خالد السّعيد
خالد السّعيد
|
بقلم:حسني أدهم جرار |
خالد السّعيد أديب مسلم معاصر.. وشاعر مُجيد من
شعراء الدعوة الإسلامية، وخطيب مؤثّر من خطباء الحركة الإسلامية الذين يتصدّرون
المواكب والمحافل في فلسطين. عاصر مرحلة النكبة الثانية وعاشها بكل آلامها، ورأى
أنه لابد من المعالجة المنهجية الناضجة من خلال وسيلة الشعر الصادق، فجاء شعره
وسيلة إعلامية صادقة تعالج القضايا اليومية لأبناء وطنه..
شعره ملتزم وهادف في جميع قصائده التي قالها في الدعوة وفلسطين.. وهو ينطلق لتَتَّسع دائرة همومه واهتمامه لتشمل الوطن العربي ولتستوعب قضايا أمته الإسلامية.
حياته:
شعره:
اسمعوا الأقصى يُنادي أمهُ إنني ما زلتُ أدعو قومهُ فإذا قومٌ يُسمّونَ اسمهُ فأجابتْ مكةٌ يا شؤمهُ يا بُنيّ انظر تحقّق رسمهُ بعثر القبرَ وأمضى سَهمهُ يَحرمُ الوجه المعنّى بسمَهُ |
|
مكةً يا أمّ قولي قبلَ أنْ أغدو بقايا من طلولْ ولهم فعلٌ كفعلِ ابنَ سَلولْ من ترجّى النصرَ من أهل الطبول ذا صلاح الدين من فوق الأصيل يملأ الأرض سيوفاً وخيول طالما المنبرُ في أسر ذليلْ |
للرسولْ
خيلَ الكرامةِ والشّهامة هيّا ابعثوا خيلَ التحرّر ضُمّراً قدحَتْ سنابكُها قلاعَ حُصونهم فلعلَّ من بين الفوارس فاتحاً فيفُكّ قيدَ الأسر عن عُمّارهِ |
أسرِجوا
|
هاهمُ فوارسِها الكُماةُ تطوي الفيافي في الظلام وتُدلِجُ وتُثيرُ نقعَ المعمعانِ وتُرهِجُ يمضي إلى الأقصى الأسير ويَعرُجُ فجميع أفئدة الأسارى تلهَجُ |
تَدجّجوا
وعبر شعر الحماس الإسلامي الذي يثير في النفس كوامن العزة والنهوض بعد الكبوة يصرخ الشاعر خالد السعيد حاثاً على التحدي أصحاب الهمم والشهامة ورافعي راية الحق ليسيروا مع الركب.. لعلّ ركبهم يصل إلى الأقصى الأسير فيفك أسره ويفكّ قيد المأسورين، ثم يواصل الشاعر هذا النغم الصاخب والإيقاع القوي قائلاً(5):
يا ربّ يسّر قائداً لا ويقودُ خيلاً عادياتٍ جُرّبتْ وخيولهمْ كانت هجاناً عُلّمتْ حملت رجالاً تائهين وأغفلتْ |
ينثني
|
ويكون في يُمنى يديه فخيولُ من سبقوه كانت تعرِجُ دربَ الفِرار وفي الفرار تُهرّجُ معنى القداسةِ لم يقدْها المنهجُ |
المَخرجُ
إلى أن يقول:
السيفُ منطقهُ قويٌ ولقاءُ خصمكَ بالسيوفِ حصانةٌ |
أبلجُ
|
والقولُ دونَ السيفِ مُزرٍ ولقاؤهُ دونَ الأسنّةِ مُحرجُ |
أعوجُ
صَحبَ القرآنُ للقلب فصَنعتُ الحرفَ في الشعر فتيلا فامتشَقَتُ البيتَ رشاشاً أصيلا والقوافي دُمدُمٌ يُردي قتيلا كلّما أقرأ آياتي ذليلا وغدا القرآن للفتح سبيلا لستُ أرضى عن ذُرى القدس بديلا |
طويلا
|
فغدا بالله يَقوى فإذا الألفاظُ في الشعر قنابلْ فغدا الشعبُ بأشعارٍ يُقاتل كلَّ من يُنكرُ حقّي ويُماطل فكّتِ الآياتُ من قيدي سلاسل ولأعدائي نذيراً وزلزل لو غدت أرضي سُجوناً ومعاقلْ |
ويُقاتلْ
وفي عام 1996م انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ توفيق جرّار عالم جنين ومفتيها، وهو
