسيرا بتفسير ورأيا برأي ظنا منه وحسن نية أنه يخدم الطلاب الصغار والنشء.
وقال الدكتور حماسة إن محاولة الدكتور ضيف كان ينبغي أن تقوم على إعادة وصف اللغة العربية وصفا حاضرا لا أن يتم التبديل في الآراء أو في التفاسير بأن نلغي بابا أو أن نحبس عاملا، موضحا أن ضيف كان يريد التسهيل في مذهبه رغم أنه لم يكن متخصصا في اللغة بل كان بحرا في الأدب العربي دون منازع.
ويعد كتابا شوقي اللذان أشرف عليها أستاذه عميد الأدب العربي طه حسين وهما "الفن ومذاهبه في الشعر العربي" و"الفن ومذاهبه في النثر العربي" خلاصة إبداعية فريدة لدراسة منهجية لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إنها –رغم أن بوادر النظرية هي لطه حسين- بداية للملامسة والتعمق في فن أدبي ونقدي تاريخي جديد يتتبع مراحل الشعر والنثر ومكامن ضعفه وقوته، مسقطا ذلك كله وموازيا له مع ثنائية التاريخ والعصر.
وقد اعتمد ضيف في تقسيمه لمراحل الحياة الفنية من "طبع" شمل واحتوى بدايات الشعر والنثر و"صنعة" و"تصنيع" و"تصنع" أدى في رأيه إلى الانحدار والعقم الأدبيين، واعتمد في ذلك كله على متغيرات الفن الأدبي وتحولاته التقنية وهو رأي الدكتور جابر عصفور الذي قال أيضا إن هذه المراحل هي بذرة لأفكار مأخوذة من طه حسين عن تاريخ الشعر العربي لكن شوقي ضيف رعى البذرة ونقلها وأثمرها.
غير أن هذا الرأي يؤكده بشيء من التحفظ الدكتور محمد حماسة الذي يرى أن ضيف هو دارس جمع ما تناثر من الأفكار وصاغها صياغة مقربة للدارسين ويسر عليهم الأمر، لكنه لم يكن من المجددين مثل أستاذه طه حسين الذي كان له إسهام واسع في فهم النصوص الشعرية وشرحها كما هو الحال في كتابه "حديث الأربعاء" وقراءاته للمتنبي.
ويضيف حماسة "كانت كتابات ضيف من النوع الجمعي الذي لا يستغني عنه القارئ، أما النظريات الجديدة والآراء الإبداعية فقد كانت كتاباته تساعد في إيجادها وخلقها دون أن يبدعها هو".
لكن تلاميذ الراحل لم ينسوه ولن ينسوه مؤكدين أنه رغم رحيله في صمت فإنه سيبقى صاخبا بين ثنايا كتبه مرتحلا ساكنا بين صفحات ما حققه من دراسات لن تموت.
وقد أكد الدكتور محمد عبد الدايم وهو خبير بمجمع اللغة في تصريح للجزيرة نت أن عزاء هؤلاء العلماء الذين يتجاهلهم الإعلام العربي ويرحلون دون أن يزعجوا الذاكرة أنهم قدموا شيئا لحضارتهم لا تمحوه السنون.
وأضاف أن شوقي ضيف يعد من أهم رموز الأمة وقد ظل واعيا ومدركا لدوره ومنهمكا في أداء رسالته حتى آخر حياته، لم يعقه عناء السن وكهولة الجسد، ليغطي مساحة واسعة من الدراسات الأدبية والبلاغية والنحوية.
يذكر أن الراحل كان قد انتخب ثلاث مرات رئيسا لمجمع اللغة العربية كان آخرها قبل سنة من رحيله، وذلك تشريفا له وعرفانا من أعضاء المجمع بالدور الذي أداه في إثراء الحركة الأدبية والنقدية.
وقد حقق الدكتور شوفي ضيف الكتب التالية:
1- "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي
2- القسم الخاص بالأندلس من كتاب "المغرب في حلي المغرب" لابن سعيد
3- "السبعة في القراءات" لابن مجاهد
4- "الدرر في اختصار المغازي والسير" لابن عبد البر
5- "نقط العروس في تواريخ الخلفاء" لابن حزم
6- "رسائل الصاحب" لابن عباد
كما عمل على مدار نحو 30 عاما كي ينجز موسوعته عن الأدب العربي في عشرة أجزاء، بالإضافة إلى عشرات الكتب في البلاغة والنحو واللغة والتفسير القرآني والحضارة الإسلامية والشعر والنقد التطبيقي وغيرها.