فَلْنُهَاجِرْ
لا بدّ أن نتذكّر هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بداية كل عام هجريّ. ولا بدّ أن نستلهم منها الدروس. ولعلّ مما نستلهمه ثلاثة دروس:
الأول: أن التعلق بالأهل والمال والوطن... يهون أمام نصرة العقيدة، والعيش في ظل شريعة الله، فلا يسوغ لمؤمن أن يقيم في بلد يمنعه من عبادة ربّه إذا كان أمامه فرصة الهجرة إلى بلد يقيم شرع الله.
الثاني: هو المعنى اللطيف الذي أشار إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم حين قال: "... والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". رواه البخاري.
إنه يعطي الهجرة معنى شعورياً وسلوكياً ينبغي للمسلم أن يتمثله في كل حين. فهي هجرة القلوب الباقية على مرّ العصور:
أن يهجر كل باطل، ويتحرّى الحق في كل فكرة وموقف.
وأن يهجر كل خطيئة ومعصية، إلى ما فيه تقوى الله وطاعته.
وأن يهجر كل شعار للجاهلية، وكل عصبية جاهلية... ويؤوب إلى الله ورسوله ودينه وشرعه.
وأن يهجر رفاق السوء، ويصاحب أهل البر والتقوى، ليعينوه على أن تكون هجرته لله ورسوله، في كل فكرة وسلوك.
الثالث: أن يفقه المؤمن دلالة التوكل على الله، واستمداد العون منه، وأن الأمر كله لله. فقد اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم كل أسباب الحيطة والنجاة في هجرته: اتخذ رفيقه أبا بكر، وأعدّ لذلك راحلتين، واتخذ دليلاً خبيراً بالطرق عبد الله بن أريقط، وسار جنوباً، بعكس الطريق المؤدّي إلى المدينة المنورة... ثم ماذا؟ لقد وصل المشركون إلى غار ثور حيث كان المهاجران، وكأن كل إجراءات السلامة لم تنفع، حتى دمعت عينا أبي بكر خشية أن يظهر عليهما المشركون، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم مُطَمْئناً: "ما ظنّك باثنين اللهُ ثالثهما؟". رواه البخاري.
وأنزل الله سكينته عليه، وكأنه يقول له: لقد اتخذت أُهْبتك كاملة، وهاجرتَ إلى الله متوكّلاً عليه، والله تعالى أحقُّ أن يرعاك، ومن يكن الله له حافظاً فمن ذا يقدر أن ينال منه؟!.
إنه التناسق الذي يليق بالرسول الأسوة، عليه الصلاة والسلام، بين الأخذ الكامل بالأسباب، والتوكل الكامل على خالق الأسباب.
(إلّا تنصروه فقد نَصَرَهُ اللهُ إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين، إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: لا تحزن. إنّ الله معنا. فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا. والله عزيزٌ حكيم). {سورة التوبة: 40}.
وسوم: العدد 789