محمد عارف العمر
1355 ـ 1438 هـ
1936 ـ 2017 م
الأستاذ الشيخ الداعية أبو الهيثم محمد بن الحاج عارف العمر الأعزازي، ثمّ الحلبي
عالم عامل، ونحوي لغوي بارع، ومعلم ماهر، وداعية مغمور.
ولد الشيخ المترجم في قرية (كلجبرين) التابعة لمنطقة (أعزاز)، ونشأ في أسرة بسيطة، فوالده الحاج عارف فلاح بسيط، لكنه محب للعلم والعلماء، دفع بولده المترجم إلى كتاب القرية، ليتلقى فيه القرآن الكريم ومبادئ الكتابة والقراءة والحساب، ثمّ بعث به إلى مدينة (أعزاز) ليتلقى فيها تعليمه الابتدائي.
وما أن أتم الشيخ المترجم المرحلة الابتدائية، وحصل على شهادتها، حتى قصد مدينة حلب، وانتسب إلى المدرسة الخسروية (الكلية الشرعية)، وفيها انصرف إلى شيوخها ينهل من علومهم الثرة، وكانت المدرسة الخسروية عصرئذ تعد من أرقى المدارس الشرعية في سورية، وفيها التقى المترجم جلّ شيوخه، الذين تأثر بهم في حياته العلمية والدعوية، وأخذ عنهم مختلف العلوم الشرعية والعربية، وبعض العلوم الكونية، ومن هؤلاء العلماء: المقرئ الشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ محمد أسعد العبه جي، مفتي الشافعية بحلب، والفقيه الشيخ محمد السلقيني، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الرحمن زين العبدين، وأخوه الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ عبد الله حماد، والشيخ أمين الله عيروض، والشيخ عبد الوهاب سكر، والشيخ محمد ناجي أبو صالح، والشيخ عبد الله حماد، والفقيه الشيخ محمد الملاح، والمفتي الشيخ محمد الحكيم، والمفتي الشيخ محمد بلنكو، والشيخ أحمد قلاش، والمقرئ الشيخ مراد حيلاني( )، وغيرهم
وبعد ان تخرج في المدرسة الخسروية عاد الى مدينة أعزاز ليعمل معلماً ويتابع دراسته بشكل حرّ إلى أن حصل على الشهادة الثانوية (الفرع الأدبي)، عام: 1959م.
انتسب بعدها إلى جامعة دمشق كلية اللغة العربية، وفي الجامعة التقى ثلة أخرى من العلماء، الذين أخذ عنهم علوم اللغة العربية وآدابها، وكان منهم: الأستاذ سعيد الأفغاني والدكتور شكري فيصل، والدكتور صالح الأشتر، والدكتور صبحي الصالح، وغيرهم
وكان من رفاقه الذين تخرجوا في جامعة دمشق: الدكتور محمد حموية، والأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي، والأستاذ الشاعر محمد كمال، والأستاذ أحمد حميدة، والأستاذ برهان صدقي ..... وغيرهم.
انخرط المترجم في صفوف الدعوة إلى الله، وعمل مع إخوانه على رفع راية الحق مع إخوانه الأدباء وكات منهم: الاستاذ عبد الله الطنطاوي، والاستاذ محمد الحسناوي، والأستاذ الشاعر محمد منلا غزيل، والداعية حسن هاشم، والشيخ عبد الغني مارعي، والشيخ د. محمود طحان، والأستاذ محمد فاروق بطل، والشيخ عبد الله سلقيني...
وما أن تخرج الشيخ المترجم في كلية الآداب فرع اللغة العربية، حتى انصرف إلى العمل في نشر العلم، وافادة الطلاب، فعمل مدرسا لمادة اللغة العربية مدة تزيد على ثلاثين سنة، بدأها في مدرسة قريته (كلجيرين)، ثم انتقل إلى مدرسة عفرين، ثمّ في ثانوية نبل والسفيرة، ثم رحل إلى المملكة العربية السعودية، عام: 1973م، فعمل مدرساً في مدارس (خميس مشيط) قرب مدينة (أبها) مدة خمس سنوات، عاد بعدها إلى موطنه حلب، ليتابع عمله في الدعوة إلى الله ونشر العلم، فعمل مدرسا في ثانوية هنانو ثم في ثانوية الشهداء.
