أقواس أخرى من سيرتي الذاتية

أقواس أخرى من سيرتي الذاتية
رحلتي في مذهبي
بقلم الدكتور فاروق المواسي

    "إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل على الإيمان ، ولا يجوز حمله على الكفر. " محمد عبده

في الدين - كل دين - بحث عن اليقين . ولكنك - مع ذلك - كنت تستصعب التسليم بأي يقين ، ولسان حالك- فيما بعد- ما قاله أبو العلاء المعري :-

أما اليقين فلا يقين وإنما      أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا

وبسبب هذه الازدواجية: يقين- لا يقين، سأدعك تتذكر حكاية ما جرى لك في هذا الباب أو المشرع ، وما فكرت به ، وما اتُّهمت فيه ، إلى أن غدوت معتمرًا وتكتب قصيدة "الحج الأصغر" ، وحتى وصلت إلى قناعة ما، رغم ما ينتابها من موجات القلق الفكري والوجودي بين الفينة والفينة. تذكر في طفولتك أنك حفظت جزء عمّ ، وكنت تتردد على الزاوية الصوفيّة القريبة من منزلك تصحب والدك المتدين آنًا، وتدركه آنًا آخر في عتمة الليل عند صلاة الصبح - دون أن تخشى أحدًا- رغم منع التجول . كنت تقرأ الأوراد مع الدراويش، وتقيم معهم حلقات الذكر ، بل تترنم وأنت تردد: نحن بالله عزنا والحبيب المقرّب بهما عز نصرنا لا بجاه ولا منصب كل من رام ذلنا من قريب وأجنبي سيفنا في قولنا " حسبنا الله النبي "

صليت تسع سنوات ، وصمت حتى النوافل، بل أذّنت لصلاة العصر مرتين ، وخلا الميدان لك بعد غياب المؤذن ، وكيف تنسى أنك صليت في الناس إمامًا ذات مرة. وحفظك الدين من بضعة أخطاء أو موبقات وقع فيها بعض أبناء جيلك، وذلك لأنك كنت تؤمن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، ولذكر الله أكبر . وبسبب الاتصال بالكيبوتسات أو المستوطنات مرة وبسبب اشتراكك في الخلية الشيوعية أحيانًا ، اصطدمت بآراء أخرى مباينة، وأفكار دُهشت لها أولاً، ولكنك سرعان ما أخذت تسائل نفسك: وأنًى لي أن أثبت لهؤلاء إن هناك إلهًا بكل أسمائه أو صفاته التسع والتسعين؟! مضت سنوات عشت فيها في شكٍ مريب، لا تجد في يفاعتك من يوجهك أو يشرح لك أو يجيبك عن تساؤلك عن حقيقة الله والملائكة والشياطين والجن والبعث والنشور والعقاب والحساب ويوم القيامة، وعن دور الأنبياء، ومن هم؟ ومن هم الأولياء؟ وما هي حقيقة الإسراء والمعراج، وما هو القضاء والقدر؟ وهل الشر هو من صنع الخالق أيضًا ؟ وهل أنت مسير أم مخيًر؟ وكانت الأسئلة تزداد كلما طالعت القرآن وكتب الحديث، فتخضع ما تقرأه للمساءلة، وتسأل: لماذا سمح الإسلام بالرق؟ وما هذه الأحكام التي يعاقب فيها السارق أو الزاني أو القاتل أو الذي يريد طلاق زوجته ثم العودة إليها؟ وتظل الأسئلة حول المرأة أكثر ما يضايقك، فأنت لا تعرف كيف تجيب، ولا تجد مرجعًا جادًا يوجهك، فلماذا للمرأة النصف في الميراث ؟ ولماذا الرجال قوامون على النساء؟ أليست هناك نساء أقدر على تصريف أسباب الرزق - خاصة إذا كن بمستوى تميّزٍ عن بعض الرجال؟ ولماذا شهادتها لا تعادل شهادة الرجل؟ ولماذا يمكن أن تُضرب إذا لم تطع زوجها؟ ولماذا أصلاً يمكن للرجل أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع ، ويحق له الطلاق متى شاء بينما لا يحق لها قرار الطلاق متى شاءت - وبنفس التساوي ؟ وهل طلب منها أن تضع على رأسها النقاب؟ في أية آية حصرًا؟ وهل يعني قوله "يدنين عليهن من جلابيبهن" أو قوله "يضربن بخمرهن على جيوبهن " يعني أن يغطين شعورهن، و.... ؟! أسئلة وأسئلة لم تجد من يفهمك أو يوضح لك، وكان أبوك قاصرًا عن الإجابة رغم محاولته المخلصة في الذود عن حرمات الدين وعن المسّلمات.

فإذا ما قرأت بعض الردود من الكتب المتيسرة على هذه المسائل وجدت الظلع في الإجابات ، فتؤثر أن تسكت خوفًا من الهجوم الكاسح أو الاتهام من هذا وذاك بأنك كافر مارق ...فرحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم .

اعترف الشيخ (ع) لأبيك أنه أوقف تعليم ابنه في المدرسة الثانوية خوفًا من فساده كما " فسدت" أنت، فالتفكير يؤدي به إلى التهلكة ، ولا يزيد ه ذلك إلا خسارًا أو تبارًا ، بل إن والدك طلب منك الابتعاد عن كتابات خالد محمد خالد التي كانت " شركة الكتاب العربي " تسوقها فهو الذي "أتلفك"، وكان أبوك يلعنه دون أن يقرأه . وألح عليك أن تجالس الشيخ سعيد الجتّي الشيخ الأزهري لتسأله ما يعن على بالك.

ولم تجد لدى الشيخ الذي أحببته لدماثته ما يشفي غليلك ، وكان في بعض إجاباته تكرار لجمل أو نمطية في الفكر ، ولكنك أحببته .... فرثيت الشيخ يوم أن توفي ، وقرأت على ضريحه قصيدة طويلة ،فخلعت عليه شعرًا قلت فيه ما يراه الناس فيه ، و منها : يا مرجعًا للعلم من سيؤول فينا مرجعا نأتي إليه فنهتدي ونعود نكسب منفعا خلفت أرض العلم هذا اليوم تبكي مدمعا وجعلتنا أيتام هذا الدين والدنيا معا فتواك يا شيخي لتنطق " كان فذًّا أروعا والهيبة العظمى على نور تألق بالطيوب بقيت تحلق فوقنا وتضيء في كل الدروب

ثم أخذت تتهرب من مجابهة المسائل الدينية، حتى ظننت أنّك تستطيع أن تعيش مستقلا دون اللجوء إليه ، ولتترك للناس معتقداتهم وعاداتهم . وقلت :- لماذا من الضروري أن تحمل نفسك ما لا طاقة لك به ؟ ومن قال إنك مسؤول عن إجابة كل معضلة . * * *

مسابقة القرآن :

في آذار سنة سبع وستين أعلنت الإذاعة عن مسابقه في حفظ القرآن الكريم تحمست لها لأسباب لغوية محضة ، وقررت المشاركة فيها . ويبدو أن غرض القائمين على المسابقة لم يكن نزيهًا تمامًا ، فقد تزامنت مع حزيران سبع وستين ، فأقبل الناس على البرنامج ، واستمع إليه كذلك أهلنا في الضفة والقطاع - ممن ستحتل إسرائيل أراضيهم بعد أقل من ثلاثة أشهر ، فأخذت الإذاعة تعيد بثّ المسابقة مرة تلو المرة ، ولسان حالها يزدهي بالحرية الدينية المتاحة للعرب الذين بقوا في ديارهم عام ثمانية وأربعين ، فلا تخشوا يا عرب السبع والستين !!! وزار بيتك بعد الاحتلال بعض الأقرباء وغير الأقرباء ممن جمع بينكم الاحتلال ، وسألوا عن هذا الفتى " رجل القرآن الكريم " ، وكنت كأنك في عرس آخر فيه جلالة ومهابة ، لم تكن قد نعمت بهما يوم عرسك . ( قيل لك إن المسابقة كانت أصلا لاختيار قاض للمحكمة الشرعية ، ولكن طابعها تغير عندما وصلت إليك ، ولم تهتم ولم تغتم ) . سأعود بك إلى مسابقة القرآن الكريم وكيف بدأت : رشحت نفسك للمسابقة الإذاعية التي أشرف علها الإذاعي أبو جرير ، فقد تم تسجيلك متأخرًا بناء على رغبة مشتركة لك ولوالدك . أما أنت فكانت رغبتك أن تخوض بحر اللغة العربية ، فلا فهم لغوي حقيقي دون تدبر آيات القرآن وبلاغته ، وأما والدك فكانت بغيته تشجيعك على العودة لله - على طريقته هو ، فقد أغراك بأنه سيضاعف الجائزة المالية وتكون الجائزة من حظك جائزتين . تقدم للمنافسة نحو خمسين متسابقًا ، منهم الإمام في المسجد ، ومنهم الفقيه المتعبد ، ومنهم من لا ينثني عن ترديد الآيات التي يصعب حفظها - ليل نهار - ، و عجبت لبعض الأسماء المشاركة ، مما لا يحسن بك الإفصاح عنها . في الامتحان الشفهي للتصفية الأولى ورد لك السؤال : اذكر ثلاث آيات تبدأ بقوله تعالى " الله لا إله إلا هو ..." ؟ كنت تحفظ آيتين هما آية الكرسي ، والآية الثانية من آل عمران ، فارتأيت أن تحسن التخلص أولا ، فتبدأ بما هو ليس متوقعًا ، فأخذت تجمع بين أجزاء آيات ، ولم تتلجلج ، فإذا الأمر يمر بسلام ، ولم يعترض أي من أعضاء اللجنة خشية من اتهامه هو بأنه لا يحفظ ، وإذا بك تفوز في التصفية . في مسجد الجزار كانت المسابقة النهائية ، وقد دعي إليها مئات الضيوف من علية القَوْمين ، وانطلقت الأسئلة تترى ، والإجابات على إثرها ، وبدأ المشاركون يقصّرون في السباق الواحد تلو الآخر حتى بقي اثنان : أنت وأبو فاروق من قرية مجاورة لبلدتك . أغراك أبو فاروق بأن تحظى بالجائزتين معًا - وأقسم - على أن تفسح له مجالا بالفوز ، فهو يخشى ألسنة أهل بلده ولذع سخريتهم فهو مدير المدرسة ، وهو في عمر متقدم ، و لن ينسى لك صنيعك . قلت له وأنت تنظر إلى والدك ونخبة من أصحابه ، وقد حضروا لسماعك : " وماذا نقول لأبي فاروق الآخر الذي يبتسم من بعيد مزهوًّا ؟ " وأعلن عنك أنك " نجم الشهر " و " حافظ القرآن " و " رجل القرآن الكريم " . هنأك الناس من كل حدب وصوب ، وسرت على بركة الله رغم قصيدة كفرية غاضبة أطلقتها في أعقاب النكسة ، ولم تنشرها ، وكأن الله هو الذي ساق إلينا الهزيمة ؟ وكأن الشاعر فيك قد نسي " ...لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . * * *

سمحت السلطات - ولا يهم من هي – للعرب في الداخل أن يؤدوا فريضة الحج ، ومع الفوج الأول سنة 1978 كان وداع أشبه بمهرجان متواصل طيلة ثلاثة أيام ، وكان لك القدح المعلى – أنت ونخبة من زملائك - في إدارة دفة المهرجانات ، بل ألقيت قصيدة عبرت فيها عن مشاعرك الدينية قلت فيها : ودع حجيج الله واسأل ركبهم أن يقرئوا أرض الحجاز سلامنا إنا لفي لهف نحن ونرتــجي أن يرفع الإسلام صوتًـا بيّنـــا .... ، ولم تنشر هذه القصيدة كما لم تنشر عشرات غيرها ، لأنك اعتبرتها خطوات أولى في مسيرتك الشعرية . ثم ألقيت قصيدة في الترحيب بالحجاج بعد عودتهم ، قلت فيها : رحب بحجاج بيت الله والحرم أهلا وسهلا بكم من معدن الكرم كيف الرسول وأهل البيت عترته إني أحبهم في خاطري ودمي ......... ليست ديانتنا قشرً ا يزيننا بل جوهر صوغه من ثورة الهمم ما الشكل إن لم يكن مضمونه دركًا للبر والأمر بالمعروف والحكم

* * *

محنة :

برغم ذلك فعنك لم يكن مرضيًّا لدى بعض أفراد المجموعة الإسلامية التي ضبطت في أواخر السبعينيات ، ولا تدري كيف بلغك أن اسمك كان معدًّا للتصفية الجسدية - بسبب آرائك في الدين - ، وذلك أسوة ببعض الشيوعيين وبعض العملاء . ثم وصلت إليك بعد بضع سنين رسالة بتوقيع ( المسلمين ) مؤرخة في 1 / 11 / 1982 ، وهي مهيأة لأن تكون منشورًا سيوزع في المساجد ، ومما جاء في الرسالة : " لقد تعودنا أن نلتقي لمعالجة قضية معينة أو للرد على مغرض أو مضلل ، أو للتحذير من مؤسسة هدامة تبث سمومها خفية وتحت شعارات براقة خادعة . وهذه المرة نكشف لكم القناع عن وجه بشع وصورة قذرة لمعلم انحط إلى أسفل سافلين ، ولطخ شرف المهنة التي استغلها لمآرب دينية . هذا المعلم هو فاروق مواسي . فقد توجه إليه أحد الآباء مستشيرًا إياه بخصوص تعليم بناته ، فقال له : - أنصحك بعدم تعليمهن لأنه لا أمان على البنت في هذه الأيام ، فمثلا أنا عندما ألتقي طالبة لا أغض عنها بصري ، وأتملى جميع أجزاء جسدها - ، وعلل ذلك بأنه يحب الجمال ويتذوقه ، وهو يركز أسئلته على الطالبات المثيرات من الناحية الجنسية ، وكانت دهشة الأب لا تقدر ، فقرر بعد ذلك أن يمنع بناته من الاستمرار في التعليم الثانوي .... لهذه الأسباب وغيرها طالب المسلمون وما زالو ( ؟ ) يطالبون بفصل البنين عن البنات ، واختيار المعلمين الأشراف . إننا نهيب بالمجلس المحلي أن يطرد مثل هؤلاء الساقطين وإبعادهم رحمة بأبنائنا وبناتنا ... " ويبدو أن الكاتب أدرك مدى تجنيه ، فكتب رسالة أخرى بدون توقيع : " إلى فاروق مواسي السلام على من اتبع الهدى ! ( لاحظ نوع السلام وخلفيته ) عندما استعرضت ( ؟ بدل استعرضنا ) المنشور قبل الطبع وجدت فيه أشياء خطيرة جدًّا ، تحتاج إلى التحقق والاستبانة امتثالاً لأمر الله عز وجل " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيـنـو " ( ؟ ) ، لذلك فإننا نمنحك فرصة الدفاع إذا كان ما ورد في المنشور غير صحيح ، أو الاعتراف والاعتذار إن صح ، وذلك بأن تحضر إلى المسجد بعد صلاة العصر من يوم السبت 6 / 11 / 1982 ، وتعلن موقفك على الملأ ( ؟ ) الحاضرين . إذا لم تحضر وتبرر موقفك فإن المنشور سيصدر وسيوزع . نود أن نزيدك علمًا أن الأب الذي استشارك هو ( ي . غ ). " توجهت إلى هذا الأب ، فأنكر كل الإنكار أن يكون قد جرى بينك وبينه أي حديث ، واستشاط غضبًا ، وقال لك : دعهم لي ! فأنت أشرف من الذين يحاولون المس ببناتي ، وأنت آمن منهم . إنهم يعرفون مدى حرصك ودفاعك عن حق الفتاة بالتعلم ، فجاءوا يهاجمونك في نقطة قوتك . ولم يكن في نيتك أصلا أن تذهب لمحاكمتهم ، ثم بلغك بعد ذلك أن الأمر لم يمر بسلام . ورددت في إيمانك : " قل جاء الحق وزهق الباطل "

