عبد الحفيظ فرغلى على القرنى.. الرحيل في صمت
عبد الحفيظ فرغلى على القرنى..
الرحيل في صمت
أبو الحسن الجمّال
تلقيت ببالغ الحزن والآسى نبأ رحيل الأستاذ المحقق والباحث المدقق عبدالحفيظ فرغلى على القرنى، رحل فى لحظة فارقة من عمر مصر فى سبتمبر 2013، وقد شغلت مؤسسة الأزهر بالتطبيل للحاكم توافقه فى كل قرار وترجع صلتى بالأستاذ القرنى عندما انتظمت فى مطالعة مجلة الأزهر فى بداية عهد الطلب (وبالتحديد اثناء المرحلة الثانوية) لفت نظرى بحوث ومقالات الأستاذ عبدالحفيظ فرغلى على القرنى التى اتسمت بالدقة والعمق وبساطة العرض مما جعلنى ابحث عن مؤلفاته الأخرى والتى كانت تنشرها مؤسسة الأهرام خلال عقد التسعينيات ومازالت تصدر إلى اليوم وحوت مجلدات ضخمة تنوعت بين التأليف وإعادة تحقيق كتب التراث فى مشروع يذكرنا بكتاب الشعب الذى أصدر أمهات كتب التراث ..وقد شحت المعلومات عن الرجل إلا من بصيص كتبعه فى مقدمة كتاب "الأخاء فى الإسلام" عرف بنفسه فى سطور، ثم نشر سيرة ذاتية مفصلة تغنى الباحثين وتزيل عنهم الحيرة وسوف نستعين بها كثيرا فى مقالنا هذا وفيها تحدث عن نشأته وتعلمه وشيوخه ومراحل تعليمه ووظائفه ومناصبه ومؤلفاته.
وقد ولد الأستاذ عبدالحفيظ فى قرية "النخيلة" مركز أبوتيج محافظة أسيوط فى 20سبتمبر 1925، وقرية "النخيلة" ينتسب إليها، انجبت العديد من الأعلام فى كافة التخصصات على رأسهم الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل ، وقد حفظ القرنى القرآن الكريم على يد والده حيث كان من حفظة كتاب الله والقائمين عليه وكان يشغل منصب ناظر مدرسة "همام حسين"، وانتقل مع والده إلى بعض البلاد التى نقل إليها مثل قري"المطيعة" و"شطب"، والتحق بمعهد أسيوط الدينى وكان يطلق عليه معهد فؤاد الأول الأزهرى وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1940، ثم على الشهادة الثانوية عام 1945 ، وأقبل على العلوم فى نهم وحبب إليه العلوم العربية والتصوف وبز فيها أقرانه مما أهله للالتحاق بكلية اللغة العربية (كلية القمة فى هذا التوقيت) وكان عميدها الأستاذ الفاضل عبدالجليل عيسى وتضم كوكبة من الأعلام منهم: الأستاذ الفاضل المحقق محمد محى الدين عبدالحميد، والأستاذ على الطنطاوى، والأستاذ شفيع السيد، والدكتور محمد عبدالمنعم خفاجى، والدكتور محمد كامل الفقى، والدكتور حسن جاد حسن، وزامل كوكبة صاروا أعلاما بعد ذلك منهم: الدكتور محمد رجب البيومى، والدكتور أحمد الشرباصى، وغيرهم. وتخرج بتفوق عام 1950وكان ترتيبه الثامن ..بعدها التحق بمعهد التربية العالى للمعلمين بالقاهرة وتخرج منه عام 1951 وكان عميده عالم النفس الشهير الدكتور عبدالعزيز القوصى.
عمل بعد تخرجه بتدريس اللغة العربية، حيث عين مدرسا بمدينة المنيا، بمدرسة المنيا الابتدائية الحديثة ثم رُقي منها إلى مدرسة منها إلى مدرسة المعلمين بالمنيا سنة 1953م. نقل إلى القاهرة إلى معلمات الزمالك سنة 1957م، ثم إلى معلمات شبرا سنة 1962م، وظل يتقلب في وظائف التدريس والتوجيه حنى إحيل إلى التقاعد سنة 1990م وكان آخر عمل له فيها هو وظيفة موجه للتربية الدينية واللغة العربية بالتعليم الثانوي بإدارة شبرا التعليمية.
