الشيخ الداعية محمد علي دولة
(1387- 1437ه )
(1939- 2016م )
هو الشيخ العالم الداعية الناشر محمد علي دولة الذي قضى عمره بين صفحات الكتب ينقب عن المفيد وينشره للناس، أسس دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق بتاريخ 1387ه / 1967م ، كما أسس الدار الشامية في بيروت في وقت لاحق، ودار البشير بجدة ، وألف العديد من الكتب الماتعة ، فمن هو ؟ وما هي سيرته وأخلاقه ؟..هذه الصفحات تجيب عن بعض هذه التساؤلات .
المولد والنشأة :
الشيخ العالم محمد علي دولة من مواليد مدينة الكسوة الجميلة الوادعة في غوطة دمشق الغربية في سورية عام 1939م، نشأ، وترعرع في ظل أسرة مسلمة محافظة فأخذ من والديه عطر الإيمان والخوف من الله ومحبة رسول الله، أسرة هانئة وادعة، الأب الشيخ سليم دولة المؤمن الخاشع، والأم (( عائشة السكري)) الراكعة الساجدة، منح الوالدان طفلهما (( محمد علي)) عصارة نفسيهما من طيب نفس وسماحة خلق وعفة لسان، ونوّرا قلبه بالقرآن ومحبة رسول الله، وأخذه والده منذ صغره إلى ( الكُتّاب ) ليتعلم تلاوة القرآن عند الشيخ توفيق المغربي فكان خير طالب، وأجود حافظ لكتاب الله، دفع به أبوه عام 1947م إلى المدرسة الابتدائية في الكسوة، لكنه استمر في تردده على المسجد للصلاة ، فسمع دروس شيخ البلدة الشيخ حسين سمارة، وأثرت في نفسه كلمات (محمد علي شحادة) مدير المدرسة الابتدائية.
وهكذا نرى الإيمان والعمل الصالح ينبت في قلب الإنسان منذ بدء الطفولة. وتنمو غراس الإيمان، ويقوي عودها مع الزمن، وارتفعت أسنة محبة الوطن في نفسه في المرحلة الابتدائية حين شارك في أفراح عيد الجلاء، وأدرك أن قيمة الإنسان في حريته، وأن الحرية طوق النجاة للإنسانية، وأن المستعمر ظالم، وأن الإسلام حرر الناس من العبودية.
فقد الشيخ محمد علي دولة نبع الرحمة والحنان ، وأصابه الوهن وهو غض الإهاب، لين البناء، حين توفي والده الشيخ سليم – رحمه الله – عام 1948م، وهو فتى ابن تسع سنوات، فأصبح يتيماً، لكنّ أمه (عائشة السكري ) ضمته إلى صدرها، وأيقظت فيه الهمة والعزيمة والصبر، فنهض فارساً يخطف العلم، ويسابق أقرانه، فالأم الواعية تبني أبناءها كما يبني الرجال أبناءهم، تجعلهم عقولاً واعية وأحباراً نضرة، وآمالاً حافزة.
دراسته ومراحل تعليمه :
عندما انتهى فقيدنا من المرحلة الابتدائية، أرسلته أمه إلى دمشق، فانتسب إلى جمعية الغراء التي تشرف على المعهد الشرعي في عام 1953م سعت أمه لذلك، ليفوز ابنها بخير الدنيا والآخرة.
وكانت مدة الدراسة في المعهد (6) سنوات، يقوم بالتدريس في المعهد كوكبة من العلماء الأفاضل، نورهم يسعى بين أيديهم، وألسنتهم مطايا خير وعلم وأرواحهم مظلات تقى تحتضن طلابهم، تعلق بهم طلابهم، وساروا على دربهم.
ونهل العلم على شيوخ المعهد الشرعي ، وكان من أبرزهم:
- أحمد المقداد البصروي، أستاذ الفقه الشافعي.
- الشيخ عبد الكريم الرفاعي - رحمه الله -: أستاذ العقيدة والفقه الأصولي صاحب كتاب المعرفة ووالد الشيخين الفاضلين أسامة وسارية الرفاعي .
- الشيخ خالد الجباوي : أستاذ النحو والبلاغة.
- الشيخ عبد الرحمن الطيبي الزعبي : أستاذ التفسير والحديث.
- الشيخ عبد الغني الدقر : أستاذ الأدب والنحو واللغة وصاحب كتاب معجم النحو .
- الشيخ نايف العباس : أستاذ الفرائض والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وكان أحبهم إلى قلبه، وأشد تأثراً به. واشترك معه في تحقيق حياة الصحابة .
تأثر فقيدنا بأساتذته من العلماء الربانيين، كما تأثر بالعالم المسلم أبو الحسن الندوي عندما زار المعهد الشرعي، وألقى في كل صف موعظة قصيرة، ومبادرته بالسلام على كل طالب من طلاب الصف، وازداد تأثره بالشيخ العالم أبو الحسن الندوي حين حضر محاضراته على مدرج جامعة دمشق، وكانت محاضراته عن رجال الفكر والدعوة سنة 1956م، وقد أكرم الله فقيدنا بطبع هذه المحاضرات في (4) مجلدات.
بعد أن تخرج فقيدنا من معهد العلوم الشرعية التحق بكلية الشريعة بجامعة دمشق، تمكّن الإسلام في قلبه، وأحب أن يعيش مع حلاوة الإيمان، ونور العقيدة، وظلال شريعة الله، ليقطف ثمار المحبة لله مع العابدين العالمين.
كان سعيداً في عام 1959م وهو يدخل كلية الشريعة، وقد ملأ السرور أركان نفسه، فنفسه توّاقة إلى التعمق في مبادئ الدين، والسباحة في حياض الإيمان ونشر سماحة الإسلام وعلومه بين الناس واقتلاع معاول الهدم التي أطلقها المفسدون، أدرك وهو يدخل كلية الشريعة أنّ لديه رسالة عليه أن يؤديها، كان ينظر إلى جدران الكلية ويشعر أن قناديل الأماني تنطلق من نفسه إلى السماء سائلة رب العزة أن يحقق أمانيه، وقد ضمت كلية الشريعة أنجماً من العلماء، يسطع نورهم في العالم العربي والإسلامي.
-الداعية المجدد الدكتور مصطفى السباعي : مؤسس الكلية وعميدها.
-الأستاذ محمد المبارك : أستاذ مادة نظام الإسلام.
-الدكتور المؤرخ يوسف العش : أستاذ التاريخ. وعميد كلية الشريعة له الدولة الأموية والخلافة العباسية .
-الدكتور معروف الدواليبي : الوزير الداعية ، والكاتب الحقوقي الكبير والسياسي اللامع.
-الأستاذ مصطفى الزرقا : فقيه الأمة، وأبو حنيفة الصغير ، صاحب المدخل الفقهي العام .
-الدكتور الداعية الشهيد صبحي إبراهيم الصالح : أستاذ علوم القرآن والحديث.
-العالم الرباني المربي عبد الرحمن الباني.
وغيرهم من العلماء الذين أناروا العقول، وأحبتهم النفوس.. من أمثال د. وهبة الزحيلي ومصطفى الخن ود. فتحي الدريني ...
تخرج فقيدنا من كلية الشريعة سنة 1963م وحصل على إجازة في الشريعة، وقد نضجت نفسه وتبلورت شخصيته، وتطلّع إلى تحقيق أمانيه، ورسم خطوط أهدافه في الحياة، فهو صاحب رسالة، ورسول دعوة، ينشد العزة للإسلام، ويسعى لدحر أعدائه.
أعماله والوظائف التي تولاها :
تم تعيينه في وزارة التربية كمدرس لمادة التربية الإسلامية سنة 1964م في السويداء، وبقي فيها مدرساً لمدة (4) سنوات، ثم انتقل للعمل في ثانوية جودت الهاشمي بدمشق، ثم انتقل إلى التدريس في مدرسة للبنات في باب الجابية، ثم انتقل إلى العمل في ثانوية الكسوة 1973م، وشعر أن التدريس يبعده عن متابعة عمله في إدارة مكتبة دار القلم التي أسسها سنة 1967م، قدّم استقالته عام 1974م من التعليم ليتفرّغ لعمله في نشر العلم والثقافة فأسس الدار الشامية في بيروت ودار البشير في جدة .
وقد قطف فقيدنا في التدريس قلوباً صافية غرس فيها حرارة الإسلام وشموليته وارتسم في وجدانهم أن المستقبل للإسلام، مهما أظلمت الليالي، وزاغ عن العين وضوح الطريق، أحبه تلاميذه لإخلاصه في عمله وعمق ثقافته ووضوح رؤيته.
وكان له نشاط واسع في بلدته (الكسوة) فهو رجل دعوة وعمل، يسعى لتبليغ الرسالة التي ملأت قلبه في ( معهد العلوم الشرعية) وفي كلية الشريعة فخطب في الجامع الكبير وفي مسجد أبي بكر، وكانت له حلقات علم في مساجد بلدته، تناول فيها السيرة النبوية والفقد الشافعي، وكانت له دروس خاصة للعمال من كتاب (حياة الصحابة)، وكانت له دروس خاصة في علوم العربية والتاريخ الإسلامي، كان كالنبع الذي يروي الأرض في كل اتجاه.
