إبراهيم الكوفحي
أحمد الجدع
كان، وهو لا يزال على مقاعد الدراسة الثانوية ثم الجامعية يزورني في مكتبي في دار الضياء، وكان يعرض عليّ ما يقول من شعر، وكنت أرشده إلى مطالعة الكتب التي تنمي فيه الموهبة وتدله على الطرق الصحيحة في فن القول وفن الشعر.
كان واثقاً من شاعريته ، متعجلاً لأن يطلع عليها الجمهور الأدبي ، وكنت استمهله وأحاول أن أكبح اندفاعه.... ولكن هيهات لاندفاع الشباب أن يكبح.
جاءني ذات يوم يحمل بين يديه الإضمامة الأولى من شعره، وقد طبعها في ديوان سماه: القرآن والبندقية، وأهداني نسخة من الديوان.
كان هذا عملاً رائعاً، لقد كنت أنصحه أن يستأني في النشر، أما وقد أقدم ونشر فلم يبق لي إلا أن أنظر إلى هذا الإقدام بإعجاب ، لقد سرني أن أرى شاعراً يضع قدمه اليمنى على أول درجات السلم الشعري ، السلم الخطر الذي تزل عنه الأقدام ولا يستطيع تسلقه إلا ذوو الموهبة الحقيقية والثقافة العالية والعزم والتصميم.
القرآن والبندقية، إنه عنوان لتطلعات المخلصين لهذا القرآن العظيم، لا يستطيع المسلمون أن يحققوا ما جاء به القرآن إلا إذا كانوا أقوياء، الضعفاء لا يحققون شيئاً.
هل
جال في تلك المعارك مصحف أم جال فيها مصحف وحسام
مصحف وحسام يساوي القرآن والبندقية.
الكلام في هذه الثنائية التي اختارها إبراهيم الكوفحي يطول.... لقد احتفظت بالنسخة التي أهداني ، وغاب عني إبراهيم سنوات........
التقيته في إحدى ندوات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، شدّ على يدي وشددت على يديه، قال لي: سأزورك في مكتبك بدار الضياء...........
وبرّ بوعده..... ذكرني بحكاية ديوانه الأول، وقال: أنا نادم على نشره، لقد تعجلت ذلك النشر، لقد نصحتني ألا أنشره، ولكن الاندفاع ،والرغبة في أن أرى لي ديواناً منشوراً غلب كل نصح ، وقدم لي مجموعته الشعرية الكبيرة المعدة للنشر تحت عنوان "ديوان إبراهيم الكوفحي"، وهو ديوان كبير وثمين، وقدم لي معه مجموعة من مؤلفاته المنشورة: محمود محمد شاكر؛ سيرته الأدبية ومنهجه النقدي، خواطر الرافعي في تفسير القرآن وإعجازه، مرايا وظلال ؛ قراءات ومراجعات نقدية، محنة المبدع؛ دراسات في صياغة اللغة الشعرية.
لقد أصبح إبراهيم الكوفحي أستاذاً أكاديمياً في الجامعات الأردنية، يحاضر، يؤلف، يحضر الندوات، يكتب المقالات والدراسات.... يقول الشعر العالي.
الدكتور إبراهيم محمد محمود الكوفحي من مواليد 1967م، وما أدراك ما هذا التاريخ! حاصل على شهادة الدكتوراة في الأدب والنقد من جامعة اليرموك الأردنية، وهل بعد 1967 من يرموك أخرى؟.... أنا أقول نعم!
إذا أردت أن تعرف من هو إبراهيم محمد الكوفحي فتمعن في أطروحتي الماجستير والدكتوراة:
أما أطروحة الماجستير فهي: جهود الرافعي النقدية (جهود مصطفى صادق الرافعي النقدية)وأما أطروحة الدكتوراة فهي: محمود محمد شاكر: الأديب الناقد.
ومصطفى صادق الرافعي ومحمود محمد شاكر من أعلام العربية، وممن دافع عن هذه اللغة، واستمات في الدفاع عنها، ولا يختار باحث هذين العلمين إلا إذا كان معجباً بهما واختار أن يسير مسيرهما.
ومما يؤيد ما أقول القصيدة الإهداء التي صدّر بها ديوانه الكبير ، والذي أهداني نسخة مخطوطة منه ، يقول هذا الإهداء :
إلى (أبي..)
أوّل من أسمعني القرآن
مجوَّدا
فانسربتْ في الروح والوجدانْ
آياته الرهيبةة
تهزني أنغامها العجيبةْ!!
أذكرُ....
كان يقرأُ (الرحمنْ)
فانطلق اللسانْ
من ذلك الزمانْ
ولم يزلْ.... مردّدا
"علّمه البيانْ"
"علّمه البيانْ"
الدكتور إبراهيم الذي قال لي إنه نادم على نشر ديوانه الأول: القرآن والبندقية، لا أوافقه (الآن) على رأيه هذا.
لقد كنت أنصحه ألا ينشر أملاً أن يطلع على القراء وقد استوى شاعراً متمكنا،أما وقد نشر فقد أصبح ديوانه هذا تاريخاً، يجب أن يبقى لأنه مرحلة من مراحله ،وخطوة من خطواته التي امتدت ورسخت .