تأملات في القران الكريم ح372، سورة محمد "ص واله" الشريفة
للسورة الشريفة كثير من الخصائص والفضائل منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الامام الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الذين كفروا لم يرتب أبدا ولم يدخله شك في دينه أبدا ولم يبله الله تعالى بفقر أبدا ولا خوف من سلطان أبدا ولم يزل محفوظا من الشك والكفر أبدا حتى يموت فإذا مات وكل الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره ويكون ثواب صلواتهم له ويشيعونه حتى يوقفونه موقف الامن عند الله تعالى ويكون في أمان الله وأمان محمد صلى الله عليه وآله .
وعنه عليه السلام : من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمد صلى الله عليه وآله فإنه يراها آية فينا وآية فيهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ{1}
تستهل السورة الشريفة ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) , من اهل مكة , ( وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) , منعوا غيرهم عن اللحاق بطريق الهدى والايمان , ( أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) , أحبط الله تعالى اعمالهم .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ{2}
تنعطف الآية الكريمة لتنتقل الى الجهة المقابلة ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , أهل الايمان والعمل الصالح "النافع" , ( وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) , بكل ما جاء به النبي الكريم محمد "ص واله" , ( وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) , النص المبارك يصادق على ان كل ما جاء به النبي الكريم محمد "ص واله" حق حقيق من الله تعالى ذكره ولم يضف عليه شيئا من تلقاء نفسه "ص واله" , حاشاه , ( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) , سترها , ( وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) , حالهم .
يرى القمي وجملة من المفسرين انها نزلت في ابي ذر وسلمان المحمدي وعمار بن ياسر والمقداد , حيث آمنوا بكل ما جاء به النبي الكريم محمد "ص واله" و ثبتوا على ذلك .
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ{3}
تستمر الآية الكريمة مشيرة ( ذَلِكَ ) , اشارة الى بطلان الاعمال , ( بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ ) , بسبب اتباع الكفار وموالاتهم لأعداء رسول الله "ص واله" , ( وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ) , وهو كل ما جاء به النبي الكريم محمد "ص واله" , آمنوا به وانقادوا لطاعته جل وعلا , ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ) , يبين احوالهم , فإحباط الاعمال للكفار والمغفرة والقبول للمؤمنين .
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ{4}
تستمر الآية الكريمة آمرة ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , في المعارك , او الكفار المجاهرين بالعناد والعداء للإسلام , ( فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) , فاضربوا رقابهم , أو مبادلتهم العداء بالعداء والعناد بالعناد , ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ ) , اكثرتم بهم القتل , وبانت امارات النصر لكم , ( فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) , أسروهم واحكموا وثاقهم , ( فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ ) , فأما تمنون عليهم منا بإطلاقهم , ( وَإِمَّا فِدَاء ) , او يطلقون بفدية , ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) , حتى تنتهي الحرب ويضع جنود الاسلام اسلحتهم التي ما كان ان تقوم الحرب لولاها , ( ذَلِكَ ) , ما ذكر من امرهم , ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ ) , بغير قتال , كأن ينزل عليهم عذاب الاستئصال كما نزل على الامم السابقة , ( وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ) , لكن اقتضت حكمته جل وعلا ان يبلوا المؤمنين بالكافرين فيقاتلونهم , ومن قتل منهم فثوابه الجنة , ويبلوا الكافرين بالمؤمنين , فمن قتل منهم فألى النار , ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) , والذين استشهدوا من المؤمنين في القتال , فأنه جل وعلا سيثيبهم ولن يفوّت عليهم اجر ذلك .
( عن الامام الصادق عليه السلام قال كان أبي يقول إن للحرب حكمين إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكل أسير اخذ في تلك الحال فإن الامام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله عز وجل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية قال والحكم الاخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكل أسير اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ{5}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها ( سَيَهْدِيهِمْ ) , يوفقهم الى الهدى , او يهديهم الى منازلهم في الجنة , ( وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ) , حالهم فيها .
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ{6}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقاتها ( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ) , التي وعدوا بها , ( عَرَّفَهَا لَهُمْ ) , ادخرها لهم , فكلا منهم يهتدي الى مكانه فيها .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{7}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ) , دينه ونصرة رسوله "ص واله" , ( يَنصُرْكُمْ ) , على اعدائكم , ( وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) , في المعارك , او يثبتكم في القيام بحقوق الاسلام ومجاهدة الكفار .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ{8}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ ) , ليس للكفار غير الخيبة والتعاسة والبؤس , ( وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) , بطلت اعمالهم .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{9}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( ذَلِك ) , سبب ذلك , ( بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ ) , من الحق , ( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) , فأبطل اعمالهم .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا{10}
تضمنت الآية الكريمة سؤالا انكاريا ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) , في رحلاتهم التجارية الى اليمن والشام , ( فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , اطلال مدن الاقوام السابقة , وقد خبروا وعرفوا ما جرى عليهم , وفي احايين كثيرة يأخذون قسطا من الراحة واحتماءً من حر الشمس في تلك الاطلال , ( دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) , دمرهم الله تعالى واخذهم بالعذاب , ( وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) , أي ان كل من يكفر بما جاء به النبي الكريم محمد "ص واله" سيقع عليه مثل ما وقع عليهم .
