د.مأمون جرار
الدكتور مأمون جرار
|
|
د.مأمون جرار بقلم: حسني جرار
الدكتور مأمون جرار أديب التزم الإسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً في الحياة.. له تجربة أصيلة في مجال الشعر والقصة.. وهو أحد الوجوه الأديبة والنقدية والفكرية في الساحة الأردنية والساحة العربية.. وهو يرأس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الأردن منذ عدة سنوات.
حياته ودراسته:
على ربوة من ربا فلسطين، تطل على سهل يانعة خضراء، وفي بلدة –تقع بمنتصف المسافة بين مدينتي نابلس وجنين – عرفت باسم صانور(1) ولد الشاعر مأمون فريز محمود جرار عام 1949م.. ونشأ في أسرة محافظة متدينة، عرفت باستقامتها وتمسكها بإسلامها. وبدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة صانور، وأتمه وواصل دراسته الإعدادية والثانوية في مدينة جنين، وتخرج فيها عام النكبة الثانية 1967، وكان من المتفوقين في امتحان الشهادة الثانوية.
ولما اغتصب اليهود مدينة جنين وما تبقى من أرض فلسطين، اتجه شاعرنا إلى عمان لمواصلة تعليمه الجامعي، والتحق بكلية الآداب بالجامعة الأردنية في بعثة دراسية من وزارة التربية والتعليم. وفي عام 1971 أتم دراسته الجامعة وحصل على الليسانس في اللغة العربية وآدابها، وكان ترتيبه الأول في دفعته ثم حصل على الدبلوم العالي في التربية عام 1973م. وفي عام 1977، التحق بقسم الدراسات العليا بالجامعة الأردنية، وحصل على ماجستير في اللغة العربية وآدابها عام 1980، وكان موضوع رسالته "أصداء الغزو المغولي في الشعر العربي" من القرن السابع إلى القرن التاسع للهجرة. وحصل على دكتوراه في منهج الأدب الإسلامي، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1987، وكان عنوان رسالة الدكتوراه: خصائص القصة الإسلامية.
حياته العملية:
عمل الدكتور مأمون بعد تخرجه من الجامعة الأردنية مدرساً لمادة اللغة العربية في مدارس وزارة التربية والتعليم بالأردن لتسع سنوات من عام 1971 – 1980. ثم عمل مدرساً في مدارس الإمارات العربية المتحدة لمدة سنتين من عام 1980 – 1982. ثم توجه إلى الرياض وعمل محاضراً، ثم أستاذاً مساعداً في جامعة الملك سعود بكلية الآداب – قسم اللغة العربية ثماني سنوات من عام 1982 – 1990م.
وعاد إلى عمان وعمل محاضراً غير متفرغ في كلية تأهيل المعلمين، وكلية الدعوة وأصول الدين، ثم عميداً لكلية الخوارزمي في بداية عام 1991، وأستاذاً مساعداً في جامعة عمان الأهلية. وعمل باحثاً متفرغاً للتأليف في دار البشير لسنة واحدة من عام 1992 – 1993م. واستقر به المقام أستاذاً مساعداً في جامعة العلوم التطبيقية ابتداء من عام 1993، وما زال يعمل فيها حتى اليوم.. وفي أثناء عمله في جامعة العلوم التطبيقية قام بالأعمال الإدارية التالية: عمل رئيساً لقسم اللغة العربية في العام الدراسي 97/1998, ورئيساً لقسم اللغة العربية وقسم التربية والعلوم الاجتماعية في العام الدراسي 2000/2001، وعضواً للجنة البحث العلمي في العام 98/1999. وعضواً لمجلس الجامعة في العام 1998-1999 وعضواً للجنة الكتاب السنوي في العام 94-95 وقام بأعمال إدارية وعلميّة في جامعة ولجان أخرى منها: عضو نادي الشعر في جامعة الملك سعود بالرياض، وعضو لجنة الجامعة الأردنية لإعداد معجم ألفاظ الحياة العامة في مجمع اللغة العربية الأردني، عضو لجنة الجامعة الأردنية لإعداد معجم ألفاظ الحياة العامة في مجمع اللغة العربية الأردني 1998/2000، وعضو لجنة الإشراف على مراجعة الموسوعة الفلسطينية 1999 / 2001م.
وقام بتحكيم بحوث وكتب لجهات علمية، منها: مجلة الدارة السعودية، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومجلة إسلامية المعرفة – المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا، وجامعة الزرقاء الأهلية ، وجامعة النجاح بفلسطين.
نشاطه:
كان الدكتور مأمون –منذ صغره- من الشباب الذين لهم نشاط في مجالات كثيرة من مجالات العمل الإسلامي، وخاصة المجال الأدبي والمجال التربوي.. فكان في مدينة جنين من أكثر الشباب نشاطاً. ومن الأنشطة التي قام بها، عندما قام الداعية الإسلامي المعروف الدكتور يوسف القرضاوي عام 1996 بزيارة للضفة الغربية، وقام بجولة ألقى فيها محاضرات في جنين ونابلس والقدس والخليل وغيرها، رافقه الدكتور مأمون في تلك الجولة، وألقى قصائد في تلك المحاضرات، وكان وقتها طالباً في المرحلة الثانوية من دراسته. وفي عمان شارك في كثير من مجالات النشاط.. فكان في الجامعة الأردنية من أعضاء اللجنة القائمة على توجيه الشباب –في اتحاد الطلاب- توجيهاً إسلامياً وكان يكتب في الصحف منذ عام 1964، وقد نشر العديد من المقالات الإسلامية والأدبية والاجتماعية والتربوية في كثير من الصحف والمجلات الأردنية والعربية والإسلامية وشارك في تقديم عدد من الأحاديث والندوات في الجامعات، وفي الإذاعة الأردنية والقنوات القضائية العربية، وشارك في كثير من المناسبات الإسلامية والوطنية التي أقيمت في الأردن وفي بلدان كثيرة من الوطن العربي والإسلامي.. كما شارك في كثير من المؤتمرات والندوات الأدبية والعلمية، منها: الندوة العالمية للأدب الإسلامي في لكنو بالهند عام 1981، وندوة الأدب الإسلامي في الرياض التي أقيمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1985، والملتقى الدولي الأول للفن الإسلامي في قسنطينة بالجزائر عام 1990، والملتقى الدولي الأول للأدب الإسلامي في وجدة بالمغرب عام 1994م، والملتقى الدولي الثاني للأدب الإسلامي في الأدب الدار البيضاء في المغرب عام 1998 وملتقى جامعة آل البيت الثقافي الثاني بالأردن عام 1998، ومؤتمر الأدب الإسلامي –الواقع والطموح- في جامعة الزرقاء بالأردن عام 1999، ومؤتمر الأدب في خدمة الدعوة في جامعة الأزهر بمصر عام 1999، والملتقى الأول للأديبات الإسلاميات بالقاهرة عام 1999، وندوة اللغة العربية متطلباً جامعياً بالجامعة الهاشمية، عام 2001م، والملتقى الدولي الرابع للأدب الإسلام في فاس بالمغرب عام 2004م.
وللدكتور مأمون ارتباط بعدد من الهيئات والجمعيات: فيه عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الأردن منذ عام 1995م، وعضو مجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية منذ عام 1995، وعضو مجلس إدارة جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية في عمان من عام 2004
شعره:
الدكتور مأمون شاعر موهوب. قال الشعر منذ صباه، شعره في متعة وفيه جمال، امتاز بالرقة والصفاء، وجاء صادق الإحساس والتصوير، نسج أكثره على منوال النظم العربي الأصيل، ولكنه تأثر بالشعر الحديث ونسج على منواله، ولم يخرج فيه عن الوزن الشعري.
