مع الله
عزة مختار
أيام قليلة ويهل علينا شهر كريم لرب كريم ، شهر رمضان المبارك الذي ينتظره المسلمين من العام للعام ليجددون فيه ما تلف من الذات وما تبعثر منها ، وينفضون فيه ما علق بهم من خطايا طوال العام في هدية كبري من الله عز وجل خصها لأمة الإسلام ، وذلك في ذات الوقت الذي يشتكي معظم الناس من فتور العلاقة بينهم وبين الله عز وجل وأن العبادات أصبحت تؤدي مجرد أداء لا يتعدي الجوارح الظاهرة بل وربما يتخطي ذلك للتقصير في أدائها فينقطع عنها مرة بعد مرة أو يؤخرها عن وقتها ويتهاون بها ، ويظل الأمر في حيز الأمان طالما أن المؤمن يشعر بالخطر ويشعر بأعراض مرضه ويؤلمه ذلك الفتور ويقض مضجعه فإنه في هذه الحالة سيبحث عن الحل وعن وسيلة تقربه أكثر من الله عز وجل وعن أسباب ما به فيتجنبه وكذلك عن أسباب القرب فيأتيها وهو بهذا سليم القلب والروح أما خطورة الأمر حين تسير الأمور بهذا الشكل ولا يستطيع المسلم أن يميز أنه في حالة مرضية وأنه يحتاج إلي العلاج الفوري وإلا سيتعرض إلي مزيد من البعد والفتور وربما يؤدي والعياذ بالله إلي الزلل الذي ليس بعده عودة .
وحين يشعر المؤمن بذلك الفتور في قلبه فإنه في هذه الحالة يجب عليه
الإسراع في البحث عما يجلي قلبه ويزيل ذلك الفتور بأقرب العبادات وأحبها إلي الله
عز وجل مستعينا به سبحانه علي أمره والمؤمن كيس فطن فهو يحاسب نفسه ويتعهدها من قبل
أن يأتي يوم الحساب فيتفاجأ بحاله وقلبه الذي ران عليه الران بينما هو في غفلة
،
وفي ذلك يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد
الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني". والكيس: العاقل، ودان
نفسه: أي حاسبها.
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
هذا كلمته المشهورة " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن
عليكم " .
وفي رأيي أن أكثر الطرق تؤدي إلي ذلك الفتور هو " الإلف " بمعني إلف عبادة معينة وتأديتها بصورة شبه روتينية مثل صلاة ركعتين في جوف الليل والاكتفاء بذلك أو صوم يومين من كل أسبوع أو الحفاظ علي تأدية النوافل الراتبة أو المداومة علي إخراج صدقة يومية دون البحث في تنويع العبادات التي يحبها الله عز وجل وفي ذات الوقت تكون سهلة الأداء مثل الذكر بأنواعه والدعاء والتفكر في خلق الله وهي عبادات في مجملها عقلية تفكرية أكثر منها عبادات جوارح فيتحول الأمر بمرور الزمن إلي مجرد عادة وتدخل العلاقة بين العبد وبين ربه في ثلاجة مخيفة يشتكي العبد فيها من أنه يؤدي العبادات المطلوبة منه وزيادة لكنه يجد في نفس الوقت قساوة في قلبه وشعورا بالوحدة وفتورا بينه وبين ربه فما السبيل وما الحل ؟ .
سأذكر هنا المعالم العامة للطريق وليختر كل منا ما يناسبه وما يجده بينه وبين نفسه أقصر الطرق دفئا لإذابة ذلك الجليد وتجنب مرحلة الجمود ومن هذه العبادات ، عبادة التفكر في خلق الله عز وجل ، وتلك العبادة من أرقِّ العبادات وأعلاها قيمة وأكثرها قربا وحبا لله تبارك وتعالي وهي شرط الحب الذي لا يتأتي إلا بعد المعرفة , والتفكر يؤدي إلي معرفة الله عز وجل وبالتالي يؤدي إلي حبه سبحانه وهي صفاءٌ للنفس والروح والقلب.. تشعرك بجلال الله وعظمته وعزّته.. فالتفكر بهذا الشكل هو حب لله.. هو اتصال مباشر بين العبد وربه، وشرط هذه العبادة ألاّ تصبح عادة.. فهناك من الناس من يألف خلق الله وآياته في الكون فتصبح هذه العبادة عنده عادة وبذلك تخرج عن الهدف المرجو منها ، إذن فشرطها أن تكون متجددة متطورة باحثة عن الجديد في صفحة الكون اللامتناهي مما يجعل القلب والعقل في حالة يقظة مستمرة فلا يوجد في هذه الحالة أي مجال للإصابة بداء التجمد أو الفتور ... وسوف نتناول بالتفصيل كيف تكون تلك العبادة وكيف نجددها في حلقات متتابعة إن شاء الله تعالي ....