م. صالح عبد الله أحمد الجيتاوي
الشاعر المهندس صالح عبد الله أحمد الجيتاوي
سيرة ذاتية
المولد والنشأ والروافد
هو صالح بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله الجيتاوي ولد بتاريخ 23/ 12/ 1943ميلادية في قرية جيت، لأسرة تنحدر من أصول عربية، من القبائل التي استقدمها القائد الفاتح صلاح الدين الأيوبي من جزيرة العرب إلى بلاد الشام ومنها فلسطين، لملء الفراغ بعد أن حررها من الصليبيين. ولهم أبناء عمومة في منطقة عجلون – عشائر العزام – حسبما يروي المؤرخ مصطفى مراد الدباغ في موسوعته القيمة – بلادنا فلسطين – الجزء الثاني – القسم الثاني – الديار النابلسية صفحة 354 ط2 1985م.
تقع القرية على بعد 12 كيلو متراً جنوب غرب مدينة نابلس على الشارع الرئيسي المؤدي إلى مدينة قلقيلية، وهي قرية جبلية مرتفعة، أما أراضيها فتتراوح بين الجبلية والسهلية تتداخل مع أراضي كفر قدوم، وحجة، وإماتين وفرعتا، وصرة، وتل، وقوصين.
كانت القرية حتى منتصف القرن العشرين تعتمد في معيشتها على المزروعات البعلية من حبوب وأشجار وعلى إنتاج المواشي – البقر والغنم -، أما في الفلاحة والتنقلات فتعتمد على البقر والخيول والجمال والحمير.
نما الطفل في أحضان الطبيعة المفتوحة بين حقول القمح والشعير والذرة والسمسم والخضروات بأنواعها وبين كروم الصبر والتين والزيتون والمشمش والخوخ واللوز والعنب والرمان والتوت والعناب والقراصيا، وقد انخرط الولد في النشاطات المختلفة التي تمارسها القرية، فما إن تنتهي السنة الدراسية في بداية الصيف حيث تبدأ مواسم العطاء حتى ينطلق مع والده أو مع الرعاة بين الحقول والعيون والبيادر والكروم في رحلات يومية مليئة بالبهجة البرئية، تعلم أثناءها السباحة وحاول تعلم العزف على الناي ومارس صيد الطيور بعد أن كبر قليلاً، فتفتحت حواسه على مشاهد الجمال الطبيعي، في الحقول الخضراء المزركشة بالأقحوان وشقائق النعمان والنرجس وأنواع الدحنون في فصل الربيع، وعلى موجات السنابل الشامخة على سيقان القمح والشعير بلونها الذهبي قبيل موسم الحصاد، فيتضلع من أريج الطبيعة الساحر، ويتذوق ثمارها الحلوة الممزوجة بقطرات الندى الصباحية المنعشة، ويستمتع بأغاني الرعاة وحدائهم وتغريد الطيور ورفيفها وتلقائية المواشي وتصرفاتها، وكثيراً ما كان ينطلق بعفوية في الغناء مقلداً الرعاة أو مشاركاً لهم على قدر ما تسعفه طفولته ووعيه الغض، فكأنه يعيش في مهرجان لا نظير له من المشاهد والروائح والألحان والحركات يتفاعل معها في النهار ولكن أصداءها تغوص في أعماق نفسه وتستقر هناك في منطقة اللاوعي، تتفاعل بهدوء مع ما حباه الخالق العظيم من خصائص نفسية وعقلية، تنمو وتتسع، حتى إذا آذنت المرحلة الثانية من تكوينه بالظهور في بدايات العقد الثاني من عمره، كانت بذرة (الشعر) قد تكونت ونضجت وبدأت وريقاتها الصغيرة تظهر على السطح كالأعشاب البرية، إلا أن ظهورها ينبئ أن هناك حقولاً وكروماً في الأفق البعيد قد تستوي ذات يوم إذا توفرت لها الرعاية والمتابعة والتوجيه والإعداد. وكان هذا هو الرافد الأول في تكوين شاعريته.
