الشهيد عدنان الأحدب

لكل مسمى من اسمه نصيب، وعدنان نصيب من اسمه: جنات عدن! عرفها من آيات القرآن الكريم، فعاش متشوقاً للإقامة فيها....

ما أعذب صوتك يا شهيدنا، وأنت تغرد في كل صباح بآي الذكر الحكيم! فكأن تراتيلك الشجية نشيد حلو جميل.

أبو محمد عدنان بن محمد سليم الأحدب من مواليد مدينة (حماة) في العقد الثالث من القرن العشرين الميلادي (1928 - 1980) نشأ في كنف أب صالح، له إطلاع على الفقه، وحب للموت في مرضاة الله. ورشف شراب الإيمان من أم محبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قضت سني حياتها الطويلة متنقلة بين مجالس الوعظ والذكر.

ومما زاد الشهيد تعلقاً بدين الله، وتفانياً في خدمته، تلك الرعاية المبكرة، التي حباه إياها موجهو (الإخوان المسلمين) في مدينة حماة.

ومما يتذكره إخوانه الذين صحبوه في تلك الفترة، مجلس الأسرة التي كان فرداً فيها، قبل حوالي أربع وعشرين سنة، حين انتقل الإخوة من البحث الثقافي، إلى تداول مشكلات كل أخ، فيما يوصل إلى حياة إسلامية مستقرة.

ولقد كانت دروس الشيخ محمد الحامد – تغمده الله بالرضوان – ثم دروس بعض تلاميذه الخلص من بعده، رافداً لذهن الشهيد، مما جعل منه – على الرغم من حرمانه التعليم في المدرسة – وسيلة إعلام للفكرة الإسلامية، يشرحها بتدفق، ويوضحها بحيوية، دون كلل أو ملل.

كان – رحمه الله – داعية إلى الإسلام في بيته وبيوت الأقارب، وكان مناقشاً ومحاضراً في محل عمله. وكم سمعه الناس يهدر بكلمات الحق في طريق سفره، متحدثاً إلى راكبي السيارة متدفقاً في الحديث، يجود بالوعظ والنصح والتوجيه، لمن يبيعه أو يشتري منه في حماة أو دمشق.. واسمح لنا أيها الشهيد الحبيب، أن نرفع الستار أكثر، فنقول: إن بيتك كان مدرسة للإيمان والتقوى...

خصالك – يا رعاك الله – معين لا ينضب! أنقول: إنك مع إخلاصك وتفرغك لخدمة الإسلام لم تحجبك الآخرة عن الدنيا، فكنت تعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وتعمل لآخرتك كأنك تموت غداً!!

لم يخل أسبوع في حياتك من سفر للتجارة. وعدما تعود، يراك أهل بلدك وأنت تعمل بيديك تصنع الأحذية وبصرك يتنقل بين يديك العاملتين وجليسك المنصت إلى حديثك، وأنت تشرح له مزايا الإسلام، بثوبك الحموي الشعبي، وطاقيتك البلدية الوقور...

ولكن ماذا كنت تصنع بثمرات تعبك؟ هذا ما لا يعرفه إلا القليل من الناس: ثلث تنفقه على العيال، لتغذي جنود الإسلام الصغار، وثلث يدخل في تحسين عملك وسكنك، وثلث تتفقه لله، يقل عن ذلك أو يزيد.

لقد كنت تشفق على أولئك المدينين المفلسين، تخاف أن يدخلوا العذاب بأكلهم أموال الناس بالباطل، فكنت تداوي المرضى بجني يديك، تدفع الزكاة، وتبرئ الذمم، فرحمك الله.

إن واقع المصاب يلجم القلم، ويعثر فيه القول! وخلاصة ما يمكن قوله فيك:

إنك ولدت مسلماً، ونشأت مسلماً، ودعوت إلى الإسلام، فقتلك أعداء الإسلام، دون أن يتمكنوا من إدانتك بتهمة، ودون أن يجدوا مسوغاً – ولو ملفقاً كسائر مسوغاتهم – يتذرعون به لاقتراف جريمتهم! لقد سجنوك قبل استشهادك بشهور، وجلدوا جسدك الطاهر بالسياط، وظلت أوسمة الصبر والثبات توشح كتفك وزندك أياماً طوالاً... ثم اضطروا إلى أن يطلقوا سراحك حين لم يثبت في حقك ما يدينك، فتركوا جميع الشرائع والقوانين، واحتفظوا بقانون الحقد الطائفي فداهموا بيتك ليقتلوك، بموجب مادة الخوف من الإسلام، دون محاكمة، وزفوا روحك الطاهرة مع شقيقك، زفاف الشهداء إلى جنة الخلد. يوم الجمعة 10/10/1980.

أما أنت يا زوج الشهيد، فليس لنا إلا أن ندعو الله، أن يبارك إيمانك وتضحيتك، ونتوجه إليكِ بهذه الكلمات: لقد كنت نعم الزوجة صابرة محتسبة، ونعم المسلمة ثابتة أبية... مع تميزك من قريباتك بالإعراض عن زينة الحياة الدنيا، وهي بين يديك..

إنه تاج الإيمان النفيس، تعرضه عليك الملائكة، فاثبتي لحكم ربك راضية مرضية، وأبشري برضوان الله.

اللهم ارحم شهيدنا، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وزد في الثواب لنا وله.

وسوم: العدد 683