الآية الكريمة قرنت الازمنة مع بعضها , فربطت ماضي الامم السابقة بحاضر القوم الواقفون على اطلالها , دافعة اياهم الى التفكير في المستقبل , لتكون الانطلاقة من الماضي نحو المستقبل.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ{11}
تشير الآية الكريمة ( ذَلِكَ ) , نصر المؤمنين وقهر الكفار , او ذلك العذاب الذي نزل بالأمم الكافرة , ( بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) , ناصرهم , يدفع عنهم ويجنبهم العذاب , ( وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) , لا ناصر لهم ولا من يدفع عنهم من العذاب شيئا.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ{12}
تقرر الآية الكريمة تقريرين :
1- ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) : جزاءً لإيمانهم وثوابا لعملهم الصالح "النافع" .
2- ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ) : اما الكفار يتمتعون في الدنيا فقط , هي رياشهم ونوال ملذاتهم , ليس لهم هم فيها سوى البطون والفروج , غافلون عن الاخرة , كما تغفل الانعام عن سكين الذباح , تأكل وتسمن غير مدركةً ان الذباح سيختار الاسمن منها , فهم في غفلتهم غير مدركين لمقرهم ومآلهم الى النار .
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ{13}
تبين الآية الكريمة ( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ ) , بيانا للكثرة , ( هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ) , اشد قوة من اهل مكة , ( الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ) , يا محمد "ص واله" , ( أَهْلَكْنَاهُمْ ) , بالعذاب , ( فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ) , ينصرهم ويدفع عنهم عذابنا .
أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ{14}
تضمنت الآية الكريمة سؤالا انكاريا ( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ) , على حجة وبرهان , ( كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) , كمن زينت له نفسه سوء العمل فرآه جميلا وحسنا , ( وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) , وهم المنافقون الذين اتبعوا ما تهوى انفسهم من غير حجة او برهان .
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ{15}
تبين الآية الكريمة ( مَثَلُ الْجَنَّةِ ) , صفتها , ( الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) , وعد بها المتقين , ( فِيهَا ) , فأن فيها :
1- ( أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ ) : لا يتغير طعمه وريحه لأي سبب كان .
2- ( وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ) : كذلك الحال مع اللبن , لا يتغير طعمه بمرور الوقت , ولا تصيبه علة الفساد .
3- ( وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ) : على عكس خمور الدنيا التي تكون ذات ريح كريهة ومرة المذاق تخامر عقل شاربها , فيفقده ويكون من غير عقل , فانهار خمر الجنة خالية من كل ذلك .
4- ( وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ) : صاف لم يختلط به الشمع او فضلات النحل .
5- ( وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) : من كل اصناف الثمار .
6- ( وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) : قد نالوا مغفرته ورضوانه جل وعلا .
( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ) , كحال اهل النعيم في الجنة , ( وَسُقُوا مَاء حَمِيماً ) , حيث يسقوا من ماء بالغ الحرارة , ( فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ) , من شدة حرارته .
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ{16}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" مبينة كاشفة عن حال البعض ( وَمِنْهُم ) , المنافقون , ( مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) , الى كلامك و خطبك , ( حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ ) , بمجرد ان يخرجوا من حضرتك , ( قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً ) , سألوا اهل العلم من الصحابة عما قلته لهم في خطبك , استهزاءً وسخرية , ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) , فهم من جملة من ختم الله تعالى على قلوبهم بالكفر والضلال , فلم تعد تفقه شيئا من الحق , ( وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) , واتبعوا ما تهوى الانفس , مفضلين اياه على الحق .
( عن الباقر عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ومن أراد الله به شرا طبع على قلبه لا يسمع ولا يعقل وهو قوله تعالى اولئك الذين طبع الله الاية ) . "تفسير القمي " .
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ{17}
تنعطف الآية الكريمة لتقرر ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا ) , من المؤمنين , ( زَادَهُمْ هُدًى ) , الى هداهم , ( وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ) , ألهمهم ما يقيهم ويجنبهم النار .
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ{18}
تستمر الآية الكريمة ( فَهَلْ يَنظُرُونَ ) , لا ينتظرون , ( إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ) , القيامة , فسوف تأتي بشكل مباغت ومفاجئ , ( فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا ) , اماراتها , ومنها بعثته "ص واله" وانشقاق القمر والدخان , ( فَأَنَّى لَهُمْ ) , فكيف بهم , ( إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) , لا ينفع حينئذ تذكرهم .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ{19}
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" , الخطاب له "ص واله" والامر للأمة ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) , واحد احد فرد صمد , لا شريك له ولا ند , ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) , النبي الكريم محمد "ص واله" معصوم من الخطأ والزلل فلماذا تأمره الآية الكريمة بالاستغفار لذنبه ؟ , للمفسرين الكثير من الآراء منها :
1- ليكون استغفاره "ص واله" سنة يستن بها الذين من بعده .
2- اي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار لذنبك . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
( وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) , اكراما لهم , واتماما لإيمانهم ولتكاملهم في المسيرة الايمانية , ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ ) , المراحل العمرية التي يمر بها الانسان , او هي اشواط الدنيا التي لابد ان يقطعها الانسان كالصبر على الطاعة والجهاد في مختلف الظروف , او انشغالكم في امور المعاش نهارا , ( وَمَثْوَاكُمْ ) , مأواكم الى المضاجع ليلا , او مثواكم في عاقبة امركم , ما يعني انه جل وعلا عالما بجميع اموركم واحوالكم لا يخفى عليه شيئا منها , فوجب عليكم ان تحذروه , يرى بعض المفسرين ان هذا الخطاب يشمل المؤمنين والكفار .
وسوم: العدد 761