كانت بدايته مع الشعر عام 1961، وكان ينشر إنتاجه في جريدة المنار والشهاب والمجتمع. وصدرت له أول مجموعة شعرية في عام 1969 بعنوان "القدس تصرخ"، وصدرت مجموعة ثانية عام 1981 بعنوان "قصائد للفجر الآتي"، وصدرت مجموعة ثالثة عام 1983 بعنوان "مشاهد من عالم القهر". ثم اتجه للكتابة النثرية والأدبية، التي تجلت في عدد من الأعمال القصصية، مثل: "صور ومواقف من حياة الصالحين"، و "صور ومواقف من حياة الصالحات"، و "من قصص النبي"، و "شخصيات قرآنية".
توقف الدكتور مأمون عن الشعر سنوات، بل شُغل عنه، وكان يراوده شعر لا يرتضيه، ويستعصي عليه، شعر يتطلع إليه.. يقول في قصيدة بعنوان "شكوى من الشعر"(2):
يـا منبت الشعر ما للشعر كـم لـيـلـة بت فيها حائراً قلقاً عجبت يا صاح من شعر يطاوعني |
يجفوني
|
أسـعـى إلـيـه ولكن لا يواتيني اسـتـمطر الشعر أبياتاً فيعصيني يوم الرخاء وحين البأس يعصيني |
ثم بدأ شاعرنا ينظم بعض القصائد من حين لآخر. ولما اجتمعت لديه مجموعة جديدة، أصدرها بعنوان "رسالة إلى الشهداء"، ووعد بأن يتابع مسيرته الشعرية، ويخرج لنا مجموعات أخرى جديدة.
والدكتور مأمون شاعر صادق انبثق شعره من واقع الحياة التي يعيشها..، فقد أحسن نكبة أمته ودافع عن قضاياها، ساهم بشعره في كثير من المناسبات الإسلامية، وحمل آمال أمته وآلامها وتطلع إلى استئناف حياة إسلامية تكون الطريق لتحرير وطنه المغتصب.. فجاء شعره تعبيراً عن خلجات نفسه وتصويراً لومضات مشاعره، وصار لنا واحداً من الحداة لركب الإيمان السائر على درب الحق.
طرق في شعره معظم أغراض الشعر، ونظمه في مجالات متعددة. نظمه في الدعوة إلى الإسلام، وفي قضيا الأمة العربية والإسلامية، وفي نكبة بيت المقدس وفلسطين، وفي الجهاد والاستشهاد.. وله شعر في الرثاء وذكر الموت، وشعر وطني ووجداني، وشعر في الوصف.. وهو في جميع أشعاره ينبض بروح إسلامية.
نكبة فلسطين في شعره:
كان لفلسطين وطن الشاعر نصيب كبير من شعره، وكان لضياع بيت المقدس، وضياع ما تبقى من فلسطين الكثير الكثير من شعره.. فشاعرنا ولد بعد نكبة 1948 بعام واحد، وأنهى دراسته الثانوية عام النكبة الثانية 1967م.. وواكب أحداث القضية حدثاً حدثاً، وعاش معها بأفكاره وأحاسيسه، وكان لتلك الأحداث والنكبات أثر واضح في حياته الشعرية..
فمن وحي الهزيمة القاسية التي منيت بها الأمة عام 1967، والتي ضاعت فيها البقية الباقية من فلسطين، فكانت لقمة سائغة ليهود، ليحكموا بعدها قبضتهم على فلسطين المسلمة كلها. من وحي هذه الهزيمة المريرة التي فجرت براكين الغضب في النفوس، نجد شاعرنا الدكتور مأمون يستحث شعبنا المكبل ليفك قيوده، ويحرر إرادته من عوامل الخوف والذل والهوان، فيقول في قصيدة بعنوان "أيها الشعب"(3):
أيـها الشعب كيف ترضى أيها الشعب أين روحك ضلت؟ أيـها الشعب هل مرادك عيش أين روح الجهاد يا شعب تسري |
بِذُلٍّ
|
كيف ترضى بأن تذل أين تاهت؟ وأين نارك تضرم؟ فـيـه تـحيا كما البهائم تنعم؟ فـيـثور الأبطال ثورة ضيغم؟ |
وترغم؟
وهو ينكر على أبناء شعبه الذين نزحوا من غربي النهر بعد هزيمة 1967 فكرروا ما حدث في الهجرة الأولى عام 1948، ويحذرهم من مخاطر ذلك داعياً إياهم للثبات والجهاد، والتأسي بأبطال الفتح الإسلامي كخالد وأبي عبيدة. وحتى يستثير حميتهم ويحفزهم للجهاد، وعدم الركون إلى حياة الدعة والهوان، طلباً لسلامة الأبدان، نراه يضرب لهم أمثلة من بعض الأحياء والجمادات التي أنفت الذل والقعود، وأبت إلا حياة الحركة والحرية، لتحقيق رسالتها ووجودها في الحياة، فيقول:
كـيف تأبى الطيور عيشة كـيف تأبى المياه طول سكون كـيف تأبى الرياح، إلا هياجاً أيـها الشعب قم نجاهد نكافح |
ذل
|
ثم نرضي ونحن يا شعب ثم نرضى ونحن يا شعب أحكم ثم نرضى السكون والليل مظلم إنـمـا الخلد في الطريق فأقدم |
أعلم
ثم يضرب لشعبه المكلوم مثالاً لنضال شعب الجزائر الذي حصل على حريته واستقلاله بالدم والنار.. ولهذا فهو يحذر أبناء شعبه النازح من الانخداع والسير في طريق ما يسمى بالسلام والاستسلام، بديلاً عن طريق الجهاد، فيقول:
فـتية الحق في الجزائر لـم يهابوا بأس العدو وساروا ثـم نالوا الحقوق من بعد لأي وضـح الدرب ثورة ونضال لا سـلام فـالسلم مطلب ذل |
ثاروا
|
قدموا النفس في المعارك في دروب للنصر والبغي يُهزَم وكـذا الـيوم إن أردت.. تقدم وفـداء لـلمجد.. والحق سلم إن أردنـاه فـهو موت محتم |
والدم
ويستقر شاعرنا في عمان لمواصلة دراسته الجامعية، ويشعر بما حل بشعبه من التشرد والبعد عن الوطن، فينظم قصيدة بعنوان "ماذا أقول"، يقول فيها(4):
مـاذا أقـول ومـن سيفقه أسـفـي عـلى صف تمزق شمله والعرب سكرى في الصراع كأنما الـكـل يـقـصـد ذلـنا وهواننا لـو أن لـي مـن قـوة في أمتي لـجـعـلـتـها بالدين اعظم أمة لـجـعلتها نوراً يضيء على الملا لـكـنـهـا مـنـكـوبة بعصابة طـلاب حـكـم لا رجـال قيادة |
قولتي
|
وإذا صرخت فمن سيسمع صرختي وغـدا مـثـالاً قـاتـلاً.. للفرقة لـم يـعلموا –أبداً- خيوط الخطة أفـغـيـر ربـي منقذ من شدة..؟ لـجـعـلـتـها تسعى لنيل القمة تـبـدو عـلى الدنيا بدين الرحمة تـبـدو لـعـين الناظرين كشعلة هـم أس كـل تـهـدم أو نـكبة أطـفـال لَهْوٍ.. لا أشاوس نهضة |
وقد أدى تكرار المصائب والمحن التي منيت بها أمتنا، كنكبة فلسطين الأولى عام 1948، والنكبة الثانية عام 1967، وإقدام يهود على حرق المسجد الأقصى عام 1968، وما تلا ذلك من فتن ومحن.. أدى ذلك إلى تبلد الأحاسيس ، وموت المشاعر، وشيوع حالة من اللامبالاة عند أبناء الأمة، حتى لكأن المصائب التي انصبت على رؤوسنا لا تعنينا، وكأننا لسنا المستهدفين بها.. فنظم شاعرنا قصيدة بعنوان "الأمة المخدرة" بين فيها بألم واضح، وتهكم مرير أن اللهو والطرب هو رد الناس على ضياع الحقوق وتوالي النكبات، حتى غدت حياتهم كالأنعام لا هم لهم سوى الأكل والشرب واللهو، فأضحت الأعصاب مخدرة والمشاعر متبلدة ميتة.. ويتساءل الشاعر بألم واستنكار عن سبب رضانا عن استباحة اليهود للأقصى وتدنيسهم لمسرى النبي صلى الله عليه وسلم، بينما ننخدع بسلم يرتبه لنا أعداؤنا، لنقعد عن العمل لاسترداد وطننا بالجهاد والاستشهاد، فيقول(5):
