الإنشاء الديني .. في البيت المسلم
سيبقى الإسلامُ الحمى الحصين لهذه الأمة رغم ماعراها من ضعف و وهن وانكفاء بل وجمود عن النهضة المبدعة بدينهم وقيمه السامية . ونعلم علم اليقين أنَّ للبيت المسلم والأسرة المسلمة مناوئين ، أي أعداء يملكون الكثير من عوامل هدم هذا البيت المبارك الذي أحاطه الله عـزَّ وجلَّ بالرحمة والمودة بين أفراده يقول الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) 21/ الروم . إنها المودة والرحمة المهداة من الله سبحانه وتعالى لهذه الأسرة لتشمل الأب والأم والأبناء . وتلك آية من آيات الله الباهرات في حياة الأسرة . وتلك الآية تريد الفيالق المعادية للإسلام وللأسرة ... محقها وعدم محافظة الأسرة عليها ، ففيالق العلمانية والصهيونية والصليبية ، ومخططات الماسونية وغيرها من فروعها ومحافلها وأحزابها ، وما أعدت تلك الفيالق من وسائل الترغيب والترهيب والإغــراء والغزو بكل أنواعه لهدم هذه اللبنة بل هذا الصرح الغالي الثمين ، وإشاعة مالديها من الإباحية والمثلية والسفور والاختلاط والفجور ... إلى سلسلة ما أفرزته الحضارة الغربية بسفورها وفجورها ، والتي قــد غلب سمُّها عسلَها في كل الجوانب الحيوية التي يعيشها الناس .ورغم كلِّ ذلك ستنهض الأمة بمشيئة الله تبارك وتعالى رغم تداعي أمم الضَّلال عليها من كل جانب ، وبجميع الوسائل التي لاتخطر على بال . فتلك سُنَّة الله في خلقه ، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلا ولا تحويلا ولا انكفاء وحاشا لله رب العالمين . وحين تأخذ الأسرة وضعها القائم على ماجاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تؤسس بيتا إسلاميا ، تسود في أرجائه الطيبة المودةُ والرحمةُ ، وفيه تكون المعاملة الحسنة ، والتفاهم الإيجابي الذي يقوِّي تلك الرابطة المقدسة ، ويبدأ الأخذ بهذه القيم بين الزوج والزوجة حيث الاحترام المتبادل يقول الله تعالى آمرًا الرجال : ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ 19/ النساء . وفي الحديث النبوي: (ألا واستوصوا بالنِّساء خيرًا؛ فإنما هُنَّ عوان عندكم) أي أسيرات ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حيث قال : (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي ) . ويجب أن تقابل هذه الخيرية من الرجل بمثلها لدى الزوجة وأن تتأصل تلك الرابطة ، ولا يقطعها أحد الطرفين . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء المسلمات بطاعة الأزواج كما أمر الأزواج بالرفق بالزوجات ، وفي الحديث الشريف : ( فإنِّي لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمَّدٍ بيده، لا تؤدِّي المرأة حقَّ ربها حتى تؤدِّي حقَّ زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتبٍ لم تمنعه( . ومن هنا يكون تأسيس البيت المسلم على دعائم راسخة من قيم التقوى والإخلاص ، وهكذا يكون التأسيس الصحيح ، وليس كتأسيس المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار على غير تقوى من الله ، وعلى غير رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 109 /التوبة . وبهذه الأسس تتخلص البيئة المنزلية من المنغصات . وقد تحدث في هذا البيت المسلم بعض المشاكل أو الاختلافات حول شؤون الحياة المنزلية أو غيرها من المنغصات للأسرة المسلمة ، وهنا لابد من التفاهم ، ومن رجوع المخطئ عن خطئه ، فباب الإنابة إلى الله مفتوح ، ومناجاة الله بالاستغفار ميسرة ، فالله سبحانه يتوب على المسيء مهما كانت إساءَته . قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 82 /طه . وهنا تعمل المودة والرحمة عملها الجليل بين أفراد هذا البيت ، وتستقر الأمور في سكن أثير ، وينتفي مايعكر الأجواء ، ومجمل الرعاية الواجبة بين أفراد الأسرة إنما هو آية من آيات الله في خلقه سبحانه وتعالى تحكي هذه الآية عن حالة الطمأنينة والسكينة في أبهى صورها وأجمل معطياتها ، يقول عــزَّ وجلَّ : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 21/ الروم .
