رئيس جمهورية سورية بالتعيين، تاج الدين الحسني
رجالات سورية
تاج الدين الحسني من مواليد دمشق عام 1885، وهو ثالث رئيس للدولة السورية بين 15 شباط 1928 و9 شباط 1931 ورئيس وزراء سوريا بعد إعلان النظام الجمهوري بين 16 آذار 1934 و22 شياط 1936، ورئيس الجمهورية السورية الأولى بالتعيين بين 16 أيلول 1941 و17 كانون الثاني 1943، وسابع حاكم سوريا بعد سقوط سوريا العثمانية؛ كما أنه رجل الدين الوحيد الذي شغل مناصب رفيعة في الدولة السوريّة، إذ كان والده الشيخ بدر الدين الحسني مفتيًا وعالمًا مرموقًا في دمشق أواخر القرن التاسع عشر، وكان الحسني نفسه قاضيًا شرعيًا في دمشق، عندما تمّ تكليفه رئاسة الدولة.
عُرف بقربه من فرنسا وبصداقته مع مفوضيها في سوريا، وبنوع خاص مع شارل ديغول خلال الأربعينيات وخلال رئاسته الثانية أعلن في حزيران 1941 الاستقلال الثاني، وجاء تعيينه رئيسًا للجمهورية، لكونه "قادرًا على خدمة المصالح الفرنسية من ناحية، واستقطاب قسم من الرأي العام المعتدل إلى جانبه من ناحية ثانية"؛ ويشار إلى أنّه وصف "عدو الله" في المظاهرات التي جابت سوريا مطالبة بالاستقلال وزوال الانتداب الفرنسي، رغم ذلك فقد صرّح فارس الخوري أحد أركان الكتلة الوطنية بأنّ الشيخ التاج "زعيم وطني". توفي خلال رئاسته الثانية في 17 كانون الثاني 1943 وبذلك يكون أول رئيس دولة سوري، يموت خلال ممارسته لسلطته. وإلى جانب نشاطه السياسي، فله أربعين مؤلفًا.
ورغم كونه ووالده من مواليد دمشق، إلا أن جذور عائلته تعود لمراكش في المغرب.
درس الحسني الفقه الإسلامي على يد والده، ثم أصبح عام 1905 مساعدًا شخصيًا له، وكذلك مدرسًا للطلاب الشباب فيما يخصّ حسن السلوك والفكر. في عام 1912 أصبح مدرسًا للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق ثم عضوًا في لجنة مستحدثة من قبل بلدية دمشق لإصلاح المدارس. وفي عام 1916 أصبح المحرر العام لصحيفة الشرق، التي كان ينشرها جمال باشا الملقب "بالسفّاح" حين كان حاكمًا عسكريًا عامًا على بلاد الشام، وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 غدا عضوًا في المؤتمر السوري العام، ونسج عن طريق والده علاقات مع ملك المملكة السورية العربية فيصل الأول، وشرح ظروف واحتياجات المدارس الشرعية في البلاد، ويقال أن الملك قد أعجب ببلاغة الحسني وفصاحته، وعينه بعيد إعلان الاستقلال الأول في آذار 1920 مديرًا لقصره الملكي وكذلك عضوًا في محكمة التمييز وعضوًا في مجلس الشورى. بعد معركة ميسلون وسقوط المملكة السورية العربية ونفي فيصل غادر الحسني دمشق إلى باريس، وفيها أنشأ علاقات وثيقة مع بعض الساسة وحصل على دعمهم، ومذاك بدأ تمهيد الطريق أمامه للولوج في الحياة السياسية السوريّة.
قبل إقالة صبحي بركات عام 1925 كان المفوض الفرنسي موريس سراي قد طلب من الحسني تشكيل الحكومة ورئاسة الدولة خلال فترة بالغة الاضطراب في البلاد بنتيجة تعاظم الثورة السورية الكبرى، غير أن الحسني فشل في خلق تشكيلة مناسبة فاعتذر عن المنصب، وفي شباط 1926 أخضعت البلاد للحكم الفرنسي المباشر تحت قيادة الجنرال فرانسوا بيير أليب وذلك حتى أيار 1926 حين تمّ تكليف أحمد نامي، المقرّب بدوره للانتداب رئاسة الدولة. بعد استقالة أحمد نامي في 15 شباط 1928 كلف الحسني تشكيل الحكومة ورئاسة الدولة السورية، فشكّل حكومته الأولى من وجوه بارزة من أمثال محمد كرد علي والمحامي سعيد محاسن وجميل الآلشي رئيس الوزراء السابق، عمومًا فقد نالت حكومته معارضة قوية من قبل الوطنيين الممثلين "بحزب الشعب" و"حزب الاستقلال" (وقد دعيا لاحقًا "الكتلة الوطنية")، وبالرغم من هذه الانتقادات فقد استطاع الحسني النجاح حيث فشل سابقه أحمد نامي فأجريت في عهده انتخابات عامة لجمعية تأسيسية وضعت أول دستور لسوريا غير أنه لم ينشر حتى عام 1931.
نسج الحسني علاقات وديّة مع أطراف الكتلة الوطنية، حتى رشحوه على قائمتهم عام 1928 إلى جانب كونه مرشحًا على قائمة المعتدلين، ففاز مقعده بالتزكية، كذلك فقد شهدت بداية عهده إعلان عفو عام عن جميع المتورطين بأحداث عنف ضد الفرنسيين خلال الثورة السورية الكبرى التي تمكنت فرنسا من قمعها عام 1927، ولم يستثن من الإعفاء سوى سبعين شخصية وطنية بارزة منهم سلطان باشا الأطرش، ما دفع الشعب لنعته "العفو الأعرج". كذلك فقد أصدر في 17 شباط قرارًا بإلغاء الرقابة على الصحافة، وأقنع بونسو بالدعوة لانتخابات الجمعية التأسيسية فجرت في 10 نيسان و25 نيسان وقد عقدت هذه الجمعية المكونة من 68 عضوًا يرأسهم هاشم الأتاسي خمسة عشر اجتماعًا بين 28 حزيران حيث افتتحت أعمالها وحتى 11 آب بعد أن أنهت صياغة الدستور، لكن المفوض الفرنسي رفض نشره بحجة أنه مخالف لميثاق الانتداب، وبعد رد وأخذ ومظاهرات ودعوات لإطلاق الثورة السورية الكبرى من جديد تم نشر الدستور في 14 أيار 1930، ومع ذلك لم يدع بونسو لانتخابات نيابية عملاً بالدستور وأحكامه، فأجج ذلك المظاهرات والاحتجاجات، وكان ذلك سببًا في استقالة حكومة الحسني الأولى في 16 تشرين الثاني 1931.
تشكلت حكومة جديدة موالية للانتداب برئاسة جميل الألشي، ونظمت الانتخابات في نيسان 1932، وهو ما أفضى في حزيران 1932 لانتخاب محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية. عمومًا فإن فرنسا قد تلاعبت بنتائج الانتخابات النيابية التي حدثت في كانون الثاني 1932 بحيث لم يتمكن لا الوطنيون ولا الانتدابيون من تشكيل الحكومة بمفردهم، وتم اللجوء إلى الصيغ الوسطى. وفي 17 أيار 1933 استقالة ثاني حكومات العهد الجديد التي رأسها حقي بيك العظم وكلّف الحسني تشكيل الحكومة، في وقت حرج من تاريخ سوريا حيث لم تتوقف المظاهرات المنددة بالانتداب بل على العكس تأججت منذ تشرين الثاني حين أعلن بونسو حل دورة مجلس النواب بعد رفضه التصديق على معاهدة السلم والصداقة مع فرنسا. غير أن الإضرابات تصاعدت العصيان المدني حل بدءًا من ذكرى أربعين إبراهيم هنانو، حيث أعلن فارس الخوري "الميثاق الوطني للاستقلال" من مدرج الجامعة السورية، وكرد على ذلك أغلقت الحكومة مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب ومدن أخرى، واعتقلت عددًا من القادة من أمثال فخري البارودي وسعد الله الجابري ووضعت آخرين منهم شكري القوتلي قيد الإقامة الجبرية، فرد الشعب بإضراب عام دام ستين يومًا في دمشق قاده الشيخ المجهول (أحمد الإمام) صديق ورفيق فخري البارودي، وعمت المظاهرات كافة المدن السورية وامتدت إلى لبنان. وكان من نتيجته انتشار الجيش الفرنسي في شوارع المدن الكبرى، مع تهديد بقصف دمشق كما حصل عام 1925. وساهمت الظروف الإقليمية على حشد دعم من بريطانيا فاضطر المفوض الفرنسي لقاء رئيس الكتلة الوطنية هاشم الأتاسي مع بداية شباط 1936، واتفقا على تشكيل حكومة جديدة والعمل لإبرام معاهدة جديدة مع فرنسا، وبنتيجة هذا الاتفاق استقالت حكومة التاج الثانية في 23 شباط 1936، بعد استقالته ترك الحسني سوريا وانتقل إلى فرنسا وأقام فيها حتى بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 حين قفل راجعًا إلى دمشق.
عام 1941 كانت البلاد تعاني من اضطرابات عنيفة بنتيجة الحرب العالمية الثانية وما رافقها، فضلاً عن احتجاجات أخرى أثارها قانون الأحوال الشخصية. بعد الفشل في إقناع هاشم الأتاسي من الاستقالة، قرر الفرنسيون تعليق العمل بالدستور والقدوم بحكومة على رأسها تاج الدين الحسني بمنصب رئيس جمهورية لتدبير الأوضاع مؤقتًا، كان من مهام هذه الحكومة أيضًا تدبير الأموال اللازمة لتمويل المجهود الحربي لفرنسا في سوريا، وفي سبيل ذلك عمد الحسني إلى رفع الضرائب ورفع سعر الخبز وغيره من المواد الأساسية، وبالتالي تنامى الحنق عليه في المناطق الفقيرة في سوريا، وكمكافأة له عن الأموال التي مول عن طريقها الجيوش الفرنسيّة أعلن الفرنسيون ضمّ دولة جبل الدروز ودولة جبل العلويين مجددًا إلى الدولة السورية، بعد أن كان ذلك أحد أبرز مطالب الحركة الوطنية السورية، وقد تحقق عام 1936 بعيد الاتفاقية مع فرنسا ثم عاد الفرنسيون وحنثوا بالاتفاق وفصلوا الدولتين، وربما كان هذا الإعلان مقابل سماح الحكومة السورية لفرنسا بالاحتفاظ بقواعد عسكرية لها في البلاد لفترات طويلة، إلى جانب مجموعة من الامتيازات الاقتصادية والمالية والسياسية، حاول الحسني معارضة رغبات الفرنسيين الطامعة بالمزيد من الامتيازات، وسعى مذاك إلى مصادقة الكتلة الوطنية، حاول أيضًا أن يقنع الفرنسيين بإعادة الحياة البرلمانية بالدعوة للانتخابات جديدة، لكن جهوده لم تثمر لدى صانعي القرار الفرنسيين.
توفي فجأة بنوبة قلبية في 17 كانون الثاني 1943 وقيل مات مسمومًا وأن بريطانيا قد اغتالته، ويقول منير عجلاني أنه حاول أن يرسم صورة لنفسه بأنه زعيم وطني حقيقي مبتعدًا عن سياسة فرنسا لكنه توفي قبل أن تكتمل هذه الصورة، وبذلك كان أول رئيس للدولة السورية يموت أثناء وجوده في منصبه.
وسوم: العدد 643