آداب الزيادة في الفضائل
معمر حبار
وقف الإمام الشاب من على منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال في خطبته.. ليس من الواجب على المرء، أن يُخرج زكاة الفطر على من هو في بطن أمه، لكنه لابأس إن فعل ذلك. وليس واجبا على المرء، أن يُخرج زكاة الفطر عن الوالدين المتوفين، لكنه لاضير إن أخرجها.
يُفهم من مثل هذا الكلام، أن .. الزيادة في المعروف فضيلة مطلوبة. وأن الوقوف عند النص بحرفيته، إن كان يتطلب مزيدا من الخير والإحسان، يُفسدُ روح النص، الذي جاء لخدمة المقاصد العليا، المتمثلة في التنافس على البر والاحسان
أمامك سيّدنا الحسن البصري، رضي الله عنه وأرضاه، يسأل جاريته عن الطارق، فتجيبه أننا أعطينا إناء صغيرا من العسل طلبته الجارة. فيرد عليها الولي العارف .. ولِما لاتقدمين لها قُلّة من العسل؟. فتجيب الجارية ببراءة وأمانة .. طَلَبَت إناءً صغيرا، فأعطيناها إناءً صغيرا من العسل. فيحسم سيّدنا البصري الموقف قائلا .. طلبت بقدر ماتملك ، ونعطي بقدر مانملك .. ثم طلب من الجارية، أن تقدم للجارة قلّة من العسل عوض الإناء الصغير.
منذ 04 سنوات، إلتقيت بأحد العلماء في مكتبة وسط المدينة، وحين سُئل عن استعمال السُّبحة قال مبتسما، يابني .. السُّبحة ليست للعشرين ولا الثلاثين، إنما السُّبحة لخمسة آلاف وستة آلاف. وزاد الأمر توضيحا وقال .. تستعمل السُّبحة للزيادة في الذكر والتسبيح لمن أراد الزيادة، فهي فضل، والفضل يسعى إليه المرء بالزيادة. ثم عقّب قائلا .. ويكفي اليدين لغير المتفرغ، ولمن أراد أن يقف على حرفية النص، والعدد المحدود .
من تمام الإحسان، أن لايُحسر الإحسان في العدد. فالحسنة بعشر أمثالها، فاجعلها مائة، وضف لها الألف والألفين والعشرة، إن استطعت. ولأن تُضاعف الآلاف، أفضل من أن تُضاعف الحسنة الواحدة. وعمر المرء قليل، وهو أعزّ من أن يكون سجين العدد المحدود والمحصور. والمرء أكرم من أن يضيّع فرصة مضاعفة المعروف والإحسان. وماقدر عليه المرء اليوم، قد يعجز عنه غدا، فضاعف قبل أن تعجز، ولا ينفع حينها ندم، ولا تمني.
من تمام التربية وكمالها، أن يروّض المرء نفسه على الزيادة في كل إحسان ومعروف، حتّى لو كان النص يحدّد العدد. فالنفس تميل للكسل، وتأنف الزيادة في كل ماهو فضل.
من روّض نفسه على الزيادة في الفضائل، لم يرض بالعادي منها، فهو من زيادة إلى زيادة، حتّى إذا أصابه مرض، أو منعه مانع لايستطيع ردّه، قام للفضل وبالفضل، كأيّ إنسان عادي، وكأن الحواجز لم تسده، والموانع لم تمنعه.
المجتمع السوي، من علّم الطفل الزيادة في الإحسان، والإكثار من الفضائل، فينمو على الرفعة والسمو، والزيادة والإكثار، والبذل والعطاء .. ومن كان هذا شأنه، لايُخاف عليه البخل، ولايشقى جليسه.