السياسي والإداري شاكر الحنبلي
رجالات سورية
هو محمد شاكر بن محمد راغب بن مصطفى النابلسي أصلاً، الدمشقي مولداً ونشأة، كان والده من رجالات دمشق المعروفين بالعلم والقضاء، وعندما توفي كان نائباً في قضاء السلمية. ولد في دمشق سنة 1876، ودرس في المدرسة الرشدية في دمشق قبل أن ينتقل إلى إسطنبول لإكمال دراسته فيها في المدرسة المُلكيّة، وهو بمثابة مدرسة عليا أو كلية حقوق متخصصة في تخريج الموظفين المدنيين والإداريين في كل دوائر الدولة، ودخل قسم الادعاء وتخرج منه في شهر آب من عام 1898م، تنقل محمد شاكر في العديد من المناصب في إدارة الدولة سواء في عهد الدولة العثمانية أو بعدها حتى وافته المنية، ويمكن تقسيم تقلده للمناصب إلى قسمين قبل انتهاء الدولة العثمانية، وبعد انتهاء الدولة العثمانية. - قبل انتهاء الدولة العثمانية: فبعد تخرجه من المدرسة الملكية عُين موظفاً في المالية في ولاية سوريا (بحسب التقسيم العثماني آنذاك)، ثم تنقل بين الوظائف الإدارية في ذلك العهد حتى أصبح عضو المجلس الإداري لولاية سوريا. وما بين الأعوام 1902- 1912م، أصبح قائم مقام للعديد من النواحي في دمشق، منها: حران والزبداني وعجلون والقنيطرة وبير آجك. ثم عاد إلى إسطنبول في عام 1912م، وأنشأ مع عبد الحميد الزهراوي جريدتي الحضارة والقلم فيها، وأصبح محرراً لجريدة "الغاشمة" ثم عُين بعدها مدرساً للغة العربية في ثانوية غلطة سراي "المكتب السلطاني". ثم أصبح مديراً لقسم المؤسسة العلمية في وزارة الأوقاف الهمايونية في الشهر العاشر من عام 1914م. وفي السنة التي تليها عاد إلى الشام وعمل متصرفاً لمدينتي عكا ثم حماة، وعزل عام 1916م في شهر تشرين الأول فعاد إلى دمشق وافتتح مكتباً للمحاماة فيها، ثم أصبح رئيساً للجنة الإحصاء في دمشق.
بعد انتهاء الدولة العثمانية: بعد إعلان استقلال سوريا عن الحكم العثماني، وإنشاء أول حكومة مؤقتة فيها بقيادة الأمير سعيد الجزائري أصبح محمد شاكر الحنبلي وزيراً في تلك الحكومة عام 1918م، قبل دخول الأمير فيصل إلى دمشق، وبدأ التدريس في كلية الحقوق المؤسسة حديثاً في دمشق. وعند دخول الملك فيصل دمشق أصبح مديراً للمراسلات العامة للحاكم العسكري، ثم رئيساً لهيئة التفتيش في وزارة الداخلية في أيلول عام 1919م، وفي نفس السنة المذكورة صار متصرفاً لمدينة دمشق، وأثناء ذلك كان يُدرس الحقوق الإدارية والأساسية وأحكام الأراضي والأوقاف في كلية الحقوق، وذلك في أيلول عام 1922م. ثم انتحب عضواً للمجلس النيابي في عهد الانتداب الفرنسي، ثم انتخب نائباً للرئيس في نفس المجلس. ثم أصبح وزيراً للمعارف في حكومة الداماد أحمد نامي عام 1926، وعند تشكل الوزارة برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني عام 1930م أصبح وزيراً للمعارف لفترتين في الوزارة المذكورة، ثم أُحيل إلى التقاعد عام 1936م. وكانت هذه آخر مناصبه السياسية الرسمية. ولكن بعد انقلاب حسني الزعيم، صدر مرسوم بتأليف لجنة لوضع الدستور وكان محمد شاكر الحنبلي عضواً من أعضائها مع أسعد الكوراني وصبري العسلي.
بعد زمن الانقلابات التي عصفت بسوريا في ذلك الوقت اعتزل الحياة السياسية وتفرغ للكتابة والتأليف، ونشط في الدفاع عن حقوق سورية وفلسطين حتى وفاته في عام 1958. ودفن في دمشق في مقبرة باب صغير.
كان لشاكر الحنبلي العديد من الكتب والمؤلفات العلمية الحقوقية في أغلبها، وبعض الترجمات من اللغة التركية العثمانية.
حياة محمد شاكر الحنبلي تعطينا صورة عما كان عليه رجالات العلم في أواخر العصر العثماني، هذا العصر الذي اشتهر بعلمائه الكثر الذين لم يتركوا باباً من أبواب العلم إلا وطرقوه، ونلاحظ أيضاً أن المدارس العليا والتي كانت بمثابة كليات في إسطنبول كان لها أثر كبير في صناعة وتأسيس رجالات الدولة والمجتمع في مختلف البلاد التي كانت تابعة للدولة العثمانية العلية، فقد قامت تلك المدراس بالجمع بين طريقتي العلم القديمة والحديثة فأخرجت رجالاً متميزين كان لهم أثر كبير في النهضة العلمية والسياسية والقانونية والإسلامية في القرن العشرين، حتى بعد انفصال تلك البلاد عن الدولة العثمانية وزوالها، والأستاذ شاكر الحنبلي كان نموذجاً من أولئك الرجال الذين كان لهم الأثر الكبير في تاريخ سوريا الحديث. فكل من مر على تلك المدراس وعاش في تلك الفترة التي توصف بالتخلف زوراً، كان مثالاً حياً لأرقى رجالات العلم في العالم كله وليس في بلادنا فقط.
وسوم: العدد 683