( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا )
حديث الجمعة :
من المعلوم أن الله عز وجل قد صنَّف الخلق إلى ثلاثة أصناف في الرسالة الخاتمة الموجهة إلى العالمين وهي : صنف المؤمنين ، وصنف الكافرين ، وبين هاذين الصنفين كان الصراع ،والعداوة ، ولا زالا، وسيستمران إلى قيام الساعة ، وصنف ثالث هم المنافقون ، وهو صنف من حيث اعتقادُه مذبذب بين الكفر والإيمان كما وصفه الله تعالى في سياق الحديث عن النفاق : (( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء )) . والنفاق عبارة عن نتاج الصراع بين الإيمان والكفر حيث يحاول الكافرون استدراج الصنف المذبذب بين الإيمان والكفر إلى كفرهم من أجل الاستقواء بهم على المؤمنين ، ومن أجل إلحاق الأذى بهم عن طريق توظيفهم لأن المنافقين يندسون بين المؤمنين لخداعهم من خلال إظهار الإيمان الزائف لهم، مع ميل خفي إلى الكفر في حالة التذبذب بينه وبين الإيمان قبل التورط فيه نهائيا أو إبطانه.
وقد فصل الله تعالى في وصف المنافقين بأوصاف نذكر منها قوله تعالى في سورة النساء ، الآيات 137 ، 138 ، 139 ، 140 ، 142، : (( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا بشر المنافقين أن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ...)) إلى قوله تعالى : (( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا .... )) ثم إلى قوله تعالى : (( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا )) . ولقد وردت في هذه الآيات الكريمة بعض أوصاف المنافقين منها ترددهم أو تذبذبهم بين الإيمان والكفر عدة مرات ثم الزيادة في الكفر، واتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين التماسا للعزة عندهم ، و مخادعتهم الله عز وجل عن طريق مخادعة المؤمنين، لأنه سبحانه وتعالى تنزه عن أن يُخَادع أو يُخْدع، وكسلهم أثناء قيامهم إلى الصلاة ، مع قلة ذكرهم لله تعالى، سواء تعلق الأمر بالذكر في الصلاة أو في غيرها من الأحوال التي يكونون عليها، لأن قلوبهم ميالة إلى الكفر أو منصرفة إليه .
ومع أن في القرآن الكريم أوصاف أخرى للمنافقين ، فإن ما ورد في هذه الآيات ركز على تكرار صفة الردة من الإيمان إلى الكفر والزيادة فيه ، وعلى الولاء للكافرين ، ولا يكون الولاء لهم إلا زيادة في الكفر مع أن الدافع وراء ذلك هو ابتغاء العزة عند الكافرين لما لديهم مما يعظم في عيون المنافقين ويغريهم ، ويستدرجهم إلى الكفر لنيل ما يطمعون فيه عند الكافرين ، كما ركز على خداعهم لله تعالى من خلال خداع عباده المؤمنين ، وعلى حال تكاسلهم في أداء الصلاة وهو تكاسل يوشك أن ينتهي بهم إلى تركها والدخول في الكفر كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " ، ولعل تكاسلهم في أداء الصلاة باعتبار هذا الحديث النبويالشريف هو المقصود في قوله تعالى : (( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا )) ، فقد يكون ترددهم أو تذبذبهم بين الإيمان والكفر هو سبب تكاسلهم في أداء الصلاة على الوجه المطلوب ، وبما كان ذلك بسبب تركها لفترات ثم العودة إليها بنفس الفتور والتراخي ، علما بأنه لا يعيدهم إلى أدائها بعد تركها سواء رياؤهم الذي يتوخون منه مخادعة المؤمنين ، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : (( يخادعون الله وهو خادعهم )).
وبعد سرد الله عز وجل هذه الأوصاف الكاشفة أو الفاضحة لنفاق المنافقين ، يتوجه سبحانه وتعالى إلى المؤمنين بخطاب فيه نهي و تحذير من موالاتهم في قوله عز من قائل : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا إن المنافقين في الدرك الأسف من النار ولن تجد لهم نصيرا )) ، سورة النساء ، الآيتان 144، 145 ، ففي الآية الأولى نهي صريح من الله تعالى للمؤمنين عن تجنب موالاة الكافرين ، والمقصود بالكافرين إما الذين كان الكفر ملتهم ابتداء ، ولم يؤمنوا من قبل أو هم المنافقون الذين يوالونهم، ويقلدونهم في كفرهم بعدما ما آمنوا ، لهذا جاء كلام الله عز وجل مباشرة بعد نهي المؤمنين عن موالاة الكافرين مشيرا إلى مصير المنافقين وهو الدرك الأسفل من النار.