مؤلفاته :
لم يكن الشيخ محمد علي دولة – رحمه الله – تاجراً، اتخذ نشر الكتب مهنة له، يجني منها الأرباح ليكون سعيداً في حياته، لقد امتزجت المطالعة مع دمه، ومشت في عروق جسمه، فهو يتنفس السعادة حين يرى عيونه تحتضن الكلمات وتشكل منها فراشات جمال وأجنحة هامسة بالدفء الودود، كان يرى الكتاب صنو الطبيعة الجميلة، الكتاب يسعد العقل، والطبيعة الجميلة تسحر العاطفة، أحبّه طلابه لثقافته وعمق اطلاعه، وأنصت جلساؤه أمام ترياق فكره وحلاوة حديثه، أخذ بألباب أبناء بلدته ( الكسوة)كمتحدث ومرشد في مساجدهم وكخطيب على منابرهم.
تناول فقيدنا في كتبه محورين:
المحور الأول: السيرة النبوية وحياة الصحابة.
1-حياة الصحابة - للكاندهلوي : اشترك في تحقيقه مع أستاذه الشيخ نايف العباس.
2-قصص من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه :
نشرته دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ، عام 1981م ، حجم 19 / 13 ، وعدد الصفحات 127 صفحة .
اختار فيه فضيلة الشيخ طرائف القصص عن ذلك الجيل المثالي الفريد وحكى يومياتهم مع الرسول ، فهذا يراقب نجم أحمد الذي بشرت به اليهود ، وذاك يركض كالفدائي ليقتل أعداء النبوة فيغتال كعب بن الأشرف ، ويحكي لنا قصة جرة أبي أيوب ، وكيف بنى رسول الله المسجد الشريف ، وكان أسلوب الشيخ شائقاً جذاباً يعتمد على الأسلوب الفني في سرد القصة ، ويمزح بين الوصف والحوار ويستخلص الدروس العبر .
3- الصحابي ربيعة بن كعب شاب كان همّه الآخرة : حكى فيه بأسلوب قصصي مشوق قصة ذلك الصحابي الشاب الذي كان يلازم النبي عليه السلام ويقدم له ماء الوضوء ، ويعيش مع أهل الصفة بلا زوجة أو أهل ، فقال له رسول الرحمة : اطلب ما تشاء يا ربيعة ، فتحير الشاب وتردد هل أطلب المال أم الزوجة ولكن غلب عليه همّ الآخرة وجانب التقوى فقال اسألك مرافقتك في الجنة فأجابه رسول الله وقال : ولكن أعني على نفسك بكثرة السجود .
4- أبو هريرة تلميذ النبوة النجيب والفاتح المجاهد : حكى في رسالته هذه قصة أبي هريرة الذي كان فقيراً من أهل الصفة وكيف كان يصرع من شدة الجوع ، وقد دعا له رسول الله بالحفظ وعدم النسيان ، وكان له دور كبير في الفتح والجهاد حتى صار أميراً في عهد عمر رضي الله عنهم أجمعين .
5-أبو موسى الأشعري الرباني العابد : تحدث فيه عن ذلك الصحابي الجليل والقاضي الشرعي العظيم ، الذي تولى الإمارة أكثر من مرة وكان ناجحاً فيها ومحبوباً من الناس .
المحور الثاني: تاريخ اليهود ومصيرهم منذ النشأة وحتى الآن، وقضية فلسطين.
6-لتفسدنّ في الأرض مرتين :
هكذا اختار الأستاذ الفاضل محمد علي دولة قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] عنواناً لكتابه الجديد الصادر حديثاً، عن دار القلم بدمشق، هذه الدار التي أسَّسها بنفسه قبل أربعين سنةً أي في عام 1967م، وقد بلغت صفحات الكتاب 344 صفحة، أدار حديثَه فيه على الآية التي اتخذها عنواناً لكتابه، وهي شطرٌ من مضمون نبوءة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم، التي ذُكرت في التوراة، والتي قرأها جميعُ الأسباط، وهم متوجِّهون إلى الأرض المقدسة، بقيادته عليه السلام، فكان تحذير الله تعالى للقوم من الإفساد في الأرض التي ستُفتح عليهم، فأخبر ذلك الجيلَ والأجيالَ اللاحقة منهم أنه سيقعُ منهم عند وراثتهم للأرض المقدَّسة إفسادان عريضان، وعُلوَّان كبيران، في مرتين من الزمان، وسيبوؤن بغضبٍ من الله يوجب عليهم عقابَه وانتقامه.
ففي المرَّة الأولى يسلِّط الله عليهم من يهزمُهم، ويقهرُهم، ويذلُّهم، دون أن يزيلَهم من بلادهم، ويستأصل شأفتهم.
وفي المرة الثانية يسلِّط الله عليهم من يدمِّر مملكتهم، ثم يطردُهم من فلسطين كلِّها، ويشرِّدُهم في الأرض، ويمزِّقهم فيها.
وتحدثت تلك النبوءة أيضاً عن مستقبل بني إسرائيل ومصيرهم، بعد أن يُطردوا من فلسطين، فأخبرت أنهم إن حاولوا الرجوعَ في الزمان القابل إلى هذه الأرض التي طُردوا منها فسوف يسلِّط الله عليهم من يُذلهم من جديد، ويُخزيهم، ويطردهم مرَّة أخرى من هذه الأرض المباركة: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].
وفي سرده لما بيَّنته تلك النبوءة - في شطرها الأول - والتي ذكرها القرآنُ الكريم أيضاً، تكلَّم المصنف على طبائع اليهود، وما انطوَت عليه أخلاقُهم من فسق، وإفسادٍ في الأرض، وسفكٍ للدم الطاهر، وارتداد عن الدين، واستكبارٍ في الأرض بغير الحق، وما سوَّلت لهم أنفسهم الخبيثةُ بأنهم شعب الله المختار، وما نالهم من عقاب الله الأليم، في تينك المرتين، وما توعَّدهم به الله تعالى حال عودتهم.
وأرجأ الأستاذ محمد علي دولة كلامه على شطر النبوءة الثاني، والمتمثِّل في وعيد الجبار جلَّ جلالُه: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} إلى كتاب آخر، سيصدرُ قريباً كما قال، ليقف القارئ من خلال هذه الكتابات على ديدن القوم، فنسأل الله أن يقرَّ أعيننا بتحقيق ما وعدَنا، وأن يجعلَ لنا في مثل هذه الكتابات الرَّصينة سلوى وبُشرى تشحذ نفوسنا المتلهِّفة لنصره العزيز.
ونختم هذا العرض الموجَز بسرد فهرس موضوعات الكتاب ليكونَ القارئ الكريم على معرفة بالموضوعات التي طرقها المؤلف في كتابه:
فهرس الموضوعات
المقدمة:
توضيح لابدَّ منه: (بنو إسرائيل هم اليهود لاحقاً).
الفصل الأول: اليهود وإفسادهم الدائم.
الفصل الثاني: نبوءة التوراة في إفساد اليهود قديماً في أرض فلسطين.
- نبوءة التوراة.
- أضواء على هذه النبوءة.
الفصل الثالث: الإفساد الأول.
- بنو إسرائيل يرثون الأرض المقدَّسة.
- بنو إسرائيل يفسدون في الأرض المقدَّسة ويُعاقبون على ذلك.
الفصل الرابع: ثم ردَدْنا لكم الكرَّة عليهم.
- رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم.
- إمدادهم بالأموال والبنين والنفير الكثير.
الفصل الخامس: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.
الفصل السادس: الإفساد الثاني.
* المرحلة الأولى من إفسادهم الثاني.
- صور من إفسادهم وعلوهم في هذه المرحلة:
- ردتهم عن دينهم وعبادتهم للأصنام.
- سقوط المجتمع الإسرائيلي في حمأة الفسوق والفجور.
- اعتقادهم أنهم شعب الله المختار ولن يصيبهم لذلك شيء من المصائب.
- موقفهم الشائن من الأنبياء.
- نصوص مقدَّسة تصف إفساد بني إسرائيل بعد داود وسليمان عليهما السلام.
- تدمير ملك بني إسرائيل وسبي الأسباط.
- خراب أورشليم والمسجد.
* المرحلة الثانية من إفسادهم الثاني.
- لمحة تاريخية موجزة عن هذه الفترة.
- صور من إفسادهم وعلوِّهم في هذه المرحلة
1 – تحريفهم للتوراة.
2 – وصفهم الله بما لا يليق بجلاله.
3 – تلفيقهم التهم على الأنبياء الكرام.
4 – تقليدهم لليونان واتباعهم لهم في وثنيتهم القبيحة.
5 – فساد عدد من رؤساء الكهنة، وصراعهم على المنصب.
6 – الثورة التي قامت لنصرة الدين، ثم سلكت سبيل الفساد والمفسدين (الثورة المكابية).
7 – الفساد الذي اقترفته الصدوقيون والفرِّيسيُّون.
8 – طغيانهم وسفكهم للدم الغزير.
ثورة اليهود على الرومان.
- ثورتهم في أعوام 66 – 70م.
- ثورتهم في أعوام 132 – 135م.
