سعدي الشيرازي

من شعراء الشام

زهير سالم

هو الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين السعدي، أحد النجوم اللامعة، في سماء الأدب الإسلامي، بلغ أعلى درجات الفصاحة في اللغة الفارسية، كما كان نظمه ونثره أحسن مثال في السلاسة والبلاغة. كانت ولادته سنة 606 هـ على الأغلب.

ولد في شيراز وتنقل بين حواضر العالم الإسلامي بغداد حيث كانت تكوينه وطلبه العلمي ثم دمشق فالقدس حيث خلوته وتعبده ثم وقع أسيراً بيد الفرنجة ليصير إلى حلب فيكون أسيراً عند امرأة لم ترحمه من سلاطتها.

كانت بداية الشاعر في رعاية الأتابك (سعد بن زنكي)، الذي ابتعثه إلى بغداد لإتمام علومه. وقد سافر الشيخ تلك المدينة تفادياً للحروب والاضطرابات التي كانت منتشرة في نواحي المشرق، وقد كان لهذه الرحلة ومن التقاء الشاعر  بعلماء بغداد وعظمائها، أكبر الأثر في نفسية شاعر شاب، وفي أفكاره كذلك. فقد كانت بغداد في ذلك الوقت، دار العلم. حضر فيها دروس أساتذتها العظام.

ثم عاد السعدي بعد بضع سنوات من تحصيله في هذه المدينة، إلى موطنه في شيراز، وقد تعرض إلى هجمات المغول، التي لم تنج مدينة شيراز منها، وتعرض كذلك للثورات التي وقعت بين أحفاد الخوارز مشاهبين وبين الأتابكة، فدفعه هذا الاضطراب إلى الرحيل إلى الغرب، ورغب في أن يطوف العالم، ويجوب نواحيه، فقام برحلات طويلة، بدأها بالحج، وبلغ شمالي أفريقيا، ثم عاد إلى الشام، وأقام مدة في مدنها ولاسيما في دمشق والقدس، وعاشر أهل تلك البلاد من الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا، واختلط بالعلماء والصوفية وأصحاب المذاهب والفرق واطلع على مذاهبهم وأفكارهم.

إن من يتتبع آثار هذا الشاعر العظيم الذي طبقت شهرته الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، يستطيع أن يدرك مكانته العظيمة في تاريخ الحياة الإسلامية  الأخلاقية والوجدانية مما تركه في أيدي الناس يتداولونه ويتدارسونه فيما بينهم، معجبين مأخوذين بهذه العبقرية الفذة التي لا يجود الزمان بمثلها إلا في فترات قليلة.

إن الذين ترجموا له وعنوا بآثاره استخلصوا تاريخ حياته من دواوينه الشعرية ومن نثره الساحر، خصوصاً في كتابه الخالد (كُلستان) وفي ديوانه الفاتن (بوستان).

لم يفارق الشاعر الشام العزيزة عليه إلا في سنة 643 هـ، كما يغلب على الظن، وحين ابتليت بالقحط والغلاء والجراد وجفاف مياه العيون والأنهار، فرثاها وبكاها، وخرج منها هائماً على وجهه إلى أكناف القدس، فوقع أسيراً بيد الفرنجة، فساموه سوء العذاب وفرضوا عليه وهو الشاعر المرهف أن يعمل في جبل الطين ونقل الحجارة. ومر به وهو على هذه الحال رئيس من رؤساء حلب فعرف مقامه وافتداه وزوجه ابنته، التي كانت على ما يبدو معتدة بأبيها متعجرفة، فتخلص الشاعر منها لوقاحتها ورحل عن حلب، وكان هذا آخر عهده بديار الشام.

وبعد هذا السفر الطويل، عاد الشيخ إلى موطنه شيراز، مزوداً بالخبرة، ممتلئ النفس بالأفكار الناضجة، والعقائد العميقة، فلما بلغها وجدها تحت حكومة الأتابك، أبي بكر بن سعد سنة (623 ـ 668 هـ) فوجد البسطة في الرزق، والأمان في الحياة، وفي ذلك الوطن وجد السعدي الفراغ، والميل إلى التصنيف، فألف ذخائر المعارف، ونفيس الأدب، بعد أن أمضى عمراً طويلاً في التنقل بين البلاد.

ومع أن الشاعر قد طبقت شهرته الآفاق منذ نشأته، وسمع عن فضله منذ شبابه، وجرت أشعاره على الألسنة. فإن أهم ما قام به في ذلك العهد ـ أي أواخر عهد السلطان الأتابك أبي بكر ـ أنه نهض للتأليف والتدوين. وأول منظوماته الهامة والمشهورة هي (بوستان) وهو ديوان يشتمل على قصص شعري غاية في الإبداع، وهو في هذا الديوان شاعر إنساني ومعلم اخلاقي، وبعد سنة من إتمامه، ألف ديوانه الآخر (كلستان) وهو أجود ما كتب في النثر الفارسي، وأسلوب كلستان يطابق عنوانه (روضة الورد).

وتنتظم فيه القصص، والأمثلة، والحكم، والنصائح، الأخلاقية، الاجتماعية في عبارات لطيفة متينة حتى لتستطيع أن تقول إن الكلستان شعر منثور، أو نثر مجرد عن الزوائد والحشو.

أما غزليات السعدي فيمكن أن تقول إنه مبتكر فيها، فقد تضمنت أبدع الاحساسات، في روح صوفية، فلم يبلغ شاعر آخر ما بلغه فيها. مع أنه يتضح من حكايات السعدي، وحكمه أنه اندمج في زمرة رجال الصوفية، لكن لم يكن من أولئك الذين نقضوا أيديهم من شؤون الحياة، ولا من الذين لجؤوا إلى الاعتزال، بل كان له لطافة أفكارهم، وإشراق نفوسهم، في حياة معتدلة، وعمل متزن.

وكان تأثير السعدي في الناحيتين الأدبية والأخلاقية لا حد له، ليس في فارس وحدها، بل في العالم أجمع.

 وقد وضعه الشعراء والنقاد في مقام الشاعر والمعلم والمفكر. وقد بلغت شهرة السعدي أطراف العالم، ونقلت آثاره في النثر والنظم إلى جميع اللغات الحية، وكانت محل إعجاب الأمم وتقديرها.

وتوفي الشيخ بين سنة (690 هـ و694 هـ) في شيراز، ودفن بها.

أخذت الترجمة بتصرف عن الشاعر محمد الفراتي مترجم كلستان إلى العربية.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية