رسالة إلى المهمومين.. لا تيأسوا
أ.د. سمير يونس
كيف تيأس وأنت تلجأ إلى الله؟! كيف تقنط والله تعالى هو المرجو: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ 87) يوسف) )وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ 56)(الحجر).
إن المؤمن لا يعرف اليأس طريقاً إلى قلبه ونفسه، يعيش دائماً بالأمل، ويُحسن الظن بربه القائل: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6 الشرح)، وقال أيضاً: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (7 الطلاق).
ولله درُّ القائل:
إذا اشتلمتْ على اليأس القلوبُ وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واستقرت وأرست في أماكنها الخطوبُ
ولم تر لانكشاف الضرِّ وجه ولا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاك على قنوط منك غوث يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
وكلُّ الحادثات إذا تناهت فموصولٌ بها فرجٌ قريبٌ
إلى كل من أحاطه الحزن وامتلأ غماً وهماً.. إلى كل من ظلم وعاش في خوف من بطش الباطشين.. إلى كل من حارت حيله، وضاقت به السبل.. إلى كل من فنيت آماله، وأوصدت أبواب البشر في زمانه.. إلى كل من ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه بما حملت، إلى كل من تجرع كأس الألم.. إلى كل من قتل ولم يستطع أن يأخذ حقه، إلى كل أم تَحَرَّق قلبها حزناً وأسفاً، وكمداً على مقتل ابنها أو ابنتها، إلى كل من آلمه كذب الكاذبين، ونفاق المنافقين، إلى كل من أصيب بعاهة في جسده، إلى كل من قُتل واتُهم بأنه قاتل، إلى كل صدر ضاق بالجبروت الذي يفتك به، إلى كل من عانى الاكتئاب.. إلى هؤلاء جميعاً أرسل إليهم رسالتي هذه، استغث بربك وأنت موقن بالإجابة والإغاثة، وكن كمن قال:
ولقد ذكرتك والخطوب كواحل سودٌ ووجه الدهر أغبرُ قاتم
فهتفت في الأسحار باسمك صارخ فإذا مُحيا كُل فجرٍ باسمٌ
ادعُ ربك، فقد بشرك بالنجاة: { قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ }(الأنعام:64.
وقد قال لك ربك أيضاً: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 36) (الزمر).
أيها المهموم، تضرع إلى الكبير المتعال، واثقاً بأن مع الكرب فرحاً، وأن مع العسر يسراً، وأن دوام الحال من المحال.
قف بباب الله واسأله، وأكثر من التدبر في قوله تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ 62) (النمل(.
ألح في سؤالك "فإن الله يحب العبد الملحاح".. قف على باب ربك وإن طال الوقوف، اصبر صبراً جميلاً، وكرر بقلبك قبل لسانك: الحمد لله، وارض بقدر الله، واعلم أن الدنيا لا تساوي شيئاً في عين المؤمن، وأنك ستخرج منها دون شيء.
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
واعلم أنك تسأل ملك الملوك، رب الناس جميعاً، والقادر عليهم جميعاً، إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس 82).
أيها المهموم المغموم المكلوم.. أكثِر من دعاء ربك، وقبل أن تدعوه عز وجل استعد قبل أن تقف على بابه، ولعلك تسأل: كيف أستعد؟ وأجيبك قائلاً:
فرّغ قلبك من الشهوات، والتزم بشروط إجابة الدعاء، فإن الله لا يقبل من قلب غافل لاه، أطب مطعمك واجعله حلالاً "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".. ثم اسْعَ إلى ربك متضرعاً، وكن قناصاً للفرص والأوقات، فتضرع إلى ربك عندما ينام الناس، وخاصة في أوقات السحر، واستشعر أنه يناديك: "هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟" وثق بأن دعاءك مستجاب بأمر ربك..
أجل.. أليس الله هو مفرج الكروب، وقد فرج كرب أيوب عليه السلام؟ أليس هو القائل للنار بعد أن قُذف فيها إبراهيم عليه السلام: )قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ69)( الأنبياء)؟
أليس الله سبحانه هو من ألان الحديد لداود عليه السلام؟ أليس الله سبحانه هو الذي فلق البحر لموسى؟ أليس الله عز وجل هو الذي شق القمر لمحمد "صلى الله عليه وسلم"؟ أليس الله عز وجل هو الذي حفظ يوسف عليه السلام ومكَّن له في الأرض على غير إرادة البشر وبرغم كيد إخوته وغيرهم؟
أبشِر أيها المهموم، أبشر بلطف الله تبارك وتعالى، كن متفائلاً، أبشر بالأمل المشرق، أبشر بالمستقبل، أبشر بصبح يملأ حياتك نوراً بعد ظلام حالك.
لمعت نارهم وقد عسعس اللي ل وملَّ الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البي ـــــــن عليل وطرف عيني كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد المعني وغرامي ذاك الغرام الدخيل
وسألنا عن الوكيل المرجى للملمات هل إليه سبيل
فوجدناه صاحب الملك طر أكرم المجزلين فرد جليل