النتائج المدمِّرة لثورة اليهود على الرومان.
1 – حرمان أمة اليهود من النبوَّة.
2 – سلب الأرض المباركة منهم.
3 – تدمير بلادهم.
4 – الطرد الكامل والشتات الكبير.
5 – ضرب الذلَّة والمسكنة عليهم، ونزول اللعنة والغضب بهم.
الفصل السابع: خلاصة وتعقيب.
- خاتمة.
- الإحالات والحواشي.
* فهرس الأعلام.
* فهرس الموضوعات.
7-كلام في اليهود.
8-محاربة اللاسامية خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش.
9-وإن عدتم عدنا.
-كما ألَّف كتاباً عن العلَّامة الشيخ ( عبد الرحمن حبنكة ) قصة حياة ومسيرة علم وجهاد ... وبيَّن مواقفه من اليهود ومكائدهم والمستشرقين وفسادهم .
صدرت له عدة كتب وهناك كتب أخرى سوف ترى النور قريباً ..منها :
-وله مقالات منشورة في مجلة حضارة الإسلام الصادرة في دمشق، وفي مجلة الفيصل السعودية .
وفاته :
وافاه الأجل المحتوم في 19 ربيع الآخر عام 1437ه / الموافق 29 يناير 2016م وغيبه الموت بعد سنوات من العمل والبذل والعطاء والتأليف ونشر العلم الشريف .
أصداء الرحيل :
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينعي الشيخ الدمشقي الجليل "محمد علي دولة" :
(( ينعي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أهالي الشام والأمة الإسلامية الشيخ والمربي الجليل الداعية الأستاذ "محمد علي دولة" صاحب دار القلم بدمشق، الذي وافته المنية في مدينة "الكسوة" قبل فجر الجمعة الموافق 29 يناير 2016م .
أسس الشيخ محمد علي دولة -رحمه الله- دار القلم في أوائل التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري، وأصبحت منارة علمية مشعة، وعنوانا مضيئا في عالم النشر الملتزم، والطباعة الأنيقة، والكتب المختارة النافعة، والمؤلفين المشاهير الفضلاء.
وندعو له بالرحمة والمغفرة، ولأهله ومحبيه وتلامذته بالصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأمين العام رئيس الاتحاد
أ. د. علي القره داغي أ. د. يوسف القرضاوي
رابطة العلماء السوريين:
(( وفاة أخ كبير وناشر متقن وداعية واعٍ الأستاذ محمد علي دولة صاحب دار القلم بدمشق.
تتقدم رابطة العلماء السوريين بعزائها بوفاة العالم المربي الداعية الحكيم والناشر الأصيل أبا سليم محمد علي دولة الذي وافته المنية بمدينة الكسوة قبل فجر هذا اليوم الجمعة 29/01/2016م – 19/04/1437هـ، توفي رحمه الله عن عمر يناهز 77 عاماً، أمضاها في التعليم والدعوة إلى الله تعالى، ونشر الكتاب الإسلامي، رحمه الله، وغفر له، وجمعنا به في مستقر رحمته ودار كرامته، أسس دار القلم في أوائل التسعينات من القرن الرابع الهجري، وأصبحت منارة علمية مشعة وعنواناً مضيئاً في عالم النشر الملتزم والطباعة الأنيقة والكتب المختارة النافعة، والمؤلفين المشاهير الفضلاء، رحمه الله تعالى وتقبله في عباده الصالحين.
رابطة أدباء الشام:
(( عظّم الله أجركم، وجعل الحبيب أبا سليم في مستقر رحمة الرحمن الرحيم.. ثواب ما قدَّم لدينه وأمته وللغة والقرآن العظيم من خدمات تفتح له أبواب الجنان بفضل الله ورضوانه، أرجو أن يكون مثواه الفردوس الأعلى.
عمك المفجوع بهذا المصاب عبد الله الطنطاوي
محمد علي دولة وجاذبية الداعية :
وكتب الشيخ الداعية حسن قاطرجي مقالاً رثى فيه الشيخ والداعية والناشر والمؤلف العريق محمد على دولة رحمه الله والذي وافاه الأجل الذي لا يرد :
ولئن خَسِرَتْ (الدعوة الإسلامية) و(حركة نشر الكتاب الإسلامي) أحد أعلامها، والجميع اعترف بذلك برحيله -رحمه الله وأعلاه، وأكرمه برحمته ورضاه -فقد رُزئتُ شخصياً بخسارة فادحة على المستوى الشعوري والأخوي كما رُزئت عائلته وعددٌ من أترابي ممن له صلة قريبة حميمة به رحمه الله وإنْ شارَكْنا الآخرين جوانب الخسارة الأخرى التي حَلّت بالساحة الدعوية وساحة (صناعة الكتاب الإسلامي)...
رُزئتُ بذلك للذي كان بيننا من الأخوّة والوُدّ والوفاء طيلة (40) عاماً منذ تعرّفت عليه في مكتبته في الحلبوني في دمشق عام 1976 عندما تهجَّرَتْ عائلتي -وكنت معها -من بيروت إلى بلدة بلودان من ضواحي دمشق أوائل الحرب اللبنانية الأهلية المجنونة التي اندلعت عام 1975.
كان أول لقاء معه في مكتبته عندما قصدتُها أثناء تلك الهجرة وجَذَبَتْني شخصيتُه الدعوية وحنوُّه الأخوي وحُسن استقبالِه، وظهر من لُطفه ودماثة خُلُقه وبشاشة وجهه وتوجُّه اهتمامه إليّ وحُسن اختياره الذكي لكتيّب أهدانيه -بعد التعارف مباشرة -من تأليفه هو رحمه الله وعنوانه: (ربيعة بن كعب شابٌّ كان همّه الآخرة)، وكنت في أواسط العقد الثاني، ما أفسِّره أنه فضل الله عليّ لكي ألتفت باهتمام إلى عنصر (الجاذبية) في نجاح الداعية!
لقد كانت (الجاذبية الدعوية) صفة بارزة ومميِّزة لشخصية الأستاذ محمد علي (أبي سليم) عايشتُها وحُفرت في ذاكرتي شواهدُها الكثيرة طيلة أربعين عاماً، رأيتُها أصيلة فيه غير متصنَّعة، صادقةً غير مزوَّرة، ثابتةً غير مذبذَبة!
إنّ الحديث عنه وعن أطايب أخباره متشعِّب وكثيف وأَحْسَب -والله حسيبه -أنّ له نصيباً وافراً زاكياً من وصية حكيم العرب أكثم بن صَيْفي التميمي: (إنما أنتم أخبار! فطيّبوا أخباركم).
ومفاتيح (الجاذبية) في شخصيته رحمه الله التي جعلَتْه محبوباً ومؤثراً هي خمسة:
الأول: أخوّته الصادقة.
والثاني: تواضعه الجمّ وكَرَمُه المدهش ووفاؤه اللافت.
والثالث: عافيتُه من مرض (الأنا) وحبُّه للخير وبذله له بعاطفة وسخاء.
والرابع: حُرقته على الإسلام وحَمْله لهمومه، وخاصة هموم الدعوة الإسلامية وهّم قضية تحرير فلسطين الذي كان أملاً كبيراً له يتمنى أن يراه رحمه الله.
والخامس: حبُّه للمطالعة الدائمة وللكتاب وللتعرّف على العلماء وأصحاب القلم.
ولي ذكريات وفيرة معه -رحمه الله- في كل واحد من هذه الأخلاق والصفات، ولم أبالغ في كل كلمة في هذه العناوين فقد سطَّرتها مختاراً لها قاصداً لدلالاتها، مُريداً معانيَها وأبعادَها، وهو رحمه الله كبير القدر في نفسي لأنني أؤمن أنه بقدر ما تنجح (محاضن الدعوة الإسلامية) و(مجالس العلماء) و(مصانع تربية الدعاة) في إنتاج أمثال (أبي سليم) في هذه الصفات تكون قد حققت أسمى أهدافها ووفّرت للمجتمعات (نماذج قدوة) تؤدي أهم وأخطر وأفضل مهمة لها وهي التحبيب بالإسلام.
لقد كانت حياته حافلة بالعطاء والإنجازات وهذا شأن كل داعية ناجح وجذّاب، وأرجِّح أنها بارَكَها حبُّه العظيم لسيدنا رسول الله [ وللصحابة رضي الله عنهم... حبٌّ عظيم ترجمه بأمور: كان يُكثر بالثناء عليهم والحديث عن فضائلهم وإنجازاتهم، وبخدمته ونشره للكتاب الذائع الصيت "حياة الصحابة" للكانْدِهْلِوي بالاشتراك مع شيخه الدمشقي العلاّمة نايف العباس رحمه الله، وتأليفِهِ لسلسلة عن مواقفهم ويومياتهم مع رسول الله [ عنون لأجزائها الستة: قَصَص من حياة الرسول وأصحابه رضي الله عنهم، وكانت كتابتُه طريقة جديدة طريفة في عرض السيرة النبوية على غير النمط التقليدي، وبالإصدارات الكثيرة المميَّزة التي نشرتها (دار القلم) من كتب السيرة النبوية وسِيَر الصحابة.