الـحـق ضاع وضاعت أمة نـحـيـا كما ترتع الأنعام في دعة كـأنـمـا نـحـن أعصاب مخدرة فـمـالنا نرتضي أن يستباح حمى ومـا لـنـا نـرتضي سلماً يزينه |
العرب
|
فـليس في الناس غير اللهو ولا يـزلـزلـنـا سيل من النُّوَبِ مـات الشعور بها من نشوة الطرب مسرى الرسول ولا نهتز من غضب من راح يشري تراب القدس بالذهب |
واللعب
ويمر العيد بشاعرنا عام 1969، ووطنه تعصف فيه النوائب، فينظم قصيدة بعنوان "العيد الحزين"، يقول فيها(6):
أنا لست أدري كم من الأعياد يمضي يا جنين
وأنا بعيد عنك.. يعروني لجنتك سأظل أهفو للقا.. هيهات تُسليني السنين العيد أقبل يا جنين.. وإنه العيد الحزين |
الحنين
ولما بدأت كتائب الإيمان تعد العدة للجهاد، بعد نكبة 1967، وتدخل في عمليات فدائية جهادية ضد اليهود في فلسطين، واكب الشعراء الإسلاميون هذا التحول الإيماني في مسيرة القضية الفلسطينية، وأخذوا يرصدون هذه العمليات، يصفون أبطالها، ويمجدون جهادهم واستشهادهم لإعلاء كلمة الله، وطرد الغاصبين من أرض فلسطين.. فنظم شاعرنا قصيدة على لسان فدائي، وَطَّنَ نفسه على البذل والتضحية، وانطلق يجاهد في سبيل الله شوقاً إلى لقياه وحنيناً إلى جنته..ووجه هذا المجاهد رسالة إلى أمه المؤمنة،تمنى فيها عليها بألا تقابل استشهاده بالبكاء،وألا تتحسر عليه بالحزن,وإنما تقابل ذلك بالفرحة تغمرها،وبالزغاريد تنطلق من فمها،ابتهاجاً بمكانة ابنها عند الله.وقال في قصيدته(7):
أم لا تـبـكـي إذا مـتُّ أنـا يـا أم إلـى الخلد طريقي فـي سـبـيل اله أقضي بطلاً زغـردي أمـاه إن مت شهيداً كـيف أحيا وديار القدس تبكي ويح نفسي إن تراخت عن جهادٍ |
عَلَيا
|
وضـعـي الحناء في كلتا مـطمئن النفس مرضيا رضيا وشـهـيـداً نـائلاً خلدا عليا بـاذلاً روحـي ودنـيايَ سخياً أسمع الأقصى وقد أضحى بكيا؟ عـن كـفـاح وترى فيها بغيا |
يديا
ولما تخاذلت أمتنا عن تحرير الأقصى وفلسطين, وأصبحت القضية في ملف النسيان.. وبدأت تبرز بين حين وآخر شنشنات للتآمر عليها. نظم شاعرنا قصيدة بعنوان: "رسالة إلى الوطن المنسي"، قال فيها(8):
كنت يا موطني فوق كل الشفاه
نشيداً يحرك فينا عروق الحياة
يفجر شوقاً إلى لحظة الزحف والانتصار
يعكر صفو النعيم المزيف
ينشر في مائنا والطعام "عروق المرار"
وكنا نردد في كل صبح:
غداً سنعود!
نعود ليافا نعود لحيفا
وعكا وللناصرة
نعود إلى عسقلان.. نعود.. نعود..!
وفي عام 1981حينما تصدى شعب الكنانة لما يسمى "بمسيرة السلام" ومعاهدة الذل التي فرضت عليه آنذاك.. وزج بخيرة أبناء الشعب في السجون والمعتقلات. وعمت الشارع العربي والإسلام موجة من الاستياء والاستنكار، وقاد تلك الموجة الكثير من الكتاب والأدباء والشعراء، ونظم الدكتور مأمون قصيدة بعنوان "سلام شعب مصر"، تحدث فيها عن محنة الشعب في مصر، وقال فيها(9):
طغى في مصر من خرق الحدودا لـتـسلم مصر سالمت الأعادي مـبـادرة. مـفاوضة.. وصلح |
|
وألـقـى حول معصمها وكـبـلـت الـمدافع والجنودا غـدت فـي عصرنا حدثاً مجيدا |
القيودا
ولكن الشاعر لا ينسى أن في مصر شعباً أبياً يأبى الضيم ويرفض الهوان، معتقداً بأن السلام مع الأعداء المحتلين ذل واستسلام، فقال:
وكم في مصر من حر تـمرد قال: لا فالصلح كفر وتـربة مصر للأعداء نار لنا في الحرب تاريخ طويل |
أبي
|
لغير الله لا يرضي السجودا لإسرائيل لن نرضى وجودا ولـلأحباب نملؤها ورودا مـنعنا البغي فيه أن يسودا |
ولما صار جيش اليهود يغير على مخيمات اللاجئين في فلسطين كل يوم. يقصفهم من الطائرات الحربية، ويهدم المنازل على رؤوسهم بالجرافات والمجنزرات، ويجرف المزروعات ويقتلع الأشجار.. وأمتنا تشاهد أشلاء الأطفال والنساء في الشوارع وبين الأنقاض، بإحساس متبلد وشعور ميت.. نظم قصيدة في موسم الحج عام 1402هـ / 1982/، بعنوان "ألم تهزكم الأشلاء"، ووجهها إلى الحجيج، وقال فيها(10):
لـبـيـك لـبيك والأقصى لـم يتركوا فيه لا طفلاً ولا امرأة كم صرخة خرجت والرعب يكتمها تـقـول: يا أمة ضاعت كرامتها ألـم تـهـزكـم الأشـلاء ثاوية الـم تـزلزل رقاداً في ضمائركم فـما حياة وأرض القدس ضارعة بـالـبيت طافوا وأموا طيبة فمتى مـتـى يثير لهيب الثأر في دمنا مـتـى فـقد طال تشريد يطاردنا |
ينادينا
|
وفـي الـمـخـيـم أشلاء إلا وذاق مـن الـمـوت الأفانينا شـقَّـت إلينا مدى الآفاق تدعونا وسـيـق مـركَبُها للموت غافينا تـحت الركام.. ألم تسلبكم الهونا؟ فـتـنهضوا في سبيل الله سارينا إلـى الـحـجيج وقد جاؤوا ملبينا نـراهُـمُ في رحاب القدس داعينا نـاراً تـهب على الدنيا براكينا؟ فـمـا يـفـارقـنـا إلا ويأتينا!! |
تنادينا
ولما هب شعب فلسطين في انتفاضة الأقصى، وقدم أبناؤه نموذجاً جديداً في الجهاد والعمليات الاستشهادية، نظم شاعرنا عدداً من القصائد للشهداء والاستشهاديين وعبر في قصيدة قصيرة بعنوان "توقيعان شعريان" عن جوهر أبناء فلسطين الذين لا يصيبهم اليأس، فقال(11):
كـل قـطـرة وعَـدُ سـنـبـلة وقـال ـ: نخط على الدرب ويخطو عليه سوانا |
دم
|
مـن وريد الشهيد بـانـبعاث جديد وقـع خـطـانـا فـتـعـفو خطانا |
ولما وقعت معركة جنين والمخيم "المشهورة" في نيسان من عام 2002م.. وقدم فيها أبناء جنين والمخيم ملحمة وأسطورة في الجهاد والاستشهاد.. نظم الدكتور مأمون قصيدة بعنوان "جنين الشهيدة"، أهداها إلى أبطال مخيم جنين.. وقدم فهيا تأكيداً لمعاني الشهادة، ونقداً لاذعاً للواقع العربي، حيث التفرج على ذلك الأهل وهدم البيوت في جنين والمخيم.. فقال فيها(12):
لا بأس يا جنين
ملحمة تضاف في ملاحم السنين
نقرأ فيها قسوة الجزار إذ
يعمل في أعصابك السكين
لكنه لم يسمع الأنين
صبرت حتى الموت عن قوله (أخ)
ولم تجئك نصرة ابن العم
أو معونة من أخ
وأنت تذبحين
والأعين العمياء تبصر الجزار والسكين
شعره الإسلامي والاجتماعي:
نشأ الدكتور مأمون في بيئة دينية محافظة، وتربى في أسرة ملتزمة بالإسلام فوالده الشيخ فريز جرار من وجهاء محافظة جنين، ومن قادة الحركة الإسلامية فيها.. ومدينته "جنين" كان لها دور بارز في الجهاز ضد الغزاة، وكانت معقلاً من معاقل شيخ الجهاد عز الدين القسام..
