دمعة في وداع أخي وشيخي " محمد الخالد " خالد البيطار
بسم الله الرحمن الرحيم
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أخي أبا نزار لمحزونون
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )
بمزيد من الأسى والحزن ننعي عَلما من أعلام سورية ورجلا فذا من رجالاتها ، وأحد الدعاة المربين إنه :
الأخ المربي والأديب الشاعر، والداعية المخلص ، " محمد الخالد " خالد البيطار الذي طواه الموت ظهر الأحد 18 محرم 1439هـ، الموافق 8 تشرين الأول 2017 في مدينة عمّان في المملكة الأردنية الهاشمية، نِعْمَ الأخ المربي والكاتب والشاعر "محمد الخالد " خالد البيطار، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين السوريين، عن خمسة وسبعين عاما قضاها في التربية والدعوة والكتابة والتأليف شعراً ونثراً، وفي العمل مع الجماعة في مناهضة الحكم الأسدي الجائر، مما اضطره - مع الآلاف غيره – لمغادرة الوطن أوائل ثمانينيات القرن الماضي، إلى الأردن الذي عاش فيه أكثر من نصف عمره ، مهاجرا إلى الله ، وحادِباً على إخوانه في غربتهم، وداعياً للخير وساعياً فيه.
* وُلدَ الفقيد عام (1942) في مدينة حمص لأسرة معروفة بالدين والعلم، فكان عالم حمص المشهور الشيخ محمود جنيد الكعكة زوجا لشقيقته.
* نال الثانوية العامة والشرعية، وتخرّج من كلية الشريعة بجامعة دمشق عام (1966)، ثم حصل على الدبلوم العام في التربية عام (1967)، وكان يدرّس في مدارس حمص وثانوياتها منذ عام 1963
انتسب الفقيد لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ، في المراحل الأولى من شبابه، وكان من خلال عمله مدرساً وخطيباً بمسجد (الإيمان) في حي مساكن المعلمين بحمص، الذي كان يؤمّه الشباب المؤمن المتعطش لسماع كلمة الحق، كان سببا في انتساب العديد من الطلاب والشباب للجماعة. ونظرا لنشاطه دَفَعَهُ إخوانُه لتولي مسئوليات في إدارة مركز حمص، وتمثيلها في مجلس الشورى. وقد اختير عضواً في أول قيادة للجماعة يتم تشكيلها خارج سورية بقيادة المراقب العام الدكتور حسن هويدي رحمه الله تعالى. وقد تناوب بعدها في عدة دورات قيادية، وفي عضوية مجلس شورى الجماعة.
يَتَمَيَّزُ فقيدنا بِحِسِّهِ المُرْهَف، فكان يَجِدُ في الشعر مُتَنَفَّسًا له، يُعبّر من خلاله عمّا يَعْتَمِلُ في صدره من آمال عريضة، ومن آلام من الواقع الذي يعيشه الوطن، وهموم الأمة، ومِنْ تَأَثُّرٍ بلمساتٍ إنسانيةٍ، وطبيعة جميلة، فكانت بداية نظمه الشِّعْرَ عام 1962، لكن طباعة أول ديوان له ( أجل سيأتي الربيع) كانت عام 1985، لكنه اهتم أيضا بالكتابة الموجهة للفتيان فكانت سلسلة (غزوات الرسول صلى الله عليه وسلّم) من (16) كتيّبا صدرت عام 1987، وأَصْدَرَ عام 2008 سلسلة (المعارك الإسلامية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم) بالحجم الكبير، في ثلاثة أجزاء (حروب الردة – القادسية – اليرموك). وكان قد نشر عام 2000 كتاب ( أبحاث في علوم القرآن ، وتفسير جزء قد سمع)، وفي عام 2008 كتاب (مئة سؤال في العبادات).
ثم تفرّغ الفقيدُ لكتابة سِيَرِ علماء ، لتنبيه الجيل إلى أن هناك علماء أجلاء كانوا أمناء على حمل هذا الدين وتبليغه، وليتعرفوا على سيرتهم النقية، وليقتدوا بهم ويواصلوا الطريق ..).
فوفّقه الله لإصدار ستة كتب، بين عامي 2009 و 2011 عن العلماء :
محمود جنيد – محمد جنيد – محمد علي مشعل - عبد الفتّاح المسدي- وصفي المسدي – عبد الغفار الدروبي) رحمهم الله جميعا
وإن كان من خاتمة لهذا التعريف، فلننظر في عناوين دواوين شعره: (أجل سيأتي الربيع 1985 – أشواق وأحلام 1989 – يا ربيع الحياة 2000 – لم يزل لي أمل 2013) التي وإن كانت العديد من قصائدها " تحمل عمق المعاناة ونزيف الجراحات" إلا أن فيها "دعوة للتمرّد على الظلم والظالمين، وتَحْملُ ضجيجا يُلهب المشاعر ويستنفر الطاقات"، وتبقى عناوينها تحمل الأمل وتنتظر الربيع الذي سيأتي.