وبمناسبة الحديث عن الكتب فلا بد من وقفة مهمة مع مهنته في نشر الكتاب الإسلامي إذ كان يعتبرها بالدرجة الأولى رسالة وليست تجارة، لذلك كانت (دار القلم) داراً متميزة متقِنة لصناعة الكتاب أعطاها عصارة جهده وحياته -رحمه الله -على مدى نصف قرن وهي وإن شاركَتْ بعضَ دور النشر القليلة في التميّز والإتقان إلا أنه يبقى في سجل تميّزه في داره إنتاجُه لعدة سلاسل قيّمة من الكتب: سلسلة أعلام المسلمين التي أتم إلى حين وفاته إصدار مئة كتاب منها، وسلسلة علماء ومفكرون معاصرون أصدر منها 42 كتاباً، وسلسلة كتب قيّمة أصدر منها 59 كتاباً، وكذلك سلاسل (الفقه الإسلامي) التي أراد منها تسهيل الفقه للجيل المعاصر والتعرف عليه بمذاهبه المختلفة، وكسبُه لثقة أعلام من العلماء والدعاة خصّوا داره بطباعة كتبهم مثل الداعية الرباني النَّدْوي، والمفكِّر والمفسِّر الشيخ عبد الرحمن حبنّكة، والداعية المشهور محمد الغزالي في آخرين، رحم الله من أفضى منهم إلى ربه وبارك بأعمار من لا يزال حياً إلى الآن.
وكلُّ جليس له رحمه الله فضلاً عن المصاحب يتأثّر بحرقته على الإسلام وتعلّقه بأخبار الدعوة والدعاة، وحرصِه على هداية الناس والإرشاد للخير حتى إنني رأيت مدى تأثر الدكتور لويس صليبا المسيحي صاحب دار بيبليون في لبنان وقد أتى للتعزية التي دعا إليها أولاده البَرَرة في بيروت معبراً عن تأثره ووفائه له، وكانت صلة الأستاذ محمد رحمه الله به أنه كان يتردد على داره لشراء الكتب المتخصصة باليهود ويتابعها أولاً بأول.
رحمه الله وأعلى درجته في عليين، وهنيئاً له خاتمةُ عمره ليلةَ وفاته وهو في صلاة قيام الليل قبيل فجر يوم الجمعة، وبرُّ أولاده له وسَيْرُهم على دربه في حمل أمانة خدمة الكتاب الإسلامي، ولعلّ الأمرين من علامات قبوله وحُسن حاله، راجين من أولاده الكرام وعلى رأسهم الأستاذ عماد دولة تحقيق أمنّيته في إخراج كتابين من تأليفه كان يتحدث عنهما كثيراً وقد أتمهما ولكن وافَتْه المنية قبل طباعتهما، وهما: "وإنْ عدتُم عُدنا" و"قصة اليهود من البداية حتى النهاية".
وكتب الدكتور . محمد بشير حداد يقول :
(( الصديق الغالي والأخ الكبير والمؤلف والناشر مؤسس دار القلم -دمشق- المرحوم الأستاذ *محمد علي دوله* رحمه الله
فجر اليوم الجمعة 19/ربيع الآخر 1437 الموافق 19/كانون الثاني يناير 2016 .
وقد كان رحمه الله من أبرز المحركين للتجديد التأليفي ، واكتشاف الطاقات العلمية والفكرية الجادة في الأمة عبر تأسيسه دار القلم بدمشق وذلك أواخر الستينات من القرن العشرين ، ونقل عالم الكتب والطباعة في سورية والمشرق العربي من النمطية للإبداع، ومن النخبوية الى الانتشار ، وأسهم في استنهاض همم المؤلفين الى التأليف والنشر، واحتفى بنتاجهم العلمي والفكري والثقافي..
بجودة الإخراج وبراعة الإتقان..
الأستاذ* محمد علي دوله* تخرج من معاهد دمشق العلمية الشرعية ،ومن كلية الشريعة بدمشق..
حمل منذ براعته هم الدعوة الى الله وخاصة حين عين مدرساً للتربية اﻹسلامية في دمشق وغيرها وساهم بجعل النشر رسالة علمية ودعوية..
وقد صحبته منذ السبعينيات. .
وأحببته لوعيه ودينه وصفاءه و لدماثة خلقه ونقاء سريرته .
حواراتنا وحديثنا دوما وفقط في:
الفكر الإسلامي وقضاياه وهمومه..
أشهد لله أنه رحمه الله... ممن صدق الله في الثبات على الحق وحب أهله والدفاع عنه..، وبغض الباطل واحتقار أهله والتنفير منهم..
كان يعرف قدر الرجال ..، وقد أحبوه لما تميز به..
وأذنوا له بنشر مؤلفاتهم كلها ،.ومنهم أستاذنا الداعية محمد الغزالي...
صحبته في دمشق وجده والقاهرة الى آخر حياته...يتصل علي باستمرار برعاية الأخ الكبير و بلطفه المعهود، ويتفقدني إن قصرت معه..
عف اللسان طاهر القلب ..قارىء نهم.
متأثر جداً فكراً واهتماماً وتطلعاً ودقة وورعاً بشيخه العالم الكبير والمربي الجليل* الشيخ نايف عباس* رحمه الله..
لاهم له إلا تنهض الأمة بشبابها ومفكريها..
قدم لهم من دار القلم سلسلة متميزة:
"أعلام المسلمين* وغيرها من السلاسل ،.خدم بالنشر معظم مسالك المعرفة الإسلامية الحديثة استكتب لها خيرة المؤلفين..
حديثي عنه جد طويل ذكرياتي معه كثيرة.
اعتنى رحمه الله جداً بعد قراءات طويلة وعميقة وشاملة بالتحدي الصهيوني واغتصابه فلسطين..
وأعد موسوعة لذلك أصدر بعضها، والبعض في طريقه للنشر،. وبقي يكتب مع ضراوة المرض الذي اعتلت به صحته لآخر ساعات حياته..
قبل شهرين هاتفني وأعلمني بعودته لجده في زيارة قصيرة فخففت للسلام عليه ،ولقيت قد سبقني وقتها لزيارته الطبيب المؤلف العالم الفقيه:
*الدكتور محمد علي البار*حفظه الله ، وجرى الحديث عن أهم تحديات الحاضر والمستقبل التي تواجه الأمة ثم ودعه د. البار، وبقيت قليلاً معه وتفقد أحوالي وأحوال بعض العلماء ، وتجاذبنا حوار ممتعا راقيا معه، وسألته الا يعود للكسوة في دمشق لصعوبة الظروف والبرد.. فقال لي:
هناك مكتبتي وبحثي ، ومعظم أولادي وأحفادي..
أتقدم بحار العزاء لإخوتي أبناء الفقيد الأستاذ سليم وإخوانه ،ولآل دولة وقراباتهم، ألهمهم الله جميعاً الصبر والسلوان ..
وأتقدم بصادق العزاء أيضاً.. لطلاب الأستاذ ومحبيه وللمؤلفين ولعلماء دمشق وسورية والعالم الإسلامي..
تغمد الله فقيدنا بواسع رحماته، وأسكنه فسيح جناته مع النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. إنا لله وإنا اليه راجعون ...
وكتب الشيخ الداعية مجد مكي يقول :
(( وفاة أخ كبير وناشر متقن وداعية واع الأستاذ محمد علي دولة صاحب دار القلم بدمشق
أعزي نفسي وأبناء الفقيد الغالي، وأعزي بلاد الشام وأهالي مدينة الكسوة بوفاة العالم المربي الداعية الحكيم والناشر اﻷصيل ( أبا سليم محمد علي دولة)
الذي وافته المنية بمدينة الكسوة قبل فجر هذا اليوم الجمعة:19/4/1437
توفي رحمه الله عن عمر يناهز(77)عاما؛ أمضاها في التعليم والدعوة إلى الله تعالى ونشر الكتاب اﻹسلامي.
رحمه الله تعالى، وغفر له، وجمعنا به في مستقر رحمته، ودار كرامته.
أسس دار القلم في أوائل التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري، وأصبحت منارة علمية مشعة، وعنوانا مضيئا في عالم النشر الملتزم، والطباعة الأنيقة، والكتب المختارة النافعة، والمؤلفين المشاهير الفضلاء .
أكتب هذه الكلمات في طريقي للعمرة وأنا قريب من بيته بجدة الذي لي فيه ذكريات لا تمحي، وأدعو للفقيد الغالي بالمغفرة والرحمة والرضوان .............
محمد علي الدولة، ونصف قرن من نشر الكتب والدعوة إلى الله
وكتب الأستاذ أحمد العلاونة مقالة نشرها في رابطة أدباء الشام :
(( دخل عالم النشر من باب العلم ونشر الدعوة، وكان كتاب (حياة الصحابة) لمحمد بن يوسف الكاندهلوي باكورة مطبوعات داره (دار القلم) التي أنشأها عام 1387هـ/1967، نشره أجزاء صغاراً، ثم جمعها في ثلاثة مجلدات، فبارك الله له في داره.