فيالها من قيم ، وطوبى لأهلها ماداموا في ظلالها الندية . فقيم الإنشاء الديني في البيت المسلم تقوم على الحقائق التربوية الإسلامية ، فيضع ولي الأمر يده على أي تصرف غير سوي بالدواء الناجع على كل مشاكل أبنائه التي تواجههم في مجتمعهم حول العقيدة والسلوك والأخلاق والمعاملة ، ويمنح ما يطرأ على أهل بيته من الأذى جرَّاءَ ما يأتي من وراء معطيا ت عصر ظهر فيه الفساد ، وطمى الضلال ، ووجم الناس في حيرة من أمرهم . ويرسم الطريق لأولاده حيث يعيشون مطمئنين على عقيدتهم. وأخلاقهم وسلوكهم . وبالتالي على مستقبلهم في الدنيا والآخرة، بل وعلى مستقبل أمتهم التي يعيشون في محيطها، ويرومون لها السلامة والإسلام والأمن والإيمان ، ويجعل من أولاده الأبنــاء الصالحين الذين تمرح طفولتهم في بساتین رضوان الله ، وتخطو أقدامهم على مدارج سمو أرواحهم ، وطهارة قلوبهم بالعبادات اليومية التي يقومون بها ، ويقطفون ثمارها فرحا روحيا وسكينة وطمأنينة ، وينطلقون كأطيار الربيع إذا أشرق نور الصباح .يستافون عبير الرضوان ، وتسبح أرواحهم في ضياء الإنابة والإخبات لله رب العالمين . ما أجل البيت المسلم ، وما أسمى تطلعاته من خلال الإرشادات التي تتدفق عليه من كل جانب، حيث يتردد اسم الله تبارك وتعالى في جنباته بالغدو والآصال ، وفي جنح الليل ورابعة النهار، وفي العشي والإبكار، عامرة بالأدعية التي تحملها أفواه طاهرة ، وقلوبُ أيــــــــدٍ نقية لا تعرف الحرام ، ولم تدنس بالموبقات . إنها العروة الوثقى التي يتمسك بها المقربون الذين يعيشون على الأرض وعيونهم ترنو في دروب السماء يرجون فضلاً من الله ورضوانا . وإنها الرابطة القوية حيث كان الإنشاء الديني الواعي والصادق في البيت المسلم هو القيام بالبناء الذي يؤسس على التقوى بأرض الفطرة التي تمنح قواعده الثبات فلا يهدم ، ولا تهزه الأعاصير، ولا تبليه الأنواء ، ولا يفنى مافيه من إيمان بالله ، بل يتجدد دائماً بذكر الله ، وكلما نادى مؤذن الإسلام : حي على الفلاح .
ولقد أصيبت معظم بيوت المسلمين - مع كل أسف - بهذه المصيبة، مصيبة الفصام النكد بين القلوب المؤمنة بالله ، وبين قيم هذا الإيمان . وأصبحت مكشوفة على الغي والضلال والانحلال وفساد الأخلاق ، ومن هنا كان الواجب على كل مسلم، وعلى كل راع في بيته أن يعمل على بناء بيته من جديد ، ويرفع دعائم نقائه وسموه على أركان متينة ثابتة من الإسلام والإيمان والإحسان والتقوى. وذلك لينجيهم من غضب الله في الدنيا ، ويقيهم عذابه يوم القيامة ، ولينشئ الأبناء الصالحين الأقوياء لأنفسهم. ولأسرهم ولأمتهم ، فالأسرة لبنة من لبنات المجتمع ، فإن هي صلحت صلح المجتمع ، وإن هي فسدت أفسدت البلاد . وإن كانت صالحة صلح المجتمع . ولعل صلاح الشباب في الأسرة وشاباتها وهم في حقبة حيوتهم ونشاطهم يساعد في تنمية المجتمع ، ففي هذه الفئة العمرية الخير الكثير ، والقوة الفاعلة التي ترد عنهم وعن مجتمعهم تيارات الفساد والإلحاد والتمرد على قيم دينهم الحنيف . فلا تغرنهم المغريات ، ولا تجتاح نفوسهم الملذات المحرمات ، ولا تغلب عزيمتهم وخوفَهم من الله تلك الموبقات ، ولا تستهويهم الأفكار الدخيلة الإلحادية منها والعلمانية ، ولا تلك المغريات التي تودي بمَن ضلَّ أو فسق إلى مستنقعات الوهن والهوان والرذيلة والانحلال. وبهذا الانكفاء المؤلم عن قيم العقيدة الإسلامية يوضع هؤلاء الشباب في القيود القاسية التي تعود على الأمة بالوبال والدمار ، كما هو حاصل في منظم أقطار العالم الإسلامي اليوم ... ومن هذه الأمور القاتلة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا ، ونحن نعالج عملية الإنشاء الديني في بيوتنا الإسلامية ، و بين شباب أمتنا : - أن الكثير من معطيات الحضارة العصرية تفصم بين روح الدین ، وبين حياة الناس، ومنها سلسلة من المغريات تتدلى على أفئدة الناس لتجتثها من مرابع العقيدة الربانية ، ولتخمد فيها جذوة الإيمان بالله ، - وأن الكثير من مفكري العالم الإسلامي العلمانيين الذي تبنوا العلمانية الإباحية تقمصوا أثواب تقدمية كاذبة ، وقومية زائفة ، وغير هذا من مبادئ وأفكار .. على أنها مبادئ لبعث الحضارة الغابرة للأمة ولمواكبة الحضارة العصرية ، وحال دعواتهم ودعواهم وما قدمته أيديهم للأمة منذ الحرب التي أسقطوا فيها الخلافة الإسلامية. كشفت ما هم عليه من حقد وعداء مستميت وضلال وزيف، فازداد بهم وبأفكارهم صدع الأمة وهوانها وذلها بين الأمم .
