دلالات تحويل القبلة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد
فقد كان لتحويل القبلة أثرا عظيما في نفوس المسلمين وفى مجرى حياتهم، فقد حولت القلوب إلى ربها كما تحولت الوجوه إلى الكعبة في صلاتها، فكيف كان هذا التحويل؟ ولماذا تم التحويل؟ وما دور اليهود قديما وحديثا في بث الإشاعات والفتن بين المسلمين؟ هذا ما سنتناوله من خلال هذا المقال.
قصة التحويل:
كان النبي – صلى الله عليه وسلم -يصلى في مكة اتجاه الركنين الركن اليماني وركن الحجر الأسود، فتكون الكعبة أمامه، وخلفها بيت المقدس، وبعد الهجرة للمدينة أصبحت الكعبة في اتجاه وبيت المقدس في اتجاه آخر، فصعب التوجه والجمع بينهما في آن واحد، فأمره ربه بالاتجاه ناحية بيت المقدس 16 أو 17 شهر، ثم أمر بعد ذلك بالتحويل إلى الكعبة.
لماذا كان التحويل؟
وترجع أسباب تحويل القبلة من ناحية المسجد الأقصى إلى اتجاه الكعبة المشرفة لأسباب ومقاصد متعددة، منها:-
1- وسطية الأمة: فالأمة الإسلامية وسطية في كل شيء، في الحسن والفضل، والاعتدال والقصد، والمادي والحسي، التصور والاعتقاد، والتنظيم والتنسيق، والتفكير والشعور، والارتباطات والعلاقات، والمكان والزمان قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[ البقرة :143]
2- إفراد الأمة الإسلامية بشخصيتها المميزة :في عقيدتها ،وعبادتها وزيها وفهمها وشكلها ومنهجها ، لأنها خير أمة أخرجت للناس ، فلا تكون تابعة لأحد حتى في القبلة ، قال تعالى :{ لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[ البقرة :143]، وقال أيضا :{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ }[الحج : 78]
3- وراثة الأمة لملة إبراهيم عليه السلام -أبو الأنبياء : قال تعالى : {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[النحل : 123]،وأولى الناس به الرسول - صلى الله عليه وسلم – ومن آمن به ،قال سبحانه :{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 68]
وإبراهيم عليه السلام هو باني الكعبة المشرفة، كما قال سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج : 26]، وقال أيضا:{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة : 127] .
4- لا تتشبه باليهود ولا النصارى ولا غيرهم : لأن التشبه يدل على الهزيمة ،وهذا ما وصلنا إليه من تتبعنا لأراذل الأرض شرقا وغربا ، قال تعالى : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[البقرة : 135] ، وقال صلى الله عليه وسلم محذرا عن الإتباع الأعمى لغيرنا قال :لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه نقالوا اليهود والنصارى؟ قال: فمن!" رواه الشيخين.
5- تمحيص الصف المسلم : ليظهر من هو صلب في دينة لا يتبع الإشاعات ولا تأثر فيه الفتن ولا الأهواء ، ومن هو ضعيف الإيمان يتأثر بكل فتنه هوجاء ، و يميل حيثما مالت به الريح . وهكذا كان تحويل القبلة تمحيص للصف المسلم ،كما قال سبحانه { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة : 143]
6- منزلة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأدبه مع ربه : فقد طلب الرسول – صلى الله عليه وسلم - تحويل القبلة ناحية الكعبة لكن طلب ذلك بقلبه وليس بلسانه ،فكان ينظر ناحية السماء ، وسمع الله منه ما يريد دون أن ينطق به ، لأنه يعلم ما تخفى الصدور ،فقال له :{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }[البقرة : 144].
7- لتكون القبلة عنوان لوحدة الأمة: فنتوجه لمكان واحد خمس مرات كل يوم وليلة، مع اختلاف الأجناس والأماكن واللغات والألوان ، لأن لنا رب واحد ورسول واحد ، وقبلة واحدة .
8- الصدق والتصديق بين المؤمنين : فعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – ان رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي معه ، فمر على مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت ". الشيخان
دور الصهاينة الخبيث قديما وحديثا:
لا زالت الصهيونية على مدار التاريخ تمارس دورها الخبيث في الوقيعة بين الشعوب ،واستغلال الفرص لإشاعة الفوضى والبلبلة في العالم أجمع وخاصة في المجتمع المسلم ،ولذلك لأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين ،كما قال سبحانه: { تَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [المائدة : 82].
فقديما :قالوا:
1- محمد تحير واشتاق إلى قبلة قومه ، وقريبا سيكون على دينهم ، وإلا فما الذي صرفهم عن التوجه ناحية بيت المقدس؟ فرد الله عليهم وعلى كل من يقول كلامهم ووصفهم بالسفه ،فقال سبحانه :{ سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة : 142]
2- الذين ماتوا قبل تحويل القبلة ضاعت عليهم صلاتهم ، والصلاة التي صلاها المسلمون قبل تحويل القبلة لن يأخذوا عليها أجر ، فرد الله عليهم بقوله :{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة : 143] والإيمان هنا بمعنى الصلاة ،أي وما كان الله ليضيع صلاتكم .
حديثا:
فقد وصفوا المسلمون بالإرهاب ، كل مصيبة تحدث بالعالم ينسبونها للمسلمين ، بل تشكيك المسلمين في دينهم ومقدساتهم ،وأصبح البعض يجرى خلفهم ، ويلهث ورائهم ، ولكن الله فضحهم ، وفضح ألاعيبهم بعد هذه الثورات العربية التي خلعت عملائهم وهزت عروشهم .
ونسال الله لعلى القدير أن ينصرنا عليهم ،وأن يجعل تدبيرهم تدميرا عليهم وأن يرد كيدهم في نحورهم وأن ينصر أمة الإسلام ، وأن يعيدها إلى سابق عهدها ومجدها وعزها، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وسوم: العدد 771