عرفت اسمه عندما قرأت الجزء الأول من ذكريات علي الطنطاوي رحمه الله عام 1405هـ/1985م، حين كتبه عنه في ص 6:" والشكر موصول للأستاذ محمد علي دولة، الذي آثر العمل في نشر الكتب على التعليم الذي كان من أهله، وكان موفقاً فيه، لما يجد في النشر من نفع الناس ورجاء ثواب الله. فهو الذي وقف على طبع الكتاب، ووضع فيه ذوقه وفنّه وخبرته وتجربته".
اشتريت طائفة من منشورات داره قبل أن أعرفه، وكان يعجبني فيها رصانة موضوعاتها، وحسن اختيار العناوين، وجمال إخراجها، ورخص ثمنها.
من هذه التوطئة المقتضبة تظهر منزلة أستاذنا محمد علي دولة (أبو سليم) فهو من بقية المدرسة الجادة في خدمة الكتاب من أجل العلم ونشره، وطلب ثواب الأجر من الله سبحانه وتعالى، في حين نشطت دور نشر كثيرة جداً هدفت إلى تحقيق الكسب وحده.
منَّ الله علي بمعرفة أبي سليم من سبعة عشر عاماً، ولقيته مراراً في عمان وجدة ودمشق والكسوة (مسقط رأسه) وأكرمني بنشر خمسة كتب لي. وجدت فيه العالم التقي الورع، والمؤلف الجاد، والداعية إلى الله على بصيرة، لم أسمع منه كلمة مسيئة أو نابية في حقِّ مَن يخالفهم بالفكرة والنهج أو السلوك، بل كان يدعو له ويقول: الله يصلحه، الله يهديه، حتى الذين تخرجوا من مدرسة دار القلم، وتنكّروا له.
سمعته مرة يذكر أحد الناشرين البيروتيين الذي تخرج في دار القلم وفتح دار نشر معروفة، وقال: علّمناه المهنة، ثم سبّنا وشتمنا، الله يصلحه.
كان لما يأتي إلى عمان وأرافقه في زيارته للعلماء ، ولبعض مؤلفي دار القلم، نأنس بالجلوس مع العلماء، ويعطي المؤلفين حقوقهم من غير أن يطلبوها، حفاظاً على كرامتهم وكرامة العلم الذي يحملونه.
كنت معه مرة في زيارة للشيخ محمد الأشقر رحمه الله، الذي نشر له كتاباً في الفقه الحنبلي، وأعطاه حقوقه، وقال له: ما أعطيك إياه هو على طبع 2000 نسخة، وربما وقع لبس مع المطبعة فطبعت 3000 نسخة، وسأنظر في كمية الورق التي اشتريناها التي ستحدد العدد الصحيح، فإذا طبعنا 3000 حاسبتك على الزيادة. فأين تجد هذه الأمانة هذه بين الناشرين؟ إلا مَن رحم ربك، وقليلٌ ما هم.
وهو يحافظ أن لا يكون في مطبوعاته إساءة لأحد - ولو بحق- كتب الأستاذ صبحي البصَّام رحمه الله مقدمة لكتابي (إبراهيم السامرائي) عرَّض فيها لأحدهم سرق الجزء الأول من كتابي( ذيل الأعلام) فاعتذر عن نشر تعريضه، وقال لي: لا ننشر مثل هذا الكلام في مطبوعاتنا، واحترمت رأيه، فنشر التقديم دون التعريض.
وأبو سليم رجل مروءة أيضاً، مات في عمان أحد العلماء الذين طبع لهم، وترك وراءه أولاداً صغاراً، فكان يتعهدهم مرة كل سنة بمبلغ ذي قيمة بالسر ويُخفي، لم يعرف ذلك أحد إلا أنا وابنه عماد الذي كان يسلّم المبلغ لزوجة العالِم.
وهو كريم مع مؤلفي دار القلم، ويهتم بهم، ويُولِم لهم إذا زاروه في جدة أو دمشق أو الكسوة، ويهدي مطبوعاته لمن يزوره أو يزورونه. وقد ورث عنه أولاده كل الصفات الحميدة التي ذكرناها.
أسأل الله تعالي أن يشفي أبا سليم، وأن يمتّعه بالصحة والعافية، وأن يبارك في داره وذريّته، جزاء ما قدم من خير محضراً. ..)) رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 647
محمد علي دولة رحمه الله :
وكتب الأستاذ أبو العلاء الحلبي مقالة ضافية تحدث فيها عن حياة الراحل ونشرها في رابطة أدباء الشام يقول فيها :
(( نجم طوى الموت شراعه...
لكنّ... مراكبه ستبقى منارات في بحار المعرفة
صنع من الحرف سيفاً وهاجاً، ليحارب غرابيب الفكر الأسود، أكرمه ربه بحمل رسالة القلم لينزع الغشاوة عن العيون التائهة في منعرجات الجاهلية.
أصغى لرسالة القلم كما أرادها المولى، وطلب من ربه أن يشرح صدره وييسر أمره، وأن يعينه للوصول إلى بساتين الإيمان لكي يحصد فيها كتباً قيمة، تكشف الستر عن فكر قارون وهامان وأتباعهما، الذين يحملون راية الشيطان.
حمل الأستاذ الشيخ محمد علي دولة – رحمه الله – أمانة الكلمة المؤمنة خمسين عاماً، وأرسلها شهباً تدك الباطل وأهله، وقذفها نوراً في قلب وعقل من خشي الرحمن وقال سلاماً.
نور القلم، أزعج من ربط حياته بالظلام، وعشق الكهف وعناكبه، فطار القلم مهاجراً، ليغرد بلسماً مزاجه حروف تتعانق بالنور وترسم على صفحة الحياة السعادة لكل من عبد ربه، وانتظر فرجه الأقرب.
الكلمة المؤمنة لا يستطيع أن يحملها إلا من أكرمه المولى بنور قلبي، وروح تخشى خالقها، ونفس مطمئنة، وعيون تدمع، وحواس تخشع، هذه الكلمة عانقت الشيخ محمد علي دولة – رحمه الله – خمسين عاماً وصنعت من حروفها أنهاراً سقت العقول في أزمان تكدرت فيها المياه.
فقيدنا رحمه الله، رجل دعوة وعمل، فالإسلام سكن قلبه، فنوّر روحه، وجعله عطراً لمن اقترب منه، أنس به كل من عرفه، ومدحه كل من عمل معه، وسعد كل من جالسه وسمع حديثه، اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه، وأكرم نزله.
أقف أمام أنواره وأعمدة أعماله، ومناهل فكره، وبذور معارفه، وسنابل حصاده، أتلمس بعض الأمور التي تسطع أمامي من سيرته المضيئة، وأنا أدرك أن حصاد عمره يحتاج إلى كتب ينهض بها تلامذته ومحبوه، وهم كثيرون بفضل الله.
دار القلم وأهداف مشاعلها:
من تلاطم المعاناة في أعماق نفسه، وتصادمها مع شرائح المجتمع، أدرك أن الكتاب جيش يقارع زبانية الانحلال وقارعي الإلحاد ومروجي الشعوبية وناعقي الأفكار المستوردة، ترعرعت في نفسه حروف الهداية، وتلاحمت نوراً، لسانه سنان رمح يئد الجاهلية، ارتفعت راية ) دار القلم ( عالية مشرقة في عام 1967م، وبقي شيخنا محمد علي دولة – رحمه الله – مدرساً للتربية الإسلامية، ينتظر حصاد ) دار القلم ( ليستقيل من عمله في وزارة التربية، هاجت سنابل قمحه، فوضعت رزقاً وفيراً ونجاحاً مزهراً، فقدّم استقالته من عمله عام 1974م، ترك رسالة التعليم مع محبته لها، لرسالة أسمى، وهدف أعلى، عام 1974م.
من أهداف عمله:
نشر الفكر الإسلامي المقاوم للتضليل الصليبي والصهيوني.
بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة في معركة بناء الذات.
نشر المعرفة والعلوم التي تحتاجها شرائح المجتمع.
تسليط الأضواء على الانحرافات التي يسعى أعداء الإسلام في نشرها في المجتمع الإسلامي.
وقد بلغت منشورات ) دار القلم ( أكثر من ألف عنوان، كانت رماحاً شُرَّعاً ذوداً عن المسلمين وفكرهم ومنهجهم.
الحركية في منهج إدارة دار القلم:
تنقل الأستاذ الشيخ محمد علي دولة – رحمه الله – في المدن السورية، واتصل بكل الفعاليات الثقافية والأدبية ورجال الفكر والقلم وأساتذة الجامعة المبدعين، باحثاً عن إنتاج جيد ينشره، وقد يلجأ إلى إثارة الهمم حتى يشجع الباحثين على الكتابة، ويقدم لهم الإغراءات حتى يحصل على كتب قيمة ليقوم بنشرها.
سافر إلى كل الأقطار العربية وزار أصحاب الأقلام الذين استنارت المكتبات بكتبهم، وتوطدت العلاقات بينه وبين مئات من المبدعين، وامتدت صداقته لتشمل كل كُتّاب الفكر الإسلامي، ونشر إنتاجهم، وارتفعت أمواج الفكر الإسلامي لتخمد فحيح الفساد، وتوضح همجية الضالين.