وقد تعرفت بالشيخ أبي الهيثم وزاملته في التدريس في ثانوية الشهداء مدة تزيد على الخمس سنوات، وكان معنا الأستاذ الشيخ أحمد جاموس، وأشهد انني رأيت فيه العالم العامل المتواضع، والأخ الفاضل الناصح، وكان يضفي على غرفة المدرسين مزيداً من الوقار، وتنقلب الاستراحة (الفرصة) بوجوده إلى ندوة علمية يتسابق فيها المدرسون إلى طرح الأسئلة على الأستاذ الشيخ والإفادة من إجاباته المسددة، كما كانت لي معه جلسات علمية في بيته أو في بيتي أو في مكتبتي، نتدارس فيها علوم النحو والصرف وغيرها من العلوم، وربما انضم إلى مجلسنا بعض المدرسين، أو بعض إخوان الشيخ في جامع القصر.
وكان رحمه الله لا يجد حرجا في مرافقة إخوانه في رحلاتهم ونزهاتهم، ويستغل كل ظرف مناسب للنصح والإرشاد والدعوة إلى الله.
واستمر الشيخ المترجم في عمله في التدريس في ثانوية الشهداء بحلب، إلى أن تقدم باستقالته، عام:1991م، ليتفرغ لإفادة طلابه في حلقات المساجد.
ورغم علو شأن الشيخ في العلم وانشغاله في التدريس والتعليم، فقد كان لا يتوانى عن متابعة طلب العلم، وحضور مجالس العلماء ومزاحمة طلابه، فكان لا يكاد ينقطع عن حلقة الشيخ فاتح قشقش، الذي درس عليه علم التلاوة والتجويد، في جامع القصر، والشيخ محمد صالح طحان (الشيخ كلال)، وأخذ عنه علم الأصوات ومخارج الحروف والقراءات، وقد رافقته في الأخذ عن شيخنا الشيخ كلال في جامع المنصورية، أما الشيخ كامل العاصي، فقد قرأ عليه علم القراءات، والشيخ محمد خليل الكردي، ودرس عليه الفقه الشافعي والفقه الحنفي، والشيخ أحمد قلاش ودرس عليه النحو والبلاغة، وقد شاركته في الحضور على شيخنا الشيخ أحمد قلاش في جامع سكر، كما شاركته الحضور على شيخنا الشيخ الدكتور فخر الدين قباوة، دروسه في إعراب القرآن الكريم في جامع عبد الله بن عباس .
وخلال عمله الطويل في الدعوة ونشر العلم، كثر طلابه والآخذون عنه وأنت لا تكاد تجد معلماً أو طالب علم في تلك الحقبة إلا يحدثك عن أستاذه الشيح محمد عارف العمر أبي الهيثم، ولعل أقرب طلابه إليه أولاده، الذين ورثوا عنه حب العلم، وعلوم اللغة العربية خاصة، فالهيثم وأروى ومصعب يحملون الإجازة في اللغة العربية، أما فاطمة فهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علوم اللغة العربية، وابنه المثني يحمل درجة الإجازة في الحقوق وابنته ميمونة تحمل الإجازة في العلوم الطبيعية.
ولا بأس من ذكر بعض طلابه الذين أخذوا عنه، وتأثروا به نذكر منهم: الدكتور أبو معاذ حسن هنداوي، والأستاذ طعمة عبد لله طعمة، والدكتور الطبيب علاء نحة، والدكتور الطبيب أيمن البنشة، والدكتور الطبيب صبحي بسوت، والدكتور محمد ربيع سباهي عميد كلية الشريعة بحلب، الشيخ نزار رامي، وغيرهم كثير.
طيب القلب، عالي الهمة، أبيّ النفس، حسن المعشر، محب للخير، آلف مألوف متواضع، لمن يعلم أو يتعلم منه، كريم سخي اليد والنفس، يبذل العلم لطلابه بكل حب وتقدير لمن يطلبه.
طويل القامة، ممشوق القوام، مهاب الطلعة، حنطي البشرة، مائل إلى السمرة.
بقي الشيخ المترجم على همته العالية في بذل العلم، حتى وافته المنية في قريته عصر يوم الأحد: الثامن من شهر شوال، سنة: ثمان وثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، الموافق للثاني من شهر تموز، عام: سبعة عشر وألفين للميلاد. رحمه الله تعالى.
المصدر: كتاب علماء من حلب في القرن الرابع عشر لمحمد عدنان كاتبي
وسوم: العدد 728