كُنْ بكّاءاً من خشية الله
نبيل جلهوم
هل بكيت خشية من الله سبحانه وتعالى ؟
هل رأيت كثير ذنوبك فسكبت الدمع ندماً وتندماً وحياءً من الله ؟
هل نظرت إلى تقصيرك في الصلوات الخمس فحزنت لذلك وسكبت دموع الأسف والحياء من الله ؟
هل تأملت عناية الله ورحمته بك وحفظه لك وإمهاله لك في الوقت الذى أنت عنه مُعرضُ ُ فحزنت لحالك هذا وذرفت دموعاً من خشيته ؟
هل تأملت عذاب الله يوم لا ينفع مال ولا بنون فحسبت لذلك حساباً وأعددت لذلك عُدّة وسكبت دمعاً من خشية الله وخوفاً من عذابه وعقابه ؟
هل نظرت إلى كتاب الله الكريم فوجدت نفسك هاجراً له فحزنت وبكيت على تقصيرك خشية من ربك
هل نظرتك لذوقيات تعاملاتك مع الناس فوجدت رصيدك منها صفرا .. فحزنت ووقفت
مع نفسك تقوِِّمها وتهذبها ؟ ثم ذرفت دمعة أسف على ماكان منك من مواقف إجترفتها فجرحت بها مشاعر غيرك .
هل نظرت إلى حقوق العباد عليك فوجدت تقصيراً ، فأخذك الهم والحزن فسكبت الدمع برهاناً لله على أسفك وندمك على تقصيرك في حقوقهم ؟
هل فكرت في دعوة الله وشرف العمل لها بالإعتدال ووالوسطية والرفق واللين ، فوجدت نفسك مُقصّراً غيرُ إيجابياً فحزنت لذلك وذرفت الدمع حزناً وخشيةً من الله ؟
هل سمعت آيات العذاب تُقرأ أمامك وعلى مسامعك فخررت مغشياً عليك دامعاً من خشية الله تعالى ؟
هل سمعت آيات النعيم والجنان والقرب من الرحمن فتأثرت وراحت نفسك تسرح في نعيم جنات الله وزاد شوقك وتأججت رغبتك ، فذرفت دموعاً صادقات من خشية الله طمعاً في جنته ورضوانه ؟
بُكاء النبي وخشيته ومُتابعة الصحابة له :
روى أبوهريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " رواه أحمد والترمذي.
عن أنس – رضي الله عنه قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء ، فخطب فقال : عُرضت عليّ الجنة والنار ، فلم أرَِ كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " قال : فما أتى على أصحاب رسول الله يومٌ أشد منه ، قال : فغطوا رؤوسهم ولهم خنين " متفق عليه ، أي بكوا بكاءً شديداً .
وكم بكى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً وسالت دموعه كثيراً ، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال عبد الله بن الشخّير – رضي الله عنه - : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء " رواه أحمد والترمذي .
ولما مات إبراهيم إبن رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال : تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " متفق عليه .
وبكى لما قرأ إبن مسعود عليه سورة النساء .
وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته .
وكان يبكي في صلاة الليل .
• قال بعض السلف : إبكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا ( زاد المعاد ( .
• كان عثمان بن عفان – رضي الله عنه – إذا وقف على قبر يبكي حتى تخضلّ لحيته من البكاء .
• كان علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يقبض على لحيته ويبكي بكاء الخاشع الحزين .
• كان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يطفئ المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عيناه .
• بكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب ، فقيل له : نعالجك على أن لا تبكي ، فقال : لا خير في عين لا تبكي .
بكى الباكون :
بكى الباكون للرحمن ليلاً
وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوقي إليهم
تحنّ متى عليها يسجدونا
• قيل لعطاء السلمي : ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي .
• كان عبد الواحد بن زيد يقول لعتبة : أرفق بنفسك فيبكي ويقول : إنما أبكي على تقصيري .
صِفات البُكاء الحق :
.1- هو بكاء الضعف والخوف ، ضعف وخوف من الله لا من غيره .
.2- هو بكاء القلب والعين معاً لا بكاء العين فقط .
.3- هو بكاء التصحيح للنفس والأخذ بها إلى الأهداف السامية والنبيلة .
.4- هو بكاء يزيد معه وبه إيمان المسلم ويكون من خشية الله .
.5- هو بكاء يُقرّب العبد من السماء ويجعله يحلق فيها .
.6- هو بكاء الصدق مع الله والإخلاص لله لا إصطناع فيه ولا رياء .
7- . هو بكاء , البيعة معه تتجدد مع الله ومع الرسول ومع القرآن .
.8- هو البكاء الذي يُعيِّش صاحبه في آفاق الجنان فيزداد الشوق إليها والحنين ويصوّر النيران أمامه
فتحدث الرعشة في الجسد والإرتجاف .
خاتمة :
اللهم أرزقنا دمعات صادقات من خشيتك تمحي بها ذنوبنا ، وترحم بها ضعفنا ، وتجبر بها كسرنا ، وتحقق بها أسمى أمانينا .
اللهم أرزقنا دمعات صادقات ننل بها حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى
حبك .
اللهم أرزقنا دمعات صادقات تجلي بها قسوة قلوبنا ومرض نفوسنا وخراب ضمائرنا .
اللهم أرزقنا دمعات صادقات تكون لنا شاهدات يا ربنا يا عظيم المكرمات.