لم يشغل نفسه بالمناصب، وإنما كان جُل اهتمامه موجها إلى التأليف والنشر ولذلك آثر البقاء في مكانه مستقرا ليتفرغ لابحاثه العلمية والأدبية . واسندت إليه الأمانة العامة للدعوة الإسلامية بالأزهر إلقاء محاضرات في علوم اللغة العربية والبلاغة في ضوء القرآن الكريم، وظل يقوم بها من سنة 1986م حتى سنة 1997م وذلك في الدورات التدريبية التي كانت تعقد للأئمة والوعاظ من مختلف العالم الإسلامي وكانت له محاضرتين وأحيانا ثلاث محاضرات في الأسبوع.
أثرى عبدالحفيظ القرنى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات التى تنوعت بين العلوم العربية والشرعية والتصوف تحقيقا وتأليفاً وقد مر التأليف فى حياته الأدبية بمراحل بدأت بإعداده للكتب المدرسية وتبسيطها (مثل الكتب الخارجية الآن) فقام بتأليف سلسلة من الكتب المنهجية في مختلف مراحل التعليم في اللغة العربية، فقد قام بتأليف عدة كتب تتناول عرض الكتاب ذي الموضوع الواحد المقرر على طلاب المراحل المختلفة والتعليق عليها وتغطيتها بالاسئلة الفنية المفيدة ومن ذلك مثلا: -قصة ابن النيل لجاذبية صدقي، نداء المجهول لمحمود تيمور، يا ولدي هذا عمك جمال لأنور السادات، أبو حنيفة النعمان لعبد الحليم الجندي، أبو الفوارس لعلي الجارم، وواأسلاماه لعلي أحمد باكثير، حافظ و شوقي لطه حسين، عبقرية عمر للعقاد، الشيخان لطه حسين، شوقي لشوقي ضيف، القدس لعبد السلام العشري، عمرو بن العاص لعبد السلام العشري، علاء الدين والمصباح السحري لكامل كيلاني. وغيرها..وكذلك ألف سلسلة "كتاب المتفوقين" فى اللغة العربية والنحو لكافة المراحل الثانوية والأزهرية ...
ثم اتجه للتأليف الأدبى فصدر له أول كتاب "مصر العربية في مجال التاريخ" وهو كتاب يتناول مركز مصر الإشعاعي منذ القدم حتى العصر الحديث، وأصدرته الدار القومية للطباعة والنشر سنة 1966م بالاشتراك مع الاستاذ أحمد حسين القرني.. ثم خص سلسة أعلام العرب بخمسة كتب هم: "الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي" أصدرته الهيئة العامة المصرية للكتاب سنة 1968م .. وقد أعيد طبع هذا الكتاب بمعرفة الهيئة سنة 1986م ، ثم أعيد طبعه مرة ثالثة في مكتبة الاسرة سنة 1997 م وكتاب "المبرد . أديب النحاة" سنة 1971م بالاشتراك مع الاستاذ أحمد حسين القرني، وكتاب "عبد الوهاب الشعراني إمام القرن العاشر" بتقديم من فضيلة الشيخ الأكبر الدكتور (عبد الحليم محمود) شيخ الأزهر آنذاك، سنة 1983 ثم صدر له كتاب "الحافظ أبو نعيم الأصفهاني" وكتاب "الحافظ جلال الدين السيوطي" عن الهيئة المصرية للكتاب سنة 1987. كما أصدر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف عدد من المؤلفات منها "الإشعاعات الإسلامية في معركة العاشر من رمضان سنة 1973"، و"أهل البيت في مصر" سنة 1975، و"مثالية الدعوة والدعاة" سنة 1976 ، و"المسئولية في الإسلام" سنة 1978.