وفي خارج باقة أيضًا :

أصدرت لجنة الآباء في المدرسة الثانوية في أم الفحم ( يسمونها أم النور في كتاباتهم ) في 1 / 12 / 1982 كراسًا اتهموا فيه مدير المدرسة الثانوية بإدخال نصوص للمطالعة تدعو إلى سوء الأخلاق ، ومنها نصوص فاروق مواسي ، فسألوا في الكراس : " إذن ماذا تقول عن كتاب ( اعتناق الحياة والممات ) لفاروق مواسي حيث يقول في الصفحة الثامنة تحت عنوان - قصيدة غزلية: مطر ما بين نهد وشفــه وبياض وبياض لدروب المعرفـــه أستريح الآن من أتعاب ماضيَّ بحضــنك .... أوليس هذا فساد أخلاق ؟؟ وفي صفحة ( 18 ) يقول فاروق في قصيدة ( الرحلة ) : والعلم يدل على غيبـــة رب أو أن الله بكل الذرات فتعالى الله !!!

ثم كان أن كتبت للمشرفين على إصدار الكراس لتبين لهم تجنيهم ، وذكرت لهم أن الغزل مشروع ، وقد سمعه الرسول من كعب ، فخلع عليه بردته . أما القول الثاني فينتهي بـ" تعالى الله " ، وقد ارتأى كاتب المقال أن يحذفها على طريقة " ولا تقربوا الصلاة .... " مما يدل على سوء طويّـة . ثم رد عليك من وقع باسم يوسف محمود محاميد برسالة ذات ديباجة دينية طويلة ، فأخذ يناقشك في المجاز والبلاغة أنت بالذات ، ويتعسف بالتأويل ، ولا بأس إن أثبتّ بعض ما كتب في رسالته :

" والعلم يدل على غيبة رب "......هذا يدل على عقيدة واقتناع القائل نتيجة رحلته العلمية واحتوائه علم الأولين والمعاصرين . " أو أن الله بكل الذرات " ....هو في علم البلاغة تساؤل إنكاري . " فتعالى الله " .....هو في اعتقاد القائل أنه بعد أن ثبت له ( علمه ) ودله دلالة قاطعة على غيبة رب . يكون المقطع الأخير في اعتقاده وما يعنيه هو قول الجاهلين والأغبياء الذين لم يتعلموا كما ( تعلم وعلم ) القائل علم الأولين والمعاصرين ، ومع سياق المعنى مع المقطعين السابقين له . هو أيضًا في علم البلاغة أيضًا جواب إنكاري . أفبعد هذا ما هو أشد كفرًا وإلحادًا وزندقة من هذا القول ؟؟؟؟!!! " ويمضي صاحب الرسالة كاتبًا : " اعلم أننا لسنا في مجال النقد للشعر والأدب إن وُجد ، ولكننا في معركة الرد والإيضاح على الهجمة الحاقدة الخبيثة الماكرة والمركزة على الفكر الإسلامي ككل . والرد هو من أجل قتل الفتنة الي أريد لها أن تحتدم ويشتعل أوارها . وقولك إن الرسول سمع الغزل من كعب في ( بانت سعاد ) فالجواب : أين وجه المقارنة مع الغزل العاري والأدب المكشوف والشعر الإلحادي .........فعودة يا فاروق كعودة كعب بن زهير ، ودخلة كدخلته في الإسلام مجالدًا ومنافحًا عنه ، كيف لا وأنت الحصيف الكيِّــس ، إن شاء الله " يوسف محمود محاميد 23 / 3 / 1983 وبقيت تردد في إٌيمانك " وقل رب زدني علمًا "

علقة أخرى :

في 6 / 12 / 1991 كتبت مقالة في " القنديل " التي كانت تصدر في بلدك ، خاطبت فيها هؤلاء الواعظين في المآتم أن يكفوا عن ذكر البدهيات ، ، والإلحاح على أن الموت سيكون مآلنا ، فقلت " نحن بحاجة إلى من يثقفنا ، لا إلى من يذكرنا بالموت " وقلت " إن عظمة الإنسان بالذات وروعته تتأتى بسبب تناسيه الموت واستمراره بالعمل " وناشدت الوعاظ أن يفسروا لنا الآيات ويعرفوننا بقيم دينية وثقافية مختلفة بدلا من التركيز على ذلك .... ( أعيد نشر المقال في كتابك " حديث ذو شجون " ، النهضة ، الناصرة – 1994 ، ص 155 ) أثار المقال أولا أحد زملائك ممن كانوا يعظون ، وظن أنك تقصده ، فأخذ يرغي ويزبد ويتحرش بك ، وكدت تتشابك بالأيدي معه ، ويعلم الله أنك لم تقصده ولم يكن في خاطرك ، وقد نسي هذا أن هناك من أثنى على المقال من بين رجال الدين بسبب القصد النافع من وراء المقال ، وخاصة صديقك أبو زامل الذي لا تأخذه في قولة الحق لومة لائم ، فأخذ يثني على المقال في كل حديث عنه . ثم رد عليك الشيخ توفيق محمد عبد الجواد في ( صوت الحق والحرية 13 / 12 / 1991 ) بمقالة تحت عنوان " عظة لواعظ الوعاظ " ، ومما ورد في مقالته : " إن الثقافة والعلم والتفسير والإلمام بكل العلوم التي سبق ذكرها كله يبقى فارغًا دون معنى كالزبد يذهب جفاء إذا لم يكن مقرونًا ومدعومًا بالقلب السليم الخاشع والعقيدة الصافية التي يصلها الإنسان عن طريق معرفته لكُـنْـه الدنيا والآخرة والتذكير بالموت والاستعداد لدار الخلود ....فنحن جميعًا وأمتنا كذلك بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يذكرها بالموت ....." ثم أخذت الرسالة تذكّر بأحاديث تناولت " هادم اللذات " و بأنه الواعظ وكفى به . تلا ذلك نوع من الحصار ، فأنى توجهت كنت تجد منتسبًا للحركة الإسلامية في هذه القرية أو تلك قد عرفك واتخذ منك موقفًا ، فأنت قلت في قصيدة كذا - كذا وكذا والعياذ بالله ، وأنت .. وأنت ... ، وكنت تناقش أحيانًا أشخاصًا لا تعرفهم وتذود عن نفسك وتنكر طريقة فهمهم . وصل الحال بفئة باغية أنهم أشاعوا أنك دست على الكتاب الكريم في الصف ، وأن الطلاب ضربوك ؛ والإشاعات لمن لم يمر بتجربتها تخرج الإنسان عن طوره ، فيحتاج آنًا إلى الهرب ، وآنًا إلى البكاء ، وأخرى إلى المجابهة الحادة والغضب . ووصل الأمر بأحد الأئمة الشباب أن يحرض عليك في خطبة صلاة الجمعة ، ومن العجيب أنه من خاصة أقربائك ، فقد ادعى أنك قلت في الصف أن القرآن ليس كلام الله ، وأنه ليس معجزًا ، وأنه ...ولم يذكر اسمك ، بل ذكر صفاتك ، فالمعلم هذا أيها المؤمنون - شاعر يعلم العربية منذ كذا سنة ، و قد أصدر كتبًا ، وووو يومها سألتك أمك وهي تبكي وتخشى على حياتك : أصحيح يا ولدي ما يقوله عنك الشيخ ؟!! أغضبك ذلك جدًا ، فقررت التوجه هذه المرة للشرطة ، دون أن تقتنع أنها ستفعل شيئًا ، وبالفعل لم تجد الشرطة - كما ادعت - بينة أنك أنت المقصود . وبقيت في إيمانك تردد " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " . ومضت الأيام . محنة جديدة :