ارتبط مع أصحاب دور النشر في الوطن العربي بصداقتهم والفوز بمودتهم.
شارك في معارض الكتاب في كل أطراف الوطن العربي، وكان جناح ) دار القلم ( متميزاً، ويتهافت الزائرون لشراء إصدارات دار القلم.
ارتبط مع إدارات النوادي الثقافية والمنتديات الأدبية بصلات المودة والمحبة.
لا يمكن حصر أصدقائه من المؤلفين والمفكرين والكُتّاب والمبدعين في الوطن العربي لكثرتهم.
العمل في السعودية:
شاءت إرادة الإله ولظروف قاهرة، ترك فقيدنا دمشق، وسافر إلى السعودية 1983م، حاملاً معه رسالة الكلمة وبريق الحرف وشعاع الكتاب الإسلامي، الهمُّ المعرفي للإنسان المسلم المعاصر راسخ في كيانه، أقبل متعاوناً مع الأستاذ نادر حتاحت، فكانت دار المنارة ثمرة تعاونهما، وكُتب لهذه الدار النجاح وطبعت كتباً جيدة، أحب الأستاذ الشيخ محمد علي دولة أن يستقل بعمل فأسس دار البشير ووسع دائرة عمله، حثّ العلماء وطلبة العلم على الكتابة والتأليف، اتصل برجال الفكر من العلماء السوريين المتواجدين في المملكة العربية السعودية، وطلب منهم أن ينشر لهم إبداع نتاجهم، وأنشأ في بيروت دار الشامية
دور نشر ثلاث: دار القلم بدمشق – دار البشير بجدة – الدار الشامية في بيروت، من مهام الدار الشامية الطباعة والتوزيع لإتقان الطباعة وسهولة النشر، الأخوات الثلاث يوجهها فقيدنا محمد علي دولة – رحمه الله – ويعاونه أولاده، عماد الدين في بيروت، وعبد الرحمن وعبد الجبار في دمشق، وسيد في جدة..
وكان رحمه الله يشارك في ندوة الاثنينية التي يشرف عليها الشيخ الوجيه عبد المقصود خوجة الذي أسهم في تكريم العلماء من أمثال : الأميري والدواليبي وأبو غدة والزرقا وعبد القدوس أبو صالح والشيخ محمد علي الصابوني ...وكان للشيخ عدة مساهمات في تلك الاثنينية ..
وها هو يلقي كلمة نافعة في تكريم الشيخ زهير شاويش رحمه الله يقول فيها :
(( أيها الحفل الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد احْتَفَتْ هذه الاثنينية الزاهرة حتى الآن بما يزيد على مائة وسبعين شخصية مرموقة، وكان من بين هذه الشخصيات: العلم المُسلم المبِّرَز، والشاعرُ المبدع، والأديبُ المتقن، والصحفي اللامع، والأستاذ الجامعي القدير، والإداري المسدَّد، والفنان الموهوب، وكل هؤلاء تنتظمهم صناعة الكلمة، وتصل بينهم وشائج الفكر، وعطاءات القرائح، وتجمعهم دروب العلم والمعرفة والعطاء.
واليوم يُكْرِم عميدُ هذه الاثنينية رجلاً يتصل بنسب قريب جداً بعدد من أصحاب تلك المواهب والاختصاصات، بل إنه من لُحمتهم وسُداهم، وهو بالإضافة إلى ذلك، واسطةُ عَرْضِ عَطاءاتِ أولئك الأعلام على عموم الناس، إنه الناشر الذي يساهم المساهمة الكبرى في توصيل العلوم والأفكار والفنون والإبداعات إلى سائر الناس.
أيها الحفل الكريم: إن ضيفَنا الكريم الأستاذ زهير الشاويش رجلٌ متعدد الجوانب، جمُّ العطاءات، وقد آثرت أن أتحدث عنه ناشراً، بعد أن سبقني إلى الحديث عن جوانبه الأخرى الأساتذة الأفاضل الذين تكلموا قبلي، وقد أثنى عليه خيراً العلاَّمة الأديب الشيخ علي الطنطاوي ثناء عطراً في مواضع عديدة من أجزاء ذكرياته الثمانية، ومن شاء فليرجع إليها.
لقد كان الأستاذ زهير شاويش رائداً من رواد النشر في بلاد الشام، فقد أسس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر منذ ما يزيد على أربعين عاماً، ولقد دأب هذا المكتب على العطاء الجم الجزيل ولا يزال وأخرج للناس الألوف من الكتب النافعة إن شاء الله.
وإليكم إلمامة سريعة عن تاريخ هذه الدار الناشرة الكبيرة:
- أسس الأستاذ زهير شاويش المكتب الإسلامي للطباعة والنشر في عام 1376هـ الموافق لعام 1957م في مدينة دمشق، وشجعه على ذلك الدكتور مصطفى السباعي والأستاذ علي الطنطاوي والأستاذ عبد الرحمن الباقي وغيرهم.
- وقام بتعضيده في هذا العمل المحدِّث الشيخ ناصر الألباني والمحدثان الشيخان: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، والأستاذ سعيد الطنطاوي، وغيرهم، وعمل معهم في التصحيح والتدقيق العديد من طلاب العلم.
- وصبر المكتب على المضايقات والصعاب التي قامت في وجهه في عهد الوحدة السورية المصرية، لكنَّ صاحبه وبما عُرف عنه من حنكة وسياسة وجرأة، تمكن من الاستمرار في عمله، ومتابعة طريقه في نشر الكتاب وتحقيق التراث.
- وبعد انفصام الوحدة اتسع نطاق عمله وازداد نشاطه، وافتتح فروعاً ووكالات للتوزيع في عدد من البلدان العربية.
- وفي سنة 1382هـ 1963م انتقل المركز الرئيسي من دمشق إلى بيروت بسبب سهولة الطباعة والشحن والحصول على الورق المرغوب، والتجليد الفاخر، وحرية تبادل الأموال.
- وواصل المكتب عمله في لبنان، واجتاز سنوات الحرب الأهلية القاسية ووقاه الله الشرور والأذى فقد كان مركزه في الوسط ما بين بيروت الشرقية والغربية، وكان في طريق القذائف من الجهتين، لكن الله سلَّم.
- وقد أنشأ الأستاذ الشاويش مكتباً آخر في عمّان رديفاً لمكتب بيروت ولا يزال يواصل عمله.
- ومنذ بضع سنوات ترك الأستاذ زهير إدارة المكتب وتصريف أموره لولديه الشابين علي وبلال، وقد حملا الأمانة بجدارة ومَضَيا بها قُدُماً إلى الأمام.
أيها الحفل الكريم:
لقد تنوعت منشورات المكتب الإسلامي وتعددت وكثرت، لكنها كانت كلُّها مختارةً ونافعةً إن شاء الله.
لقد اعتنى ضيفنا الناشر الكريم بكتب التراث وجعل لها الأفضلية على الكتب الحديثة، وقد اعتنى بالعلوم الأساسية فكانت منشوراته في هذه المجالات:
1- علوم القرآن الكريم.
2- علوم السنة المطهرة والعقيدة الصحيحة.
3- تاريخ الإسلام وتاريخ رجالاته.
4- علوم اللغة العربية وآدابها.
5- الثقافة الإسلامية المعاصرة بشتى فروعها وألوانها.
واستمعوا إلى صاحب المكتب الإسلامي يوضح لكم رسالة مكتبه بالكلمة التالية التي بدأ بها فهارس مطبوعاته التي يصدرها كل سنة؛
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اجعلني أهلاً لخدمة الإسلام الذي ارتضيته لعبادك:
بنشر كتابك وعلومه
وحديث نبيك وفقهه
وتاريخ أمتنا ورجالها
وتعميم العربية وآدابها
وبَعْث الدين من كل ذلك، وتقديم الثقافة الصالحة للناس، ليتسلحوا بالمعرفة والوعي، ويتبصروا بالعصر ومشكلاته، وينهجوا السبيل الأقوم اللهم يسِّر لي امري، وآخر دعائي أنِ الحمد لك يا رب.
أيها الحفل الكريم:
- لقد كان المكتبُ الإسلامي مدرسةً رائدة للتحقيق العلمي في بلاد الشام، لم يسبقه إلى هذا الأمر غيره، ولقد أخرج الكثير من كتب التراث محققة مخدومة ميسَّرة النفع. فقد أنشأه عالم مطَّلع، دأب على الازدياد اليومي من العلم منذ طفولته، وساعده جملة من العلماء، لقد كان له فضل السابق بهذه الأمانة الكبرى والمهمة العظمى، وقد لحقه في هذا المجال مؤسسة أخرى رائدة هي مؤسسة الرسالة التي أنشأها الأستاذ رضوان دعبول، ولحقتهما دار القلم التي أنشأها كاتب هذه السطور في دمشق، ولقد تخرج في المكتب الإسلامي عشرات المحققين، وانبثق منه عشرات المكاتب ودور النشر، بل والمطابع.
ومما يذكر لهذا المكتب الزاهر أنه فتح أبوابه لطلاب العلم والباحثين والمؤلفين، وسهّل عليهم الاستفادة من المراجع والمصادر التي تذخر بها مكتبته ومكتبة مؤسسه. والمكتب الإسلامي ولله الحمد، من دور النشر التي تُذْكر فتُشْكر وتُحمد فهو يحترم من يتعامل معه، ويؤدي لكل ذي حق حقه.