سلسلة كتب صدرت عن مؤسسة الأهرام:
ومازال الأستاذ عبدالحفيظ القرنى يقدم العطاء العلمى لمحبيه ولمريديه وللباحثين الذين اكبوا على بحوثه ومقالاته المنشورة فى مجلة الأزهر ومنبر الإسلام والوعى الإسلامى ومنار الإسلامى والتصوف الإسلامى، وغيرها.. وقام بالاشتراك مع الدكتور حمزة النشرتي والدكتور عبد الحميد مصطفى بإصدارسلسلة من الكتب المؤلفة والمحققة التى تذكرنا بمشروع كتاب الشعب الذى ظل يصدر لعقود مع فارق المنهج والتوجه ..كان كتاب الشعب يقدم الكتب المحققة وفقا لمنهج عال ويختار أصح النسخ ويقابلها بالعديد من المخطوط والمطبوع إلا أن مشروع النشرتى وعبدالحفيظ القرنى شابه بعض التحفظات وقد صدر منها :
- سلسلة القصص القرآني ... 17 مجلدأ (أعيد طبعها)
- موسوعة أهل البيت ... 3 مجلدات (أعيد طبعها)
- الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة ... 5 مجلدات
- تحقيق كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد .... 8 مجلدات
- تحقيق كتاب (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) للنيسابوري – في التفسير - ... 11 مجلدا
- تحقيق كتاب (تفسير البيضاوي) مع إضافة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .... 5 مجلدات
- تحقيق كتاب (زاد المعاد) لابن القيم ..... 6 مجلدات
- تحقيق كتاب (لباب النقول في اسباب النزول) للسيوطي ... مجلد
- تحقيق كتاب (الشمائل المحمدية) للترمذي ... مجلد
- تحقيق كتاب (الصارم المسلول على شاتمي الرسول) لابن تيمية ... مجلد
- تحقيق كتاب (الرياض النضرة في مناقب العشر) "المبشرين بالجنة " لمجد الدي الطبري ... مجلد
- تحقيق كتاب (التذكار في أفضل الأذكار) للقرطبي ... مجلد
- إصدار مجموعة الأحاديث القدسية كاملة ..... مجلدان
- تحقيق كتاب ( المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح ) لشرف الدين الدمياطي ...... مجلدان
- تأليف المعجم المفهرس لمعاني القرآن الكريم ... ستة مجلدات
- تحقيق كتاب (الروح ) لابن القيم .... مجلد
- تحقيق كتاب (أدب الدنيا والدين) للماوردي .... مجلد
- تحقيق كتاب (تحفة الذاكرين ) للشوكاني ..... مجلد
- تحقيق كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض الأندلسي ... جزئين في مجلد واحد
- تحقيق كتاب (لطائف المعارف) لابن رجب الحنبلي ... مجلد
- تحقيق كتاب (الترغيب والترهيب) للمنذري .... مجلد
- تحقيق كتاب (تفسير الآلوسي)..
- تحقيق كتاب ( تنبيه الغافلين ) للسمرقندي .... مجلد..
- تحقيق كتاب ( حجة الله على العالمين من معجزات سيد المرسلين ) للإمام النبهاني .... 3 مجلدات..
- حياة مجموعة من مشاهير الإسلام وخصصت لكل شخصية مجلداً كبيراً، وتنتاولت شخصيات على بن ابى طالب، والشافعى، وعمر بن الخطاب، وابن تيمية، وعمرو بن العاص، والليث بن سعد، وعمر بن عبدالعزيز، وصلاح الدين الأيوبى، وأبوحنيفة النعمان، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل.
وقد قصد من تأليفه لهذه الكتب أن يقدم رسالة سامية للشباب الذين شاع بينهم الإلحاد والفساد من مثل كريمة تتمثل فى رجال تاريخنا الأفاضل من علماء أجلاء وعاملين اتقياء وصالحين أوفياء كانوا خير سلف لهذا الخلف الذى اختلت معاييره وضاق ذرعا بأمجاده فخلط الجد بالهزل واستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير وجريهم وراء كل ناعق وفكر منحرف لا يميز بين الغث والسمين ولا يفرق بين الحق والباطل، لنه لم يتخذ له زاداً خيرا يقيه عثرات الطريق ويوضح له مواضع اقدامه فى مواطن الشبهات وظلمات الشكوك ، وهكذا قضى علينا أن نتخلف حين تخلى الشباب عن كفاحه النبيل لأنه لم يقرأ تاريخه كما يجب.
