لماذا حرَّم الإسلام الخبائث ؟
لماذا حرَّم الإسلام الخبائث ؟
شريف قاسم
المخدرات بكل أنواعها ، والخمور بكل أشكالها ، والمسكرات بكل أصنافها ، ولحم الميتة ، ولحم الخنزير ، والدم ... وغير ذلك من قائمة الخبائث التي حرَّمتها الشريعةُ الإسلامية الغراء ، والتي ماعاد يخفى ضررها وأذاها على الفرد والمجتمع ... ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) 157 / الأعراف . وهذه الخبائب توعد الله صانعيها ومروجيها وبائعيها ومَن يتعاطاهاومَن يشارك في انتشارها بين الناس باللعنة والطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) أبو داود .
إنَّ الشريعة الإسلامية حرَّمت هذه الخبائث على الإنسان ، لأن الإنسان أسمى من أن يفقد دينه وعقله وسلوكه الإنساني النبيل ، وأجلَّ من أن يهدر كرامته وشرفه ، وأعلى من أن يهدم مجدا خاصا به أراده له خالقُه جلَّ وعلا في هذه الحياة الدنيا ، وإذا فقد الإنسان هذه المكانة الرفيعة التي وهبها الله له ، فإنه أطاع الشيطان الذي ماطلب من الله أن يُنظره إلى يوم القيامة إلا لينتقم من هذا الإنسان الذي كان سببا في إخراجه من رحمة الله ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) 9 / المائدة . ففي الآية الكريمة تحريم للخبائث ، ونبذ واجتناب لوسوسة الشيطان الرجيم ، وإعلان وبيان لأسباب الفلاح والفوز برضوان الله تبارك وتعالى .
وإن الشريعة الإسلامية تريد للإنسان أن يربِّي نفسه التربية الربانية التي تؤهله للقاء الله في ديوان الخلود ، وليكون أهلا للعبودية له سبحانه ، وهذه الكرامة للإنسان إنما هي من فيض لطف الله ورحمته ، هذا الفيض الذي يتدفق فيه الأمل الفوَّاح بأريج القبول ، ليبقى الإنسان عبدا لله وحده ، لا للشيطان ولا لرفاق السوء والخسران ، فتحريم المخدرات والخبائث نقلة نوعية بالإنسان إلى آفاق الطهارة والسمو ، ليرقى بنفسه وأشواقه وليكون أهلا لسكنى جنات الخلود ...وهل من طموح أعظم من أن ينعم الإنسان في ظلال رضوان الله فلا شقاء ولا عناء ولا موت ... فالإنسان بحاجة إلى إيجاد قوة ذاتية في صدره ، تدفعه إلى صيانة سيرته ، وإلى إعداد ذاته من أجل حضور فاعل في ميادين العبادة ، وفي ساحات العمل المثمر ذي الفائدة لمجتمعه الذي يعيش فيه ، وإلى الانحياز التام إلى مواطن ينابيع قيم أمتنا وحضارتنا وتاريخنا المجيد ، لتكتمل صورته الإنسانية الفياضة بالخير والنُّبل والشيم ، وليعيش بيد عاملة منتجة ، وبعقلٍ نيِّرٍ، وطموحٍ يوقد حركة الإنتاج بالوفاء لهذا المجتمع العظيم .
ومن هنا جاء تحريم المخدرات وسائر الخبائث التي تُخرج الإنسان من فطرته الكريمة التي فطره الله عليها . فالصلاة وهي عمود الدين الشامخ لاتُقبل مع التعاطي لهذه الخبائث ، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . قالوا: يا رسول الله، وما رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: ( عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ) رواه أبو داود . إنه الموقف الرهيب يوم القيامة لشاربي الخمور ، ولمن يدمنون على المخدرات ، والذين عاشوا على الخبائث والمحرمات ، إنه الخبال والنار والعذاب الأليم . ويذكِّر الإنسانَ هذا الموقفُ الصَّارم بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلا ، روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني يا رسول الله. قال: ( لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ... وَلا تَشْرَبِ الْخَمْرَ ) رواه ابن ماجه .
إن صيانة المجتمع من هذه الخبائث من أهم الواجبات التي تتطلب توعية الشباب خاصة ، ودعوة مَن يتعاطاها إلى التوبة ، كما تتطلب إقامة العقوبات ليرتدع المعاندون ويسلم المجتمع من أذاهم ، ، فعن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ . وفي حديث آخر قال : ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ) رواه أبو داود . ومع هذه العقوبات يبقى باب النصيحة والتوبة ومساعدة الذين ابتُلوا بهذه الخبائث مفتوحا لايُغلق أبدا ، والأخذ على يد الذين لايرتدعون بالقوة والعقوبة واجب ، والأخذ بيد التائبين إلى الطريق الأسمى واجب أيضا ، ونتبيَّن ذلك من حديث يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال: ( اضْرِبُوهُ ) . فقال أبو هريرة: فمِنَّا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلمَّا انصرف قال بعض القوم: أخزاكَ الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ) رواه البخاري