وإذا بمعلم الدين إياه يتربص بك وأنت لا تدري . قلت في صف من الصفوف أن المسيح عليه السلام مات كسائر البشر ، واقتبست ما ورد في القرآن " فسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا " وقوله " فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ..." . فإذا بالمعلم قد هاج وماج ، وحرض الطلاب ، فمن المحظور عليك أن تقول شيئًا دينيًا ما دام هو في الحضرة . ويكتب المعلم بخطه رسالة إلى مدير المدرسة ونسخة منها للسلطة المحلية وقعها الطلاب ، و ورد فيها : " إن هذا الأستاذ الفاضل طالما عمل على التشويش على الإسلام وعلى إيصال فكرة معينة إلى الطلاب تسيء إلى الإسلام بكلماته المغلفة ، فمثلا في 21 / 11 / 95 في الحصة الأولى طرح في الدرس آية " إني متوفيك ورافعك إلي ..." فأكد أن المسيح توفي ، ثم أخذ يسأل : محمد سيد الأنبياء مدفون تحت التراب ، وعيسى يسرح ويمرح ، كيف هذا ؟؟؟! عجبًا لك يا أستاذ ، أتريد أن تعلم الله كيف يتصرف ؟ اتق الله ! نسأل الله الهداية له ، وأن يكف عن تشكيكه وهجومه على الإسلام وأهله . كما نرجو النظر في هذه القضية التي تخص عقيدتنا ومبادئنا ، وأن تبحثوها بمنتهى الجدية " طلاب تخصص الدين الإسلامي - باقة الغربية وتطور الأمر أكثر ، فإذا بمعظم طلاب الصف يخرجون من حصتك أو تعلن توبتك . ثم حضر وفد ديني إلى الصف ، وجرى حوار بينك وبينهم جميعًا ، وكدت تقنعهم لولا أن قرروا مسبقًا إدانتك ، وما هي إلا دقائق فإذا بالأستاذ يصرخ : أنت علمتني ، وأنا أعرف كيف تغلف آراءك . إذن هذا من تلاميذك يا فاروق ، وها هم تلاميذك اليوم يحتجون عليك ولا يريدونك ، فاشرب ماء !

لا . لا ، لا تنس كيف وقف معك بعض الطلاب كالأسود ، وخاصة الطالبات – كاللبؤات - بشجاعة منقطعة النظير - ذهلت لها أنت كما ذهل لها الحاضرون . كانوا قلائل ، لكن أصواتهم طغت ، فدافعوا عنك وعن إخلاصك وحبك للطلاب وللمعرفة ، وطلبوا منهم أن يثبتوا كفر ما قلته ، مما جعلهم يتراجعون عن ادعاءاتهم التي بدأت حادة ، فإذا بها " يجوز الوجهان " . لم يكفوا عنك ، فتوجهوا إلى كلية الشريعة حيث تعمل ، وتوجهوا برسالة إلى مديرها صديقك أبي زامل - الذي ذكرته آنفًا - فصدهم عن سبيلهم ، وقال لهم إن ما نسيته أنت من معرفة لن يصلوا إليه فحرام عليهم . ولم يكتفوا بذلك ، فإذا ببعضهم يعقدون جلسة في قاعة المجلس المحلي للنظر في كفرك وخطرك على الطلاب المسلمين ، وإذا بأحدهم - وهو من أقربائك أيضًا - يصرخ في الجلسة : " هذا سلمان رشدي " . ووقفت وحيدًا ، فأصدقاؤك الذين تسامرهم غابوا عنك ، وأصهارك وأخوتك لم يصدقوا هول ما أنت فيه ، فلاموك على تورطك معهم ، فماذا يدعوك لأن تقول كذا وكذا .... ؟ آل بهم المآل إلى تهديدك بصورة مباشرة وغير مباشرة ، فأخذت تحسب لهم الحساب ، فمن يدريك أن أحد فتيانهم ممن غسلوا أدمغتهم يكمن لك تحت شجرة في دارك فيطعنك ؟ كنت تصل إلى المنزل فتطلق صافرة السيارة حتى يرافقك أبناؤك إلى الباب ....... ثم بدأت الأحداث بالتلاشي ، فإذا بنفر من الشيوخ في هذه الحركة يحضرون إلى منزلك بدعوى استجلاء الحقيقة ، ويكون بينكم حوار ودي أظهرت فيه معرفتك بالدين أكثر منهم ، ولكنهم خرجوا بتوصية فيها غمغمة أن عليك أن تعود إلى الهداية والصواب كما عادوا هم ، وأنك إن عدت ستكون قائدهم ووووو

وسجلت محنتك في قصيدة " أغسل خوفي " ونشرتها في الصحافة ثم في ديوان " لما فقدت معناها الأشياء " حيث كانت حاسمة ، ولا بد منها هنا :

أَغْسِلُ خَوْفي

قد يَكْمُنُ لي " وَجهٌ " أو آخرُ أَو آخَرُ حتى الآخرةِ وَبينَ حدودِ الخوف ممنوعٌ أن تروِيَ أن تنويَ قال : ( فأنا وحدي أعوي من ثَمَّ الجوقهْ ) خلعوا سروالَ هَباءْ
  
