وسائل البنا في تبليغ رسالته ونشر دعوته
الإمام الشهيد حسن البنا
أحمد محمد إبراهيم
عني الإمام الشهيد بالاتصال الشخصي كما عني أيضاً بكل وسائل الاتصال الجماهيري، فلم يعلم وسيلة اتصال بجمهور المسلمين إلا طرقها وأخذ بها لتبليغ دعوته وإيصال رسالته، مستعيناً في ذلك بأسلوب شائق جذاب، يعتمد الإيجاز والوضوح والدقة والموضوعية والمباشرة. وقد استعان في ذلك بقناتين:
الأولى: قناة الاتصال المباشر "الشخصي":
وهي التي تقوم بالالتقاء المباشر بالناس في أماكن تجمعهم ووجودهم وتوجيه الدعوة إليهم وجهاً لوجه وذلك بالوسائل التالية:
1- تكوين جيل من الدعاة:
أعد البنا جيلاً من الدعاة متكاملاً من جميع النواحي الثقافية والروحية والجهادية، مع التركيز على الناحية العلمية ثم العملية، يقول البنا: "فكرت في أن أدعو إلى تكوين فئة من الطلاب الأزهريين وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد، ثم في المقاهي والمجتمعات العامة، ثم تكوين جماعة منهم تنتشر بعد ذلك في القرى والريف والمدن المهمة لنشر الدعوة الإسلامية".
وقام البنا بإعداد مجموعة كتب لتكون مكتبة دورية للإخوان، ثم جاء الدور العملي فخرجوا للوعظ في المقاهي، معتبراً أن جمهورها أكثر استعداد لسماع العظات من أي جمهور آخر، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه، وقد كانت تجربة ناجحة.
2- يوم النصيحة:
واهتم البنا بأمر يدخل في صميم دعوته وتبليغ رسالته، رسالة الإسلام، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجعل يوماً في الشهر يقوم فيه أفراد جماعته بالحسبة أسماه "يوم النصيحة"، وفيه يقسم الإخوان أنفسهم ليقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن، فيتعرفون مواطن الضعف الخلقي في الأفراد المجاورين لهم، فيزورونهم، ويبذلون لهم النصيحة في رفق وهوادة، وينهونهم عن المنكر ويزينون لهم الخير والفلاح، ويستحسن أن تكون هذه النصائح فردية سرية ما أمكن لتحقق نجاحها، وتضمن تأثيرها، وهذه الصورة تجسد الاتصال الشخصي الناجح في أبهى صوره وأكثرها مثالية، إذ يتم فيه تحييد المستقبل للاتصال عن جميع المؤثرات الجانبية، والاستيلاء على اهتمامه وشعوره، وممارسة التأثير عليه وإقناعه ومحاورته بالحجة دون تشويش أو تدخل من أطراف أخرى، مع الحفاظ على هيبته وكرامته.
ولقد وضع البنا ضمانات لنجاح هذا النوع من الاتصال وهي:
1- التعرف إلى مواطن الضعف.
2- الرفق في إسداء النصح.
3- تزيين الخير للمنصوح.
4- بذل النصيحة في السر.
3- الدروس والمحاضرات:
كان الإمام البنا ذكياً أريباً يتحير الأوقات والمناسبات لإلقاء الدروس والمحاضرات، وكان يستغل كل مناسبة تمر بالمسلمين للاتصال بهم، وتبليغ دعوته، فيقف فيهم مذكراً وناصحاً، وكان له درس ثابت يوم الثلاثاء، يؤمه الناس بالآلاف من جميع المدن والنواحي، بل ومن خارج مصر ليستمعوا إليه، فيصعد المنصة في جلبابه الأبيض، وعباءته البيضاء، ويجيل النظر في الحضور قبل أن ينطلق صوت تتمثل فيه قوة العاطفة وسحر البيان الذي يستولي على الألباب ويصل إلى القلوب، يقول في إحدى خطبه:
"ثلاث منجيات فاغتنموهن، وثلاث مهلكات فاجتنبوهن، فالصلاة والقرآن ودوام المراقبة منجيات في الدنيا والآخرة، فاحرصوا على أداء الصلوات في أوقاتها وجمعاتها، وتفقهوا في أحكامها، وجودوا ما تقرؤون من أذكارها وآياتها، واخشعوا واطمئنوا حين أدائها، واقرؤوا القرآن ما استطعتم في خشوع وتدبر، وراقبوا الله في كل حركة وسكون، فمن كان مع الله كان الله معه، والخمر والميسر والشهوة الجامحة مهلكات في الدنيا، مشقيات في الآخر".
4- زيارة المدن والاتصال بالشخصيات:
كان البنا من أولي العزم الذين يجتهدون في إبلاغ دعوتهم وتحقيق الاتصال والتواصل الدائب مع جمهورهم، وكان – في سبيل ذلك - يجوب البلاد طولاً وعرضاً، عارفاً بمشكلات الناس وأحوالهم، وداعياً لعظيمهم وحقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، فيرتحل راكباً الدابة والسيارة والقارب والقطار، وسيراً على الأقدام، غير عابئ بطقس صيفاً حاراً كان أم شتاء بارداً، فزار في خمسة عشر عاماً أكثر من ألفي قرية مصرية، وتعرف على أسر وعائلات كثيرة، غير متخل عن بساطته المعهودة وتواضعه الجم.
وقد اتصل البنا بكبار الشخصيات المؤثرة في البلاد، سواء بزيارتها أو بمراسلتها، مذكراً إياها بواجبها في إصلاح البلاد ودورها في الحياة وراسل ملك مصر السابق فاروق ودعاه للعمل بالشريعة وإصلاح المجتمع، واتصل بكبار العلماء كمحب الدين الخطيب والخضر حسين، وأحمد تيمور، ورشيد رضا، ويوسف الدجوي... إلخ.
وهكذا استطاع البنا إسماع صوته وإبلاغ رسالته مباشرة إلى جميع فئات المجتمع في طول البلاد وعرضها، ومن قمة الهرم الاجتماعي في السلطة إلى قاعدته، مقدماً نموذجاً حياً لرجل إعلام ناجح وداعية صاحب رسالة صادق.