ليش (لماذا) أنا يا رب؟!
رسالة المنبر
المحاور
* في لحظة ضجر وسخط واعتراض على الله تعالى يقف العبد الجهول متسائلاً، وليته سأل نفسه أو من كان سبباً في وصوله إلى ما وصل إليه، بدلاً من اعتراضه على الله تعالى بقوله: لماذا أنا يا رب .. ليش أنا من دون الناس؟!!
* كلما كانت ثقة المرء بحكمة الله أكبر فإنه لا يحتاج إلى مثل هذا السؤال، باعتبار أنه يعلم بأن الخيرة فيما اختار الله.
* هل يسأل ذاك الإنسان عند النعماء والسعة والمنحة: ليش أنا يا رب .. لماذا أعطيتني الزوجة والأولاد والمنصب والمال، لماذا اخترتني وخصصتني بالعطايا دون سائر خلقك .. لا أحد يسأل، بل يكتفي بعضنا بشكر تلك النعمة على رأس لسانه وكأنها استحقاق من الله له، ويكتفي بقوله (ربي أكرمن).
* يظن المرء نفسه وحيداً في ذاك القضاء الإلهي فيتساءل: ليش أنا من دون الناس .. ولو نظر إلى مصيبة غيره لهانت عليه مصيبته، ولكن كيف للذي لا يرى في الكون سوى نفسه أن يقرأ المشهد بسعة بصر وبصيرة!!
* لقد سأل الصحابة السؤال نفسه (تقريبا) عند غزوة أحد، فسجل القرآن سؤالهم ولم يحابيهم في الجواب، وذلك لخطورة السؤال والجواب، حين قال سبحانه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 165).
* لابد أن يتدبر المؤمن في بعض أسباب اختيار الله له عند المصيبة والضراء ومن تلك الأسباب:
١. أن سبحانه جعل لك منزلة في الجنة لا تنالها إلا بالرضا عنه سبحانه وقبول اختياره.
٢. أنه يريد أن يصرف عنك بالبلاء الأصغر بلاء أكبر، فيقعدك عن الحركة بالبلاء الأصغر حتى لا تصل أقدامك إلى ما هو أكبر.
٣. أنه سبحانه يريد تكفير ذنوبك وهي كثيرة، ولعل منها غفلتك عن ذكره وشكره وحسن عبادته.
٤. إن سبحانه يعلم جلدك وقدرتك على الاحتمال فلا يكلفك فوق طاقتك، بل ويعينك على احتمال مصابك.
٥. أنه يريد أن يجري عليك من الأعمال الصالحة وأنت مصاب بمثل ما كنت تعمل مقيماً سليماً.
٦. أنه يريد تذكيرك بنعمه القديمة التي صارت مألوفة لديك ومنها الصحة والفراغ.
٧. أنه يريد تربيتك فلا تتكبر على خلق الله بأن تبقى محتاجاً لمن يحملك ويعينك ويساعدك.
٨. أنه يريد أن يجعلك آية يراها الناس فيذكروا ربهم ويستغفروه ويحمدوه على ما عافهم بما ابتلى به بعض عباده.
٩. أنه يريد أن يصرف عنك عيون الحاسدين والطامعين، فكل ذي نعمة محسود، ولأجل ذلك خرقها.
* ليس من الأدب الاعتراض على من يحبك ويكرمك ويعلم مصلحتك كأبيك وأمك، فكيف بالذي خلقك فسواك فعدلك؟!.
* ومثلما يقول الأفراد ليش أنا من دون الناس، تقول الشعوب: لماذا نحن من دون الشعوب، وكأن الشعب الفلسطيني أو السوري أو العراقي وحده هو المبتلى بالقتل والأذى والتشريد، ولو أننا نحسن قراءة التاريخ لوجدنا أن جميع الشعوب تعرضت لمثل ذلك الأذى، حتى الشعب اليهودي والأوروبي، ولكن شتان بين من أوذي فصبر وصابر ورابط حتى استعاد مكانته وحول محنته إلى منحة وما نزل له من حرج إلى فرج وبين من اعترض على الله وسخط، فمن سخط فعليه السخط.
* لم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم: ليش أنا يا رب، عندما آذاه قومه في مكة وفي الطائف وحاصروه في الشِّعب وطردوه من مكة وقتلوا عمه يوم أحد وتآمروا على مدينته ودعوته يوم الأحزاب وطعنوا عرضه في حادثة الإفك .. بل قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علىِّ غضبُُ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يَحِلَّ علىَّ سخطُك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك).
* ثقتنا بالله تعالى تجعلنا نؤمن بأنه سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً من التكاليف ولا من البلاءات إلا وسعها، وأنه سبحانه ينزل الصبر قبل أن ينزل البلاء، فلا داعي من الاعتراض على قدر الله.
* كلما زادت محبة العبد لربه تحمل منه قضاءه وإن غاب عنه فهم حكمة ذاك القضاء لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة، فكيف إن كانت أفعال الله في غاية الحسن والجمال.
* عجباً لحالنا ونحن نرى الطغاة والمستبدون يعبثون بأغلى ما نملك في حياتنا، دون أن نبدي لهم اعتراضاً ولو بالتلميح، ثم نعترض على حكمة الله باللفظ الصريح!!
- لن يأتي الاختبار بحسب ما نحب ونشتهي، بل بخلاف ما نتوقع، والصبر عند الصدمة الأولى، ونحن لا نسأل الله ردّ القضاء بل نسأله اللطف فيه.
وختاما
لم يقل ابراهيم عليه السلام: ليش أنا يا رب تأمرني أن أذبح ابني اسماعيل .. ولم يقل يعقوب عليه السلام: ليش أنا يا رب تختبرني بسوء أخلاق أولادي، ولم تقل آسيا زوجة فرعون: ليش أنا يا رب تختبرني بطغيان زوجي، فكان التكريم الرباني مكافأة الرضى، ولا اعتراض على قدر الخالق سبحانه وتعالى.
وسوم: العدد 816