الأديبة: أمينة قطب

الأديبة: أمينة قطب

إخوان أون لاين - 04/10/2003

رحلة حياتها:

يمكننا أن نختصر تعريفنا بالسيدة الأديبة "أمينة قطب" أنها أخت عملاقين من عمالقة الفكر الإسلامي الحديث، هما: الأستاذ الشهيد "سيد قطب"، والأستاذ "محمد قطب"، وقد جرى في دمها من الأدب ما جعلها قاصة وشاعرة متميزة، وهي كذلك زوجة الداعية المسلم "كمال السنانيري" الذي استشهد في "8 نوفمبر 1981م" بمصر داخل معتقله.

النشأة:

ولدت "أمينة قطب" بقرية "موشة"، وهي من قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر، ونشأت نشأة

مباركة يحيطها الإيمان ويرعاها الرحمن برعايته، وكان للوالد الكريم الحاج "قطب إبراهيم" نصيب من التدين والمعرفة والوجاهة، انعكس على أولاده: "سيد"، و"محمد"، و"أمينة"، و"حميدة"، وكانت الأم كذلك ذات دين وخلق وفضل، وقد أحاطت بيتها بأحسن رعاية، وانتقلت "أمينة" بعد وفاة الوالد الحاج "إبراهيم" مع باقي أفراد أسرتها من أسيوط إلى القاهرة؛ حيث بدأت فصول أخرى جديدة من حياتها.

زواج من نوع خاص:

لم تكن قصة زواج الشاعرة والقاصة "أمينة قطب" مثل باقي القصص التي نعايشها أو نراها أو حتى نسمع عنها، ولماذا تكون قصة زواجها عادية وهي امرأة غير عادية، شأنها شأن باقي أفراد آل قطب، ولا سيما الشهيد "سيد" عليه رحمة الله؟!!

حُكم على المجاهد "كمال السنانيري" بالسجن خمسة وعشرين عامًا مع الأشغال الشاقة المؤبدة تخفيفًا بعد حكم سابق بالإعدام، وبعد مرور خمس سنوات خرج ليدخل مستشفى السجن، وفيها قابل الأستاذ "سيد قطب"، الذي كان يعالج في نفس المستشفى، وفي هذا المكان طلب "السنانيري" يد "أمينة" من أخيها "سيد"، وبعد عرض الأمر عليها وافقت على هذه الخطبة التي ربما تمتد فترتها لتستمر عشرين عامًا، هي الفترة الباقية لهذا الخطيب المجاهد حتى يخرج من محبسه الظالم، وتم العقد بعد ذلك، على الرغم من بقاء العريس خلف الأسوار المظلمة، وكأن "أمينة" بذلك تعلمنا معاني كثيرة؛ تعلمنا التضحية الفريدة، فقد كانت شابة ولم يفرض عليها أحد هذا الاختيار، إنها عشرون عامًا، ليست عشرين يومًا أو حتى عشرين شهرًا!! وكأنها كذلك تذكر أولئك المجاهدين المحبوسين عن نور الشمس بالأمل والثقة في وعد الله واختياره، فمعنى أنها توافق على مثل هذا الارتباط بهذه الكيفية أنها ترى من النور في نهاية الظلمة ما يعينها على الصبر والتحمل، ولا ضير في ذلك، فهي شاعرة وقبل ذلك مؤمنة بالله، ربما بنت في خيالاتها أحلامها، ورسمت شمسها ونجومها، وهواءها ونسيمها، ولحظات سعادتها، فملأت عليها نفسها في عالم الروح قبل عالم الحقيقة.

وكان الزوج العطوف يكره لها غبنًا أو ظلمًا، فطلب منها رأيها في مدى استمرار هذا الارتباط؛ لأن الأيام ستطول، وهي تعلم ذلك، لكن "أمينة" لم ترد عليه، فقد حجبت يد السجان الحبيبين كلاًّ منهما عن الآخر، ووصل رد "أمينة" في رسالة تنبئ عن كريم أصلها، جاء فيها: "لقد اخترت أملاً أرتقبه، طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم".