والدكتور مأمون صاحب فكر إسلامي أصيل، ولديه تصور إسلامي شامل وشعره ينطلق من تصور إسلامي في نظرته إلى الكون والإنسان والحياة، وفي نظرته إلى القضايا والأحداث. وهو يدعو في شعره إلى العودة للدين والاحتكام لشريعته، والاقتداء بعلمائه وقادته الأطهار، ومن ذلك قوله(13):
مـا لم تقم للدين فينا فالليل ممتد المدى وديارنا |
دولة
|
ويسوسنا قوم من الأطهار محفوظة بمطارق الأخطار |
وهو ينعى على المسلمين تفرقهم في هذه الأيام.. فهم لم يتمسكوا بالدين، ولم يسلكوا درب المعالي،فخسروا الدين والدنيا، ويقول في ذلك(14):
مـاذا أقـول وفـي قلبي ما أحسنوا الدين والدنيا وما سلكوا أنـظـر إلى دول الإسلام تلق بها لـكـنـما أملي في عصبة سلكت |
مواجعه
|
والـمـسلمون حيارى مثل درب المعالي وساروا درب عبدان دمـاً مـراقـاً.. وتحقيراً لإنسان درب الهدى.. لم يرعها ليل طغيان |
قطعان
ولكن بارقة أمل دخلت نفسه عندما زار ندوة العلماء بلكنو في الهند، وشارك في الندوة الأولى للأدب الإسلامي التي عقدت سنة 1981، وشاهدت بعثاً للدين وتثبيتاً لأركانه، فوجه تحية لندوة العلماء، قال فيها (15):
فـي لـكـنو قلعة للدين اكرم بمن فيك من أهل التقى فلقد لـمثل هذا الذي في الهند نشهده |
شامخة
|
لاحـت محاسنها في خير عنوان أدوا فـرائض كانت طي نسيان ليعمل الناس في مصر وسودان |
وللدكتور مأمون شعر اجتماعي هادف، يعكس في كثير من تجاربه الشخصية. نظمه في عدد من الجوانب الاجتماعي والإنساني. فله قصائد في الرثاء، منها قصيدته التي بعنوان "كل شيء لانتهاء"(16)، نظمها عام 1973، عند وفاة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام الثاني للإخوان المسلمين.. وفي هذه القصيدة وقفة مع الآلام التي يعانيها الداعية المسلم، وفيها دعوة للصمود أمام هذه الآلام، ودعوة إلى التفكير العميق في المصير الذي يمثله العنوان "كل شيء لانتهاء".. وقد وجه الشاعر قصيدته هذه إلى السائرين على درب الراحل الإمام حسن الهضيبي(17)، وقال فيها:
كل شيء لانتهاء!
هكذا كان من الله القضاء!
فاصبروا مهما يطل ليل البلاء!
كل شيء لانتهاء!
قف قليلاً..!
أنت عبر الموكب الدامي شعاع أبدي!
يولد النور على جبهتك الخضراء في صبح ندي!
وحياة أنت تمتد.. وتمتد.. وتبقى كالغد!
دائماً تولد.. في كل انتفاضة قلب مهتد!!
لك يا حامل نور الله في الخلد بقاء!
والذي كان ستنساه إذا حان اللقاء!
فنعيم الخلد يُفني.. كل ما يبني الشقاء!
كل شيء لانتهاء..
هكذا كان من الله القضاء
فاصبروا مهما يطل ليل البلاء!
وله قصائد فيها وقفات تأمل.. منها قصيدة بعنوان" وقفة على الآثار"، وقصيدة "الجمال في الكون"،ومنها قصيدة بعنوان "خمسون"، يرصد فيها ما حل به بعد خمسين عاماً من العمر، حيث الشيب، وذهاب الطفولة والصبا، وكان عمره رماد أو سراب.. لكنه يهفو إلى ما يتوج هذا العمر الفاني، وهذا الرماد والسراب، بسفر ناجح إلى الآخرة، حيث النور والفوز بمرضاة الله تعالى، فيقول(18):
خمسون عاماً ذوت.. هل أفلت العمر خـمسونُ الأمنيات الخضر قد نسلت خمسون يا غمضة للطرف هل رحلت هـل دار بي زمني في العمر دورته قـبضت كفي على عمري فما حملت قـد آنَ لـلـقـلب أن تُعلى معارجه يـا بـاعث الشوق هيجني إلى سفر أنِـرْ بـمـشـكـاة قلبي للهدى فلقاً |
|
والـشـيب في جنبات الشعر أوراقـهـا وذوى في البرعم الزهر عني الطفولة؟ هل ولى الصبا النضر حـتـى استفقت وحولي تنعق النذُر إلا رمـاداً فـلا فـحـم ولا شـرر وآن لـلـفـجر أن يزهى به السحر يـكـون فـي الملأ الأعلى له خبر بـه الـبصيرة تُهدَى الدربَ والبصر |
ينفجر
وله قصيدة بعنوان "وقفة مع البحر"، حاول فيها أن يعيد الاتصال بين الإنسان والطبيعة، قال فيها(19):
أيها البحر أسمع في صمت ليلك تسبيح ربي
هيبة الخلق فيك تنوّر قلبي
وإبداع ما فيك يطلق عقلي بتسبيح ربي
آه يا بحر من أين ماؤك
من أين تعمر أعماقك الكائنات
ها هو الحوت.. ها سمك القرش.. ها كل حجم ولون وشكل
آه يا بحر. من أبدع الحسن في هذه السابحات؟
رأيه في الشعر والأدب:
الدكتور مأمون أديب إسلامي.. له رأي في الشعر والأدب ينطلق من منظور إسلامي.. فالشعر عنده رسالة، وليس زخرف قول أو زينة كلام.. وإنما هو رسالة يريد إيصالها للمتلقين..
