تفيض عيوني بالدموع السواكب
الشيخ خالد مهنا *
أيام الله مضت ، صفحات طُويت ، حسنات قيدت ، صحائف رُفعت ، وها قد حان وقت الرحيل .ان هي الا أيام وتنقضي ساعاته..وما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد كنا في شوق للقائه ، نتحرى رؤية هلاله ، ونتلقى التهاني بمقدمه ، وها نحن في آخر ساعاته ، نتهيأ لوداعه ، وهذه سنة الله في خلقه ، أيام تنقضي ، وأعوام تنتهي ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
فمن المقبول منا فنهنئه ، و من المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك .
وحكاية اليوم حكاية عجيبة: إنها حكاية امرأة اتخذت مِغزلا قدر ذراعٍ، وصنارة مثلَ أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزِل الصوف هي والعاملات معها من الصباح إلى المساء، حتى صنعن شيئا عظيما، وبعد أن أتممنه ونسجنه وأحسنه؛ إذا بها تأمر العاملات فينقُضْن ما غزَلْن، وتمسك الفتلة الأساسية تشدها فَتَكر كلَّ الذي عملتْه طوالَ النهار، فيعود مرةً أخرى خيطاً كما كان، وفي اليوم الثاني ظلت تعمل هي ومن معها من الصباح إلى المساء، وفي آخر النهار تسحب الفتلة مرة أخرى، فيعود خيطا كما كان، وهكذا كانت تعمل معهن كل يوم، فكل الذي يعملنه طول النهار يضيعنه في لحظة حين ينقضن هذا الغزل.
ما رأيكم في هذا التصرف؟ هل هذه المرأة عاقلة؟ لو أن أحد مِنا مكانها هل كان سيعمل هكذا مثلها؟ يجلس طوال النهار يعمل وفي آخر النهار يضيع عمله في لحظة؟ في الحقيقة، إن كثيراً من العقلاء يعملون هذا وهم لا يشعرون.
نصوم رمضان، ونقوم ليله، ونتعب فيه، ثم يأتي العيد فننسى أننا كنا في رمضان، ونضيع ما أتعبنا فيه أنفسنا، ونضيع صياماً طويلاً وقياماً طويلاً وعملاً متواصلاً. اجتهاد عظيم في رمضان، ثم تفاجأ في أول شوال أن الذي كان يصلي الفجر لم يعد يصلي الفجر، والذي كان يصلي العشاء في جماعة لم يعد يحافظ على الجماعة، والذي كان محافظا على لسانه بدأ يطلق لسانه بما لا يليق.
هل غاب رب رمضان مع غياب رمضان؟
نحن للأسف نقع في هذا الخطأ كثيراً، حينما نعبد الله سبحانه وتعالى في رمضان ثم نهمل هذه العبادة بعد رمضان، وقد نبهنا الله عز وجل وحذرنا من هذا السلوك الخاطئ، فقال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)). وأنكاثا: يعني أنقاضاً جَمْعُ نِكْثٍ، وَهُوَ الْغَزْلُ المَنْقُوضُ.
يعني لا تفعلوا مثل هذه المرأة، فالإنسان الذي صام وجاع وعطش ومنع نفسه من المباحات، وأتعب نفسه غاية التعب، وقام الليل، وقرأ القرآن، وفعل الخيرات، وتصدق، وحفظ العين واللسان، ثم يخرج من رمضان فيفسد كل ما كان يعمله، وينهمك في المحرمات وترك الطاعات، هو أشبه شيء بهذه التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
يجب أن يكون لنا وقفةٌ في آخر الشهر الكريم نعاهد الله فيها أن نستمر على ما كنا عليه في رمضان، فما الذي يمنعنا أن نحافظ على الفجر وعلى صلاة الجماعة كما نحافظ في رمضان؟ وما الذي يمنعنا أن نحفظ ألسنتنا كما حفظناها في رمضان؟ هل غاب رب رمضان مع غياب رمضان؟ لقد جعل الله رمضان فرصةً ليتعوَّد الإنسان عادات الخير، يتعوَّد الذي لا يصلي الفجر أن يصلي الفجر ويعتاد عليه، ويتعوَّد الذي لا يصلي في جماعة أن يصلي في جماعة، ويعتاد عليها، ويتعوَّد الذي لا يتطوَّع ولا يقوم الليل أن يقوم الليل، فيقوم بعد رمضان ويصلي ليلة بعد ليلة في جوف الليل لظلمة القبور، ويتعوَّد الإنسان على حفظ اللسان فيخرج من رمضان محافظاً على لسانه، وهكذا. فهذه هي ثمرة الصوم الحقيقة.