عندما وصل نمو الولد إلى هذه المرحلة، كان هناك جانب آخر من جوانب الحياة بانتظاره، وإذا كان الجانب الأول كله بهجة وسرور ومتعة، فإن الجانب الثاني بدأ يلامس عقله ووجدانه بلطف وغرابة في البداية، وهو في أواخر مرحلة الدراسة الابتدائية وبداية الإعدادية محركاً دواعي العجب والحيرة الناتجة عن قصور في فهم الواقع وأبعاده، وعدم رغبة الأهل في مواجهة الطفل بالواقع المرير الذي تعيشه فلسطين وأهلها، إلا أنه ما لبث أن بدأ يتحرك وترتفع أصداؤه داخل نفسه مع التقدم في السن والإدراك، وتصاعد مخطط الإجرام الذي يحيط بالأهل جميعاً، فيسهر على وقع طلقات المدفعية اليهودية المجرمة وهي تدكّ إحدى القرى الحدودية، أو يشاهد دخان إحدى طائراتهم النفاثة تتجول في السماء بلا حسيب أو رقيب، أو يسمع زعيق سيارات الإسعاف المألوف وهي تنقل جثة أحد الشهداء إلى قريته أو إلى إحدى القرى المجاورة بعد إحدى الغارات الليلية الغادرة التي تنفذها عصاباتهم، وشيئاً فشيئاً دخلت الهموم والمعاناة إلى أعماق روحه واستقرت هناك، وكلما تقدم في العمر أكثر اكتشف أن الجريمة أكبر، وأن المؤامرة والهجمة لا تقتصر على فلسطين فحسب بل إنها تجوس خلال ديار العرب كلها، بل أكثر من ذلك تضرب أعماق العالم الإسلامي من مغربه إلى مشرقه، وإن كان ذلك بأشكال وأساليب مختلفة تتناسب مع كل قطر وكل مرحلة، بل إنه اكتشف أن المؤامرة والهجمة لا تستهدف الأرض والناس فحسب بل إنها تستهدف أعز وأهم مقومات الإنسان ألا وهي عقيدته وثقافته وهويته وجذوره ولغته وكل ما يدخل في تكوينه كإنسان عربي مسلم مطلوب قتله، أو تذويبه في الحضارة الغازية حتى تستقر الأمور للمعتدين، لأن احتلال الإنسان أهم بكثير من احتلال الأرض.
ومن هنا تماهت المعاناة والهموم مع حياة الشاعر ووجوده، فأصبحت الهواء الذي يتنفسه والنبض الذي يصرخ به قلبه والحرف الذي يخطه قلمه وكان هذا هو الرافد الثاني من روافد تكوينه الشعري.
أما الرافد الثالث من روافد تكوين الشاعر فقد بدأ مع انتهاء مرحلة الدراسة الثانوية وبداية المرحلة الجامعية، حيث بدأت مرحلة التحول الجذري في فكره ومفاهيمه من الاتجاه الوطني البحت، القابل للانخداع بأبواق الدعاية ذات الصوت العالي والخالية من المضمون الحقيقي إلى الفكر الإسلامي النقي والحر الذي يتجاوب مع مكنونات الفطرة البشرية السليمة ولا سيما القروية الجبلية التي نشأت أصلاً من خلال الرحمة الإلهية والتوجيهات الأبوية الصالحة ومنها حب الوطن والمقدسات، وهنا غاص طالب الهندسة في بحر الثقافة العميق، فقرأ في أوقات الفراغ والعطل الصيفية مئات الكتب في الأدب واللغة والعقيدة والفقه والتاريخ والسياسة، وقد بلغ شغفه بالقراءة أنه كان يقرأ كتاباً كل يوم أثناء العطل، واستقام على طريق الهدى في ظلال الصحوة الإسلامية عقيدة وفكراً وانتماءاً لا يتزعزع.
التحصيل الدراسي:
- أنهى مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية في مدرسة قريته (جيت) وبعض مدارس القرى المجاورة.
- أنهى مرحلة الدارسة الثانوية الأردنية في مدرستي الجاحظ ومن ثم الصلاحية في نابلس حيث حصل على ترتيب الرابع والعشرين على مستوى المملكة الأردنية الهاشمية 59/ 60م.
- أنهى دراسة التوجيهي المصري في كلية النجاح بنابلس 60/ 61م.
- أنهى دراسته الجامعية في جامعة القاهرة 1966.
- انتسب لمعهد الدراسات الإسلامية في القاهرة 1969 ولكن ظروفاً قاهرة حالت بينه وبين تقديم الامتحان.
السيرة المهنية
- بعد أن تخرج في كلية الهندسة/ جامعة القاهرة 1966م عمل في وزارة الأشغال العامة الأردنية في قسم الأبنية في نابلس والسلط، إلا أن سقوط الضفة الغربية بأيدي اليهود سنة 1967م اضطره للسفر إلى المملكة العربية السعودية في شهر تشرين الثاني سنة 1967م حيث عمل هناك حتى شهر شباط 1981م في وزارة المواصلات وبعض شركات القطاع الخاص.