وهو يرى أن الشعر العربي الأصيل هو الشعر العمودي المنظوم، أما الشعر الحر فهو لون مستحدث من ألوان الشعر العربي يناسب إيقاع العصر الحديث وطبيعته.. ويرى أن أحد اللونين لا ينفي الآخر، وإن كان يعتقد أن البقاء للشعر العمودي الموزون المقفى الذي عرفه العرب قديماً، ويبقى الحكم على الشعر للقراء أو النقاد الذين ينظرون إليه من زوايا متعددة ومختلفة.
والأدب الٍإسلامي عنده: هو الأدب الذي ينطلق صاحبه أو منتجه من تصور الإسلام للإنسان والحياة والوجود، ويؤمن أن شعره وأدبه هو بعض عمله الذي يحاسب عليه، لذا لا بد للأديب أن يسخر موهبته لتحقيق العبودية لله، التي هي سبب وجود الإنسان، متمشياً في ذلك مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة)..فلا بد من مراعاة جانب السحر الذي يعبر عنه بالصياغة الفنية التي أخذ بالألباب، والالتزام بالقواعد الفنية في الأدب ليتميز عن الكلام العادي والتأليف الفكري..
وهو يرى أن للشعر دوراً في المعركة ضد الباطل، وللكلمة المنثورة دوراً.. وأن الأدب بحد ذاته ليس هدفاً، بل وسيلة للتعبير عن فكر الإنسان.. ولا بد من أدائه بطريقة تضفي الحياة على الجمادات، وتجسم الأفكار وتبعث المشاعر وتحرك الخيال.
آراء الأدباء والنقاد في شعره:
الدكتور مأمون أديب بارز في ميدان الأدب الإسلامي، وشاعر له حضور في ندوات الشعر وأمسياته في الساحة الأردنية والعربية.. تعرض شعره لدراسة عدد من الأدباء والنقاد، وقد اخترت من هذه الدراسات مقتطفات من أربع دراسات منها:
الأولى: للكاتبة الأردنية وفيقة العجلوني، التي كتبت مقالاً إثر صدور ديوان الشاعر "مشاهد من عام القهر" عام 1983، ونشرته في جريدة الرأي الأردنية وقالت فيه(20): "يعتبر مأمون فريز جرار من الأصوات الشعرية الملتزمة التي تسخر البيان للإيمان، وتنتضي التعبير سلاحاً في المعركة، ومنذ مطلع الستينات إلى الآن لم يغادر مأمون دائرته العقدية، بل ازداد شعره لصوقاً بروح أمته، ولواذاً بقيمها، وصدوراً عنها فكان مثالاً للأديب الملتزم الذي لا يتخذ الكلمة لهواً وتزجية فراغ.
ونحن مع ديوانه الجديد هذا في حضرة من هذا كله، إن لم نقل إن شاعرنا قد أضاف نفساً جديداً هو نفس التحدي والمواجهة على نحو ما نقرأ في مطلع القصيدة الأولى فيه حيث يقول(21):
أشرق في عتمة هذا الليل المظلم
واهتف: إني مسلم
أشرق في هذا الزمن المتخم بالأحزان
والموت المجانيّ وأغلال السجان
والمسخ الإجباريّ لتكوين الإنسان
زمن الإحصاء لطيف الفكر ووسوسة الشيطان
زمن الجاسوس اللاهث خلفك في كل مكان
أشرق في عتمة هذا الليل المظلم
واهتف: إني مسلم
ومما قالته: "ولعل ما يجدر الانتباه إله أن وضوح أفكار الشاعر والتزامه المبدئي لم يحولا دون أن يكون بيانه متصفاً بالجمال غنياً بالصور، حافلاً بالبلاغة". ومما جاء في ختام المقال: "وبعد، فأحسب أن مما نخلص إليه بعد هذه الوقفة العجلى هو ضرورة توجيه أنظار نقادنا ودارسينا إلى شعر مأمون فريز جرار الذي أعرف له أعمالاً أدبية لم تعط حقها من العناية، مع أنها تفوق كثيراً في المبنى والمعنى ما نراه موضع درس وتأمل لدى كثير من هؤلاء النقاد، فإذا كان بعض صغار الشعراء ممن لا يقيمون العربية، ولا يضبطون الوزن يقدمون في صحافتنا أحسن تقديم، فما بالنا إذن بمثل هذا الشاعر المتمكن وأضرابه؟!".
الثانية: للأديب الشاعر الأستاذ حكمت صالح، الذي أشار في كتابه "نحو آفاق شعر إسلامي معاصر" إلى مجموعة من الشعراء ذوي الإبداع الفني في الشعر الإسلامي المعاصر، فقال(22): "فمنذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تلوح في الأفق ملامح حركة شعرية شابة تصدر عن روح إسلامية، ورؤية إيمانية غير أننا نجد في معطيات هذه الحركة الكثير مما نجده لدى أي تجربة أو محاولة جديدة لم تستو على سوقها بعد. مع ذلك ثمة إرهاصات تلتمع في قصيدة هذا الشاعر أو ذاك تمنحنا أملاً بأن شعراً إسلامياً أصيلاً قد بدأ يثبت خطواته في مساحة الإبداع الفني الحديث، ولا ننسى أن نلمح هنا – لا على سبيل الإحصاء- إلى هاشم الرفاعي، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد غزيل، ومحمد الحسناوي، وعمر بهاء الدين الأميري، وعبد القادر حداد، ووليد الأعظمي، ومأمون فريز جرار".
الثالثة: للدكتور أحمد بسام ساعي، الذي تحدث في كتابه "الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد" عن الشعراء الإسلاميين الذين حاولوا تطوير البناء العروضي في القصيدة التي أخذت الشكل الجديد، فقال(23): "وتكاد هذه المحاولات تقتصر على أعمال محدودة لشعراء إسلاميين أو لشعراء وضعوا بعض الأعمال الإسلامية، وعلى رأس هؤلاء: نازك الملائكة، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد المجذوب، ومحمد الحسناوي، وعصام الغزالي، وعبد الله عيسى السلامة، ومأمون فريز جرار، وشريف قاسم، ومحمد العيد الخطراي، ومحمد هاشم رشيد".. ووقف الدكتور أحمد بسام على تحليل قصيدة (على باب غرناطة) للشاعر مأمون جرار، ونشرها في إحدى الجرائد، وقال فيها كلامً طيباً.
الرابعة: للكاتب محسن عبود، الذي قدم قراءة في ديوان "رسالة إلى الشهداء"، نشرها في جريدة للواء، وقال فيها(24): "مجموعة شعرية رابعة وقدرة لافتة على "الإدهاش" ومضامين سامية في إطار الالتزام، وتنويع في الشكل الشعري: نصوص عمودية وأخرى على شعر التفعيلة أو "الشعر الحر".. وعلى هذا فالمجموعة تضمنت تنويعاً موضوعياً خصباً: الشهداءَ، القضيةَ الفلسطينيةَ قضايا عربية، الطبيعة، الأصدقاء، الشعر وغير ذلك، ولكن تنضوي جميعها تحت الإطار الإسلامي أو الإطار الملتزم"..