ما شاء الله – معنىً وفضاءاتٍ مَعْدومَهْ يا زمنًا منكفئًا غُصْ ! هاهم ظَلُّوا بِتَفاهاتٍ مُدْهِشَةٍ ( مُكْرشةٍ آنًا ) أو صَلَّوا كلمات صاموا في كلمات جرحوا ذاكرتي في آيَةِ "....زدْني عِلمًا " بتفاصيلٍ جعلوها في فعلٍ –" اُسْكتْ " وسمواتٌ فارغةٌ ظَنُّوها ممتلئهْ ( أو مُفْعمةً بالحُور ) وَأَنا أُمسِكُ بِتلابيبِ الأشياءِ أُعَرِّيها وَأُمَنِّيها وَأُجاريها أغْسِلُ خوفي في خَوْفٍ مُتَناهٍ حتى أَنْسى معنى الخوف أولادُ اللؤمِ وأولادُ الحقدِ وأولادُ الـــ.... ويُريدوني ألاَّ أنْسى كيف يَخيطونَ المعنى من لا شَيء جعلوا لُغتي لا تَنْبضُ، أو لا تقبِضُ مَع أَنِّي أقْبضُها بمجازٍ وَبِحُبٍّ يا أقفاصَ القارِ المبثوثِ بشَعرٍ كهَباءٍ مُنْبَثٍّ في العارِضِ والعارِض أَيَّةُ أجسادٍ أَيَّةُ آمادٍ لا تدري من أنتم وأنا مُتَّكِئٌ ، وفراشُ الذِّكْرى مثلُ وِسادهْ أَقَتنصُ المعَنْى مِن مَعْنًى مِن خَلْفِ نِقاب الحَسْناء وَيْ لامرأةٍ وضعتْ خَيْشًا فوق جبينٍ في أحسنِ تقويمٍ وَجَبينِ بَهاءْ أدعَكُ شَمْسي . والشمسُ ها قد أَفَلَتْ هذا رَبِّي ، هذا أكبر وهدايَتُهُمْ كَانتْ في بحرِ ضَلالٍ مَسْجور يُدعى " حُسْنًا " مأساةٌ كُبْرى ! اختَصِِرِ الدُّنيا كَلِماتٍ غَضْبى وبآياتِ الفُسْقِ تَوَقَّفْ ! اِعْرفْهُ بِسيمائِه من بَعْدِ غَباء كانَ وظَلّ قلتُ: هُنا مَعْنى تَكرار الشَّمسِ وَمعْنى تكرارِ الليلِ وَمَعْنى تكرارِ القَوْل لا تُدْخلني رَمْزًا لا تُطْعمني خُبْزًا فَأنا في دائِرةِ الجَهلِ المَجهْولِ ... سَأخُرج غُذَّ السَّير! أَطْعَمْتُ الليلَ الخَوْفَ فَما خَاف سِرْتُ أَنا بَيْنَ القَوْلِ وَبَيْنَ الإيلافْ وَأُحيطُ بِكُلِّ الأشياءِ العِلْمَ لأَنِّي أُوتيتُ مِنَ العِلْم قَليلا أُوتِيتْ أَقْبضُ ضَوْءًا في وَسْط الظُّلْمَةِ أَقْبِضُ ضوءًا ضوءًا ضَو ضَو هل وَصَّفْتَ لآلئَ عَرْشٍ كانَ يَكُون
  
أنتَ هناك تُعانقُ هَيْكَلَ عَظْمٍ - قُلتْ لَهُم :" إني أَعْلَمْ بِهُيولى الأَشْياءِ أَنا أَحْلُمْ أَمَّا أَنْتُمْ يا أَنْتُم – أَولادَ ضَلالَهْ لا تَحْوُونَ الطِّيبهَ (لا تَبْغُونَ دلالَهْ ) كَلِماتي تَجْري فِي دَرْبِ بَراءَهْ والأبْناءْ خرَجَوا مِنْ دَرْسي مِن عُرْسي يا غَرْسي ، هَل ذاكَ بُكاءْ ؟! وَكَذا يا قُبَّعتي في الرِّيح طارَتْ وَهْيَ تَطيرُ إلى رَوح ، فَلَعلَّ تُلاقي كُثْبانَ الشَّوْقِ الَممْهورهْ ذَرَّاتٍ مَسْرورهْ وَلَعَلَّ العُشْبُ عَلى الأيَّامِ يَكونُ لها خُضْرهْ بَعْدَ الصُّفْرهْ وَصِفاتُ نُعومهْ مِنْها ما أَعْرفُ مِنْها ما لاأَعرْف مِنْها ما لن أعرف منها يَخْتَلطُ الدَّمُّ على شُرُفاتِ المَعْشوقهْ اجعَلْ عَيْنِي دُرًّا يا وَغْدُ ! لا لا، كَيْفَ سَيَجْعَلُ عَيْني دُرًّا ما دامَ الوغْدَ ، وَما دامَ الوَعْدُ يَسُوقُ الوَعْد ليس يضيرك هل سَلَّحْتَ القَلْبَ بمَعْنى الجأشِ ؟ هل بُلْتَ على أَنْفِ حُمَيَّاهُمْ؟ ها بوذا وَمَسيحٌ وَجَريحٌ وَكَسيحٌ عِنْدَ النّاصِيَةِ اليُسْرى في سُؤْلٍ تَسْآلٍ عِنْدَ خِوانِ إجابَهْ فُكُّوا إنْ شِئْتُمْ كُلَّ رُموزِ السِّرِّ دُلُّوني حَتَّى أَبْقى بِمَعاني الطِّيبِ مَغْاني الفَجْرِ حَتَّى أرْقُصَ مَعْ غَيْثٍ مَخْبولٍ مَهْمُولْ كَيْفَ يُوَاتي مَطَري هذا حِقْدًا مَسْلُولْ لَو تَتَدَحْرَجْ يا زَمَنُ ! لو تَتَمَّرى في مِرآةِ شَجَنْ ! كنتُ بقيتُ أَنا عِنْدَ خَليجِ الأيَّامْ... بِعِناقٍ وغناءٍ وهُيامْ يَسْمَعُني حتى الْمَجْنونُ بلا جِنَّهْ تشْكُرُني مِنْ غَيْرِ جَميلٍ أو مَنَّهْ هَل يَعرفُ قَلْبي كم عانى مِنْ أَنَّهْ لو أَنَّهْ........

16/3/1995

* * *

* * *

وتجد نفسك في سبيل تشقه لنفسك ، فأنت تؤمن بالله إيمانًا صوفيًا عميقًا ، وأن الإيمان مائة شعبة أولها قول لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق ،وكنت تردد " الدين المعاملة " و " الدين النصيحة " و تتسامح مع أبناء الديانات الأخرى فـ " لكم دينكم ولي دين " ، وتدرك أن التقوى تعني الخوف الحقيقي من الله ، فلا تعتدي على حق ، ولا تكذب ، ولا تسيء و ... ،أن تكون إنسانًا بمعنى الكلمة ، وليس القياس في ذلك نابعًا من العبادات وحدها . شاع بين أصحابك منهجك وفهمك لله سبحانه ، حتى أخذ بعضهم يتغامزون أن لك " الله " خاصًا بك ؛ وشهادة حق أن بعضهم أخذ يردد – فيما بعد - مقولاتك وآراءك وينسبها لنفسه ، بعد أن كانت مقولات الإلحاد على لسانه ، وكأن هذا الكون بتجلياته تأتّى بدون خالق وبدون عقل كلي نظم القوانين والأسس لهذا الكون بما فيه . وكنت قبلا قد قبلت تكليف مدير المدرسة الثانوية سنة أربع وسبعين أن تدرّس مادة الدين لصف من صفوف الثانوية ، وإذا بك يومها - تصول وتجول ، وتفلسف المعاني والفرائض ، وتوصل الطلاب بفكر الاعتزال ، فالقدر هو ما تقدره أنت من أعمالك ، ويجب أن ننزه الله عن ابتغاء الشر لمخلوقاته الأبرياء ، والصلاة هي صلة بين العبد وربه ، ويمكن أن تكون هناك أكثر من وسيلة لهذه الصلة ، و كنت تفيد من كتب مصطفى محمود ومن كتاب نديم الجسر " قصتي مع الإيمان " . وهذا الكتاب بهرك وشد من إيمانك إلى درجة أنك كنت تبحث عن كتاب صنو له يكون عنوانه على غرار " قصتي مع العبادات " ، وقد سألت – فيما بعد – الشيخ عبد الله نمر درويش في جلسة حوار عن ذلك ، وذكرت له يومها أن البحر لا ينتظر خضوع ذرات الرمل ، وأن عظمة الخالق لا توجزها كلمات مهما بلغت .

