بُني الإسلامُ على خُمْس
د. محمد عناد سليمان
إنَّ نسبة قولنا: «وأن محمدًا رسول الله» في قولنا: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، ليس من أركان الإسلام، وأنَّ ما ورد عن ذلك من أحاديث، إنَّما هو من نقل وتدليس الرِّجال، وليس صحيحًا في التشريع، والأدلَّة على ذلك:
أولا: أنَّ الله سبحانه وتعالى، هو المشرِّع، وأنّ القرآن الكريم، وكتبه التي ألزمنا بالإيمان بها في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }«البقرة285». وقوله أيضًا في موضع آخر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }«النساء136». هي الدَّلالة على هذا التَّشريع، وما أنزله من مهمة على الأنبياء عليهم الصّلاة والسَّلام في تبليغ هذا التَّشريع.
وبالعودة إلى آيات القرآن الكريم، نجد أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء يدعون إلى شهادة «أن لا إله إلا الله» وحده، كقوله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }«الأنعام50». وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }«الكهف110». وفي آية أخرى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }«الأنبياء108». وقوله أيضًا: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }«فصلت6».
ولا نجدُ دليلا على أنَّ شهادة «أن رسول الله محمدًا»، أو عيسى أو غيره من الأنبياء شرطٌ لدخول الإسلام؛ بل وجدنا أنَّ من موجبات الإيمان هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، مما يلزمنا بالإيمان بما أنزل على جميع الأنبياء والرسل من دون تخصيص.
ثانيًا: ثمَّة أحاديث رواها رجال الحديث عن النِّبي صلى الله عليه وسلم يبيّن فيها أنَّ شهادة «أن محمدًا رسول الله» مقرونة بشهادة «أن لا إله إلا الله» وهي ركن من أركان الإسلام، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري:
-حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
- وحدثنا سهل بن عثمان العسكري حدثنا يحيى بن زكرياء حدثنا سعد بن طارق قال حدثني سعد بن عبيدة السلمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: بني الإسلام على خمس على أن يعبد الله ويكفر بما دونه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان.
وهذان الحديثان بنصهما في صحيح مسلم، وهما:
-الأوّل: (وحدثنا) سهل بن عثمان العسكري حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا سعد بن طارق قال: حدثني سعد بن عبيدة السلمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
-والثاني: (حدثنا) عبيد الله بن معاذ حدثنا أبى حدثنا عاصم وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
ونلحظ في هذه الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم أنَّه قد وردت عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد وصلتنا روايتان، واختلاف الرّواية هو من النَّاقل، وليست من النّبي صلى الله عليه وسلم، ولكي نعلم صحّة ما نقلوه لنا، نعرضه على القرآن الكريم، فنجد أنَّ الله قد أمر بوحدانيته، كما نصَّت عليه الآيات السَّابقة، ولا ذكر لوجوب اقتران شهادة «أنَّ محمدًا رسول الله» كشرط في دخول الديِّن، وأيضًا نستطيع القبول بصحَّة الرِّواية التي تدعو إلى عبادة الله وحده، ونترك الثانية لمخالفتها النَّصَّ القرآني.
وما ذهب إليه بعضهم من ذلك، إنَّما أرادوا أن يلغوا الرسالات السَّابقة، فيرى بعضهم أن «الإسلام» ناسخ لما سبق، والقرآن يدلّ على خلافه، ومنهم من يرى أنَّ ذكر الأنبياء في القرآن جاء للقصص وأخذ العبرة، والقرآن أيضًا يخالفه.
بل إنَّ هناك من أراد أن يعظِّم محمّدًا صلى الله عليه وسلم ليدخل الشُّبهة إلى الدّين، ويصرف النَّاس من عبادة الله إلى عبادة النبي صلى الله عليم وسلم، كما فعل قوم الرَّسول في زمانه، فقالوا: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }«الفرقان7». وقوله أيضًا: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}«الفرقان20».
فلو كان من أركان الإسلام الذي هو دين الأنبياء والرسل أنَّ الشَّهادة للرّسول مقرونة بذلك، لوجدناها مرويَّة عن الأنبياء والرُّسل السَّابقين، وليست محصورة بالنَّبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولما لم يكن ذلك، زاد يقيننا بأنَّها من تدليس الرّواة والرِّجال، وإن كانوا ثقة، فالقرآن أولى بالثِّقة والاتباع وهو كلام الله من اتِّباع أقوال البشر.
إضافة إلى أنَّنا لا نرى اختلافا في بقية الأركان الخمسة، كالصّلاة، والحجّ، والصّوم، وهي موجودة في القرآن الكريم، ولدى كلّ الأنباء والرُّسل وفي كتبهم جميعًا، والأدلَّة على ذلك في القرآن الكريم كثيرة جدًا، وحسبنا في النِّهاية قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }«البقرة130». وقوله: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }«آل عمران95». وقوله أيضًا: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }«النساء125».