وبعد أن تحدث عن عدد من قصائد المجموعة وذكر أنها أدت راسلتها، قال: "فإن هذه المجموعة أدت رسالتها الإسلامية والإنسانية، كما أدت رسالتها الفنية ، فالفن رسالة أيضاً ليس فقط بما يتضمن من معان سامية وإنما كذلك بما يشتمل عليه من أبعاد مؤثرة تخاطب النفوس وتثير العواطف وتصنع الرؤى الجميلة والصور المدهشة، مما يخلق لذة ونشوة يحتاجهما المتلقي. والمجموعة وإن اشتملت على مقاطع عادية مباشرة –اقتضتها دواعي الرسالة- فإنها اشتملت كذلك على نصوص رائعة عكست قدرة الدكتور جرار الشعرية، على الرغم من إشارته التنبيهية التواضعية إلى أنه لا يدعي أنه شاعر محترف".
آثاره الأدبية:
1 – القدس تصرخ (ديوان شعر) – دار البيان، الكويت 1969.
2- قصائد للفجر الآتي (ديوان شعر) – مكتبة الأقصى، عمان 1981
3 – مشاهد من عالم القهر (ديوان شعر) – دار البشير، عمان 1983
4 – رسالة إلى الشهداء (ديوان شعر) – دار الأعلام، عمان 2003.
5 – أصداء الغزو المغولي في الشعر العربي – مكتبة الأقصى، عمان 1983
6 – الغزو المغولي أحداث وأشعار – دار البشير، عمان 1984.
7 – الاتجاه الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث – دار البشير، عمان 1984.
8 – خصائص القصة الإسلامية – دار المنارة، جدة 1988.
9 – شخصيات قرآنية – دار البشير، عمان 1992
10- من قصص النبي صلى الله عليه وسلم – دار البشير، عمان 1992
11 – نظرات إسلامية في الأدب والحياة – المكتب الإسلامي، بيروت 1993
12 – صور ومواقف من حياة الصالحين (عشرة أجزاء) – دار البشير، عمان 1997،
13 – صور ومواقف من حياة الصالحات (جزءان) دار البشير، عمان 1997.
14 – فنون النثر العربي القديم = جامعة القدس المفتوحة، عمان.
15 – اللغة العربية – للطالب الجامعي (مشترك)، عمان 1995.
16 – دراسات في اللغة والنحو والأدب (مشترك) عمان 1997.
17 – المكتبة العربية والثقافة المكتبية (مشترك)، عمان 1997.
18 – في رحاب اللغة العربية (مشترك)، عمان 1999.
المراجع:
1 – ديوان: "القدس تصرخ" – دار البيان، الكويت، 1969.
2 – ديوان: "قصائد الفجر الآتي" – مكتبة الأقصى، عمان، 1981.
3 – ديوانك "مشاهد من عالم القهر" – دار البشير، عمان 1983.
4 – ديوان: "رسالة إلى الشهداء" – دار الأعلام، عمان ، 2003.
5 – د أحمد بسام: الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد.
6 – حكمت صالح: نحو آفاق شعر إسلامي معاصر، 1979.
7 – جريدة اللواء الأردنية في 1/10/2003.
8 – مجلة المشكاة المغربية – العدد 29، عام 1998.
مختارات من شعره
(1) القدس تصرخ
منذ قديم الزمان، ومدينة القدس تتصف بصفات لم تنلها مدينة أخرى على وجه هذه المعمورة، فهي مدينة الأقصى، وأرض الإسراء والمعراج، وقبلة المسلمين الأولى. مدينة سجد على ثراها الطاهر أنبياء الهدى، وملائكة الرحمن.. مدينة حباها الله الخير، ومتعها بالبركة، وجعلها أرض المنشر والمحشر، مدينة، الجنة تحن شوقاً إليها، بل إنها بقعة من بقاع الجنة، فعن أنس بن مالك قال: "إن الجنة تحنّ شوقاً إلى بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس، وهي صرّة الأرض" وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة، فلينظر إلى بيت المقدس".. مدينة ارتبطت بالجهاد والرباط، وبالفداء والاستشهاد.. مدينة أكرمها الله وجعل القائم فيها كالمجاهد في سبيل الله.
هذه المدينة المقدسة التي كانت مهوى القلوب المؤمنة، ومعقل الأجداد الفاتحين، وقلعة الرباط الأولى، تغيرت عليها الأحوال، وألمّت بها النائبات، وأصبحت ترزح في الاحتلال وتحيا حياة الذل.. وأخذت تستغيث شباب الأمة الإسلامية وتنتظر نجدتهم وتترقب الخلاص من قيود الاحتلال على أيديهم.
ففي عام 1967، وقعت القدس أسيرة في يد اليهود، وخيّم الحزن على مآذن الأقصى، وعاث اليهود في حرمه الفساد.. وبدأت محاولات لهدمه، تارة بالحفر تحته، وتارة بمحاولة حرقه، والاعتداء على المصلين في رحابه..
ولذكر القدس والأقصى صدى في نفس المسلم.. فنرى الشعراء الإسلاميين يكثرون من الحديث عنهما، والتعبير عن مأساتهما.. يرددون صرخة القدس وصوت الأقصى، وينادون إلى الجهاد والاستشهاد..
وهذه القصيدة نظمها الدكتور مأمون عندما وقعت النكبة الثانية عام 1967، ووقعت مدينة القدس بأيدي يهود.. يستصرخ فيها أمته العربية والإسلامية لإنقاذ الأقصى من براثن الأعداء.. ويذكرهم بعزة المسلمين في ماضيهم، ويدعوهم للعودة إلى منهج الإسلام والتمسك بتعاليمه، وتربية الأبناء على العزة والجهاد، لتعود لنا القدس وفلسطين.
لقد كان موضوع "القدس" غرضاً رئيسياً في شعر الدكتور مأمون، وقد أفرد لها ديواناً بعنوان "القدس تصرخ".. وما زالت القدس تشكل هاجساً له، لا يستطيع مقاومته، فهو يذكّر بقضيتها كلما ألمّت بها حادثة أو حلت بها مصيبة.. ومن ذلك نراه يقول في قصيدة عام 1983م:
صـرخـة فـي أرضنا ممتدة لـم تـزل فـي أفـقـنا دامية حـرقـوا الـمسجد أنشدنا له ربـمـا يُـهـدم، هذه صرخة هـذه الـقـدس فـمن ينقذها |
|
جلجلت في القدس يوم الاحتلال دعـوة للموتِ في ساح النضال وفـديـنـاه بـأشـعار غوال ربـمـا يُـهدّم في سود الليالي إن أرض القدس ميدان المعالي |
القدس تصرخ(25)
مـالـي أراكـم ذاهلين مـالـي أراكم قائمين على الخنا مـالـي أراكـم تركضون لِهُوَّةٍ يـا قـوم أبـكتني مصائب أمة يـا قومنا قد ذاب قلبي من أسىً مما أصاب الشعب في مهد الهدى عـجباً أذلُّ الناس تغصب أرضنا في المسجد الأقصى تدار رؤوسهم وهـنـاك في حرم الخليل تحلقوا قـولـوا بـربي كيف يهدأ بالنا والـقدس تصرخ أنقذوني فالعدى ها هم بنو صهيون داسوا حرمتي يـا قـوم كم من نكبة مرت ولم لـم نـلـق بـالاً لـلنذير وإنما سـرنـا عـلى درب الغواية أمة هـل نحن أحفاد النبي المصطفى قـبـسـاً يـنير لكل سارٍ حائر أم نـحـن أحفاد لماركس نقتفي أم مـن أبـي جـهل مشينا دربه يـا قـومـنا كل المبادى كشّفت لـم يـبـق إلا مـبدأ نرجو به لـم يـبـق إلا ديـننا.. إسلامنا إسـلامـنـا بـالأمس أنشأ أمة فـغـدت بـفضل الله أعظم أمة وإذا اتـخـذنـا ديـننا منهاجنا يـشـرون دنـيـاهم بأكرم ميتة وإذا تـعـود الـدار أكرم عودة |
سكارى
|
مـالـي أراكـم تائهين حيارى؟ مـتـقـلـبين به دجى ونهارا؟ خلف السراب.. ألا ترون منارا؟ لاقـت سـفـينة ركبها إعصارا وتـخـافـتـت دقـاته استنكارا لـمـا غـدا قومي هناك أسارى وتـعـيث في حرماتنا استهتارا ويـدنـسـون رحـابه استحقارا رقـصـاً، وشقوا عنده الأستارا والـقـدس خـلَّـفْنا عليها العارا رامـوا بـإسـراء الـنبي دمارا جـعلوا الغواية.. والفساد شعارا نـوعـظ بـها إذ تحمل الإنذارا سـرنـا نـطاوع مجرماً جبّارا بـلهاء.. ماتت نفسها استصغارا أحـفـاد مـن رفع اللواء وسارا ضـل الـطريق وخبّط الأغبارا آثــاره ونــردد الأفـكـارا مـتـمـردين على الهدى كفارا تـسـتـقـبل الروبلَ والدولارا أن نـبـلـغ الآمـال والأوطارا يـمـحو الفساد وينسف الأوكارا كـانـت تـعيش مذلة وصغارا كـانـت لـكـل الحائرين منارا فـيـه نـربـي صـفوة أبرارا حـتـى يـنالوا الخلد والأنهارا ونـعـود نرفع في الديار الغارا |
(2) رسالة إلى استشهادي
الشهيد هو من آمن بالله تعالى، وقاتل لإعلاء كلمة الله، وقتل في سبيل الله
والاستشهادي من استشعر حلاوة الإيمان في قلبه، وقدم نفسه لحياة أسمى من حياته التي يعيش.. فلا عجب أن يخترق تحصينات العدو، ويقوم بعملية استشهادية موجعة تؤلم العدو وتهز كيانه.
