قليل من الخوف وكثير من الرعب
قليل من الخوف وكثير من الرعب
كتب إليّ أحد المجاهدين يقول إن الخوف يسيطر عليه عندما يُحصَر في بقعة ضيقة وتبدأ قذائف الهاون بالسقوط أمامه وخلفه وعن يسار ويمين، أو عندما تبدأ المروحيات بالهجوم بالمدافع الرشاشة، فيبلغ من قوة طلقاتها أن تقتلع طبقات الزفت عن الطريق، وقال إن إحدى تلك الطلقات أصابت مجاهداً بجواره فشطرته نصفين. وهو يخشى أن يضيّع الخوفُ ثوابَه ويَحرمه من أجر المجاهدين.
لا بد أن مئات أو آلافاً من المقاتلين في الجبهات يحسّون بمثل تلك المشاعر إذا حمي الوطيس، وجوابي لهم جميعاً ولصاحب السؤال الأول: إن الخوف ممّا يبتلي به الله عبادَه، والله لا يحاسب عباده على ما يبتليهم به؛ قال تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع}. فلا الجوع نُحاسَب عليه ولا الخوف، ولكن على ما نفعله بسببهما. فإذا حمَلَنا الجوعُ على السرقة وأخذ الرشوة أَثِمْنا (إلا ما كان لدفع ضرر أكبر، فإن خشي الجائع على نفسه التلف (أي الموت) جاز له أن يأخذ من مال غيره ما يُبقيه حياً) وإذا حمَلَنا الخوف على الفرار من المعركة أثِمْنا، بل وارتكبنا واحدة من أكبر الكبائر (إلا ما كان تحيّزاً لقتال، وهو بالتعبير العسكري العصري: تراجع تكتيكي بهدف حفظ النفس أو جماعة المقاتلين ثم إعادة الهجوم من محور آخر).
إذن فإن الخوف شعور طبيعي وهو مما نُبتلى به في الدنيا، فلا يجوز أن نطالب المجاهدين في أرض الشام بأن يخرجوا من بشريّتهم فلا يعرفوا الخوف، ولا ينبغي لأحدهم أن يحتقر نفسه أو يستقلّ جهادَه إذا غلبه الخوف في بعض اللحظات الشداد. ولكن لاحظوا أمرين:
أولهما أن الله ابتلى المؤمنين بشيء من الخوف وليس بالخوف كله، فهو يعتري المجاهدَ في لحظة من لحظات القتال ولكنه لا يغلبه الوقتَ كلّه. والثاني: أن الله تبارك وتعالى ابتلى المؤمنين بالخوف، ولكنه ألقى في قلوب الذين كفروا "الرعب"، والرعب أشد من الخوف (أو أنه أشد حالات الخوف كما قال الزبيدي في شرح القاموس)؛ قال تعالى: {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب}، وقال: {سنُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب}، وقال: {وقذف في قلوبهم الرعب}، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "نُصرت بالرعب مسيرةَ شهر".
فالحمد الله الذي ابتلانا بالقليل من الخوف وابتلى عدوَّنا بالرعب كله. اللهمّ انصرنا على عدونا بالرعب كما نصرت به نبيك عليه صلاتُك وسلامُك، وسربِل بالسكينة والطمأنينة عبادَك المجاهدين.