الشيخ رائد صلاح :

كانت علاقتك الشخصية المباشرة مع هذا الشيخ الجميل الجليل راضية مرْضية ، حتى في قرية كفر مندا وفي حدة الحوار بينك وبينه . فقد دعيت أنت وهو و د . جمال قعوار إلى حوار حول الدين والنظام العالمي . فما كان منك إلا أن أبديت رأيك في وجوب جعل الشريعة بمنأى عن التطبيق في عصرنا هذا في بلادنا هذه ، وعلينا إزاء ذلك أن نرسخ الناحية الروحية في جوهر الدين ، ثم ما لبثت أن قلت آراء لا تتناقض مع بعض التفاسير ، فإذا بقعوار يغمزك ، ويقول لك : أما تخشى من أن يعتدي عليك أحد بين الجمهور ؟ ماذا جرى لك ؟ ثم أخذ قعوار يقرظ حكم الإسلام على أهل الذمة ، ويقول - وهو النصراني - إنه لا يجد تسامحًا في أية فترة إلا كما كان في الحكم الإسلامي . كان الشيخ يصول ويجول في الرد عليك وفي تقريظ قعوار ، وكان الجمهور يهتز لكل ما يروق له بصوت واحد : " الله أكبر ولله الحمد " . ولكنك استرسلت في الرد على أسئلة الجمهور بما لا يتوافق مع مسلماته ، فإذا بشيخ يقبل عليك هائجًا مائجًا ، ويطالب الجمهور إنزالك ، فهل جاءوا لسماع الكفر ؟ ولولا الشيخ وتكراره " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " ، ولولا رئيس البلدة - وهو صديقك - لما عرفت مصيرك ؟ وكان تحذير قعوار في محله ووقته . وانتهى اللقاء بوجبة عشاء – على مائدة الرئيس ، وعاد بينكم الصفاء . ( من الطريف أنك تحتفظ بقرص الفيديو الذي سجلوا فيه الحوار طيلة ساعتين ، فهل هناك من يهتم بتفريغه ونشره على المعنيين ؟ )

في تموز 2003 اعتقل الشيخ رائد ، فصعب عليك الأمر خاصة وأنك قدرت براءته ، وكان اعتقاله في المستشفى حيث كان يودع أباه في رمقه الأخير ، وكان منك أن كتبت قصيدة نشرتها في أكثر من مكان تعبر فيها عن تعاطفك مع الشيخ مع أنك لست من حزبه . أثارت القصيدة ضجة كبيرة لدى السلطة ، فتدخلوا في عملك ، واتصلوا بك في وزارة المعارف ، واتهموك بأنك من " حماس " وووو رد عليك الشيخ بقصيدة عمودية ذكر فيها تشوقه لمواطن في هذه الأرض التي يحبها ، وقد أهدى القصيدة إليك .

ولا بد من اختيارك لقطة من القصيدة التي تخيلت فيها المعتدي يرد على الشيخ في تساؤله : لماذا تعتقلوني ؟؟؟!!!
   - "
أوَتسألْ ؟!

تهبطُ أودية علويّه تصعد أشواقًا نورانيّه تشهد أندية عدوانيه أوَتسأل ؟!

تدفع لذوي البيت المهدومْ وتعين السائلَ والمحروم وإعاناتِ يتامى وأيامى

أوَتسأل ؟! تجمع أموالَ زكاةٍ أو صدقاتٍ تتأملْ متكئًا قربَ جدارِ الوطنِ الراعفْ تحملُ لا فتةَ الجرحِ النازف ْ وتُضمِّـدْ كلَّ جريحٍ مكلومْ تمنعُـنا أن نسرحَ أو نمرحْ في هيكلِـنا ( في هار هبايت ) وتُـرمّمْ ثَمَّ مساجدْ دونّاها حاناتٍ ومتاحفْ كي تبقى للذكرى للتاريخْ وترمِّمْ نسمَ بلادٍ ليستْ ببلادِكْ حيث هواءٌ مملوء بالأحقادِ وبالأنقاضْ قال الأتباعْ : صدرُكَ مفتاحْ وجهُـكَ وضّاحْ صوّرناكَ وأنتَ هنا و هناكْ تبني مشفى تتعهد روضةَ أطفالٍ تبهجُ كلَّ صباحْ تمنعُ دمعه وتواسي لوعه سجلنا ما هاتفتَ وما كاشفتْ ( حين تجسّسنا ) قلتَ : " أبغي أن أجعل مني أو منكَ عصاميا " ولذا أصبحت َ ثريّا يا شيخًا ملكيا

قسمًا سنحاسبُ فيكَ وبكْ من يمشي منتصبَ القامةِ والهامه أو من يرتادُ دروبَ كرامه أو من كان أبيًّـا عربيّا فالعزةُ عزتُـنا والكلمةُ كلمتُـنا والصولةُ أكبر

العمرة :( 7 – 20 / 8 / 2001 )