أيها الاخوة الكرام:
هذه لمحة عن جانب من جوانب ضيفنا الكريم، إنه ناشر رائد، صاحب رسالة، ورجل معطاء، يحتفي بطلاب العلم، وبالعلماء، ويبذل لهم الكثير، إنه من الرجال الذين تحملوا ما تحملوا من ضريبة هذه الصنعة المتعبة، صنعة النشر.
ودعوني أختم كلمتي بأن أبثكم بعض همومي كناشر، فأنتم أهل العلم والثقافة وأصدقاء الكتاب. وهذه الاثنينية يحرص عميدها على الاحتفاء بالكتاب والمؤلفين ويهتم بالكتاب ونشره، ولقد وزَّع الألوف من الكتب على ضيوفه وروّاد اثنينيته، بل لقد دخل عالم النشر ويهمه ما يهم زملاءه الناشرين. أذكر لكم ثلاثة هموم من هموم عالم النشر.
1- هذه الصنعة (صنعة النشر) هي في الأساس صنعة العلماء وطلاب العلم ولقد دخلها في هذا الزمان أميون لا يجيدون قراءةً ولا كتابة، وكل ما يعرفون تصنيع الكتاب وبيعه بصرف النظر عما يحصل في داخله من أخطاء وعيوب ومخازٍ. لقد سألت أحدهم عما يطبع فقال لي: إنه يطبع رواية أدبية كبيرةً للشيخ ابن كثير اسمها البداية والنهاية، وما درى الجاهل أن هذا الكتاب هو سرٌ عظيم في قصص الأنبياء، والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لبضعة قرون.
2- تتعرض هذه الصنعة للقرصنة والسرقات الظاهرة والخفية، ولطالما طبع المزوّرون كتب غيرهم وباعوها وربحوا بها، وليس لهم فيها أي جهد، وطالما صفَّ المزوّر كتباً محققة مخدومة صنعاً جديداً ونسبوها لهم بعد اقتناص جهود الآخرين.
أعرف محققاً فاضلاً أمضى أكثر من عشرين سنة في تحقيق كتاب كبير في علوم القرآن، وجاء المزور فصنَّعه كما هو، وترك أخطاء المحقق كما هي، ونسبه له ولداره.
3- هذه الصنعة يتيمة تعاني ما يعاني اليتامى من الأوصياء الظَلمَة، فلا تجد سنداً لهم من كبير، ولا يرعاها ذو منصب خطير، ولا يتواصى أصحاب القرار بحمايتها بَلْه مساعدتها وتقديم العون لها!! أيها السادة: لقد بثثتكم بعض هموم صنعة النشر لنلقى المواساة والعون من أهل الثقافة والعلم، وليعرفوا مقدار ما نعاني نحن الناشرين. وختاماً: تحية لضيفنا الكريم وتحية لكم، ولعميد هذه الندوة التحية والتقدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مع عبد المقصود خوجة صاحب الاثنينية
خريطة العمل في نشر الكتب وأهدافها:
راقب الساحة العالمية والأرض العربية وما ينشر فيها من فكر مشوّه للإسلام وخذلان للمسلمين وحشرهم في زوايا التاريخ، وتحريف منابع تراثهم، وإبعاد الأجيال المسلمة عن أصالتها وجذورها، اعتصم فقيدنا بالله، وطلب منه العون في مواجهة الغزو الفكري والغزو الثقافي، بمقدار استطاعته وضعف وسائله.
اعتنى بالتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية وحياة الصحابة والسير الذاتية للعلماء والمفكرين من العرب ومن المسلمين، وأصدر مجموعات من السلاسل.
1- سلسلة أعلام المسلمين.
2- سلسلة أعلام ومفكرون معاصرون.
3- سلسلة كتب قيمة.
4- سلسلة أعداء الإسلام.
استطاع فقيدنا بتوفيق من الله أن يقدم للأمة الإسلامية زاداً عظيماً من العلوم والمعارف، وأن يكشف زيف الفكر الضال وأن يظهر فساد رجاله، وأظهر كيد اليهود للمسلمين، ووضح أن قضية فلسطين أمانة في عنق كل مسلم، عاش آلام أمته، واكتوى بلهيبها، وانعكس ذلك في أدبه وسيرته وعمله وحديثه، وسعى لتخفيف آلامها بإحياء أمجاد تاريخها وإظهار فروسية أبطالها.
محمد علي دولة الناشر – طريقة تعامله مع المؤلفين، وأسلوبه في صنع الكتاب:
يشتكي المؤلفون والكُتّاب من أصحاب دور النشر، ويتكلمون عن ماديتهم وسوء تعاملهم، وأن أصحاب دور النشر لا يعطون المؤلفين حقوقهم كاملة، وقد ابتعد كثير من المؤلفين عن طرح مؤلفاتهم.
فقيدنا الناشر، هذّب الإسلام خُلقه، وحَسّن عملهُ، روح الإسلام تتحرك في عمله وسلوكه، توارت شخصية الناشر التاجر، وظهرت شخصية الناشر صاحب رسالة صقلتها مشاعره الإسلامية وأحاسيسه الإيمانية، وبرز كرجل دعوة، فهو يؤدي بعمله واجباً دينياً ويتحرك بأهداف رسالة السماء.
كان أميناً مع المؤلفين يعطيهم حقوقهم قبل أن يطلبوها حفاظاً على كرامتهم، وكرامة العلم الذي يحملونه، كان كريماً مع مؤلفي دار القلم، يهتم بهم، ويولم لهم إذا زاروه، ويرسل إليهم حقوقهم حيثما كانوا، وكان يوصي أبناءه بذلك.
ذكر أحد المؤلفين في عمان.. أنّ أبا سليم – رحمه الله – كان يتعهد أولاد أحد العلماء في عمان بمبلغ جيد مرة كل سنة ولا يظهر هذا العمل لأحد، وكان قد طبع له مؤلفاته.
مطبوعاته تتسم برصانة الموضوع وحسن اختيار العناوين وجمال الإخراج، ورخص الثمن، يطلب من الله الثواب على عمله.
يضع في نشر الكتاب خبرته وتجربته وذوقه وفنه، ويجد القارئ في الكتاب جمال الصف والإخراج، وقد كتب الله له البركة في كتبه وكتب المؤلفين وانتشرت كتب دار القلم، وطاب ذكرها، وأصبحت جزءاً من النسيج الثقافي للمسلمين.
محمد علي دولة: الإنسان
النور الإسلامي امتزج مع ذرات روحه، وآهات أنفاسه، منذ طفولته وهو يتلو القرآن عند كُتَّاب بلدته الكسوة الشيخ توفيق المغربي هذا الشعور نما وترعرع وأزهر وأثمر في سنوات حياته.
فهو الداعية إلى الله على بصيرة، وهو العالم التقي الورع، وهو المؤلف الجاد الملتزم، يقضي وقت فراغه في المطالعة، يسقي أشجار المعرفة في نفسه باستمرار، يقتني الكتب من معارض الكتب التي يحضرها.
هادئ وقور، يُمَتِّع محدثيه بحديثه الجذَّاب العطر مع ابتسامة ناعمة رقيقة، يستشهد بأحاديثه بكتب يأتي بها من مكتبته، شواهده حاضرة في عقله، لا تسمع منه كلمة مسيئة أو نابية في حق من يخالفه بالفكرة والنهج أو السلوك، بل كان يدعو لكل من يختلف معه، ويقول "الله يصلحه – الله يهديه".
رجل مروءة وسخاء وعطاء، هناك أشخاص عملوا معه وتدربوا عنده في ) دار القلم( ثم تنكروا لفضله، فكان يرد على إساءتهم بالدعاء لهم بالصلاح.
قيل له: بأن أحد الناشرين في بيروت يشتمك، فرد عليهم: هداه الله وأصلحه، علمناه المهنة، ثم سبنا وشتمنا.
أكرمه الله بخصلتين (1) العلم (2) العمل، وكان يسع الجميع بلطفه ورقة طبعه ودماثة خلقه، ووسطية عبادته، تستريح له القلوب في دروسه وفي خطبه، فحديثه ينبع من قلبه.
يحفظ لسانه من الغيبة ويبعد سمعه عنها، زار مرة عالماً كبيراً من علماء مصر، كان يجري في مجلسه ذكرُ الناس بما يخالف الشريعة، يقول فقيدنا: دعوت الله قبل أن أدخل مجلسه، ألا يغتاب أحدٌ في حضوري، ولقد جلست مع العالم أكثر من خمس ساعات، لم يجر ذكر أحدٍ بسوء، بل كان المجلس كله علم وفوائد.
ومن قصص وفاء فقيدنا: أرسل للنشر كتاب ) الفاروق عمر ( لشبلي النعماني، وعندما قيل له: إنَّ الكتاب تجاوزه الزمن، وقد ترجم إلى العربية، وطبع في القاهرة، لماذا التكرار؟ قال: لقد وعدت أبا الحسن الندوي بطبع الكتاب ولا بد أن أفي بوعدي.
