أرحنا بك يا رمضان الثورة

علاء سعد حسن حميده

أرحنا بك يا رمضان الثورة

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

الحياة كلها لله ليست شعارا بلا مضمون، ولا شطرا من بيت شعر يحمل قدرا من المبالغة والتزيد، وإنما حقيقة ايمانية يقررها القرآن الكريم ( 

قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )

فالحياة كلها في نصبها وكدها وجهادها وعملها وعمارة الأرض والسعي على الرزق والتكسب وفترات الراحة والترويح والترفيه كلها لله تعالى، وحياتنا السياسية والثورية والنضالية من اجل بناء ومصلحة اﻷوطان كلها جهاد في سبيل الله نحتسبها كذلك ونبتغي من الله تعالى القبول واﻷجر..

ومع ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت حياته كلها عبادة وطاعة لمولاة كان ينادي بلال فيقول عن الصلاةأرحنابها يا بلال ..

فما أحوجنا اليوم في عالم يموج بالمتغيرات السياسية واﻷعباء الثورية ويعج باﻵراء والاطروحات واﻷفكار، أن نناجي رمضان شهر القرآن الكريم فنرتجي عنده الراحة اﻹيمانية وإعادة شحن بطاريات اﻹيمان والتقوى والاتصال بالمولى عز وجل في خلوة تتيحها عبادة الاعتكاف ببيوت الله، والاتصال بكتاب الله تعالى قراءة وتدبرا وفقها وتعلما وتفكرا والتزاما وتطبيقا، واللجوء إلى سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي هي ترجمان القرآن الكريم لنفهم التطبيق اﻹنساني الرفيع للنص الرباني الخالد حق فهمه التطبيقي في عالم الواقعي !!

أرحنا بك يا رمضان الثورة، ليست نداء انسحابيا يدعو إلى الانسحاب ولو مؤقتا من معترك الحياة والعمل المتصل من أجل حمل أمانة البناء والتنمية والنهضة واﻹعمار، وإنما هو التزود والشحن لمواصلة هذه المهمة الكبرى على بصيرة وهدى..

أرحنا بك يا رمضان الثورة، ﻷن الثورة الحقيقية هي مهمة تغييرية كبرى تحدث في عالمين متصلين ومتغايرين، عالم المادة ( الواقعوعالم الروح، ولأن الثورة المادية التي تحدث في عالم الواقع تتحول إلى فوضى غير خلاقة وإنما فوضى هدامة ما لم يسبقها ثورة تتغييرية كبرى في عالم الروح تعني باصلاح النفس، وسمو الروح واصلاح منظومة القيم الأخلاقية والسلوكية واﻹيمانية الحاكمة للفرد الذي هو أساس كل بناء..

لقد قامت ثورات الربيع العربي وأنجزت – ولله الحمد والمنة – جزءا أو أجزاء من أهدافها المرجوة، وتعمل على استكمال هذه اﻷهداف وانتزاع كامل الحقوق المشروعة للشعوب العربية الحرة المطالبة بالحرية والحياة الكريمة اللائقة، غير ان التغيير والتطوير والاصلاح الحقيقي هو الذي نمارسه نحن اﻷفراد والمواطنون في سلوكياتنا الخاصة والعامة، فأي تغيير مرتج منتظر من ثورة تغير نظام سياسي، دون أن يكون هناك تغييرا جوهريا في سلوكي أنا المواطن الفرد، وسلوكك أنت كذلك؟!

نعم يا رمضان الثورة ستنجح ثواراتنا المشروعة في عالم الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي عندما تنجح تلك الثورات أولا في تغيير نفوسنا إلى اﻷفضل.. لقد عشت طويلا أبحث عن هذا اﻷفضل الذي يمكن أن يوفره لنا شهر رمضان الكريم؟ كيف نحقق التقوى التي جعلها الله تعالى هدفا لفريضة الصيام؟ لاشك عندي أن المسلمين في مجموعهم يزدادون في هذا الشهر الكريم عبادة وطاعة وتقربا لله تعالى، فتزداد الفرائض التعبدية لله وتمتﻷ المساجد بالمصلين، وتفرش الطرقات بموائد الرحمن، ويقبل المسلم ونعلى أداء العمرة حتى يصل أعدادهم لملايين من الناس!..،

فما علاقة كل هذه العبادات التي نراها بوضوح لا مبالغة فيه بتغيير واقعنا الأخلاقي والقيمي والسلوكي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟

ولماذا يمر علينا رمضان تلو اﻵخر على مدار العمر فلا نتغير؟

وأقبل رمضان الثورة، ورمضان شهر التقوى، والثورة تعني التغيير، ومن خلال هذه التأملات وفي محاولة لايجاد إجابة على هذه التساؤلات، هل يمكننا أن نوجد علاقة بين منظومة العبادات ومنظومة الأخلاق ومن ثم السلوكيات في حياتنا في ظلال اﻹسلام،لنحقق من خلال هذه المنظومة حقيقة ( حياتي كلها لله )، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن اﻷثر التربوي التغييري الثوري لفريضة الصياممن لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه؟

وقال من لم تنهه صلاته عن الفحشاء فلا صلاة له؟

كل عبادة في اﻹسلام هدفها تحقيق التقوى، والتقوى بمنتهى البساطة هي التغير اﻹيجابي في السلوك واﻷخلاق ومعاملة الناس، بحيث

يتحقق معنى ( الدين المعاملة )، ألا يمكننا في هذا الاطار أن نفهم أن عبادة التغيير السلوكي واﻷخلاقي والقيمي في رمضان لا تقل أهمية أبدا عن عبادة الصيام والقيام والدعاء والصدقة، وإنما فرضت هذه العبادات أساسا من أجل أن تحقق تلك الغايات والقواعد السلوكية والقيمية..

في رمضان الثورة نحتاج ممارسة عبادة التغيير.. تلك العبادة التي لا أستطيع أنا أو غيري أن نفرض نمطها على احد.. كل انسان ادرى بتلك السلوكيات عنده التي تحتاج إلى تقويم وإصلاح وتغيير، وفقا لقاعدة قرآنية كريمة ( بل اﻹنسان على نفسه بصيرة)

فقط يمكننا ان نستعرض مجموعة واسعة من السلوكيات الخاطئة في حياتنا تحتاج إلى تغيير يحقق معنى العبادة في رمضان الثورة ولكل متعبد أن يضع لنفسه جدول بتلك السلوكيات الرديئة التي يمارسها محاولا تغييرها خلال شهر رمضان الكريم، ليخرج من رمضان الثورة خَلقا آخر خُلقه القرآن الكريم على سبيل المثال:

الفهلوةالكذب-فحش القول والكلمة البذيئة النابيةالنظرة المحرمة-الغيبةالنميمة-تتبع العورات-خلف الوعود -عدم احترام

المواعيد-الاعتداء على حقوق اﻵخرين-النفاق والرياءالمحسوبية-سرعة الغضب-تضييع أوقات العمل وعدم الاتقان-عدم احترام

قواعد المرور والوقوف في الممنوع واشغالات الطريق-سوء

معاملة الاهل والأصدقاء-قول الزور والباطل-الاسراف والتبذير وعدم

التوسط.. إلى آخر هذه السلبيات التي تعكر واقع حياتنا الاجتماعية وتؤثر على حياتنا الاقتصادية والسياسية.. مطلوب تغيير واقعنا الشخصي كعبادة أساسية في رمضان الثورة!!