ومرت السنوات الطويلة سبعة عشر عامًا، خرج الزوج بعدها ليواصل مع "أمينة" الأمينة رحلة الوفاء والكفاح، ومرت سنوات قليلة على هذا الزواج، وفي العام السادس قُبض على الأستاذ "كمال السنانيري"، وأودع السجن مرةً أخرى، واستشهد على أيدي الطغاة الجبابرة، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة! استشهد الزوج المجاهد تحت سياط التعذيب في سجون مصر المحروسة؛ لأنه اتهم بالمشاركة في الجهاد الذي كان يقوم به الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي السابق، على شهيدنا رحمة الله، وتقبله في الصالحين، وبلَّغه منازل الصديقين.

وظلت "أمينة" تعيش على تلك الذكريات الجميلة، ذكريات الحب والوفاء والجهاد والإخلاص.

رحلتها مع الشعر:

الموهبة أساس في أكثر الفنون، ولا سيما الشعر، وكما يقولون فالشاعر يولد ولا يصنع، وقد كانت "أمينة" من هذا النوع من الشعراء الذين يولدون ولا يصنعون، وبالإضافة إلى الموهبة الفطرية فقد كان لأحداث حياتها المختلفة انعكاسها على اهتمامها الأدبي، فنجدها قاصة متميزة، وإن غلبت كتابتها للقصة على كتابتها للشعر؛ حيث أبدعت أكثر من مجموعة قصصية، وقد نشرت عددًا من قصصها في المجلات المصرية، مثل: مجلة (الأديب)، ومجلة (العالم العربي)، ومجلة (الآداب)، وبالنسبة لإنتاجها الشعري فلها ديوانها: (رسائل إلى شهيد)، وقد كتبت أكثره في زوجها الشهيد "السنانيري"- رحمه الله.

وكانت "أمينة" قد بدأت كتابة الشعر منذ سن مبكرة، وكان الناقد الكبير والشقيق الأكبر "سيد قطب" يوجهها ويقوِّم إنتاجها، غير أنها انشغلت بكتابة القصة أكثر إلى أن كان ارتباطها بالشهيد "كمال السنانيري"، فتفجرت قريحتها عن ينابيع من الرسائل الشاعرية والشعرية.

أدبها مرآة لمأساتها:

قالوا: إن الأدب مرآة للحياة، وربما صدقوا في جانب من هذا القول؛ لأننا لن نطلب من الأديب أن يؤرخ لحياته ومجتمعه في أدبه، ولكن متناثرات هذه الحياة في الأدب والإبداع تساعدنا في الكشف عن عناصر الغياب أو الرموز التي هي عماد من أعمدة الاستمتاع بالعمل الأدبي؛ سواء كان رواية، أو قصة قصيرة، أو غير ذلك من أجناس الإبداع، وهذا الأمر في الشعر له أهميته الخاصة لما للشعر من سمات إذا فقدها فقد الكثير، مثل: التصوير والتكثيف والرمز، وغير ذلك من الأدوات الفنية الخاصة بجنس الشعر، و"أمينة قطب" لا ينفصل أدبها عن أحداث حياتها، لكن هذه الأحداث في شعرها لا تتراءى صورًا تسجيلية متتابعة، بل هي بمثابة الوقود الذي يؤجج المشاعر، فتفيض بما أراد الله لها أن تفيض به من إبداع، ولا تدعي الشاعرة "أمينة قطب" أنها بلغت منازل الشعراء المفلقين أو النابغين الملهمين في الشعر، بل تعتبر ديوانها الذي كتبته تعبيرًا عن مشاعرها ظهر في صورة قول منظوم.

تقول: "ووجدتني فجأةً أعبر عن ابتلائي فيه- زوجها الشهيد "كمال السنانيري"- بهذه القصائد، بلا قصد ولا تدبير، ولم أملك في نفسي وسيلةً أخرى طوال عام كامل للتعبير عن فقده إلا بهذا القول المنظوم، هل لأن النثر لا يملك أن يواكب حرارة المشاعر وانطلاقها في مقابلة حادث شديد الوقع عميق الأثر في القلب والشعور؟ أم هي تلك الجذور للرغبة القديمة في أن أعبر عن مشاعري بكلام منظوم؟ أم هو ذلك الأثر الذي تركته في نفسه تلك القصيدة التي كتبتها له وهو في سجنه البعيد؟ أم هي محاولة ضعيفة للوفاء بوعدي له بأن أكتب وأبدأ بأي عطاء للطريق؟ لست أدري، ولكن هكذا كان .. وعلى أية حال، فأنا لا أعتبر هذه القصائد القليلة شعرًا في مجال الشعر الواسع المليء بالإبداع، ولكنها صورة من صور التعبير المنظوم أبت إلا أن تخرج على هذه الصورة ولونًا من ألوان المعاناة في حادث هائل في حياة قلب".

كانت هذه كلماتها، ومن حقها أن ترى شعرها كما شاءت، ومن حقنا كذلك أن نتحدث عن هذا الشعر من وجهة نظرنا كوننا نجتهد في تقييمه وبيان مسالبه أو جمالياته، ونلحظ في شعرها أنه يدور في أكثره حول موضوع واحد أو إنسان واحد هو زوجها الذي سبق، وإن ذكرنا أنها ضحت من أجله بالكثير ولاسيما سنوات انتظارها له.

حادث هائل في حياة قلب:

هكذا يمكننا أن نقتبس من كلامها في الحديث عن ديوانها وقصائده المتنوعة، والتي تدور حول زوجها الشهيد ومعاناته في سجنه هو وأهل الحق، وصبرهم على الإيذاء والتعذيب، والصراخ في وجه الظالمين المتجبرين الذين لا يعرفون للإنسان أي قيمة وينتهكون كرامته، ونلحظ أنها لا تستسلم أبدًا لليأس أو القنوط من رحمة الله؛ لأنها ترى في استشهاد زوجها مكسبًا تتمنى أن تنال مثله, وترى في ذلك قربانًا من أجل دعوة الله، وضريبة يجب دفعها حتى تشرق شمس الحرية. إن استشهاد زوجها لا يمثل قضية ذاتية فقط؛ لأنها هي التي فقدته، وقلبها هو الذي يحترق، لم يكن الأمر كذلك دائمًا، بل استشهاد زوجها هو قضية أمة؛ لأنه مات من أجل هذه الأمة تمامًا، مثلما استشهد أخوها الشهيد "سيد" من قبل، ومثلما استشهد الكثيرون من إخوانه في عهد مظلم متجبر.

من نماذج شعرها المتميزة:

وقفت "أمينة" ديوانها على زوجها، فهو إذًا أشبه برثائية كبيرة؛ وهو ما يذكرنا بـ"الخنساء" في رثائها لأخيها "صخر"؛ حيث رثته بأكثر أشعارها التي أبدعتها.

ولرثاء "أمينة قطب" لزوجها مذاقه الخاص الذي ينبع من كونها شاعرة وزوجة ومسلمة، ولها فكرتها التي تؤمن بها في الإصلاح والدعوة إلى الله.

فهو رثاء للحبيب الذي استأثر بقلبها:

شـاقني صوتك الحبيب على الها  تف يدعو ألا يطول iiغيابي
شاقني أن تقول لي: طال شوقي  قد غدا البيت موحشًا كاليباب
شـاقـنـي ذلك النـــداء حـنونًا  فلتعودي لعالم iiالأحباب
شـاقني أن تقول: حبك بـعــدًا  لا تعيدي بواعث iiالأسباب

وهو الزوج المسلم الذي يعرف جيدًا كيف يعامل زوجته وفق منهج الله، فلا يخطئ في حقها أو يكدر عيشها، بل يفيض عليها من الود والرحمة:

قلبت في صفحات عمرك علني ألقى من الأخطاء ما ينسيني
إشراقة الوجه الحبيب على المدى منذ التقينا من عديد iiسنين
فـتشت على الذكريات تصدني عنها وتهجرني دموع iiأنيني
فـبحثت  في عهد الشباب فلم أجد عملاً معيبًا مخجلاً لجبين
عـف الـلسان وعن حديث هابط تنأى وتبعد مؤثرًا لسكون

وهو المجاهد الذي بذل روحه من أجل مجد الدين الحنيف:

مـا تـخيلت عالمي وحــياتي قد تغشاهما صقـيع iiالمــنون
غـيـر أن الرحـيل كان سريعًا لا يبالي بما بـدا فـي iiظنوني
وإذا الـقلب والديــار خـواء يبعث الليل في دجـاها iiشجوني
وطـيوف  الذكرى تروح وتغدو في حريق للقلـب يدمي iiجفوني
أتـعزى  بالـذكــر أن "كمالاً" قد شرى بالحياة مجــدًا لديني
لـم يمت ميتة الضعيف فيمسي كل ذكـر لمــوته iiيخــزيني
غير أن الفراغ من كل شـيء كان لابد ثـقـلـــه يـضنيني

تلك نماذج من صفات الزوج الحبيب، وللشاعرة في ديوانها الكثير من الصفات الطيبة التي اتسم بها هذا الزوج الوفي، وتصب كلها في معاني الشجاعة والبسالة، والصبر والإيمان، والجهاد والتفاني.

وإذا فتشنا في شعرها عن أثر فقدها لزوجها وجدنا منه الكثير، ويتراءى هذا الفقد في مخيلتها طوال الوقت، ويملأ جنبات نفسها كذلك، وأحيانًا ينعكس على ما حولها من موجودات، حتى الجمادات أحست مع الشاعرة وتأثرت بهذا الفقد؛ وهو ما يوحي بشدة الأثر الذي خلفه غياب الزوج الحبيب عن زوجته.

فهي في عذاب بسبب بعد زوجها عنها، لقد كان معينها في رحلة الجهاد، وكان الأمل الذي يهون عليها مشاقها، لكنه الآن في عالم آخر:

أنا في العذاب هنا وأنت بعالم  فيه الجزاء بجنة الديان

وتأتي ليلة القدر فتتذكر الشاعرة زوجها، وقد قلبت هذه الليلة المباركة عليها المواجع؛ وهو ما يوحي بذكريات كانت لهما معًا في طاعة الله، ثارت مشاعر الزوجة تحنانًا لها:

لـيلة  القدر خبريني بمـــاذا سوف ألقاك.. كيف أخفي iiشجوني
كيف أخفي الهموم والقلب باك وغـزير الـدمــوع ملء iiجفوني
وطيوف الذكرى تُعيد الليـالي في خيـــالي وعالـمي المحزون

وفي قصيدتها: "الباب المغلق" تتحدث الشاعرة عن باب بيته الذي أخذ منه ولم

طـال شـوق المفتاح والباب يرنو ويعاني صمتًا مـريرًا iiكئيبا
في انتـظار قد طـال منذ شهور لم ير الطارق الـودود الحبيبا
كلما  طـاف بالمـكان أنــاس راح يرنو مـعذبـًا iiمكـروبا
عل فيـهم ذاك الـذي كان يغدو أو يـرى ذلك الحـبيب iiمجيبا

 

رأي في ديوانها:

جاءت قصائد الديوان في موضوعاتها معبرة عن حالة من حالات الفقد المستمر الذي لم ينقطع طوال حياة الشاعرة؛ سواء فقد المعتقل أو الموت بعد ذلك، فهو- كما سبق- أشبه برثائية كبيرة لزوجها، والذي استأثر بأغلب قصائد الديوان.

والشاعرة في أوزانها وقوافيها ملتزمة بالشكل التقليدي الأصيل، أو ما يطلق عليه "القصيدة العمودية"، ونرى لديها بعض القصائد التي تعتمد التنويع في القوافي بعد كل عدد معين من الأبيات.

وفي الديوان العديد من الصور المتميزة، وتغلب عليه الروح الرومانسية، خاصةً في تدفق الأبحر وهدوئها؛ وهو ما يذكرنا بأشعار الشهيد "سيد قطب" عليه رحمة الله، ويبدو تأثرها به واضحًا في العديد من ألفاظ المعجم اللغوي الذي كان يستخدمه الشاعر الشهيد "سيد قطب"، ولا ضير في ذلك، فللشاعرة تميزها روحها الخاصة بها في شعرها.

ويوجد في الديوان عدد من القصائد كذلك هي أشبه بقصائد البدايات؛ حيث لا نجد التصوير المتميز أو الروح الشاعرية المتدفقة المتوافرة في نماذج أخرى لدى الشاعرة، وربما يرجع هذا الأمر إلى أن الشاعرة لم تجعل الشعر اهتمامها الأول، كما نفهم من كلامها السابق.