عبد المعين الملوحي الشاعر والأديب والمحقق والمترجم

عبد المعين الملوحي

الشاعر والأديب والمحقق والمترجم

نجاح حلاس‏

 على مشارف التسعين من العمر يقف ولا زال شامخاً 000 همة عالية , وعزيمة لا تخبو رغم المرض والشيخوخة شعاره العمل الذي أدمن عشقه , واتحد مع كل خلية من خلايا جسده 0‏

يدخل منذ الصباح إلى مكتبته التي تفوح بعبير الثقافات المتعددة والتي يعتبر ما فيها خير جليس 000 ساعات طوال يقضيها ما بين القراءة والتأليف والبحث والتحقيق في بطون كتب التراث.‏

وفي هذه المكتبة توأم روحه علق كلمة ل » غاندي « تقول :‏» لا أريد لبيتي أن يكون مسورًا من جميع الجهات , ولا أريد أن تكون نوافذي مغلقة , أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم بكل ما أمكن من حرية , ولكني أنكر على أي منها أن تقتلعني من أقدامي «‏

إنه الشاعر والاديب والباحث الموسوعي والمحقق والمترجم عبد المعين الملوحي الذي ولد في مدينة حمص عام 1917 وحصل على إجازة في الآداب من جامعة القاهرة أو كما كانت تسمى جامعة فؤاد الأول عام 1945 00 وتتلمذ على يد أساتذة كبار في الأدب العربي أمثال الدكتور طه حسين والدكتور أحمد أمين وغيرهم 0‏

بعد حصوله على الشهادة الجامعية عمل مدرساً ثم أصبح مديراً لعدد من المراكز الثقافية في وزارة الثقافة كما عين مديراً للتراث العربي عام 1963 وبقي في هذا المنصب حتى عام 1970 حيث تم تعيينه مستشاراً في القصر الجمهوري 000 بعد ذلك وفي عام 1976 أحيل إلى التقاعد 0‏

بدأ بكتابة الشعر باكراً حيث نشر أولى قصائده بعنوان » الراسب في البكالوريا « عام 1936‏ في مجلة ألف باء بعد ذلك نشر في القاهرة كتابه الأول » مذكرات حياتي الادبية لمكسيم غوركي عام 1944 وتتابع نشاطه الادبي الذي اتصف بغزارة الانتاج وتنوع الاجناس الادبية التي تطرق إليها حتى وصل في عام 2004 إلى مائة كتاب مطبوع ما بين تأليف وتحقيق وترجمة ودراسات وشعر بالاضافة إلى مثيلها في العدد والذي ما زال ينتظر الطبع 0‏

ولأنه أحب الآداب الشرقية والتي لمس فيها تقارباً في المواقف الانسانية ما بين أدبنا العربي وتلك الآداب رغم اختلاف العادات والتقاليد فقد ترجم الكثير منها لتكون نافذة مشرقة لنا على ذلك العالم 00‏

نافذة نتبادل من خلالها الثقافات والمعارف نؤثر ونتأثر بها 00 إذ ترجم تاريخ الأدب الفيتنامي شعراً نثراً وتاريخ الادب والشعر الصيني القديم والحديث 00

وجناح جبريل لمحمد إقبال , وداغستان بلدي لرسول حمزا توف بالاضافة إلى رحلات هنري هانيه ومبادىء الثوار لبرنادشو‏ كما حقق كتباً عن أخبار اللصوص وأشعارهم والشعراء الذين رثوا أنفسهم قبل الموت ومراثي الاباء والامهات للبنين والبنات‏ ويبدو أن تجربته الأكثر نضجاً في الشعر والتي أخذت شهرة كبيرة كانت متجسدة في قصيدته » بهيرة « التي نظمها بزوجته التي توفيت بعد مرور سنة واحدة على زاوجه منها تاركة خلفها طفلة بعمر ثلاثة شهور وقد بلغت أبيات هذه القصيدة /260/ بيتاً وهذه القصيدة كتبها وهو في حالة من اللا وعي أو اللاشعور مع موقف إلحادي سببت له ازعاجات كثيرة وتهديدات يقول في هذه القصيدة مخاطباً زوجته بهيرة‏