ومن قصص ورعه في المعاملة: عُرِضَ عليه كتاب فقه المعاملات في الفقه الشافعي هذا الكتاب موازٍ للقانون المدني السوري، تأليف الأستاذ محمد الحموي قال سأطبعه بعد استئذان الورثة لدفع الحقوق لهم.
قيل له: يا أستاذ لقد مضى على وفاة المؤلف أكثر من خمسين عاماً، وبهذا تسقط حقوق التأليف لمرور المدة القانونية.
قال رحمه الله: لا شأن لي بالقانون، أنا لا تسقط عندي الحقوق.
وسيبقى فقيدنا مثالاً للعالم المسلم الذي يتمثل بما يحمله في فكره وقلبه من علم، وقد أحبه عارفوه، وأثنوا عليه، وتحدثوا عنه في مجالسهم.
مرضه ووفاته:
مسيرة طويلة في الكفاح، والحياة سباق، يفوز بها من سعى لترسيخ أعمدة النجاح، والنجاح حصان جامح، وجبل شاهق، صارع فقيدنا أمواج الحياة ليفوز بالنجاح، حقق النجاح بفضل من الله، لكن الزمن نخر جسمه، ففي عام 2002م كان يحضر معرض الكتاب الدولي زائراً، وقد اشتركت دار القلم بالمعرض ويدير جناحها ابنه عبد الجبار، أُصيب فقيدنا بجلطة، نُقِل إلى المستشفى ووضع تحت العناية المركزة، وحين تحسنت صحته عاد إلى السعودية، وأُدخل المستشفى ليكتمل علاجه، وخرج من المستشفى بصحة جيدة، لكن! أصابع الزمن عبثت بالجسم المكافح والقلب المدافع، بقيت آثار ذلك المرض تضغط على جسم فقيدنا، وظهرت عليه أمراض أخرى، استعان بالله على أمراضه وتناول عدة أدوية، ولازمه أولاده أو أحفاده لتلبية طلباته في إحضار هذا الكتاب أو ذاك، لم ينقطع عن القراءة والكتابة حتى أواخر أيامه.
اقترب الأجل، وحان اللقاء، وأتى أمر الله، استيقظ فقيدنا قبل الفجر، وسأل زوجته أم سليم – حفظها الله: هل أذَّن الفجر؟ قالت: لم يؤذن، قام من فراشه وتوضأ، وصلى ركعات في جوف الليل، تهجد، وسأل ربه بقلب خاشع ما يتحرك به عقله وقلبه ثم اضطجع على فراشه ينتظر الفجر الصادق، فسبقه الوعد الصادق، فكانت تلك الركعات آخر عهده بالدنيا، يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي ، إن للمتقين مفازاً* حدائق وأعناباً أولئك كتبَ في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.
كلمات حزينة وقلوب دامعة:
تناقلت مواقع الاتصال والتواصل الاجتماعي خبر وفاة الكاتب والناشر والداعية محمد علي دولة – رحمه الله – أعداد لا حصر لها تقدم التعزية بعضها لبعض.
أثر دار القلم في المجتمع الإسلامي كبير وواسع، خمسون سنة وكتب دار القلم تنتشر في الوطن العربي وفي البلاد الإسلامية.
انهمرت برقيات التعازي على صروح المعرفة الثلاثة، دار القلم – الدار الشامية – دار البشير، وتلقى أبناء الفقيد برقيات لا حصر لها، تعبر بحزن وألم عن هذا المصاب الكبير ( لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بقدر.. اللهم أكرم نزله، ووسع مدخله.
استعرض بعض البرقيات التي وصلت لأسرة الفقيد:
الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
(( رحم الله تعالى أخانا الناشر الرصين محمد علي دولة صاحب دار القلم على ما قدمه للمكتبة الإسلامية من كتب تراث أصيلة وفكر إسلامي نافع، أسأل الله أن يجزيه خيراً، ويغفر له ويتقبله في الصالحين)) .
الأستاذ عصام العطار:
( رحم الله أخانا الناشر المخلص الأمين البصير محمد علي دولة الذي خدم دينه وأمته وبلاده على الصعيد العلمي والثقافي على امتداد حياته أجلّ الخدمات، وكان مثال الغيرة والأمانة والعمل الدائب والخلق الكريم.
رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته وعوّض المسلمين منه أحسن تعويض، وجعل لأسرته وأهله وإخوانه وأصدقائه من بعده الصبر والأجر، وإنا لله وإنا إليه راجعون )
الأستاذ علي صدر الدين البيانوني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
(( عظم الله أجرنا وأجركم بوفاة والدكم أخينا الحبيب أبي سليم رحمه الله، فلقد كان أنموذجاً نادراً في سلوكه وتعامله وصدقه ووفائه، ولا أزكيه على الله فهو حسيبه، أسأل الله عزّ وجل أن يتغمد فقيدنا الحبيب بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته، مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، كما أسأله – سبحانه – أن يلهمكم والأسرة الكريمة الصبر وحسن العزاء)
تعزية دار الفكر بالزميل الأستاذ محمد علي دولة رحمه الله
كتب الأستاذ محمد عدنان سالم المشرف على دار الفكر يقول معزياً :
(( دار الفكر.. وقد آلمها افتقاد الزميل الأستاذ محمد علي دولة، أحد كبار الناشرين في الوطن العربي؛ لتسأل الله تعالى له المغفرة والرضوان، وحسن الجزاء لأعماله الخيّرة ومبادراته المتميزة في مجال الثقافة الإسلامية والعلم النافع. وأن يكتبه عنده من المقبولين.
كما تُقدم مخلص تعازيَها لأهله وأصدقائه ومحبيه وقرّاء دار القلم، وتتبهل إلى المولى عز وجل أن يعوضهم عنه من يسدّ مسدّه في الإخلاص والنفع إنه سميع مجيب.
إنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )) .
والدكتور عبد الكريم بكار كتب على صفحته يقول :
توفي فجر اليوم في غوطة دمشق الصديق العزيز والناشر العريق الأستاذ محمد علي دولة مؤسس دار القلم. اللهم تقبله في الصالحين وعزائي لأسرته الكريمة ومحبيه. دعواتكم له فقد قدم لهذه الأمة الكثير.
وكتب ولده البار سيد محمد علي دولة يقول بمناسبة :
(( ذكرى مرور عام كامل على وفاة والدي العزيز الأستاذ ..." محمد علي دولة
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته .
" يميناً لو أني ملكتُ الخَيارْ .. فديتُكَ روحي بما أفتدي "
الشاعر العراقي الدكتور ..زاهد محمد زهدي .. رحمه الله تعالى ..)) .
وفي الختام نقول :
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، مات الشيخ محمد علي دولة – رحمه الله – أرجو الله أن يستمر عمله، وينال عليه الأجر الوافر، فلقد زرع غراساً باسقة أدعو الله أن تنشر عليه ظلالها وهو في قبره.
- وماذا عساي أن أقول في رحيلك أيها الأخ الغالي لقد كنت مثاﻻً للتواضع نبيل الأخلاق طيب القلب لطيف المعشر قضيت سحابة عمرك في الدعوة إلى الله تعالى ونشر العلم والثقافة والعلوم الإنسانية والاجتماعية والإسلامية، ولقد تواصلت مع شيخنا الراحل عام 2006م وقلت له إنني أعطيت الأخ عماد وعبد الجبار نسخة من أعلام الحركة الإسلامية وسوف أحضر نسخة لتطلع عليها في جدة فرفض وحذرني – رحمه الله – وقال أخشى أن يوقفك الأمن ومعك هذه الكتب وهكذا كان وكأن الله ألهم الشيخ بالحق فما كان من الأمن في الأردن إلا أن يسأل، ويحقق ويحجز لمدة وجيزة ثم انطلقت القافلة وبعد العمرة عاد الأمن مرة أخرى يسأل ويستجوب، ولكن الله لطف، وسلم، ولله الحمد والمنة
ونرجو من أولاد الشيخ أن يهتموا بعلمه ومقالاته ويجمعوها، ويطبعوا الأعمال الكاملة للداعية، وألا يفرطوا في تلك السمعة الطيبة التي تركها الوالد الكريم، وأن يكثروا من الصدقة عن روحه، وأرجو من أحبابه وإخوانه أن يسلطوا الأضواء على تلك الشخصية الفذة وأن يعطوها حقها من الترجمة والكتابة والتعريف .
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا أرحم الراحمين .
مراجع الترجمة :
1- معجم المؤلفين السوريين : 198 .
2- مجلة الفيصل : 257/ 9 .
3-صفحة الشيخ مجد مكي على الفيسبوك .
4-صفحة سيد محمد علي دولة على الفيسبوك .
5-رابطة أدباء الشام .
6- مقالة الشيخ حسن قاطرجي نشرت في العدد 212 من مجلة إشراقات التي تصدرها جمعية الاتحاد الإسلامي وهي موجودة على صفحة الشيخ حسن قاطرجي على الفيسبوك .
7- موقع دار الفكر بدمشق .
8-موقع الاثنينية .
9- مقالة د. محمد بشير حداد - شبكة شهباء الشام الإخبارية .
وسوم: العدد 705