حتى لا نقلق كثيرا وقد راجت سوق الموت بين البشر
يولد الإنسان محكوما بالموت . ومطبوع على جيناته أربعة أمور - كما أخبرنا الصادق المصدوق - أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد . اللهم اكتبنا من أهل السعادة أجمعين .
فلو رام كل أطباء القلب أن يزيدوا في ضربات قلوبنا ضربة ، أو في أنفاسنا نفسا ما استطاعوا . حتى ما تقدمه الأجهزة الاصطناعية مقدر ومحسوب . ولو رام كل طغاة الأرض أن ينقصوا من أنفاسنا نفسا أو من ضربات قلبنا ضربة ما استطاعوا . وهذا بالنسبة للمسلم دين ويقين .
أتذكر أن شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة زار المغرب مدرسا في جامعاتها عاما أو عامين . وعاد إلينا في حلب يحكي لنا هذه الحكاية عن رجل شجاع من أصحاب عبد الكريم الخطابي . يقول الشيخ : كان هذا الرجل شجاعا منقطع النظير ، يلقي نفسه على الموت ولا يبالي ، فإذا سئل عن ذلك يقول وباللهجة المغربية " أنا مش طماع وربي مش غدار "
ويقصد : أنه لا يطمع في أكثر مما قُسم أولا له من عمر ، ولو طمع ما أفاد شيئا . وربنا سبحانه وتعالى ليس غدارا وحاشاه ، بمعنى أن يراك وقد حانت منك فرصة ، فيتعجل وفاتك ، ويخصم من أجلك ..
حين تحاصرني الكآبة والسوداوية والقلق من الموت أحكي لنفسي مثل هذه الحكايات ..
سنعبر جسرا ونجد على الطرف الآخر أحبابنا ، هكذا اختصرها سيد قطب رحمه الله تعالى : أخي إن نمت نلق أحبابنا ..
على الطرف الآخر أمي وأبي وأخي الذي يكبرني وأختي التي تصغرني ، وأكثر لعبي إذ أنا صغير معهما .. وكل الأحباب الذين سبقوا ..
دعونا نسهلها على أنفسنا ، ولا نحتاج إلى استشارات نفسية .
أبو نواس رسمها هكذا :
وما الناس إلا هالك ، وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين بعيدُ
وسرقه المتنبي فأعاده هكذا :
نحن بنو الموتى ..
نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
ولا واعظ مثل واعظ القرآن الكريم . حين حكم على كل نفس بالموت ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) وبشر به الرسولَ الكريم ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ).
الاعتقاد بصيرورتنا إلى الموت يقين . والأخذ بأسباب الوقاية والحذر دين وشريعة . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ ) شريعتنا . من قدر الله إلى قدر الله نفر منهجنا.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك .. واحفظنا عن أيماننا وعن شمائلنا ، واحفظنا في أنفسنا ، وفي أهلينا ، وفي أولادنا وبناتنا وأحفادنا ، واحفظنا في أحبابنا وأصدقائنا .. اللهم الطف بأهل الأرض جميعا فقد نزل بهم من البلاء ما لا يكشفه غيرك ..
وسوم: العدد 901