عد إلى مذكراتك واقرأ علينا ما كتبت : " عندما اتخذت قرارًا بالاعتمار كان ذلك مفاجئًا للجميع ، وأولهم زوجتي عفاف التي رافقتني . شددنا الرحال أو على الأصح ركبنا الحافلة إلى الناصرة حتى ينضم لنا آخرون هناك ، وألفيت نفسي أصلي الظهر في مسجد فيها شأني شأن المسافرين الآخرين ، وربما كانت هي الصلاة الأولى لي بعد انقطاع طويل . وفي مطار عمان لبسنا ملابس الإحرام ( رغم أن ليس هناك مكان مخصص لذلك ) ، ثم حلقنا صوب البلاد المقدسة التي يولي المصلون وجوههم شطرها ، فوصلنا مطار جدة بعد منتصف الليل ، ثم أقلتنا حافلة صوب مكة وكانت تتعمد أن تصل متأخرة لسبب ما . وما إن أطلت علينا مكة حتى شعرت بغبطة روحية عميقة ، فهل يعقل أنني هنا في حضرة تاريخ وقداسة ، وأنني في رحاب الرسول الذي سبق وأن كتبت سيرته شعرًا ، وقلت فيها أو فيه : يا رسول الله إني عاشق سيرة تبقى وذكرًا يُعشق وصلنا إلى الكعبة ، فبهرتنا بمنظرها وجلالها وكانت تظهر من مبعدة ، حتى إذا وصلنا للطواف أرشدني أبو أحمد - من قرية معاوية - إلى أن أبدأ بباب السلام ، وطفت أنا وعفاف مع الطائفين خاشعين ذاكرين ، و لمست الركن اليماني ( الذي يتجه إلى اليمن) ، وقد تيسر لي كذلك أن ألمس الحجر الأسود الذي يتقاطرون عليه لتقبيله ، وصليت في مقام إبراهيم ، وهو من جهة الشرق ، كما صليت في حجر إبراهيم ، وأحسست بخشوع عظيم تصاحبه رقرقة دمعات . وشعرت – أحيانًا - أن الكعبة بما فيها من هيبة وحضور وخشوع الناس قد تلهي الزائر عن التفكر في الله ذاته – مع أن كل ذلك هو لله ، ومن أجل عبادته . كانت حرارة الطقس متوهجة لافحة حتى في صلاتي الفجر والعشاء ، ولا تسل عن الظهيرة حيث لا تحول دون تسابق المصلين ، وخاصة يوم الجمعة - لكي يحظوا بمكان في الحرم . سعيت بين الصفا والمروة ، وشربت من ماء زمزم . ولعل ما يبعث على عمق التماثل أنني كنت أشعر وكأن بعض الصحابة كانوا يرافقونني في الطواف والسعي ، فاستحضرت في ذهني أبا بكر وعمر وعليًا وهارون الرشيد الذي كان يحج عامًا بعد عام ، وكان معي الفرزدق وتخيلته يجيب السائل : " من هذا ؟ " وكان يطل علي عمر بن أبي ربيعة وهو يترصد الحاجات الجميلات . كنت أراجع التاريخ وتاريخ الأدب وما أحفظ من أبيات فيها ذكر مكة ، وأربط بين ذلك وبين المكان ، فأنا في مكة !!! ومن العجيب أن أمي وأبي كانا يسعيان معي بين الصفا والمروة وكأنهما من الأحياء . وكانت أمي تبتسم لي مزهوة بي لأنني عدت إلى الله - كما كانت تلح علي أن أفعل . وفي قراءتي للقرآن توقفت على السور المكية و على أسماء الأماكن المكية أو المتعلقة بالكعبة ، لأربط ما استطعت بين الآية والظرف المكاني ، فأجد لكل سورة طعمًا مختلفًا وجديدًا ، فاللغة تتألق هنا بشكل لا عهد لي به ، وأجد عذوبة بالغة فيما أستوعبه ، وأضرب صفحًا عن معان كنت أحاول أن أفلسفها وأخرجها ، ولكنها هنا كانت بردًا وسلامًا على فكري . وفي اليوم الرابع أقلتنا الحافلة إلى جبل عرفات للتعرف إلى الموقع الذي لا تجد فيه موطئ قدم - في موسم الحج ، وتوقلت الجبل الأجرد ، واستحضرت في ذهني خطبة الرسول وبلاغتها . ثم ما لبثت أن استأجرت سيارة لأتعرف إلى سائر المناسك ومواقع المشاعر ، فهنا منى ، وهنا المزدلفة ، وهنا يرمون الجمرات ، وكنت أتخيل المواقع في صور أخرى مختلفة . ووقفت أدنى الجبل الذي فيه غار حراء ، كما عرفت أين يقع غار ثور ، ومن العجب العجاب أن الغارين عاليان جدًا جدًا ، ومن أعسر السبل أن يصل المرء إليهما ، فهما يحتاجان حتمًا إلى أجسام رياضية متميزة . قلت في نفسي ، وأنا أرنو إلى حراء : من هنا ، من هذا الجفاف ، والأرض الجرداء ، وهذا الحر الحران ، وهذه الشدة انطلقت ( اقرأ ) ، وأخذت أقرأ السورة لأتدبر معانيها الجديدة . جبت مكة وقرأت أسماء الشوارع التي تحمل أسماء الصحابة ، وخلت أن هناك علاقة بين المكان والاسم ، ومن يدري ؟ أشار إلي من كان يدري دراية معينة أن هذا البيت هو للأرقم بن الأرقم ، وهنا كانت دار الندوة ، وأن مكتبة " مكة المكرمة " هي مكان ولادة الرسول ، ولكن الوهابيين لا يجيزون لأي مكان ، و أي تقديس لغير الله كفر. ولاحظت كثرة النقاب الأسود على وجوه النساء حتى كأن الأرض في بعض المساحات غطيت بالسواد ، كما لاحظت كثرة الصلوات في الكعبة ، فليس من هم لأحد هناك إلا أن يقيم الصلاة ، ويدعو الله الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد . * * *

غادرنا مكة وشعابها ، ومضينا في طريقنا أو في حافلتنا إلى يثرب إلى مدينة الرسول ، وهي تبعد زهاء خمسمائة كيلومتر عن مكة . في الطريق كنت أسرح نظري في جانبي الطريق ، فأجد الجبال الشاهقة والأرض الوعرة الجرداء ، وكنت أسأل نفسي عن طريق هجرة الرسول ، كيف ، ومن أين ، وكيف تعذب المهاجرون في هذه الرمال وهذه الأحوال وهذه الجبال ، أعجب ، وأعجب ، وأقلب طرفي بين الأرض والسماء ؛ فإذا بالطقس يتغير على حين غرة ، وإذا بالأمطار تتساقط عنيفة بشكل لا عهد لي بمثله ، فتذكرت وصف امرئ القيس للسيل ، وأحسست بصدق الوصف . ومع إطلالة المدينة المنورة أخذت أنشد " طلع البدر علينا " ويشاركني في النشيد بضعة أطفال كانوا معنا ، بينما كان بعض الكبار يسخرون من هذا البالغ الذي يغني مع الأطفال . سعدت وأنا أرى الحرم النبوي ، وتمتعت بمنظر الروضة والمنبر فما " بين منبري وبيني روضة من رياض الجنة " ، وسواء كان ذلك من الجنة أم لا ، وسواء صح الحديث أم لا ، فقد صليت بخشوع وسكينة وكأنني في جنة حقيقية . تعرفت إلى قبر الرسول وقبر أبي بكر وعمر ، وزرت البقيع ليدلني من أظهر معرفة على بعض قبور الصحابة وقبور نساء النبي ، وهي ليس مرتفعة عن الأرض . ثم أخذت أقرأ السور المدنية لأستشعر ما استشعرته في مكة ، ولعمق إحساسي وحبي للنبي أخذت العبرات تتسابق على مآقيّ ، ولا أذكر – في كبري – أنني بكيت كما بكيت في حضرة الرسول ، وكانت زوجتي تنظر إلي مندهشة ، وتغبطني على هذا الإحساس العارم الجياش ، ولا أدري سر ذلك حقًا ، فما هي إلا تجليات ضعف أصابتني وهزت عاطفتي . . وكما كنت أبحث في مكة عن الأمكنة ، من أين كان الفتح ؟ أين الجبل الذي أراد النبي أن يلقي نفسه من عليه ساعة انقطاع الوحي ....إلخ - هنا أيضًا أخذت الأسئلة تهاجمني : أين موقع الخندق ؟ أين وقف كعب بن زهير يلقي قصيدته ؟ أين دار عثمان ؟ أين بيوت المهاجرين و هل بقي من الأوس والخزرج بقايا ؟ وقُدر لي أن أحضر درسًا دينيًا في الحرم ، فإذا بالشيخ يعرب خطأ ، وذلك في قوله تعالى " إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فيها ..." فذهب إلى أن " أربعين سنة " هي مضاف ومضاف إليه ، وهنا تدخلت ، وأعربت ، وحظيت بنظرات الرضا من طلاب الحلقة ، فيقول الشيخ " يجوز الوجهان " . في 16 / من آب توجهنا إلى مسجد قُباء ، وهو أول مسجد صلى فيه الرسول صلاة الجمعة ، فقد بركت الناقة مأمورة ليكون موضع بروكها بناء المسجد ، ثم توجهنا إلى مسجد القبلتين حيث صلى الرسول فيه موليًا شطر المسجد الأقصى ، ثم تحولت القبلة إلى الكعبة . وصلنا إلى جبل أحد – الذي لم يعد جبلا ، بل هو أشبه بمرتفع ، ولكن خيالي سرح ، ورسم مواقع الكفار ومواقع المسلمين ، وكيف دارت المعارك ، وكيف احتال خالد بن الوليد ليجعل من نصر المسلمين هزيمة . في يوم الجمعة ، ورغم تبكيري إلى المسجد لم أستطع أن أجد مكانًا بين هذه الأمواج البشرية ، فصليت واقفًا . وخطر ببالي لو أن الرسول أفاق اليوم ورأى هذه الآلاف المؤلفة ذات السحن المتباينة في ألوانها وبنياتها وصورها ؟ هل كان يصدق مبلغ هذه الكثرة الكاثرة ؟ لو أن المغنين الذين كانوا في المدينة ( معبد والغريض وحبابة وفضل ولبابة و ... " ظهروا اليوم ، فهل يقبلهم هؤلاء الذين ترى أمارات الورع بادية عليهم ؟ ألسنا اليوم أكثر تزمتًا من السلف ؟ .... أجواء كثيرة من عبق التاريخ تطل علي ، أستذكر وأعايش ، ويظل النبي محلقًا أتمثله في كل خطوة جريئًا جميلا بليغًا ومحط قلبي وبصري . وفي فندق هلتن في المدينة قرب الحرم وقبيل الاستعداد للعودة - كتبت قصيدتي " الحج الأصغر " على نفس واحد ، وإليك القصيدة :

