إلى الذين عرفونا
الإمام الشهيد حسن البنا
الذين عرفونا.. منهم من اكتفى بهذه المعرفة فلم يستكملها، ولم يتصل بنا ليتعأو ن معنا على ما نحن بصدده من دعوة الناس إلى الخير، فهؤلاء ندعوهم إلى أن يعملوا معنا.
ونذكرهم بأنهم مقصرون إن قعدوا عن الاستجابة، فإن الميدان فسيح يتطلب جهد كل ذى جهد، ويستدعى عملاً متواصلاً من الجميع، فلا حجة له فى القعود، ولا عذر لهم بين يدى الله والناس.
هذا قسم.. وقسم آخر عرفنا واتصل بنا وتعاون معنا، ولكنه أساء أكثر مما نفع، إذ لصق بالإخوان وعمل على غير سنتهم وطريقتهم، فكان دعاية سيئة لهم، وكان سبباً فى الصد عنهم لا فى تقريب الناس منهم، فإلى هؤلاء أتوجه بالرجاء أن يكونوا إخواناً بحق يلتزمون تعاليم الإخوان الصحيحة، أو أن ينصرفوا مشكورين وأمرهم إلى الله.
ورجاؤنا إلى جماهير الشعب الإسلامى أن يزنوا كل منتسب للإخوان بميزان الشريعة السمحة وآداب الإسلام، فمن استمسك بها ونزل للإخوان على حكمها فهومنا ونحن إخوته، ومن خالف شيئاً منها أو صدر عنه ما يتنافى معها، فنحن من عمله برءاء ولا صلة بيننا وبينه.
إن الإخوان المسلمين لا يقصرون فى فرائض الله، ولا ينتهكون حرماته، ولا يجرؤون على معصية، فإن قدر لأحدهم العصيان فهولا يتجاهر به، ولن يفخر به، ولن يسكت عن التوبة منه، والندم الشديد عليه، فمن كان مستهيناً بالصلاة أو مستخفاً بالفرائض أو جريئاً على المعاصى، أو مستهتراً بارتكاب الآثام، أو ظنيناً فى ريبة فليس منا، وعلى الذين عرفونا أن يجتنبوا ذلك كله.
والإخوان المسلمون مع هذا لا يفرطون فى التعبد، ولا يبالغون فى التزهد، ولا يظلمون دنياهم على حساب آخرتهم، لأن هذا ليس من سنة النبى صلى الله عليه وسلم، فهم يصومون ويفطرون، ويقومون ويتريضون، ويمزحون ويجدون، ويجاهدون وينبسطون مع أصدقائهم ومع أهليهم، ويعملون للآخرة ولا ينسون النصيب من الدنيا، فمن أفرط فى تعبده، أو تظاهر بتزهده، أو أهمل حقوق عمله، أو أساء إلى أهله، أو فرط فى جانب من جوانب حياته الدنيوية الصالحة يدعى بذلك أن يقوم بواجب الآخرة، فليس على طريقة الإخوان، ولا هومن العاملين بمبادئهم.
والإخوان المسلمون يعلمون أن الله كتب الإحسان على كل شئ، حتى من قتل فليحسن القتلة، ومن ذبح فليحسن الذبحة، وهم لهذا يعنون بإتقان كل عمل من أعمالهم حتى يبلغ حد الإجادة، فمن نقص وهو قادر على الكمال أو قصر دون الإجادة والسبق فليس من الإخوان المسلمين ( وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ).
فعلى الذين عرفونا أن يحفظوا ذلك كله وأن يعملوا على غراره، فعلى الطالب أن يكون أو ل إخوانه، وعلى الصانع أن يكون أمهر زملائه، وعلى التاجر أن يكون أصدق وأبرع أقرانه، وعلى الموظف أن يكون مثال أداء الواجب من جميع نواحيه، وعلى كل ذى عمل منا أن يتقنه، وعلى الناس ألا يعتبروا المقصرين من الإخوان المسلمين مهما حملوا من شارات أو ألصقوا بأنفسهم من ألقاب إخوانية.
والإخوان المسلمون يعلمون أن الدين المعاملة، وأن مطل الغنى الظلم، فهم لهذا يبادرون بتسديد حقوق الله التى تكون بجانبهم، ويمثلون أشرف ناحية فى هذا المعنى، وأن من تجارهم من لا يزال إلى الآن بعد سنين طويلة يسدد أقساطه التجارية قبل موعدها بيوم على الأقل دائماً، حتى يحتفظ الأخ المسلم بشرفه وكرامته ومنزلته، فمن ماطل فليس منا، ومن طمع فيما فى أيدى الناس فليس منا، ومن أساء الأدب أو الاقتضاء فليس منا، لأن الدعوة غير هذه السبيل، فعلى الذين عرفونا أن يكونوا أمثال الأدب فى الوفاء والقضاء والإعطاء والاقتضاء.
والإخوان المسلمون بعد ذلك كله يعلمون أن الأخلاق أساس دعوتهم، وأن الله حين أراد أن يمتدح نبيه وهو قدوتنا صلى الله عليه وسلم، امتدحه بالخلق العظيم، وأنه تعالى رتب على صلاح النفس صلاح الناس وفلاحهم، فقال تبارك وتعالى : " ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها " ( الشمس 7 - 1. ).
فالأخ المسلم لهذا يأخذ نفسه دائماً بالتثقيف والمراقبة والمحاسبة حتى تنطبع على أفضل الأخلاق وأحسنها :
فهوصادق لا يكذب : ( إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ) ( النحل 1.5 )
وهو وفى لا يغدر، ولا يخلف.
وهو حليم لا يسرع بالغضب، ولا يفحش بالقول.
وهو حيى لا يجهر بالسوء، ولا يثبت للمنكر.
وهو شجاع يجهر بالحق، ولا يخشى فيه لومة لائم.
وهو عفيف، يضع كرامته فوق كل الغايات والأغراض الزائلة.
وهو منصف يقدر الحسنة، ويزن السيئة، ويأخذ من كل شئ أحسنه.
وهو حسن التصرف، وإنما يدبر الأمور على وجوهها ثم يسلك إليها أفضل طرقاتها.
وهو بعد ذلك يعفو ويصفح، ويدرأ بالحسنة السيئة، إلا أن تنتهك محارم الله، فلا يقوم لغضبه شئ.
أيها الإخوان الذين اتصلتم بنا :
كونوا مثال الخلق والفضيلة، فإن لم تكونوا كذلك فجاهدوا أنفسكم، فإن أفلحتم فاحمدوا الله، وإلا فأنتم عن تقويم غيركم أشد عجزاً، وفاقد الشئ لا يعطيه.
أيها الإخوان الذين اتصلتم بنا :
لا تيأسوا ولكن حأو لوا واعملوا، فهى مرتبة الصابرين، والله تبارك وتعالى يقول :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "
( العنكبوت : 69 (
حسن البنا - النذير : 22 محرم 1358 هـ / 1939 م.