والاستشهادي صاحب عقيدة، خلص إيمانه من كل شائبة، وتحررت نفسه من كل خوف، ووطن نفسه على البذل والتضحية، وثبت على طريق الجهاد، لا يهادن ولا يساوم.. انطلق يجاهد في سبيل الله شوقاً إلى لقياه وحنيناً إلى جنته.
إنه فدائي صلب المراس، يتصف بالرجولة، يأنف الذل، ولا يقيم على ضيم. يقدم روحه فداء لعقيدته، ودمه دفاعاً عن وطنه، لا يهدأ له بال، ولا يستقر على حال حتى يتحرر وطنه، وترتفع فوقه راية الإسلام.
ولهذا فإن الشهادة مطلب عزيز، وهدف نبيل، وشرف رفيع في الدنيا ومفخرة عالية في الآخرة.. ومن أكرمه الله بها غنم، ومن آثرها على غيرها فقد ذهب بعز الدنيا ونعيم الآخرة.. الحرص عليها خلق رباني وموقف بطولي، يذكي حماسة المجاهدين، ويستنهض همم المتثاقلين إلى الأرض اللاهثين وراء الشهوات.
ومنذ قامت دولة الإيمان في مدينة رسول الله حرص الإسلام على تربية أبنائه على الجهاد وحبب إليهم طلب الشهادة دفاعاً عن العقيدة.. وغرس في نفوسهم أن سيد الشهداء حمزة رجلٌ قام إلى إمام جائر فنهاه فقتله.. وعلمهم أن الشهيد حي يرزق يعيش في كنف الله عز وجل.. فغدت الشهادة أمنية كل شاب مسلم عرف حقيقة الإسلام..
وفي عصرنا الحديث أدركت الحركة الإسلامية هذه المعاني فغرستها في نفوس الشباب، ونشأتهم عليها منذ الطفولة، وربتهم على الإيمان، فأصبح هتافهم المحبب: "الله غايتنا، والرسول قائدنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".. فكانت هذه المعاني الشعلة التي أنارت القلوب، والقبس الذي حرك النفوس، والإيمان الذي دفع الشباب إلى الجهاد والاستشهاد..
إلى هؤلاء الشباب الذين أذلوا الأعداء بعملياتهم الاستشهادية، ووقفوا على بوابة التاريخ شامخين، ليدخلوا الجنة من باب لا يفتح لسواهم.. نظم شاعرنا الدكتور مأمون هذه القصيدة عام 2002م..
وكما كان موضوع "القدس" غرضاً رئيسياً في شعر الدكتور مأمون فإن موضوع "الشهادة" هو أيضاً غرض رئيسي في شعره.. ففي هذا الموضوع، نجد له قصائد عدة.. فمجموعته الشعرية الرابعة بعنوان "رسالة إلى الشهداء" وهو عنوان القصيدة الأولى في المجموعة، تشتمل على قصائد أخرى عن الشهادة وعن فلسطين.. يقول في قصيدته الأولى من المجموعة:
لولا الشهداء لكان الكون بحار ظلام
ظلمات تغشاها ظلمات
من شهوات الحرص على الفاني
والغوص وراء التافه
والركض وراء سراب
فالحياة بكل صورها ونعيمها وألوانها وشهواتها أضغاث أحلام.. الشهيد وحده من عرف كيف يصحو ويبعث الحياة:
ليس جنوناً طلب الموت لنيل الجنة
ليس هباء جعل الجسد الفاني للأرض سمادا
يعد بموسم خير في أيام الجدب..
بعام فيه يغاث الناس بنصر
يا زيت القنديل تهاوت للموت ذبالته
فتعود إليه حياة
يا أعقل من كل العقلاء
وتتكرر في قصائده بعض المعاني عن دور الشهيد في الحياة، وعن أنه الحي والآخرون الموتى، لأنه عرف الحقيقة فتقدم للشهادة صانعاً الحياة، وفائزاً بالجنة.
رسالة إلى استشهادي(26)
(1)
واقف أنت على بوابة التاريخ فأدخل
باب عز لم يفتح لسواكم
شامخ أنت عصي العزم
تمتد رؤى الأمة في أفق مداك
(2)
ظنك الواهم فرّارا
فَكَرَّتْ قبضةُ المجد
تخط الذل في وجه عداك
(3)
أيها السائر في العتمة بدراً
يقبس السارون من وهج سناك
(4)
أمل الحاضر أنت اليوم
والمستقبل الموعود
تأويل رؤاك
(5)
أنت في بوابة الأمجاد بدر
فتقدم
صم سمعاً عن نداء
جاء من خلفك رخواً
وتقدم..
لا تلفت نحو صوت الحذر الموبوء بالعجز
ينادي من هناك
من وحول علقت فيها عبيد الوهم
نادوا بالهلاك
(6)
أنت حي.. وهم الموتى
وإن أبحرْتَ في الأفق شظايا
تتجلى لعبيد الطين..