الحج الأصغر بسم الله دخلت أنا مكة أعزف شوقًـًا لنبيّ عاش بوجداني شوقًــًا ينساب بصفو أماني فأرى مكــه بجبال وشعابٍ وهجير قد تيّمها عشقٌ ليس بفانِِ ما زالت تذكره طفلاً ونبيًا يتدثّر أو يتزمّل وخديجة تحنو « لا يكذبْـكَ الله » تذكُرُ هجرتَـَه ثم الفتح تحدو صُورًا لرجال الإيمان يبدو من جهة أخرى كفار كأبي لهبِ وأبو سفيان في دار الندوه... تأتي صفحاتٌ من عهد الجهلاءْ وتعود لتدرك معنى ألا يعبدَ زُلفى للّه صنمٌ سمَّوه (هُبل) تذكًُر إبراهيم تذكر إسماعيل والبيتَ وأمنَ الناس مثابَتهم كيف الذرّيةُ أضحت في وادٍ من غير الزرع كيف الثمرات تَظَلُّ هنــا مغدِقةً بالرزق أفئدةٌ تهوي نحو المسجد وهناك طوافٌ حول الكعبـه هذي الكعبــه جاءوها من كل فِجاج الأرض تحمل كل الألوان... لغاتٍ... دعوات مُزجاةً في حزنٍ وأمل ويطوفون... يطوفون الهامة تعلو تاره أو تُخفض تاره تعلو كي تسمو للنجم بإكبارِ أو تُخفض تخشع للباري ولحونُ الحبِّ .. الإيمان.. الصفو من كل طُيوب المجدِ.. الزهو عابقــةً جاءت تحمل نصرًا أو نصرا أفواج حجيجٍ كالأمواج ما أزخرَ هذا الموضعَ بالخلقِ !!! بقلوب واجفةٍ ولْهى بالآيات هذا أول بيت أو آخر بيت ِقبلتُــهم أو قُبلتُــهم لا تنسَ الحجر الأسود ! ولمستُه..... ظلّ الأثرُ في خاطرِ يدْ واشرب من زمزم يروي روحَك. ***

قلت: سأذهب نحو حراء حتى أستوحيَ كيف أتى الوحي مع سورة« اقرأ» فإذا بالجبلِ أعلى مما كنت أرى أسأل: « كيف رقى» ؟ !!! قلت: سأذهب حتى أشهد (ثَور) حتى أستوحيَ كيف أتى الوحي إليه إذ يذكر « لا تحزنْ..» كيف غدت أسماء بنطاقَيها قلت: سأمضي نحو مناسك حجاج البيت نحو مِنى وإلى عرفات وإلى موقع رمي الجمرات يعلو التوحيد بكل الأجواء يهفو القلب إلى أصداء الأصداء..

وأعود إلى الحرم فهنا كانت أحياء قريش إذ أطعمهم من جوعٍ آمنهم من خوف وهنا كانت لغتي شعّت من آيِ القرآن وهنا آلُ البيت... أين الشِّعبُ... وصحيفتهم؟ أسأل: أين الجبلُ؟
  
حيث نوى أن يُلقيَ نفسه حتى أضحى الوحي... أين الجبلُ كان وراءه عمرٌ يتهدّدْ كفارَ قريشَ بسطوتهِ ها إني أقرأ سورًا مكيــه حتى أستلهمَ هذا الجوِّ المكيّ أدعو التاريخ إليّ كي أُدرك معنى الآيات وهنا بالذات حتى تتجلّى لي في معنى آخر وأصلّي. ***

بسم الله دخلت أنا طَيْبَـــه كانت تُدعى يثرب فإذا بنبيّ نوَّرها فهي مدينتهًُ ... يتصافى الأوس مع الخزرج ليُغنّوا « طلع البدر علينا » وأنا حين وصلتْ أطلقتُ مع الصبيان غنائي « طلع البدر علينا » حتى وصلتْ « قصوْاء» بركتْ عند قُباء فإذا بالعطر المُنداحِ على الأرجاء يغمرني.. ويفوح: ها أنت هنا قرب حبيبٍ... أنت سمِيُّـــه

في الروضــه صليتُ وناجيتْ في دمعِ دعاء... ودعاءِ الدمعات... وقرأت « الحجرات» طالعت هنا سورًا أخرى مدنيـــه فإذا بي أقرأ ما لم أقرأ.

قلت لعلي آتي «اُحُدًا» حتى أذكرَ أو أتذكرْ كان معي عمرُ الفاروق ( ولكم أحببت) كيما يُطلعني عن كثبٍ كيف الأمرُ... مضى وقضى فيه الشهداء فاتحةً يا حمزه فاتحةً يا مُصعبْ وسلامًا يا « أحياء» كان النّور الوضّاء في طيبٍ نبويّ يختال بكل الأرجاء وأصافحُ كل صحابي أعرف منهم وذكرت له ما أعرف عنه إذ كنت أرى فيهم إشعاعَ وفاء. من طَيبةَ سارت أعلامْ ومراكب إيمان ومضاء ومواكبُ فتحْ حتى في حرَّ القيظِ الصهْد - لا أدري كيف احتملوه- ساروا حتى ملأوا الآفاق لواء.

ورأيتُ كذاك أبا لؤلؤة الموْتور قلت له : " بُؤْ في إثم وضلال كم من مثلِك أمثال.."

.. وشهدتُ حصارًا يوم الدار أرقبُ ..... لا أكشف بعض الأسرار حتى أقبل معبَد وَغَريضٌ جاء يغني .. عن ماض باهٍ كيف مضى وهناك أبو ذرّ وحده يعتبُ أو يغضب يمضي نحو الربذه .. سلمانُ أيا سلمان !!! يوم الأحزابِ انهزموا وأنا أقف اليوم قرب الخندق ( ما كان الخندق) ها أقبل من ثَمَّ عليّ متشحًا بالسيف المشهور في الصوت جراء ه والوجه وضاء ه قبّلتُه أكثرَ من قُبلــه واحدةً: لم يسجد للأصنام أخرى: للنهج.. بلاغه ثالثة: لمعاناةٍ في دنياه.

سأعود إلى الروضـــه فهنا المنبر وهنا البيت وهنا يرقد من قلنا .. منذ طفولتنا « صلى الله عليه وسلم» بالقربِ... أبو بكرٍ وعمر وهنا كعبٌ أمسى يقرأ « إن الرسول لنور يستضاء به..» فأرى البُرده وأرى آثار الكلمات. ***

أحمل خارطةَ الحب الأوفى أسأل عن كل سبيل ما أكثر ما أتساءل...؟؟ فأُناجي وأصلي. المدينة المنورة 15 / 8 / 2001

ترى ، ألديك إجابات اليوم عن الأسئلة التي كانت تراودك قبلاً وتلح عليك ؟ ألست أتهرب من بعض الإجابات لسبب أو لآخر ؟ أليست صلاتك ذات منهجية برمجتها لنفسك ، وألفة جعلتها سبيلك ؟ أعلم أنك تنوي الحج الأكبر ، فهل تحدثنا فيما بعد عن مشاعرك وعمق إيمانك ؟ لنرَ ما يكون من أمرك ، ومن حسن ختامك !