تأملات في القران الكريم ح441 سورة عبس الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ{24}
تستمر الآية الكريمة ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ ) , معتبرا , ( إِلَى طَعَامِهِ ) , ليتدبر في طعامه الذي هو اساس قوامه , الآيات الكريمة السابقة تكلمت على الداخلية "الذاتية" للإنسان , بينما الآية الحالية سلطت اضواءها على النعم الخارجية .
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25}
تستمر الآية الكريمة ( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ) , من السماء "السحاب" او كثرة الماء على الارض .
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً{26}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً ) , بتمكين النبات من شق الارض ليبرز على سطحها , وايضا موغلا جذوره في باطنها .
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً{27}
تضيف الآية الكريمة ( فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ) , من انواع النبات الحبوب , كالحنطة والشعير والذرة ... الخ .
وَعِنَباً وَقَضْباً{28}
تضيف الآية الكريمة ( وَعِنَباً ) , من سائر انواع الفاكهة , ( وَقَضْباً ) , ما يصلح علفا للحيوان .
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً{29}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ) , خصّا بالذكر بيانا لفضلهما , وبعض الخصائص الاخرى , ومنها كثرة منافعهما ثمارا واغصانا واوراقا .
وَحَدَائِقَ غُلْباً{30}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَحَدَائِقَ غُلْباً ) , عظيمة وكثيرة الاشجار , بيانا للكثرة والكثافة .
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً{31}
تضيف الآية الكريمة ( وَفَاكِهَةً ) , سائر انواع الفاكهة , ( وَأَبّاً ) , الحشيش الذي ترعى عليه البهائم , مع اراء ضعيفة تشير الى انه التين ، وسمى بالأب لأن المرعى يعود اخضراً بعد اصفراره وتلاشيه ، فبعد هطول الأمطار يعود غضاَ يانعاً ، وهو كقولك (ذهاباً واياباً) بمعنى (ذهاباً ورجوعاً) .
مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{32}
تستمر الآية الكريمة ( مَّتَاعاً لَّكُمْ ) , الفاكهة متاعا للناس , فمنها يأكلون , ومن اغصانها واوراقها يصنعون مختلف المواد اللازمة والضرورية في حياتهم اليومية , والنص المبارك ( مَّتَاعاً لَّكُمْ ) يقابله (وَفَاكِهَةً ) في الآية الكريمة السابقة , ( وَلِأَنْعَامِكُمْ ) , يقابله ( وَأَبّاً ) في الآية الكريمة السابقة ، من هنا يعلم ان الأب يعنى الكلأ والمرعى .
فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33}
تضيف الآية الكريمة ( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ) , اغلب المفسرون يشيرون الى انها نفخة الصور , مع اختلاف في ان تكون الاولى ام الثانية , وصفت بالصاخة مجازا لان الناس يضجون بها , او لأنها من شدة هولها تصم الاسماع .
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34}
تستمر الآية الكريمة مبينة الحال فيها ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) , من شدتها يفر المرء فرارا من اخيه , الذي طالما تفاخر به واستنصر به واستقوى بوجوده .
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35}
تستمر الآية الكريمة مبينة الحال فيها ( وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ) , لا يقتصر الفرار من الاخ فقط , بل ويشمل الفرار من الام والاب ايضا .
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36}
تستمر الآية الكريمة ( وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) , وكذلك ايضا يهرب من زوجته واولاده , ذلك الفرار من الاخ والام والاب والزوجة والاولاد يرى له اصحاب الرأي عدة اسباب منها :
1- انشغال كل امرئ بما هو فيه .
2- لعلمه انهم لا ينفعونه , فيسرع باحثا عمن ينفعه بالشفاعة مثلا .
3- او انه هرب منهم حذرا من مطالبتهم بالتبعات المترتبة على حقوقهم , كبر الوالدين وصلة الرحم , وحقوق الزوجة والاولاد , كأن يقول الاخ "لم تواسيني بمالك وجاهك , ويقول الام والاب "لم تبرنا" , وتقول الزوجة "لقد اجحفت بحقوقي عليك" , ويقول الاولاد "لم تحسن تربيتنا وارشادنا" ... الخ .
4- هناك رأي يشير الى ان المرء في الدنيا غالبا ما يستجير بالأخ او الام والاب , واحيانا بالزوجة والاولاد , اذا دهمه امر ما , اما لداهية مثل الاخرة فأنه لا يستجير بمن اعتاد الاستجارة بهم في الدنيا , بل يفر منهم هاربا , أي انه سيهرب ممن اعتاد الاستجارة بهم ، وهذا لم يعتده العرب ، الذين يتفاخرون بالأباء والأجداد ويتناصرون بالأخوان والأولاد ، كما ويتفاخرون بالمصاهرات ، ففي مثل ذلك اليوم سيسقط كل ذلك.
( عن الحسين بن علي عليهما السلام إنما يفر من امه موسى خشية أن يكون قصر فيما وجب عليه من حقها وإبراهيم إنما يفر من الاب المربي المشرك لا من الاب الوالد وهو تارخ .
عن الرضا عليه السلام قال قام رجل يسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الآية من هم قال قابيل يفر من هابيل عليهما السلام والذي يفر من امه موسى عليه السلام والذي يفر من أبيه إبراهيم عليه السلام يعني الاب المربي لا الوالد والذي يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح عليه السلام وابنه كنعان ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) , كل امرئ مشغول بحاله واحواله , ما يشغله عن النظر الى غيره ، وهذا مما يوجب الفرار في الآية الكريمة السابقة أيضاً.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ{38}
تضيف الآية الكريمة ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ) , مضيئة .
ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ{39}
تستمر الآية الكريمة ( ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) , فرحة , مسرورة بما ترى من النعيم , وهم المؤمنون .
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{40}
تستمر الآية الكريمة مسلطة الضوء على الجهة التي تقابل المؤمنين ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) , غبار وكدورة , بيانا لتأثرها بشدة اهوال القيامة .
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{41}
تضيف الآية الكريمة ( تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) , تغشاها السواد والظلمة , والذلة والهوان .
أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{42}
تستمر الآية الكريمة معرفة بأصحاب هذا الحال ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ ) , الذين كفروا بآيات الله تعالى ونعمه , ( الْفَجَرَةُ ) , لم يكفهم الكفر , بل تجرؤوا الى المحارم وتجاوزوا الحدود , جمعوا بين الكفر والفجور , فجمع الله تعالى لهم سواد الوجوه مع غبارها وكدورتها .
صدق الله العلي العظيم
وسوم: العدد 852