وقفة مع كلمة فضيلة العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة بمسجد إبراهيم الخليل في مدينة وجدة
نزولا عند رغبة رواد مسجد إبراهيم الخليل الكائن بطريقة العونية في مدينة وجدة ، وجريا على عادة فضيلة العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة عند افتتاح كل مسجد يشيد بمدينة المساجد في عاصمة المغرب الشرقي أو يعاد بناؤه ،ألقى فضيلته كلمة توجيهية مساء أمس الجمعة قبل صلاة العشاء انطلق فيها من حدث ليلة القدر التي رفع الله عز وجل من قدرها وخصها بأعظم حدث في تاريخ البشرية ألا وهو نزول الرسالة الخاتمة للعالمين على خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور .
وأشار فضيلته إلى أن إحياء هذه الليلة المباركة يجب أن يتوجه إلى حدثها العظيم عوض الاهتمام بظرفه والانصراف إلى التفكير في أمر متى كانت وما ترتيبها في شهر رمضان مع ما لها من قدسية تتمثل في تنزل الملائكة والروح فيها ،وما أودع الله عز وجل فيها من أسرار جعلتها ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم .
ونبّه فضيلته إلى أن ذكر هذه الليلة في كتاب الله عز وجل مقترن بذكر القرآن الكريم الذي شرفت به على سائر الليالي بنزوله فيها . وأومأ إلى أن القرآن الكريم هو حبل الله عز وجل الممدود كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن ما أخبر عنه في أحاديثه . وذكر فضيلته أن القرآن الكريم هو الصلة الوحيدة بين الخالق سبحانه وتعالى وبين الخلق ، لهذا وجب على الخلق إيلاؤه العناية الكاملة ، وانخراط الجميع في خدمته تلاوة وسماعا وحفظا وتفسيرا فضلا عن خدمته بكل الطرق والوسائل بما في ذلك الإنفاق عليه وتمويله ليظل موجودا وفاعلا في الناس كما أراد له ذلك رب العزة جل جلاله .
ونبّه فضيلته أيضا إلى أن القرآن الكريم مسؤولية الجميع ،وليس شغل أناس بعينهم يحفظونه وغيرهم منصرف ومشغول عنه ، وليس المشتغلون به كما يعتقد البعض مصيرهم أن يرتلوه في المقابرعلى الأموات بل هو كتاب يعني الأحياء والحياة . ونبّه كذلك الحاضرين كأولياء أمور تقع عليه مسؤولية توجيه أبنائهم إلى العناية بالقرآن الكريم لأن التفريط في هذه المسؤولية قد ترتب عنه ما يعج به المجتمع من انحراف وإجرام ، وتسويق للمخدرات وتعاطيها وما يترتب عن ذلك من آفات اجتماعية تتهدد المجتمع خصوصا في ظرف انتشار تيارات تخريبية تعادي القرآن الكريم ،وتنزل بكل ثقلها لصرف الأمة عن ملازمته، الشيء الذي يستهدف هويتها وكيانها الإسلامي ، لهذا ألح فضيلته على ضرورة انخراط الجميع في خدمة القرآن الكريم والإنفاق على بقائه في الأمة . وأشار إلى الخير الكثير الذي يجنى من معاشرة القرآن الكريم حيث ينال الإنسان بالحرف الواحد منه عشر حسنات، فإذا تلي كاملا بلغ عدد حسنات تلاوته الملايين .
وعرّج فضيلته بالحديث على ما تشهده مدينة الألفية من بالغ الاهتمام بكتاب الله عز وجل من خلال تظاهرات الدورات الصيفية التي بلغ عدد المستفيدين منها أرقاما قياسيا تعكس مدى انخراط الآباء والأمهات في توجيه أبنائهم وبناتهم إلى مصاحبة القرآن الكريم خلال العطل الصيفية ، وألح على الحاضرين بالسير قدما في هذا التوجه عوض توجيه أبنائهم وبناتهم خلال العطل إلى اللهو واللعب والاصطياف... وقد عدّ ذلك تفريطا في مسؤولية تربيتهم التربية القرآنية الواقية لهم من كل ما يتهدد هويتهم الإسلامية تربية تصمد في وجه نماذج تربوية فاشلة تفضي إلى استلابهم .
وأشار إلى انتشار المدارس القرآنية في كل ربوع الوطن والتي صارت تخرج العديد من الحاصلين على شواهد علمية لا تقل قيمتها عن باقي الشواهد التي تسلم في مختلف المعاهد العلمية وفي مختلف التخصصات ،كما أشار إلى أن حفظ الشباب كتاب الله عز وجل لا يعني انصرافهم عن باقي العلوم والمعارف ،ذلك أن حفظة كتاب الله عز وجل في التعليم العتيق أصبحوا يتقنون اللغات ومختلف التخصصات إلى جانب اشتغالهم بكتاب الله عز وجل وعلومه ، كما أنهم أصبحوا منخرطين في مختلف القطاعات يؤدون واجبهم نحو الأمة خلاف ما كان رائجا من قبل بل أصبح طلبة مختلف العلوم من طب وهندسة وغيرهما يحفظون كتاب الله عز وجل ويهتمون به ، وهم الطليعة في مجالا تخصصاتهم .
وفي الأخير أثنى فضيلته على جهود رواد مسجد إبراهيم ا الخليل التي بذلوها من أجل إعادة بنائه وإضفاء رونق عليه مذكرا بما عانوه من عراقيل المشوشين والمعترضين على تجديد بنائه الذين كانوا يحرضون المحتلين لبعض مرافقه على عدم إفراغها الشيء الذي عطل إعادة بنائه مدة طويلة ، وأوصى هؤلاء الرواد بالنهوض بتعليم القرآن فيه لينعكس ذلك على حياة حيهم الشعبي من خلال صيانة ناشئته من الضياع والانحراف والفشل في حياتهم .
وما يستوقف في كلمة فضيلته هو انصرافه الدائم والمتواصل دون كلل ودعوته حيثما حل وارتحل إلى مشروع خدمة القرآن الكريم الذي يعتبره باعث ورافعة نهضة الأمة . ولقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا المشروع العظيم هو سفينة نجاة هذه الأمة مما يدبر لها ويحاك لها من جهات وتيارات لا تدخر جهدا لتعطيله وصرف الأنظارعنه والاهتمام به . ولقد بدأ هذا المشروع الوازن يعطي ثماره ذلك أن إشعاع العلم والمعرفة إنما ينطلق من الاهتمام بكتاب الله عز وجل أولا ،فهو المنطلق وهو الوسيلة والغاية .
ولا بد في الأخير من الثناء على فضيلة العلامة لما يبذله من جهود جبارة للسير قدما بمشروع القرآن الكريم بالرغم مما يلاقيه من متاعب صحية ،ذلك أن همته جد عالية لم يعد جسده المنهوك يتحملها . ولقد أمضى فضيلته شهر الصيام كعادته كل سنة يطوف بمختلف المساجد حاملا هم مشروع القرآن الكريم، فضلا عن حضوره بمختلف مؤسسات المجتمع لمشاركة نزلائها خصوصا الفئات الضعيفة والهشة في موائد إفطار يتولى إعدادها المحسنون ، ويتولى فضيلته التوعية بمشروع القرآن الكريم وما يتفرع عنه من خير يعم الجميع .
ونسأل الله عز وجل أن يلبسه ثوب العافية، وأن يمد في عمره ليواصل مشوار سعيه الحميد في خدمة كتاب الله عز وجل، ونشر العلم الطارد لظلمات الجهل والتجهيل .
وسوم: العدد 827