يؤم جموع المصلين في صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير بمدينة جنين في اليوم الأول
من شوال عام 1416هـ.. فنظم شاعرنا قصيدة بعنوان "دمعة على قبر مفتي جنين المرحوم
الشيخ توفيق جرّار" وصف فيها هذه الوفاة التي أكرمه الله بها، بعد صيام وقيام شهر
رمضان المبارك، والوقوف في محراب المسجد الكبير يؤم المصلين في العيد.. وذكر في
القصيدة بعضاً من مناقب الفقيد ومواقفه، وثباته في نصرة الإسلام، فقال(14):
جُدْ بدمع العيون بعد جاءك الموتُ في صلاةٍ وذِكرٍ كنت تفتي لنا برأي رشيد لك في الفضل سابقات توالتْ أسأل الله أن يعوّض خيراً |
الفقيد
|
ودَّعَ المحاريبَ في يوم فهنيئاً لك اختيار المجيدِ كنت تبدي لنا بنصح سديدِ قد نصرتَ الإسلام منذ عقودِ ولك الأجر في جنانِ الخلودِ |
عيدِ
يا أحبابي أنتم يا ثمرات الغصن الزّاهي يا لحنَ الأطيار بروضي للإيمانِ تعالوا نشدو مدرسة شمخت وازدانتْ هيّا هيّا اقتربوا مني أوصيكم فاستمعوا قولي ربّ الكون لنا معبود ولنا خير الخلق رسولٌ أوقات صلاتي أحفظها إن صلينا وتزكّينا أوصيكم بالأم حناناً فأطيعوها وأعينوها |
ذُخري
|
فيكمُ يحلو قول يا أمواجاً فوق البحرِ يا أنغاماً عند الفجرِ فيها نقضي أحلى العمرِ واحتضنتنا نحو الصدرِ كي أسمعكم أغلى الفِكرِ لأحفّظكم لبّ الأمر يعلم جهري يعلم سرّي أحمدُ يدعونا للخير لا أغفل عن فرض الفجر فلنا الجنة أبد الدّهر منها العطفُ ونبعُ الطهر فلها منكم حقّ البِرّ |
الشعرِ
كيف أُخفي سعادتي وهو كالليل سابغٌ برُسوخٍ وهو كالليل جُنحُهُ يتثنّى قيلَ هذا الجلبابُ شيءٌ غريبٌ غرباءٌ في قومهمْ قرباءٌ |
وانتشائي
|
عند مرأى الجلباب رغمَ العراء خانقٌ صرخةَ الجهول المُرائي حاضنٌ شمس الهدى والعطاء قلتُ طوبى الفردوسُ للغرباء من جواد الرحمن يوم القضاء |
آثاره الأدبية:
مختارات من شعره: اخترنا من شعره ثلاث قصائد:
صوت المخيم(19)
تَطرقُ الكوخَ رصاصاتُ يَفزَعُ الطفلُ فيهوي مُسرعاً بَردٌ! خُذها التقطها مُصَّها علَّها مرَّتْ على زيتونةٍ علَّها مرَّتْ على حيفا وقدْ كيفَ أُنسي صِبيتي عَلَّمتهُمُ كيف أُنسي صِبيتي عاهدتهُمْ كيف أَنسى وسطَ حيفا مسجداً لستُ أرضى بجنينٍ وحدَها إن أردتمْ أن تُنسُّوا صِبيتَي واعلموا أن فلسطينَ غَدَتْ يَعصفُ الريحُ ورعدٌ قاصفٌ يهجمُ الماءُ من السَّقفِ على تأخذُ الطفلَ المعنّى رعشةٌ مدَّ جِسماً ناحلاً ثم انثنى قلتُ هاتي ناوليه لقمةً قلتُ كم من بيتٍ ظُلمٍ حاقدٍ يا إلهي ليسَ يخفى حالُنا ليسَ إلا أنتَ يا ربي لَنا فمتى جُمعَتُنا تأتي لَنا لَم أُرعَ إلا بصوتٍ هاتفٍ سوفَ يأتي فجرُ شَعبي قاصِماً ألمحُ النصرَ بجيلٍ مؤمنٍ ستعودُ القدسُ يوماً للحِمى |
البَرَدْ
|