كتب فقيدنا الشاعر في مقدمة ديوانه الأخير (لم يزل لي أمل): "هذا هو الديوان الرابع، وأحسبه الأخير بعد أن تَجاوَزْتُ السبعين من العمر"، وصَدَقَ ما توقّع، فأفضى إلى ربه راضيا بما كتب الله عليه، من غربة قاسية، ومرض عضال عانى منه سنوات عمره الأخيرة
وَوُرِيَ فقيدنا الحبيب الثرى في مقبرة سحاب، بعد الصلاة عليه، بعد صلاة الظهر يوم الإثنين، في مسجد (العلا) في ضاحية الأمير الحسن بعمًان
يقول الشاعر:
" المرءُ ما دامَ حَيّاً يُستَهانُ به * * * ويَعظُمُ الرِّزءُ فيه حينَ يُفتَقدُ "
ويقول شاعر آخر
يُوَدِّعُ غصن العلم بالحزن زهرة
و يبقى شذاها في سماء العوالم
قضى عمره بين الدفاتر مشعلاً
يضيء بذاك النور درب الأكارم
و غاب عن الأوطان ظلما ً لأنه
أبى أن يكون العلم طوعاً لظالم
فيا رحمة الله المؤمل جودها
أفيضي عليه اليوم حسن المراحم
فَمَنْ مِثْلَهُ في القلب قد عَزَّ فَقْدُهُ
كفى العمر بَلْوى فَقْدُ شيخٍ وعالِمِ
وهكذا غادرنا المربي العاملن مؤلف:
- سلسلة علماء من حمص
- وسلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
- والأديب الشاعر ، صاحب ديوان : أجل سيأتي الربيع
- والمهاجر الصابر، المتفاني في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
* غادرنا رحمه الله تعالى، من دنيا فانية إلى رحمة الله سبحانه الواسعة
والتي ما سمعنا منه خلالها إلا الرضا بقدر الله العزيز الحميد، والعمل الدؤوب، والصبر الجميل
* نعم، غادرتنا أيها الأخ المتواضع في أسلوبك وتعاملك مع الآخر
* نعم غادرتنا أيها الأخ المتواضع في طعامك ولباسك ومسكنك
فقد تركت بصمات طيبة في مجالات عدة، نسأل الله أن نكون ممن استمع إليك وقرأ لك، فنتَّبِعَ أحسنه
* نعم عرفتك من خلال عملي معك سنوات عدة ، وعن قرب:
- عامِلاً مخلصا في عملك
- عرفتك غيوراً على دينك ودعوتك
- عرفتك تحملُ هم المصلحة العامة
- عرفتك هادئاً حليماً ، لا تُحابي أحداً على حساب المصلحة العامة
- عرفتك ترفد جماعتك بما تستطيع، وأنت في مرضك ، حين يضّن الآخرون الأصحاء القادرون
- عرفتك تحمل همّ عائلات وإخوة عضّهم الزمان بنابه، فكنت ـ حتى وأنت في مرضك ـ لا تنفك تسعى لمساعدتهم ، رحمك الله ، وجعل ذلك في ميزان حسناتك
- عرفتك أخا أنيسا،رقيقا ، مُحبًّا لإخوانه
- عرفتك حافظًا للوُّدِّ ، مُحبًّا للخير، حاضًّا على العلم
- عرفتك حريصا على الدعوة، غيوراً عليها
فاللهمّ إن أخانا أبا نزار قد وَفَدَ عليك، فأحسن اللهمّ وِفادَتَه،
اللهم عوّضه عن هجرته في سبيلك، وعن صبره على مرضه، وعلى بذله وجهده وجهاده في سبيلك
اللهم عوّضه الفردوس الأعلى، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا
اللهم وأَلْهِم شقيقه شيخي الفاضل عبد الرزاق خالد البيطار/أبو جابر ، الصبر الجميل ، وألبسه اللهم ثوب الصحة والعافية ، وأَلْهِمْ شقيقه كمال البيطار/أبو تمّام، الصبر الجميل
وأَلْهِمْ زوجه وأولاده ( نزار ، وزاهر ، وطاهر، وبناته، وأحفاده وجميع آله وذويه، وإخوانه ومحبيه، الصبر الجميل والسلوان
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله
رحمك الله أخي وشيخي أبا نزار ،
و جعل الفردوس الأعلى مثواك
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة
اللهم اجعل قِراهُ منك الجنة من غير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب
برحمتك يا أرحم الراحمين
وأنتم يا أبناء شيخي ، أُعزّيكم بقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
وأقول لكم: ثابروا على بِرِّهِ كما عَهِدْناكم بارِّين به في حياته
وآخر دعوانا أَن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على رسولنا وأُسْوَتِنا محمد وسلم تسليما كثيرا.
أبو جعفر/دير الزور ، الشحيل
الأحد 18 محرم 1439هـ، الموافق 8 تشرين الأول 2017
وسوم: العدد 743