*ولهذا دعا النبي صلي الله عليه وسلم إلى الدوام على ما اعتاد المرء من الخير من غير تفريط، فأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»
*وكان صلي الله عليه وسلم يداوم على أعمال الخير، ويدعو إلى المداومة عليها، فأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»
ثمرة رمضان الحقيقة تظهر بعد رمضان، فمن استمرَّ على أخلاق رمضان وعلى عبادات رمضان وعلى طاعات رمضان فهذا بالفعل قد أدى صياما صحيحا مقبولا، والله تعالى يقول ) وأخرج الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»]. سبعين سنة بينه وبين النار إذا صح صيامه.
الصيام الذي يجعل العبد يباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا هو الصيام الذي يحقق في الدنيا التقوى، ومن ثَمَّ يحقق النجاة في الآخرة؛ لأنّ الصيام إما أنه صحيح فأنتج أثراً نلمسه، وبالتالي حين نلقي الله نطمئن أنه سيعطي نفس الأثر وينجينا من عذاب النار، وإما أنه لا يعطي الأثر في الدنيا فلن يعطيه في الآخرة، فالصيام الذي لا يحقق لصاحبه التقوى لا يتوقع أن ينجي صاحبه من عذاب الله رب العالمين.
نحن أمام اختبار بعد رمضان، ينبغي أن نكون فيه عقلاء لا ننقض ما غزلنا، ولا نضيع ما بذلنا فيه جهدنا، ولا ننكث بعهد الله الذي عاهدناه.
رمضانُ لطفاً .. بالقلوب فقد أ تـغـيـبُ عن مهجٍ تجلّك بعدما فـلـكـلّ نـفسٍ في وداعك آهةٌ اسـمـع وداعك في نشيج مُشيّع ٍ قـد كـنتَ غيثا للنفوس فأثمرتْ لـلـتـائـبـيـن مدامعٌ رقراقةٌ كـم فـي مـقـام الذلّ من تنهيدةٍ والـنفسُ ترتشفُ الضياءَ فتعتلي أنـبـتَّ بـالـتقوى شِعَابَ قلوبنا و كسوتَ من حُلل الفضائل أنفسا و رُبـا الأخـوّة أينعت من مؤثرٍ نـفـحـاتـك الـغنّاء رفدُ سعادةٍ و نسائمُ الأسحار تـَذهبُ بالضنى و بـكـل سـانـحـةٍ مآثر سنّةٍ وتـجـولُ في رؤياك صحوةُ أمةٍ و تقلدت تاج الحضارة، وامتطت هـذا هـو التاريخ يشهد فافتحوا وتـمسّكوا بسنا الرسالة وادحروا ذودوا عـن الهادي.. وأحيوا أمّةً فـمـعاركُ الأفكارُ أضرىُ شوكة ً يـا شـهرُ كم لي فيك من إشراقة ومـعـالمٍ تبني الحياة هدىً، وفي سـبحان من أسداك جلباب التقى ومضى هلال الصائمين فحَشْرَجَتْ و مضى الحبيبُ فهل لنا من ملتقى وآهـا لـقلبي في غروبك بعد أنْ أسـتـودعُ الله الـكـريـمَ مآثرا و لـسوف تبقى ذكرياتـُك حيّة ً | سَمَتْو اسـتـأنـستْ بجلالِك أحـيـا بـك الله الـكـريمُ أُناسا و الـعـين تدمع والحشاشة تاسى ولـظـى فـراقك يلهبُ الإحساسا بـرّا و إشـفـاقاً .. و كنّ يباسا تـُحـيي الفؤادَ وتغسل الأرجاسا تـجـلو الصدأْ والرّان والأكداسا وتـكـادُ تسبحُ في الفضا استئناسا و سـقـيـتَ بالآي الكرام غراسا فـسـعـتْ إلى رب الملا أجناسا أو مـنـفـقٍ لله .. أو مَن واسى تـسـتـنزلُ الرحماتِ والإيناسا وتـهـدهـد الوجدان مما قاسى مـن نـور أحمد أشرقت نبراسا رفـعـت بـأنـوار العقيدة راسا ظـهـر الـعـلا المتمنع الميّاسا سـفـر الحقيقة واقرءوا الكرّاسا دعوى الدعيّ، وأخرسوا الأرجاسا تـتـجـرعُ الـويلاتِ كاسا كاسا فـقـفـوا على ثغرِ الحجا حُرّاسا تـطـوي الظلامَ وتستجيلُ الياسا جـنّـاتِ عـدن ٍ تنشرُ الأعراسا و كـفـاك زادا بـالـتقى ولباسا ووقـفـتُ أجترعُ الأسى والباسا يُـسلينِ.. أم تجني المنون غراسا ألِـفَ الطريقَ .. وعاشرَ الأكياسا تـعظ ُ القلوبَ و تطرد الوسواسا الـواعـظات ُ.. وإنْ بدينَ خِراسا | استئناسا
*****************
*كيف لا تَجْري الدموعُ المخبتة على فراقِ رمضان
لا أدري.. ااهنيكم بقرب العيد المبارك ، أَمْ أُعزيكم بفراق شهرِ القُرآنِ والغفران
فجَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَنا في رمضان .
القلبُ يمتلئ لوعة وحسرات ، والعينُ تُسطر بمدَادِها لحنَ الخلود
أاكتبُ حالَ الرحيل ؟!
أتقيِّدُ مَوْقِفَ الوداع ؟!
أَتَنْقشُ ألَمَ الفراق ؟!
أحقاً انقضى رمضان ..!
أَذَهبَ ظمأ الصِّيامِ وانطفأَ نورُ القيام ..!
يا وَلَهِي عليه ..
أَذَهَبَ رمضانُ وغابَ هلالُهُ ..؟
هل قُوِّضتْ خِيامُه ..وتقطَّعتْ أوتادُه .. ؟
أيُّ حال للمؤمنِ والمؤمنةِ بَعْدَ رَحِيْلِ رمضان ..؟
يا راحـلاً وجمـيلُ الصَّبْرِ يَتْبعُهُ هلْ مِنْ سَبيلٍ إلى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ
ما أَنْصَفتْكَ دُمُوعِي وهي دَامِيةٌ ولا وَفَى لكَ قَلْبي وهو يَحْتَرقُ
مَنْ الذي لا تؤلم نفسه لحظاتُ الفراق ؟
من منا لا تَجْرحُ مشاعرَهُ ساعاتُ الغياب ؟
بالأمسِ القريب ، بَارَك بعضُنا لبعْض استقبالَ رمضان ، فَسُكِبَتْ العبراتُ فرحاً واستبشاراً به ، وطرِبَتْ القُلُوب ، وشُنِّفَت الأسماع بصدى تراويحه .
واليوم .. له لونٌ غريبٌ من الدموع !
فانهملتْ على الخدود .. وجادَتْ بأغلى ما لديها ..
يا عيوناً أرسلتْ أدْمُـعَـها ما بِذا بأسٌ لو أَرْسَلْتِ الدّمَـا
رمضان وأيُّ شهر كان ..؟
رمضانُ .. شاهدٌ لنا أو علينا مما أَوْدَعْنَاهُ من الأعمال ..
فَمْن أودعه صالحاً فلْيَحمدِ الله ، وليُبْشِرْ بحسن الثواب ، واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً .
ومَنْ أَوْدَعَهُ سَيِّئاً فليَسْكُبِ الدَّمعَ الغزير ، وليأتِ ما بقي من القليل .
فكم من جاء بالقليل وتُوِّجَ بالقَبول ! وكمْ منْ جاء بالكثيرِ فَمُنِيَ بالحرمان .
