نهى الزيني والكلمة الشامخة
نهى الزيني والكلمة الشامخة
أ.د/
جابر قميحةأعتقد جازمًا أن من سيكتب تاريخ القضاء المصري في العقد الذي نعيشه الآن، سيقف وقفة اعتزاز وتقدير أمام المستشارة الدكتور نهى الزيني، كنموذج حي، وقبس نوراني في أفق القضاء المصري، والضمير الإنساني.
أما قمامة التاريخ فهي مثوى لمن هددوها، وسخروا منها، وتهكموا عليها من الذي يحكي انتفاخا صولة الأسد , ذلك الذي سخر منها ـ إرضاء لسادته ـ ووصفها على سبيل التهكم بأنها "ست الستات" عندها علقتُ على "إفرازه" هذا وقلت: إنها ليست ست الستات فقط، بل "ست" الرجال أيضًا. وفي مصر ما أكثر الطبالين، والزمارين، والرقاصين، وحملة المباخر، وأقزام النفاق الذين يعتقدون أنهم عمالقة؛ لأنهم يبصقون إلى أعلى.
**********
لقد رأت هذه السيدة الفاضلة تزوير الانتخابات في دمنهور لمصلحة مرشح الحزب الوطني، فأعلنت للدنيا شهادتها، قاصدة بها وجه الله والحق، والانتصار للوطن، ونزاهة القضاء والقيم الإنسانية.
واتهمها الأقزام من حملة المباخر بأنها ما أعلنت تزوير الانتخابات، وكتبت ما كتبت في "المصري اليوم" إلا حبًا في الأضواء والشهرة..
وواقع السيدة الفاضلة يلطمهم، فقد ثبت أنها من أزهد الناس في الأضواء، فلم نرها ونسمع صوتها المنطوق إلا مساء السبت 6/5/2006 في برنامج العاشرة مساء ضيفة على السيدة "منى الشاذلي".
وقال بعضهم أما كان يكفي أن ترفع الأمر "بصورة رسمية" إلى الرؤساء الكبار، حتى تكون بعيدة عن الخوض في السياسة، والنزول إلى مستوى الجماهير؟؟
وواضح أنه عرض ولد ميتا، فهؤلاء الكبار لا وقت ولا رغبة عندهم في تبني مثل هذه القضايا، كما أن عندهم من التبريرات، والتخريجات ما ينتصر لوجهتهم. كما أن فهمهم للسياسة فهم ساقط مغلوط .
وقال آخرون ـ أو خطر لهم على الأقل ـ أنه كان من الأفضل للدكتورة نهى أن "تساير الجو" وتكتم ما رأت، ولا تعلنه على رءوس الأشهاد، حرصًا على السلامة والتصون، وحماية لنفسها من هذه "الهجومات الضارية"، وخصوصًا أن مصرنا كلها مفاسد، وليس تزوير الانتخابات هو المفسدة الوحيدة.
وهي رؤية خطيرة جدًّا؛ لأن كثرة المفاسد ليست مبررًا لإغفالها، أو إغفال بعضها، بل بالعكس يجب أن تكرس الجهود وتكثف في القضاء عليها.
ثم إن السيدة الفاضلة قانونية ذات علم وفقه، فهي تعلم أن كتمان الشهادة جريمة نكراء في حق الدين، والخلق والوطن، يقول تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 140) ويقول تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة: 283) وكتمان الشهادة الحق يفسح الطريق لقول الزور, يقول تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج: 30).
عيد الكلمة..
في مساء السبت 6/5/2006م استضافت السيدة منى الشاذلي في برنامجها الفائق "العاشرة مساء" الدكتورة نهى الزيني، وشُد الأفراد والأُسر على مدى ساعة كاملة للسيدة الفاضلة، لقد شعرنا جميعًا أن ما قالته يمثل عيدًا للكلمة الشامخة: كانت كل كلمة من كلماتها ـ على عفويتها ـ كأنما وزنت بميزان الذهب.. كلمات يحكمها المنطق السديد، والوقار العقلي، والإيمان النـقي، والاستقراء الدقيق، والواقع الموثق، فعلى سبيل التمثيل تحدثت عن تزوير الانتخاب في دائرة بندر دمنهور لإسقاط مرشح الإخوان على مقعد الفئات أمام مرشح الحزب الوطني، وقالت: إن ما روته عما جرى في الدائرة كان بناء عل تأكدها بشكل تام من وقائع التزوير التي جرت وفق ما شاهدته، وما أكده نحو 151 قاضيًا من بين 160 قاضيًا من رؤساء اللجان الانتخابية الفرعية، والتحقيق أيد ما قالته في هذا المقام. ونفت المستشارة الدكتورة نهى أن يكون موقفها هذا انحيازًا للإخوان المسلمين ومرشحهم، وقالت لو أن ما جرى كان مع مرشح حزب آخر كانت ستكشف أيضًا وقائعه.
وأدمت الدكتور نهى قلوبنا وهي تتحدث ـ بأسى ـ عن القاضي محمود حمزة الذي ضربه وسحله "أبطال أمن الدولة" وحرصًا من هؤلاء "الأشاوس" على إذلال القضاة، وانتهاك حرمة القضاء داس واحد منهم بحذائه على وجه القاضي العظيم، وأقول لهذا "الأمني الشاذ" "تبت يداك وقدماك، فقد دست بحذائك على كرامة مصر وشرفها، ولن تفلت من عقاب الله".
وأخيرًا أقول إن كل من التقيتة في اليوم التالي للبرنامج يتمنى أن تعيد السيدة منى الشاذلي حديث القاضية الجليلة الدكتور نهى الزيني، حتى يعيشوا عيد الكلمة الشامخة، مرة أخرى.