28 عاماً على رحيل الداعية الرباني عمر التلمساني
28 عاماً على رحيل الداعية الرباني
عمر التلمساني (رحمه الله)
بدر محمد بدر
يوم الخميس الماضي (22 من مايو) مرت الذكرى الثامنة والعشرون لوفاة الداعية الربانى والمصلح الإسلامى الأستاذ عمر التلمساني، المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين رحمه الله رحمة واسعة وقد أتاح لى القدر أن أقترب كثيراً من هذا الرجل العملاق، في سنوات حياته الأخيرة، بينما كنت لا أزال شاباً يافعاً، أدرس الصحافة بكلية الإعلام ـ جامعة القاهرة، والتحقت بالعمل صحفياً تحت التمرين بمجلة الدعوة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وقتها كنت أعيش فى مرحلة من أهم مراحل التكوين الفكري والدعوي والوجداني، وبالتالي تأثرت به أيما تأثير، سواء في منهجه الدعوي الوسطي أو فى خلقه العالي وأدبه الجم وحيائه الجميل أو فى انفتاحه وسعة أفقه وحبه للجمال.
كان الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله رجلاً من رجالات مصر العظام, وعلماً من أعلام الدعوة الإسلامية, عاش حياته كلها دفاعاً عن الإسلام والحق والحرية, وصموداً فى وجه الظلم والإنحراف والإستبداد, ولذلك قضى 17 عاماً من حياته فى السجن (54 ـ 1971), بل إنه لم يسلم من الإيذاء وقد تجاوز السابعة والسبعين, فاعتقله الرئيس الراحل أنور السادات فى أوائل سبتمبر 1981 وخرج فى أواخر يناير 1982 بعد حوالى خمسة أشهر.
ولد الداعية الكبير فى الرابع من نوفمبر عام 1904م, فى حارة حوش قدم بحى الغورية ـ قسم الدرب الأحمر بالقاهرة القديمة, ودرس الحقوق فى جامعة فؤاد الأول ( القاهرة الآن ), واشتغل بمهنة المحاماه, وافتتح مكتباً فى مدينة شبين القناطر ـ قليوبية, وكان قد تزوج وهو لايزال طالباً فى المرحلة الثانوية, وفى عام 1933, دعاه اثنان من الإخوان لحضور درس للأستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين, حيث التقى به فى منزله بعد ذلك, وبايعه على العمل فى سبيل نصرة الإسلام, وأصبح بذلك أول محام ينتمى للإخوان.
مواجهة مع السادات
اشتهر الأستاذ عمر التلمسانى بعفة لسانه وشدة حيائه وأدبه الجم, وعندما دعاه الرئيس السادات لحضور ملتقى الفكر الإسلامى فى مدينة الإسماعيلية فى رمضان 1399هـ (1979) م, استشار الأستاذ عمر كل من حوله من الشباب والشيوخ (وكنت أحد شهود هذه الواقعة), فى جدوى الذهاب إلى هذا اللقاء, ثم سافر إلى الإسماعيلية, وعندما هاجم الرئيس السادات الإخوان المسلمين, واتهم قائدهم عمر التلمسانى بالتنسيق مع الشيوعيين ضد النظام, قال له الداعية الكبير : لو كان غيرك قالها (هذه الإتهامات) لشكوته إليك, أما وإن محمد أنور السادات هو الذى قالها, فإننى أشكوه إلى الله, فتأثر الرئيس السادات, وقال له: اسحب شكواك ياعمر, فقال له الداعية العملاق: إنى شكوتك لعادل, فإن كان لى حق أخذته, وإلا فلن يضيرك شئ.
نعم كان هذا هو خلق عمر التلمسانى, وكان هذا هو توفيق الله له فى هذا اللقاء, والذى بسببه أنفتحت له قلوب الملايين من أبناء مصر, الذين كانوا يتابعون اللقاء على الهواء من التليفزيون الرسمى, أو الذين سمعوا به.
قاد الداعية الربانى رحمه الله سفينة الدعوة الإسلامية بعد وفاة المستشار حسن الهضيبى (نوفمبر 1973), فى ظروف شديدة الحساسية والصعوبة, بين إخوان لازال أغلبهم فى السجون والمعتقلات منذ الخمسينيات والستينيات, وما تعانيه أسرهم نفسياً ومادياً وإجتماعياً, وبين نظام سياسى أنتصر فى حرب 1973, ويحتاج إلى تعامل خاص, ولم يتوان عن بذل كل ما يستطيع من جهد فى سبيل الإفراج عن إخوانه وأبنائه, وأيضاً تهدئة مخاوف النظام من الجماعة, ونجح فى قيادة السفينة ببراعة, أساسها الإخلاص العميق, والربانية الصادقة, والفهم الدقيق لمنهج الإمام الشهيد حسن البنا, حيث كان من أقرب تلاميذه الأوفياء.
ترتيب الصفوف والإنفتاح
وعقب خروج الإخوان من السجون والمعتقلات فى منتصف السبعينيات, أعاد الداعية الربانى ترتيب الصفوف وتدعيم وإستكمال الهيكل التنظيمى للجماعة, وقاد الإخوان للإنفتاح على المجتمع فى أوائل الثمانينيات, وخاض تجربة سياسية مهمة بالتنسيق مع حزب الوفد فى انتخابات مجلس الشعب عام 1984, ونجح لأول مرة تسعة من نواب الإخوان فى الفوز بعضوية البرلمان, وفى نفس الفترة نجح شباب الإخوان فى مجالس النقابات المهنية (الأطباء ـ المهندسين ـ المحامين ـ التجاريين ـ الصحفيين.. الخ), فأحدثوا أثراً كبيراً فى الحياة السياسية والنقابية والمهنية, كما خاضوا انتخابات الإتحادات الطلابية فى الجامعات وكذلك نوادى هيئات التدريس.
كان الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله عف اللسان, لين الجانب, رقيق المشاعر, واستطاع أن يكسب قلوب الجميع, الذين أيدوه والذين عارضوه, وكم من نار مشتعلة نجح فى إخمادها, بحسن تصرفه وبصيرته ورفقه وإخلاصه.
كان الداعية الكبير يجيد الخطابة والكتابة, وترك للمكتبة الإسلامية أكثر من 15 كتاباًَ, منها : شهيد المحراب عمر بن الخطاب ـ الملهم الموهوب حسن البنا ـ ذكريات لا مذكرات ـ بعض ما علمنى الإخوان ـ حول رسالة نحو النورـ قال الناس ولم أقل فى حكم عبد الناصر ـ من صفات العابدين ـ فى رياض التوحيد ـ الإسلام والحكومة الدينية ـ الإسلام ونظرته السامية للمرأة ـ الإسلام والحياة.
وكانت وفاته يوم الأربعاء 22 من مايو عام 1986 ـ الموافق 13 من رمضان 1406 هـ عن عمر يناهز 82 عاماً, وصلى عليه الآلاف فى مسجد عمر مكرم بوسط القاهرة, وشارك فى جنازته نحو ربع مليون مواطن، كما ذكرت الصحف فى ذلك الحين، كما شارك فى جنازته شيخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء وعدد كبير من الشخصيات المصرية والعربية البارزة.
رحم الله الداعية الربانى وأجزل له العطاء ورزقه الفردوس الأعلى وعوضنا فيه خيراً, وبارك الله فى تلامذته وإخوانه, الذين يؤكدون دوماً وفى كل الظروف, أن دعوة الإسلام ولادة, وأن الرجال العظام لا ينقطعون عنها أبداً.