قل منا الاستغفار وتأخر عنا المدرار اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك برحمتك
قل منا الاستغفار وتأخر عنا المدرار اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك برحمتك متشفعين بنبيك عليه الصلاة والسلام وببهائم رتع و صبية رضع وشيب ركع
من رحمة الله عز وجل بعباده المؤمنين صلاة سنّها لهم رسوله صلى الله عليه وسلم يستسقونه بها إذا انحبس عنهم القطر ، وهي صلاة يجأرون بها إلى خالقهم ضارعين مستغفرين لذنوبهم مقرين بها في ذلة وخشوع ليرفع عنهم شدة يكون سبب تأخر مدد رحمته من مطر به ينبت الزرع ويحيى الضرع .
ولقد جاء في الأحاديث النبويية الشريفة ما يشير إلى أسباب انحباس المطر نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم :
" يا معشر المهاجرين ، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا الفطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عذوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل باسهم بينهم "
ففي هذا الحديث الشريف ما يكشف سر الأخذ بالسنين وامتناع القطر وهو نقص المكيال والميزان ومنع الزكاة . ومن المفروض في الأمة المسلمة إذا ما انحبس عنه المطر أن تراجع هذين الأمرين فتقلع عنهما .
وقد يقول قائل إن المطر انحبس عن المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم ، والجواب عن ذلك أن زمنه صلى الله عليه وسلم كان زمن تبليغ للرسالة، وزمن التشريع ،وزمن سن للسنن ،ولولا انحباس المطر في ذلك الوقت لما سنت صلاة الاستسقاء ولما وصلت إلينا اليوم ، ولا يمنع أن تكون أسباب وراء انحباس المطر يومئذ علمها عند الله عز وجل .
وإن سبب طرق هذا الموضوع اليوم هو أن المطر تأخر عن النزول ، والناس عندنا لم يفكروا بعد في صلاة الاستسقاء باستثناء ما يرفع من دعاء في بعض المساجد عقب الصلاة ،ولا ندري متى ستعلن الوزارة الوصية على الشأن الديني عن إقامة تلك الصلاة ؟
ولقد شاع بين الناس عندنا في السنين الأخيرة وبطريقة فيها شيء من السخرية أن هذه الصلاة لا يعلن عنها إلا بعد الاطلاع على تنبؤات وتوقعات الأرصاد الجوية ، وهو أمر إن صح بالفعل دل على مدى فقدان الثقة في الخالق سبحانه وتعالى ، ذلك أن الاستسقاء على الوجه الصحيح يكون بالاتكال عليه سبحانه وتعالى دون التعويل على تنبؤات أو توقعات الأرصاد الجوية ، وذلك هو التوكل الصحيح . ولقد كانت صلاة الاستسقاء من قبل تقام والسماء صافية لا غيم فيها، فإذا قضيت غامت السماء وأمطرت وتوجد على ذلك أمثلة كثيرة يتحدث بها شهود .
ولقد كانت هذه الصلاة تقام والناس في حال من التذلل لرب العزة يدل على تذللهم طريقة لباسهم، وطريقة سيرهم وتضرعهم . ولقد صار الناس اليوم يستسقون وعليهم أفخر الثياب ، ولا يرى عليهم تذلل في سيرهم ولا يرى لهم تضرع ، وكأنهم في استعراض لا في استسقاء ، و قد يمر بهم غيرهم يتفرجون عليهم وكأن الأمر لا يعنيهم ، ولا يتأثرون لأنه لا يوجد في المشهد ما يبعث على التأثر والتفاعل.
وإلى يؤذن للناس بالاستسقاء من طرف الوزارة الوصية، نضرع إلى الباري جل وعلا الذي ينزل الغيث بعد أن يقنط الناس برحمته جلت قدرته ، وبنبيه عليه الصلاة والسلام ، وبالبهائم الرتع والصبية الرضع والشيب الركع وبالمستغفرين بالأسحار ألا يؤاخذنا بأفعال السفهاء منا ، وأن يعجل لنا برحمة منه يغيثنا فيها بغيث يبعث الأمل في النفوس وقد ضاق بها الأمر ، وليس لها إلا الرجاء فيمن لا يخيّب من يرجوه ، ولا يقنّطه من رحمته، والذي إذا أعطى أجزل العطاء ، وبارك فيه .
اللهم يا ذا الجلال والإكرام والعزة والسلطان إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نتشفع عندك بواسع رحمتك التي وسعت كل شيء ، وبأشرف مخلوقاتك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبإخوانه الأنبياء والرسل الكرام صلواتك وسلامك عليه أجمعين ، وبملائكتك الكرام عليهم منك الصلوات والسلام ، وبمن ترضى من خلقك أن يتشفع بهم عندك ألا تخيّب رجاءنا فيك، وتصفح عنا ولا تؤاخذنا بسفهنا ولا بذنوبنا ولا بتقصيرنا ، وأن تجعل رحمته الواسعة لا تضيق عنا ،وتكون لنا سببا في توبة نصوح، وأوبة عاجلة إلى طاعتك وقطيعة دائمة مع معصيتك .
والحمد لله عز وجل على كل حال ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 865