توقظُ الطفلَ الذي جوعاً فوقَ صدريَ وإلى كتفي استندْ علَّها مرَّت على أرضِ صَفَدْ كانَ يَروي زيتُها أهلَ البلدْ أصبحتْ ذكراكِ حيفا تُبتَعدْ أنَّ بيتي وسْطَ يافا لن يُهَدْ سوفَ نمضي إن غداً أو بعدَ غَدْ طالما وجهي بركنيه سَجَدْ بيتُنا في اللُّدِّ لم لا يُستردْ ذِكر حيفا فارقبوا لعنَ الأبدْ في دمِ الأطفالِ حَلَّتْ كلَّ يدْ وتَرى ابني فوقَ صدريَ يَرتعدْ خدِّ طفلٍ فوقَهُ الدَّمعُ جَمَدْ صاحَ "بابا" ثم "ماما" ثم قّدْ ودَنا من أمه.. ثم قعدْ فتَّشتْ في كلِّ بيتي لم تَجدْ باتَ فيه الكلبَ يقتاتُ الكبدْ نحنُ نحيا في عناءٍ ونَكَدْ حسبُنا اللهُ هو الفرد الصمدْ هَلْ سنبقى بينَ سبتٍ وأحد يملأ الروحَ ثَباتاً.. وجَلَدْ ظهرَ ليلٍ قد تمطّى واستبدْ بركوعٍ وسُجودٍ.. وعُدَدْ ما بقي في أرضنا أمّ تَلِدْ |
رقدْ
كيف السبيل(20)
معَ كلِّ مذبحةٍ تجدُّ ولا جوابَ سوى معَ كلِّ جرحٍ في عُروقِ عُروبتي أبداً يسيلْ معَ كلّ تشريدٍ لشعبٍ صارَ جلداً للطُّبولْ يأتي يُسائلُني صديقٌ من بلادي ما السبيلْ؟ كيفَ السبيلُ إلى كرامتَنا إلى المجدِ الأثيلْ كيفَ السبيلُ إلى الخليل إلى المثلث والجليلْ كيفَ السبيلُ إلى اجتثاثِ الحقدِ والداءِ الوَبيلْ كيفَ السبيلُ لتطردَ الخنزيرَ والقردَ الدّخيلْ كيفَ السبيلُ لحرقِ غَرقدهم وإنبات النخيلْ لا تَنْصَحَنّي بالرُّكونِ لكلِّ مهزومٍ هَزيلْ لا تَنْصَحَنّي بالصمودِ الزائف القذرِ العَميلْ تبقى شعاراتُ الصمودِ سليمةً وأنا القتيلْ تبقى شعاراتُ الصُّمودِ تخوننا: أينَ العقولْ؟ شَربوا دمائي من عروقي نخبَ سلمهمُ الذَّليلْ رسَموا طريقَ القدسِ من صنعاءَ حتى الدردنيلْ * * * مَرمى الحصى عنكم أريحا لا تدوروا ألف ميلْ ولمستُ قلبَ مُحدّثي وهتفتُ من قلبٍ عليلْ قلبي مليءٌ بالأسى وحديثُ مأساتي يَطولْ أسمعتُه آياتِ قرآني بتَرتيلٍ جميلْ حَدَّثتهُ عن قصةِ التحرير جيلاً بعدَ جيلْ ووقفتُ في حطّين أقطفُ زهرةَ الأمل النبيلْ ورأيتُ في جالوتَ ماءَ النيل يبتلعُ المغولْ وهتفتُ ليستْ وحدةُ الرَّشاشِ تكفي يا خليلْ أرأيتَ كيفَ ارتدَّ رشاشُ الزميلِ على الزَّميلْ بل وحدةُ الدين القويم ووحدةُ الهدفِ الأصيلْ وبناءُ جيلٍ مؤمنٍ وهوَ الصواعقُ والفتيلْ بكتائبِ الإيمانِ تحمي المصحفَ الهادي الدّليلْ تمضي كتائبُنا مع الفجرِ الملثّم بالصّهيلْ نمضي ولا نرضى صلاة العصرِ إلا في الخليلْ هذا السبيلُ ولا سبيل سواهُ إن تبغِ الوصولْ هذا السبيلُ وإن بدا من صاحب النظر الكليلْ درباً طويلاً شائكاً أو شبه دربٍ مُستحيلْ لا دربَ يُوصلُ غيرُهُ مع أنه دربٌ طويلْ |
العويلْ
ورود الجراح
بابُ الجهادِ مفتحٌ لا والمسلمون خصيبةً أجيالهمْ (يحيى) مضى واللهُ ربّ قادرٌ يمضي الشهيدُ فنقتفي آثارَه منا الأواخرُ تقتدي بأوائلٍ ديباجةُ الشهداءِ تلمعُ جِدَّة ودُروعُنا نُسجتْ بأهدابِ التُّقى وتَعلَّقتْ أجيالُنا بمساجدٍ والعُربُ حولَ الموبقاتِ تَجمَّعوا وغدتْ مطاياهُمْ هِجانَ مذلّةٍ تسعٌ من السنواتِ مرَّتْ وانقضتْ ذكرى انتفاضةِ شَعبنا عِبَرٌ لَنا فضحتْ أساطيرَ العدو وكِبرَه ومصيرُ أعداءِ الشعوب جهنّم هلْ يستوي من في لظىً مُتقلّبٌ وإذا انتمى كلّ إلى حسَبٍ لهُ منْ صبره وثباته ويقينهِ ياسينُ شيخَ الصامدينَ تحيةً يا قدسُ إنَّ بَنيكِ حقاً مَنْ أبَوا يا قدسُ أنت القلبُ في أجسامِنا صفدٌ لنا كتفٌ وعكا هامةٌ حطينُ تاجُ المسلمينَ لهامةٍ وجبالُ هذي الأرضِ عظمُ جُسومِنا والمسجدُ الأقصى كتابٌ مُنزَلٌ فيه الأذانُ حزينةٌ أنفاسُهُ وبُراقُنا والسورُ مثلُ سجلِّهِ يا قدسُ جندُكِ كالجبال رسوخُهُمْ يا قدسُ يَحميكِ الإلهُ بجندهِ يا قُدس ماؤُكِ سَلسبيلٌ رائقٌ يا قدسُ تَفديكِ الجباهُ نقيّةً ألقيدُ أدماها ودنّس طُهرها، يا قدسُ كمْ منْ هجمةٍ همجيّةٍ ولآخرِ الهَمجاتِ يومٌ قادمٌ مسرى النبيّ غدا أسيراً مالهُ أحجارُنا أشجارُنا ستُقاومُ الـ |
يُغلقُ
|
كالشمسِ تغشاها الغيومُ ومَنْ ابتغى سُبُلَ العطاءِ سيُرزقُ أمثالُ (يحيى) للجهادِ ستُخلقُ جيلٌ قضى منّا وجيلٌ يَلحقُ حبلُ التواصلِ في الجهادِ موثّقُ نَرِدُ المنايا راغبينَ فنَسبقُ ومَنْ ارتدى ثوبَ التُّقى سيوفّق إن كانَ يستهوي سِوانا الفُندقُ وإذا دَعا داعي الجهادِ تفرَّقوا فمتى سيصهلُ في رُباها الأبلَقُ ولحلوها ولمرّها نتذوّقُ فيها الحقائقُ والرؤى والمنطقُ قذفتْ به رُعباً يشلُّ ويُقلقُ وشهيدُنا في الخُلد حيٌّ يُرزقُ معَ من يطيرُ بجنةٍ ويُحلِّقُ فإذا السجينُ هو الأصيلُ الأعرَقُ نسَجَ الصباحُ خيوطَهُ والمشرقُ علّمتنا كيفَ الحقوقُ تحقَّقُ تمزيقَ جسمِكِ، والأعادي مَزقوا حيفا ويافا كالعيون تُحدّقُ والزندُ غزّةُ، والخليل البَيرقُ وعداً ستُنصرُ والكتابُ مُصدّقُ وُدْيانُها بعُروقِنا تتدفَّقُ أحجارُهُ آياتُهُ تتألقُ فمتى يهزُّ الخافقينَ ويَخفقُ فإذا استهنا بالسّجلِ يُمزّقُ وسُيوفُهُمْ في المعمعانِ ستُبرقُ يَحميكِ ربي أن يبيعَكِ سُرْسُقُ مهما شَربنا من سواكِ سنشرَقُ لسُجودها وخُشوعها تتشوَّقُ ليَدٍ تُحطِّمُ قَيدها تتحرّقُ كانتْ على أعتابِ سوركِ تُسحقُ تتجمّعُ الأهوالُ فيهِ ويُطبقُ إلا الدّما تُفني القيودَ وتُعتِقُ ـمحتلَّ يُنطقُها الإلهُ فتَنطقُ |
وتُشرقُ
الهوامش
(1) التيار الإسلامي في الشعر الفلسطيني المعاصر، ص298
(2) ديوان "كيف السبيل" ص11
(3) ديوان "كيف السبيل" ص31
(4) ديوان "حجر وشجر" ص 58
(5) ديوان "حجر وشجر" ص58 – 59
(6) ديوان "كيف السبيل" ص45
(7) ديوان "كيف السبيل" ص46
(8) ديوان "كيف السبيل" ص46 – 47
(9) ديوان "حجر وشجر" ص25
(10) ديوان "الأسرى أولاً" ص43
(11) ديوان "الأسرى أولاً" ص31
(12) ديوان "الأسرى أولاً" ص57
(13) ديوان "الأسرى أولاً" ص15
(14) ديوان "الأسرى أولاً" ص45
(15) ديوان "حجر وشجر" ص37 – 42
(16) ديوان "الأسرى أولاً" ص28
(17) ديوان "كيف السبيل" ص27 – 28.
(18) صحيح مسلم الجزء الثامن عشر ص44.
(19) ديوان "حجر وشجر" ص107
(20) ديوان "كيف السبيل" ص57
المصادر والمراجع:
1 – ديوان "كيف السبيل".
2 – ديوان "حجر وشجر".
3 – ديوان "الأسرى أولاً".
4 – مقابلة مع الشاعر خالد السعيد في 4/11/1997.
5 – الدكتور جبر خضير: التيار الإسلامي في الشعر الفلسطيني المعاصر".