- إن خنتني فعلام خنت رضيعة لم تكس لحماً‏

- لم تأو للصدر الرحيب ولم تذق للنهد طعما‏

- ستعيش لا تجري إذا سمعت نداءك يا خزامى‏

- ستعيش تقتلني إذا نادت مع الاطفال ماما‏

وقال فيها أيضاً :‏

- موتي فمالك في فؤادي غير جرح سوف يشفى‏

- المارد الجبار لا يأسى لميت مات ضعفا‏

أبهيرتي هذا الجنون فعفو قلبك عن جنوني‏

- لم أستطع فهماً لموتك يا بهيرة فاعذريني‏

وبعد 13 سنة من توبته إلى الله ماتت ابنته التي كتب قصيدة في رثائها اشترك في نظمها الوعي مع الايمان 00 وكانت عودته إلى الايمان بعد إلحاد طويل نتيجة كشف صوفي وقد نشر ذلك في كتابه » نجوى حجر « تحت عنوان على شاطىء الاربعين تضمن قصة نثرية وقصيدة شعرية‏ يقول الملوحي موضحاً ذلك :‏

كنت في الاربعين أول عام 1956 - 1957 حين تركت مكتبتي بعد فراغي من الكتابة ورأيت السماء وفيها قطع من الغيوم 00 وكان القمر بدراً والاجراس في الكنائس تقرع في رأس السنة وقفت على الشرفة فإذا أنا أتنفس نفساً عميقاً وأنادي لا إله إلا الله‏ وأما القصيدة فيقول فيها :‏

نظرت إلي الاربعون وكاد عودي الصلد يكسر‏

فوقفت أنظر للسماء منادياً الله أكبر‏

نظرت إلي الاربعون فأصرخت كالثلج شيبي‏

فوقفت أنظر للسماء منادياً الله ربي‏

إني مشيت موزعاً نصف الطريق إلى ضريحي‏

أترى سأمشي نصفها الباقي بأحمد والمسيح‏

سأعود للإيمان يملأ برده عقلي وقلبي‏

سأعود أحمل في دمي ربي وإيماني بشعبي‏

غلب على شعر الملوحي صفة الرثاء والسبب في ذلك أن الموت لاحقه منذ سنوات عمره الأولى عندما خطف أخوته الثلاثة , ثم والده ووالدته وزوجته بهيرة وابنته 0

ولأديبنا الملوحي رأيه في الشعر سواء كان قديماً أم حديثاً وهو أن يكون شعراً حقيقياً 00 لأنه ينكر الشعر الذي ليس فيه إيقاع ولا وزن ولا عاطفة ولا صورة ويعتبره صف كلام ليس أكثر0‏

أما سبب اهتمامه بالتراث العربي القديم فيعود إلى حبه لهذا التراث المتأصل في أعماقه نتيجة قراءاته التي بدأت منذ الصغر 000 ويعتبر هذا التراث بمثابة الجذر للنبات0000 وأول ما دفعه للعناية بالتراث العربي القديم هو دفاعه عن الشاعر » ديك الحن الحمصي « الذي أحب » ورد «المرأة النصرانية حباً كبيراً وقتلها بسبب الوشايات وعندما عرف الحقيقة بكاها وكتب فيها أجمل الاشعار 00 لذلك بدأ بجمع ديوانه من بطون كتب التراث ونشره عام 1960‏ كما قضى في تأليف كتابه أشعار اللصوص وأخبارهم خمسين عاماً ونشره بثلاثة مجلدات 0000 أما كتابه » رثاء الآباء والأمهات للبنين والبنات « فقد قضى في تأليفه 24 سنة 00 بعد ذلك جمع المراثي عام 1970 أثر موت ابنته 0‏

ما ذكرته يعتبر ومضة سريعة أضاءت جانباً من سيرة أديب وشاعر ودارس متعمق ومترجم بارع نأمل من الله أن يمد في عمره , وأن يعينه في سعيه الأدبي والابداعي الذي سيكون ذخيرة ثقافية لنا ولكل الأجيال القادمة العاشقة للفكر والأدب 0‏