والمثير للانتباه في نهي الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكافرين والمنافقين معا هو كون هذا الولاء يكون سببا مباشرا في الخروج من الإيمان إلى الكفر ، وهو ما يعني السقوط في النفاق ، وهذا يعني أن موالاة المؤمنين للمنافقين من شأنه أن يوقعهم بعد ذلك في موالاة الكافرين . والمؤشر في قول الله تعالى على نهي المؤمنين عن موالاة المنافقين وهم كافرون أيضا بعد إيمانهم هو ذكر مصيرهم السيء يوم القيامة في نار جهنم مباشرة ، وقد بوأهم الله تعالى الدرك الأسفل فيها مباشرة بعد نهي موالاتهم ، علما بأنه سبق ذلك قوله تعالى : (( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )) ، والدرك الأسفل فيها أولى بمن خادعوا الله من خلال مخادعة عباده المؤمنين، وهم على ولاء خفي مع الكافرين يخفونه عنهم . ولقد ورد في سورة البقرة ، الآيات 8 ، 9 ، 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 ،15 ، 16 قوله تعالى في سياق الحديث عن المنافقين : (( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) ، ولقد سبقت هذه الآيات الآيتان 6 و7 و فيهما حديث مختصر عن الكافرين هو قوله تعالى : (( إن الذين كفروا سواء عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم )) ، فإذا قارنا بين ما قاله الله تعالى مجملا عن الكافرين لصريح كفرهم ، وما قاله عن المنافقين مفصلا لخفاء كفرهم ، ندرك مدى خطورة هؤلاء على المؤمنين ، ونفهم جيدا لماذا نهى الله المؤمنين عن مولاتهم احترازا من الانخداع بما يظهرون من إيمان وهم يبطنون الكفرمستهزئين هم والكفار بهم .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير، وتنبيه المؤمنين إلى ما حذرهم منه الله عز وجل من موالاة المنافقين الذين قد تؤدي موالاتهم إلى موالاة الكافرين الخُلَّص لما في المنافقين من خداع خفي قد يجعل المؤمنين يثقون فيهم خلافا لحيطتهم وحذرهم من الكافرين البيّن كفرهم . ومما نبه إليه الله تعالى إليه أن موالاة الكافرين والمنافقين على حد سواء تكون سلطانا أو حجة له تعالى على من يواليهم يوم العرض عليه، ولا عذريومئذ لمن يفعل ذلك . وقد جاء نهيه سبحانه وتعالى عن موالاتهم صريحا بيّنا لا غبارعليه ، ولا يقبل تأويلا أو تبريرا كي تثبت بذلك الحجة القاطعة على من يواليهم .
ولعنا معاشر المؤمنين في هذا الظرف بالذات أكثر حاجة إلى استحضار نهي الله تعالى عن موالاة الكافرين والمنافقين . وأول ما يجب علينا البدء بفعله البراءة من موالاة من تبيّن وانكشف نفاقهم كما وصفهم الله تعالى في محكم التنزيل مع ضرورة التأكد من ذلك كما أمر الشارع الحكيم ، تجنبا لكل سوء ظن بمؤمنين قد يُظَنُّ بهم النفاق وهم براء منه.أما إذا تبيّن أنهم كذلك، فإن ترك موالاتهم تصير ملزمة وواجبة شرعا . ولقد بيّن الله تعالى للمؤمنين كيف يعرفون ويكتشفون المنافقين المندسين بينهم والمخادعين لهم، والمستهزئين بهم وذلك بالعودة إلى وصفهم في الذكر الحكيم ،و بالعودة إلى أقوال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيهما مع ضرورة سؤال أهل العلم تحريا للحق والصواب ، وإبراء للذمة أمام الله عز وجل يوم العرض عليه .
ولا بد من تنبيه بعض المحسوبين على الإسلام الذين يوالون أعداء المجاهدين المرابطين في أرض الإسراء والمعراج ، والمدافعين عن المسجد الأقصى لتحريره من صهاينة محتلين معتدين ،كما يوالون أيضا الصليبيين ممن يوالون الصهاينة مهما كان نوع الولاء سواء كان ذلك أقوالا تؤيدهم أو إعلاما يقوم بالدعاية لهم أوعونا ماديا يقدم لهم، ويدعمهم ... أو غير ذلك ما ظهر ، أوما خفي من أشكال الولاء لهم . و إن من يفعل منهم شيئا من ذلك، فإنه يقع فيما نهى الله تعالى عنه ، وبذلك يكون لله تعالى عليه سلطانا مبينا ، وحجة دامغة ، وأنه يواجه أسوأ مصير يوم العرض عليه ، وحسبه أن يكون مصيره في الدرك الأسفل من النار، وساء ذلك مصيرا .
وإذا كان بعض المحسوبين على الإسلام يجاهرون بموالاة الصهاينة والصليبيين ، ويفاخرون بذلك وهم خطر على المؤمنين ، فأخطر منهم من يخفون ولاءهم لهم ، ويخادعونهم بذلك .
اللهم إنا نعوذ بك من أن نوالي من عاداك، أوعادى عبادك المؤمنين ، ونعوذ بك من النفاق ، ومن الكفر بعد أن هديتنا إلى الإيمان .
اللهم انصر أولياءك المؤمنين المجاهدين في سبيلك ، وأظهرهم على أعداء دينك ، وحرر اللهم بيت المقدس من دنس الصهاينة المعتدين ، وعليك اللهم بمن يوالونهم من الصليبيين والمنافقين الظاهر منهم والخفي ، فإنهم قد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، فصُبّ اللهم عليهم سوط عذاب كما فعلت بعاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد . وافضح اللهم ما خفي عن عبادك المؤمنين من المنافقين المندسين بينهم والمخادعين لهم . وانصر اللهم عبادك المستضعفين إنهم يجأرون إليك بما نالهم من أعدائهم الطغاة المجرمين ، وعجل اللهم لهم بفرج قريب ، ونصر مبين تعزهم به ، وتعز به دينك ، وتعز به المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، اللهم آمين .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1098