مُنَاجاةٌ 872
اتصل أحد الزملاء الأوفياء وهو طبيب استشاري يُشهد له بمهارتِه وخبراتِه المتميزة في اختصاصهِ.. فبادرني - سلمه الله تعالى - قائلاً : أحببت أن أطمئن على صحتكم وأحوالكم في سياق الظروف الحرجة الجارية.. فشكرت له كريم مودته ووفائه.. وبطبيعة الحال انتقل الحديث تلقائياً إلى وباء كورونا باعتباره الهاجس الطاغي على هموم النَّاس واهتماماتهم .. ودخلنا في مناجاة حول فهمنا نحن المسلمين لظاهرة هذا الفيروس وغيره من الأوبئة.. وحول دورها في أداء مهمة الاستخلاف في الأرض وإدارة شؤون الحياة.. وحول فهمنا بأنَّ الخلائق كلَّها مُكلَّفة من ربَّها عزَّ وجل بمهام تتفق مع طبيعة تكوينها في مسيرة الاستخلاف .. وأنَّها جميعاً في عبادة الله تعالى ما دامت في إنجاز ما كُلِّفت به.. وفيروس كورونا بلا شك هو من جند الله التي لا يعرفها أحدٌ غيره سبحانه.. قال: إنني أتابع رسائلك وما تكتبه بهذا الشأن فهل من مزيد في التوضيح..؟ فقلت: أحسب أن كورونا يأتي مُكلَّف من ربِّه لينذر البشريَّة لتراجع سلوكياته في مهمة الاستخلاف في الأرض.. فغالب المجتمعات والسياسات العالميَّة قد تمادت وأفحشت كثيراً في انحدار سلوكياتها وتجاهلها لوجود الله وقيمه وطريقه المستقيم.. ودخلت في عربدة وقحة شنيعة مخزية.. احتُقر معها الإنسانُ وانتُهكت قيمةُ حياتِه وكرامتِه وحريَّته ومصالحهِ.. واختصر ذلك كله ليكون لصالح فئات محدودة من القوى العالمية الطاغية المهيمنة.. فأرسل رَبُّ العباد كورونا ليقول لرواد الفساد والطغيان من عباده : كفى ..وأنَّ الفرصة لا تزال متاحة للمراجعة والعودة إلى سواء السبيل.. وهنا ألفت النظر إلى أنَّ جائحة كورونا فيها شيءٌ من الرحمة مقارنة بما أصاب لأقوام الشريَّة عبر التاريخ القديم.. وما قوم عاد وثمود وقوم لوط وصالح وفرعون ونوح وغيرهم من الذاكرة البشريّة ببعيد ..والقرآن الكريم وثق تلك الكوارث الماحقة وأثبتها ..لتعتبر الأجيال من بعد وتجري مراجعات لتصحيح المسار والعودة إلى مسالك الصلاح والفلاح ..والله سبحانه المستعان.
وسوم: العدد 872