وينقل عن الإمام الراحل عبدالحليم محمود قوله: "لابد ونحن فى هذه اليقظة الإسلامية المستأنفة أن ننبه إلى ائمتنا وان نبحث عن آرائهم الفكرية التى تنهل من معين الكتاب والسنة والتى لها مكانتها فى الفكر التشريعى العالمى وشىء آخر يدعونا إلى العناية بهم ، ذلك هو سلوكهم المثالى الذى يرتفع إلى القمم العوالى من مكارم الأخلاق .إنهم نماذج للإنسانية فى سموها وللشباب الذى يجب ان يجد القدوة وان يسير على هدى من السلوك والذى يعمل بالحق ويجاهد فى سبيله وفى تراثنا الإسلامى الكثير من ائمة السلوك وهم فى حاجة إلى البحث عن آثارهم فى مختلف مظانه حتى نكون عنهم صورة كاملة الوضوح".
عبدالحفيظ القرنى والتصوف:
أغرم الأستاذ القرنى بالتصوف واعلامه منذ صغره فنشأته فى مجتمع صعيدى يعتز بسير أولياء الله الصالحين والمتصوفة جعله يبحث فى هذا العلم بحذر لأنه ولج إليه بعض الأدعياء والمغرضين والحاقدين فأحدثوا فيه البدع ونشر الخرافات التى تخاصم العقل والمنطق، ولما التحق بكلية اللغة العربية ومكانها إلى اليوم خلف الجامع الأزهر الشريف وجد المكتبات تطبع كتب التراث التى تدور فى فلك التصوف والزهد ومنها عن حسن البصرى، ورابعة العدوية، والجنيد، وأبى حامد الغزالى، وسفيان الثورى، والحلاج، وابن الفارض، وابن عربى، وجلال الدين السيوطى، والشعرانى، ووجد أستاذة له يؤلفون فى هذا المجال ومنهم الأستاذ الكبير محمد عبدالمنعم خفاجى، والإمام الأكبر عبدالحليم محمود صاحب التصانيف القيمة فى هذا المجال التى بلغت شهرتها الآفاق وهو الذى عرف الناس بالتصوف الحق النقى الخالى من الشوائب والعوالق، وسار القرنى على هذا الضرب وكان أول مؤلف له عن الإمام الأكبر محى الدين بن العربى القطب الصوفى الذى وهب نفسه لعلوم القوم بما تركه من مؤلفات ضخمة على رأسها "الفتوحات المكية"، و"ترجمان الأشواق"، وديوانه الشهير وقد اختلف الناس حوله بين معارض له مثل ابن تيمية، وابن القيم، وابن الصلاح، والبقاعى، وبين مؤيد له على راس هؤلاء الإمام السيوطى فى رسالته "تنبيه الغبى" وقد استقصى الأستاذ القرنى واستعرض حياته ومؤلفاته وناقش أقوال المؤرخين حوله فى موضوعات شائكة لم تحسم علميا إلى اليوم مثل مذاهب وحدة والوجود والحلول والاتحاد، ثم يأتى كتابه "عبدالوهاب الشعرانى إمام القرن العاشر" الذى قدم له الإمام الراحل عبدالحليم محمود، وطبق القرنى منهجه فى تناوله لأعلام التصوف، ولكن لم يحسم بعض الأمور المتعلقة بكتابه "الطبقات الكبرى" الذى حشد فيه الأساطير والأخبار التى لا يقبله عقل مما حدا بالإمام محمد عبده أن يعد كتاب الطبقات منسوباً للشعرانى، ثم يترجم للحافظ الكبير أبى نعيم الأصفهانى الذى كان حافظا للحديث مبرزا فيه وله مصنفات رائده فيه كما أرخ للصوفية فى كتابه الحجة "حليه الأولياء" الذى أعجب به الحافظ أبوالفرج ابن الجوزى واختصره فى كتابه "صفة الصفوة" وله تاريخ أصفهان كما خص الإمام السيوطى خاتمة الحفاظ بكتاب استعرض فيه تاريخه وعصره وآثاره وجهوده فى مجال التصوف وانتصاره لابن الفارض فى كتابه قمع المعارض وابن عربى فى كتابه قمع المعارض، ولم يقف عند هذا الحد بل تحدث عن تاريخ اهل البيت فى كتابه "آل البيت فى مصر" كما صدر له كتاب "التصوف والحياة العصرية" عن مجمع البحوث الإسلامية.
توفي الشيخ الجليل عن عمر يناهز الثمانية وثمانون عاما وذلك في الخامس والعشرين من ذي الحجة عام 1434 هجرية الموافق 30 أكتوبر سنة 2013 م.