- بعد عودته إلى عمان افتتح مكتبه الهندسي الخاص لمزاولة مهنة التصميم والإشراف على أعمال المباني وما زال على رأس هذا العمل حتى تاريخه (آب 2004م).
ظروفه العائلية:
- تزوج سنة 1969م وله من الأولاد ثلاثة هم عبد الله وعبد الرحمن ومحمد ومن البنات أربعة (ميسون ومها ومريم وسرّاء).
- من سكان منطقة تلاع العلي/ عمان.
رحلته مع الشعر والأدب:
كما ذكرنا، ظهرت البواكير في بداية المرحلة الإعدادية مع تفتح وعي الطالب على قضية فلسطين وأهلها، حيث خرج الشعر من مكمنه على يدي أستاذ اللغة العربية في الصف الأول الإعدادي الشاعر نافع إبراهيم ابن أخت الشاعر عبد الرحيم محمود، حيث كان الأستاذ الشاعر يعلم الطلاب الصغار المبادئ الأولية البسيطة للعروض وكيفية تقطيع بيت الشعر، ويستثير في الطلاب الصغار حب الشعر ومحاولة قوله، ولم تمض أيام حتى قام الطالب (صالح) بكتابة الأبيات الآتية:
حـارس الأوطـان حـقاً
|
|
مرجع الأوطان من أيدي العداة |
كما كتب أيضاً:
يـهـود
|
|
ودائـماً
|
لا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الشعر ليس مما يعتد به وفقاً لمقاييس الأدب الراقية، ولكنها أدهشت الأستاذ وفاجأته تماماً عندما علم أن الطالب قالها دون أن يلجأ إلى التقطيع والتجريب من ناحية الوزن وقال للطالب: مبروك أنت شاعر، وأخذ يشجعه إلى أن افترقا في نهاية العام الدراسي، فتباطأت المسيرة ولم تشهد الفترة الواقعة بعد ذلك شعراً للطالب إلا لماماً لانقطاع صلته مع محفزات الشعر من توجيه ووسائل إعلام ورفقة شاعرية إلى أن جاءت السنة الأخيرة من دراسته الثانوية فقيض الله له الشيخ محمد البسطامي رحمه الله لتدريس مادة الدين في الصف، وكان شاعراً، فتحركت الشاعرية مرة أخرى في الطالب الذي تفاعل بقوة أكبر من الأولى وكتب عدداً من المقطوعات الشعرية والقصائد وتعزز التوجه الشعري لدى الطالب في السنة التالية في كلية النجاح (التوجيهي المصري) عندما التقى ببعض الطلاب ممن يكتبون الشعر مثله ويتبادلون القصائد في شتى المواضيع.
عندما دخل الطالب كلية الهندسة لم يجد هناك ما يحرك شاعريته بل على العكس وجد ما يقيدها من حيث صرامة المناهج وثقل المسؤولية من اللحظة الأولى مما لا يترك مساحة كافية من الوقت لتركض غزلان الشعر وتستعرض بلابله، فلم تترك المرحلة الجامعية أثراً شعرياً يذكر مع أن جذوة الشعر ظلت متوهجة لم تنطفئ، وقل الشيء ذاته عن مرحلة عمل الشاعر. المهندس الأولى في عمان قبل سفره للسعودية، إلى أن استقر به المقام في الرياض وهناك بدأت مرحلة جديدة من حياته الشعرية حيث بدأ يكتب ويراسل بعض الصحف والمجلات ناشراً ولكن بشكل متقطع.
عندما عاد الشاعر المهندس إلى عمان في أوائل عام 1982م بدأت مرحلة أكثر التصاقاً بالشعر ودواعيه، فتعرف على الشاعر الكبير الأستاذ يوسف العظم –متعه الله بالعمر والعافية- الذي كان يملأ الساحة بأشعاره الرائعة الدعوية الجماهيرية والذي تربت على يديه أجيال في شتى الحقول الأدبية والعلمية، فكانت هذه المعرفة والأخوة محركاً كبيراً ومحفزاً لتدفق الشعر من مكامنه في قلب الشاعر المهندس، ساعد على ذلك توفر الوقت فأخذ الشعر يمتد على صفحات حياته قصائد وندوات في جميع أنحاء المملكة، ونشراً في الصحف والمجلات الأردنية والعربية وانتسب الشاعر إلى رابطة الكتاب الأردنيين بصعوبة –ابتعد عنها لاحقاً- وإلى جمعية الدراسات والأبحاث الإسلامية، وأخيراً إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
من المؤسف أن الساحة الثقافية العربية بشكل عام تقع منذ نكبة حزيران 1967م تحت سيطرة تيارين اثنين يسيطران إلى حد كبير على تجليات الثقافة من روابط ومنابر ومجلات وصحف وإذاعات.. إلخ وهذان التياران هما:
- التيار اليساري بشرائحه المختلفة الذي التصق بالأيدولوجيات ذات الصوت العالي والأبواق الهادرة والقوة السياسية والشعبية الناتجة عن تعاطف الشعوب مع قضية فلسطين، وكل من ينتسب لها، ويرفع لواء التحرير والمقاومة، حتى لو كان مخادعاً أو مخطئاً أو مأجوراً.
- تيار الحداثة المزعومة وهو أيضاً تيار عريض يمتد من بعض التصورات الساذجة الجاهلة والبريئة إلى حد ما، يمكن اعتباره باطنية أدبية وثقافية تضرب عروقها بعيداً في الأيديولوجيا والفكر والسياسة في خدمة أعداء الأمة في برامج ومناهج ثابتة تعمل هدماً في ثوابت العقيدة والفكر والهوية ليسهل افتراش الأمة بعد ذلك.
طبعاً، لم تخل الساحة الأدبية والثقافية سواء في الأردن أو الدول العربية من منابر ونوافذ صحية واعية لها جمهورها ومريدوها، ولكنها أشبه ما تكون بشمعة تنوس في ليل دامس، وعلى الرغم من انحسار التيارين المذكورين إلى حد كبير بسبب فشل وانحسار الأيديولوجيات والهياكل المنبثقة عنها في عالم الحركة والسياسة إلا أن التيار الواعي الصحي لم يجد طريقه مفروشة بالورود، ولم يتمكن من إملاء شروطه على الواقع حتى الآن بسبب العوائق الكثيرة أمامه من الجهات المتنفذة في أقطار العرب.
في هذا الواقع وجد الشاعر المهندس صالح الجيتاوي نفسه فعمل مع القلة الواعية المستنيرة من التيار الأدبي وأصبح له حضور معقول في الساحة الأردنية وفي بعض المنابر العربية وهو أول من أدخل صوت الشعر إلى نقابة المهندسين في بداية الثمانينات نشراً في مجلة المهندس الأردني ومشاركته في ندواتها الأدبية والوطنية العامة والخاصة وشارك كمحكم في عدة مسابقات بين المهندسين الشعراء وبين الشعراء من طلاب الهندسة الجامعية وحصل على أكثر من درع من النقابة عن هذه الجهود، وللأمانة والحقيقة، فإنه كان بإمكانه أن يحقق حضوراً وانتشاراً أوسع وأعمق بكثير مما تم له حتى الآن لو أنه أعطى الجانب الأدبي في حياته اهتماماً أكثر من ناحية الجهد والوقت، ولكن طبيعة عمله الهندسي وانصرافه –كما ذكرنا- إلى القرآن –لمدة طويلة وظروف الساحة الثقافية التي أشرنا إليها، كل ذلك حدّ من انتشاره عربياً، ومع ذلك، فمنذ أن انتسب إلى رابطة الأدب الإسلامي، ثم إلى رابطة أدباء الشام، استعاد الكثير من فاعليته كتابة ونشراً ومشاركة في الندوات والمؤتمرات الأدبية في الأردن، وبعض الدول العربية والإسلامية، وأصدر ديوانه الثاني –قناديل على مآذن القدس- 2001م كما أن خزانته تحتوي على مخطوطات في الشعر والأدب بانتظار الوقت المناسب لإصدارها بعون الله.
إصداراته الأدبية:
- صدى الصحراء ، ديوان شعر يقع في 222 صفحة من القطع الكبير صادر عن دار الفرقان سنة 1983م.
- قول متدارك على البحر المتدارك. بحث عروضي يقع في 51 صفحة من القطع الصغير، صادر عن دار الفرقان سنة 1983م.
- قناديل على مآذن القدس، ديوان شعر يقع في 136 صفحة من القطع الكبير، صادر عن دار الفرقان في عمان أيضاً سنة 2001م.
هذا وبالله التوفيق ومنه العون وله الحمد والمنة.