تركز وتؤكد المخططات الكافرة والمنحرفة على هدم دعائم البيت المسلم ، وتعتمد في ذلك على إبعاد قيم الإسلام عنه ، والدس تارة ، وعلى التشكيك تارة أخرى، وفي الطعن ببعض المبادئ الأساسية في الإسلام في مجال الأسرة ، وحرية المرأة ، ومن حيث وجود مبادئ عالية وعادلة لحفظ الحقوق والقيام بالواجبات ، وكذلك في الزواج والطلاق وتعدد الزوجات ، وفي قضية الحجاب، وفي طريقة تربية الأولاد، والعلاقة بين الوالدين والأولاد . ولقد حاول الفكر الصليبي والصهيوني منذ القديم النيل من رسوخ العقيدة عند المسلمين في هذا الشأن وفي غيره ، وكما تحاول اليوم الأفكار الفاسدة المنتنة التي تسبح في مستنقعات الضلال والرذيله، أن تقوم بتجديد دور أسلافهم ، بشكل أشد وأعنف في دائرة المجتمعات الإسلامية المعاصرة . إضافة إلى الدعوات الضَّالة من أتباع هؤلاء .. من أبناء المسلمين أنفسهم ، حيث وضعوا تعاليم دينهم وراءهم ظهريا، وتفرجوا على مايفعل المفترون بأبناء جلدتهم ، وانسلخوا عن ثياب مجدهم وعزهم وسمو حضارتهم ، وعراقة سجاياهم ، ولبسوا أثواب الغرب التي وسمتهم بفسادها وضلالهـا وزخرفها الزائل المهين . و الكثير من أبناء المسلمين ينظرون إلى الغرب الصليبي والشرق الإلحادي من خلال منجزاتهم العلمية الباهرة ، ناسين أن العقل والعلم الكوني وهبهما الخالق العظيم لخلقه جميعا فأمدَّ هؤلاء وأولئك لحكمة أرادها . وقد أسدل هؤلاء (المسلمون ) الستار على عقولهم فابتعدت عن توفيق الله لهم ، وفعَّل أولئك الناس ( من غير المسلمين ) عقولهم وسعوا في مناكب العلم فكان لهم السَّبق في هذا الميدان . وقعد الحكام المسلمون على الكراسي ، ونسوا مهمتهم الأساسية في تولي شؤون أمر الأمة ، بل واستصغروا أنفسهم أمام الغرب الفاسق ، و الشرق الملحد ، فكانت الغلبة لمَن اخترع وسبر ماوهب الله للخلق جميعا من أسباب الفتوحات العلمية التي نراها اليوم . وحال أبناء المسلمين كما نراهم وقد حجبوا عقولهم بأغشية الجمود والتبعية والوهن والاستسلام لمتطلبات الحضارة بكل مافيها من مساوئ ، بينما تأمرهم شريعتهم الغراء بالنظر والتفكر والسعي وطلب الضالة المنشودة ، علما بأن أجدادهم هم مَن اكتشفوا ووضعوا الأسس التي بنى عليها الغرب اختراعاتهم . ومفكرو الغرب المنصفون يشهدون على ذلك ولكن !!!