من أعلى علاك
(7)
إنها بوابة الخلد
فأقدم
اضغط الزر
وكبر
افتح الشريان شلالا من المجد
ورش الأرض
كن بستان ورد
فيه فيض من شذاك
(8)
كن سماد الأرض
ينبت من شقوق الصخر جيل
يحمل الروح على الكف
وعيناه على الخلد
يحط الخطو في إثر خطاك
مختارات من شعره
(3) منية العمر
حياة الإنسان في هذه الدنيا محدودة، تنتهي بالموت.. وكفى بالموت واعظاً.. وقد عرض القرآن الكريم الموت على المؤمنين على أنه نهاية هذه الحياة القصيرة الفانية، لاستقبال حياة مطمئنة هانئة وادعة.. فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، وذلك لمن عرف كيف يحسن العمل في الحياة، ويحسن التخير في أسلوب الموت كذلك.. ثم عرضه على أنه قدر محتوم لا ينجي منه فرار أو حذر، ولا يتخلف عن لقائه أحد، فجميع الناس سيموتون الموتة التي كتبها الله لهم، ولكنهم سيختلفون في الطريقة التي يموتون بها. فمنهم من يموت وهو عاص لله سبحانه، ومنهم من يموت في سبيل الله وعلى طاعته.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعون والصالحون من بعدهم يعظون الناس ويذكرونهم بالموت.. فكان الخليفة علي رضي الله عنه يجمع الناس في مسجده ويقول: "إنما أخشى عليكم اثنين: طول الأمل، واتّباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، وإن اتّباع الهوى يصد عن الحق".. وكان أويس القرني يعظ أهل الكوفة ويقول: "توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم".. وكان سعيد بن جبير يقول: "لو فارق ذكر الموت قلبي، خشيت أن يفسد علي قلبي".. وكان لمواعظ الحسن البصري دور في تعليم الناس وتربيتهم، فكانت تكتب وتوزع مع بريد الخلافة، ومن تلك المواعظ قوله: "الخوف العاجل من الموت، يؤدي إلى التقوى المؤدية إلى أمن آجل في ظلال الجنان".
وهذه القصيدة التي نقدمها، نظمها الدكتور مأمون في المدينة المنورة في 21/8/2000م، وهي من أجمل قصائده. يتمنى فيها أن يموت في المدينة المنورة وأن يدفن فيها، وهذه غاية المنى عنده.. فلعل الله سبحانه يستجيب دعوته ويحقق له أمنيته الغالية، فينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم القائل:
(من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها)(27) (حديث صحيح).
وهذه القصيدة فيها من الموعظة والتوجيه التربوي لشبابنا بما يذكرهم بالموت، ويدلهم إلى طريق الاستقامة والتقوى، والتمسك بتعاليم الإسلام..
والدكتور مأمون من الشعراء الذين يذكرون الموت كثيراً في أشعارهم، ومن قصائده تلك: قصيدة "كل شيء لانتهاء"، و"الموت بلا ثمن"، و"رؤيا" و "خوف ورجاء"، و "رسالة إلى إنسان العصر"، و "مشاهد في عالم الفناء".
منية العمر(28)
يـا حـيـاة بما نُحِبُّ يـا لأنـوار طـيبةٍ حين تبدو طـاف في لجة الزمان يُرَجّي غـره غـفـوةُ الـخـطـوب وبـدا الـشـط من بعيد بعيداً واسـتـبدت به الظنون فأحنى سـبـقت عبرة الشراع جراح أنَّ صـاري الـسفين من هبة نُـذُرُ الأفق بالعواصف لاحت ذاك خـوفـي فهل بطيبة أمني وحـدةٌ، وحـشة، وظلمه درب وزمـان يـغـتال عمريَ يوماً يـا لـعمر حصاده قبض وهم يـشرق النور في علاه فيزهو مـصـعداً للجنان يعرج روحاً مـات وسـواسـه وولى هواه أهـيَ رؤيـا تـظل حبل نجاة يـغـرق القلب بعدها في ظلام هـي فـينا من عهد آدم كانت جـئـت ضيفاً إلى موائد نور لـسـت فيها مزاحما أهل دار جئت زادي حب الرسول وقوم طيبةَ الطيب هل تضمين جسماً |
ضنينة
|
مـنـية العمر ميتة في المدينة لـمـحـب ألـقى إليها حنينه فـي مـدى عـمره حياة أمينه زماناً فمضى يُسْلِمُ العباب سفينه ونـما الخوف فجأة في السكينة لـشـراع السفين يشكو ظنونه حـفـرتـها الرياح تعلو جبينه الريح فألقى عبر السكون أنينه فَـقَـدَ البحرُ إذا أطلت سكونه وعـدوي قـد بث خلفي عيونه ونـيـوب على المدى مسنونه إثر يوم والحينَ أبصرت حينه غـفـلة القلب شوهت تكوينه ويـولي صوب المعالي عيونه ذاب نوراً.. وخلَّفَ الطينَ دونه وسـمـا عـلـمه وأبدى يقينه فـي حـيـاة بكل حتف رهينة وقـيـود مـن شـهوة مجنونة لـقـمـة مرة.. أطالت شجونه مدها المصطفى فصارت مدينة وهـم الـوارثون نعمى ثمينة نـصـروا ديـنه وكانوا يمينه شـده الشوق منذ فارق طينه؟ |
الهوامش:
(1) قرية صانور تقع في محافظة جنين بفلسطين.. اشتهرت بقلعتها الحصينة التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ جبل نابلس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.. ففي العام 1798م استنجدت بها قلعة عكا ضد الغزو الصليبي القادم من فرنسا بقيادة نابليون، فقامت جموع جبل النار، وحاصرت الفرنسيين في أحراش غزون وأحرقتها عليهم، وحاربتهم في مرج ابن عامر، وقامت بمطاردة فلولهم في أرض فلسطين.
(2) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص54.
(3) ديوان: "قصائد للفجر الآتي"، ص74.
(4) شعراء الدعوة الإسلامية، ج3، ص80.
(5) ديوان: "قصائد للفجر الآتي"، 118.
(6) ديوان: "القدس تصرخ"، ص30.
(7) ديوان: "قصائد للفجر الآتي"، 60.
(8) ديوان: "مشاهد من عالم القهر"، ص33.
(9) ديوان: "مشاهد من عالم القهر"، ص43-44.
(10) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص60.
(11) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص13.
(12) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص10.
(13) ديوان: "مشاهد من عالم القهر"، ص73.
(14) ديوان: "مشاهد من عالم القهر"، ص41.
(15) ديوان: "مشاهد من عالم القهر"، ص38.
(16) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، ج3، ص83.
(17) اختير الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله، مرشداً عاماً للإخوان المسلمين عام 1951م، خلفاً للإمام الشهيد حسن البنا، وأظهر كفاءة نادرة ورجولة فائقة قلما يجود بها التاريخ الإسلامي. اعتقلته السلطات المصرية عام 1954 لنقده الاتفاقية المصرية البريطانية، وصدر الحكم عليه بالإعدام، وخفف إلى الأشغال الشاقة المؤيدة.
والأستاذ الهضيبي من أفذاذ القادة الذين عرفهم تاريخ الإسلام الحديث، قد صنعه الله على عينه، وأعده منذ الحداثة لأمر أراده، فحفلت مراحل حياته بإشراقات ومواقف تعتبر من أنفس الدروس التي ينشأ عليها ومواقف تعتبر من أنفس الدروس التي ينشأ عليها الرجال ويهتدي بها الدعاة، ولكنها مطوية عن أكثر الناس لما امتاز به صاحبها من التواضع وإيثار الصمت والتجرد الذي يسمو به عن أن يتلقى الجزاء إلا من الله.
(18) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص49.
(19) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص38.
(20) المشكاة المغربية – العدد 29، ص 174.
(21) ديوان "مشاهد من عالم القهر"، ص5.
(22) نحو آفاق شعر إسلامي معاصر، ص17.
(23) كتاب الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد، ص95.
(24) جريدة اللواء الأردنية، في 1/10/2003، ص33.
(25) ديوان "القدس تصرخ"، ص5.
(26) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص7.
(27) فيض القدير، شرح الجامع الصغير، للعلامة لامناوي، ج6، ص53.
(28) ديوان: "رسالة إلى الشهداء"، ص14 - 16.