فجدير بمن يتولى عملية الإنشاء الديني في البيت المسلم ، أو في المدارس والمعاهد والجامعات ، أن يوجه الشباب التوجيه القويم ، وأن يشعرهم بأهمية العودة إلى قيم ديننا الحنيف دين العلم والإيمان والعمل ، وتهيئة هؤلاء الأبناء للمبادرة الجادة في هذا المضمار ، وهم يطلبون العون والتوفيق من الله سبحانه وتعالى .وبرجوع المسلمين لدينهم، وأخذهم بزمام الأمور ، والنأي عن الشعارات الفارغة والتطبيل الأجوف والشعارات الكاذبة التي كانت السبب المباشر لتقويض مكانة أمتنا ، وتناسي ماعليها من واجبات تجاه الأبناء ونشأتهم ، فالأمة بأمس الحاجة اليوم لهدم أركانها الأوثان الشيطانية من لهو وفسق وفجور وترفيه عبثي ، وتربية الجيل على عقيدة الإيمان بالله،لعودة مكانتها المنتظره في قيادة البشرية من جديد. فقد بدل المسلمون فضل الله عليهم بشر ما اقترفت أيديهم من دساتير وضعية ، وفشلوا في توحيد شعوبهم التي تتلهف إلى رؤية الأمة تحت الراية الإسلامية التي حباها الله بسموها ، فرفع الله ظل نعمته عنهم ، يقول الله عزَّوجل : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) ٥3 /الأنفال . و بفقدان هذه النعمة الإلهية من حياة المسلمين اشتعلت نيران الأحقاد والفتن والموبقات التي شملت امتداد الأمة ، فمن عيشة ضنكى ، إلى حروب مدمرة ، إلى التزام في المحافل الدولية على جميع المستويات ، مع خضوع مسؤوليها لمكر الأقوياء ، وعنجهية الطفاة ، فكانت الظروف المؤلمة التي يعاني منها أبناء المسلمين،، وصدق الله العظيم القائل : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب/25 ( الأنفال. وقد حلَّت الفتنة المريرة ونالت من أبنائنا وهي مانراه ونسمع عنه ولا نقول إلا : (لاحول ولا قوة إلا بالله) . وذلك بسبب ابتعادنا عن النشأة الإسلامية المباركة للأبناء ، والإدبار عن الأمانة التي حملتها الأمة بأفرادها وأسرها وحكامها ومحكوميها ، يقول عــزَّ وجــلَّ : ( ( يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ). إنَّها طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعدم الإدبار عمَّا ورد في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والطاعة يلزمها حُسْنُ السمع وحسن الإقبال على ما أمر الله سبحانه ، ففي الطاعة والعمل بما تقتضيه هذه الطاعة تكون الحياة الطيبة التي يباركها ربُّ العالمين وحيث التوفيق والفتح يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )29/ الأنفال .وجاء في تفسير هذه الآية والآيات التي قبلها : (قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، إن تتقوا الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه, وترك خيانته وخيانة رسوله صلى الله عليه وسلم وخيانة أماناتكم يجعل لكم فرقانًا ، يقول: يجعل لكم فصلا وفرْقا بين حقكم وباطل مَن يبغيكم السوء من أعدائكم المشركين، بنصره إياكم عليهم، وإعطائكم الظفر بهم ، ويكفر عنكم سيئاتكم ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه ، ويغفر لكم ، يقول: ويغطيها فيسترها عليكم, فلا يؤاخذكم بها ، والله ذو الفضل العظيم ، يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم له الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله. وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه لأنه الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها. وباب الإنابة لم يغلق ، والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ميسرة : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه وأنه إليه تحشرون) .ولعل الأسرة المسلمة تأخذ بهذا الهدى والرشاد ، وتستجيب لدعوة الله التواب الرحيم ، فنور الاستجابة سيمحو ظلمات التراخي والتقصير ، فشمس الإنابة مكينة إذا ما أشرقت في القلوب ، ونقلة أمينة إلى ديوان رضوان الله وعفوه،وهذه النقلة الأمينة تدفع بفضل الله وعفوه ذلك الفصام النكد ، وتذيب ثلوجه المتراكمة على القلوب ، بدفءِ مشارق الأنوار الإلهية في النفس المسلمة المطمئنة ، وفي البيت المسلم والمجتمع المسلم ، لتملأ حيا ة الأمة المسلمة بالرضا والهدى والفلاح. وما أجل قول الله العظيم وهو ينادي المؤمنين ليؤتيهم من فضله : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً، ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) ، ٢٩ - الأنفال في ظلال هذه المفاهيم الربانية الفرقانية يتم : الإنشاء الديني في البيت المسلم، ويكون راسخاً متمتعاً بحرية القول والعمل المباركين ، وتقبله فطرة البيت المسلم بكلِّ أفراده ، وتتلهف إليه أرواحهم ، وترتضيه أفئدتهم ، ويستسيغه سلوكهم طيبا مباركاً وإن من واجب الأب والأم والأخوة الأكبر سنا أو الأكثر معرفة وإدراكاً لأهمية هذه العملية. لكي يشيعوا حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه ، وما يتأتَّـى من هذا الحب من عمل صالح بعد اعتقاد ، وسلوك محمود بعد يقين في نفوس الأولاد والبنات منذ نشأتهم الأولى .
- إضاءة قدسية :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال .
وسوم: العدد 1075