غداً تـوفَّى النفـوسُ ما كسبت ويحصدُ الزارعونَ ما زرعوا
إنْ أَحْسَنوا فقد أَحْسَنوا لأنفُسِهِم وإنْ أساؤُوا فبِئْسَ ما صنعوا
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
شهرٌ عظَّمه اللهُ وكرَّمه ، فشرّف صُوَّامه وقوامه ، منحهم من الأجورِ ما ليس لغيرِهِ من الشُّهُور ، فجعل أجرَ صائميه متجاوزاً العشرةَ أضعاف ، بلْ والسبعمئةِ ضعف مما لا يُحدُّ ولا يُعدّ ، كلُّ ذلك لأنَّ الصيامَ له وهو سبحانه الذي يَجزي به ، وكفى بهذا شَرَفاً وفَخْراً للمؤمن.... أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
وهو مِضْمَارٌ واسعٌ للتَّنافُسِ في الخيراتِ ، تَنَوَّعتْ فيه الطَّاعات ، فيه سِرٌّ بين الطَّائِعينَ وبينَ رَبِهِم في أيَّامِهِ المعدودات ، والمُحِبُّونَ يَغارُونَ من اطَّلاعِ الأَغْيَارِ على الأَسْرَار .
لا تُذِعِ السِّرَّ المصونَ فإنَّني أغارُ على ذِكْرِ الأحبةِ مِنْ صَحْبِي
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟
كان موسماً لمضاعفة الأعمالِ والغُفْران ، ومُنَبِّهاً لذوي الغَفَلاتِ والنِّسْيَان ، محفوفاً بفضيلةِ تلاوةِ القرآن ، حين فيوضات الجودِ والكَرمِ من المنَّان .
شهرُ رمضان ..
نهارُهُ مصونٌ بالصيام ، وليلُهُ معمورٌ بالقيام ، هبَّت فيه رياحُ الأنسِ بالله ، وجَادَتْ الأنفسُ بما عندها نحو الله .
لكَ الله يا شهراً أفاءتْ بِظِلِّهِ قلوبٌ على حَقل الخطيئَاتِ تُزهِرُ
ألا أيُّهذا الشهرُ أغدِق فَضَائلاً على كُلِّ مسْكينٍ على العَدمِ يُفْطِرُ
كيفَ لا تَفيضُ دُموعُ المؤمنِ على رَحيلِ رمضان ، ولا يَدري أيدركُ تلكَ الفضائلَ والمزايا مِنْ عَامٍِ ثَان ؟
كيف لا تَجْري دموعُ المُخْبتةِ على فراقِ رمضان ، ولا تَعْلم أَحَظِيَتْ بالقَبولِ والغُفْران ، أَمْ رُمِيَتْ بالطَّردِ والحِرْمَان ؟
دَعِ البكاءَ على الأطْـلالِ والدَّارِ واذكُرْ لمنْ بَانَ من خِلٍّ ومِنْ جَـارِ
أَذْرِ الدُّموعَ نحيباً وابْكِ من أسفٍ على فِـرَاقِ لَـيالٍ ذاتِ أَنْــوارِ
على لَيالٍ لشهرِ الصَّومِ ما جُعِلَتْ إلا لِتَـمْـحِيـصِ آثــامٍ وأَوْزارِ
يا لائِمِي في البُكَا زِدْنِي به كَلَـفَاً واسمعْ غريبَ أحاديثٍ وأَخْبارِ
* أَوْشَكْنا على التمام ، فكيف وَداعُ المحبِّين ؟
أيُّ شهر كان رمضان .. وفيه ليلةُ القَدْر ؟ لك اللهُ يَا رَمَضَان .
يا أيُّها الشهرُ الذي فِيكَ أَشْهرٌ ويا أيُّها الدَّهرُ الذي فيك أَدْهُرُ
رَحلَ رمضانُ وانقضى ، فما حالُنا مع هذا الرَّحيل ؟
ألا نَأْتَسِي بِعِلْيَةِ القومِ كيفَ يكونُ حالهم ؟
ألا نَتفكَّرُ حالَ وداعِ المحبِّين ؟
أَنَعْرفُ كيف يُوَدِّعُ أبو بكرٍ ، وعمرُ ، وعثمانُ ، وطَلْحةُ ، والزبيرُ ، وأبو عُبَيْدةَ _ رضوان الله عليهم _ رمضان ؟
أَخَطرَ في خُلْدِنا شَأْنُ الإمامِ الأوزاعيِّ وصِلَةِ بن أَشْيَم ورَابعةِ العَدويَّة والإمامِ أحمد، وابنِ المبارك وشيخِ الإسلام ابن تيميَّة رحمهم الله _ في وَدَاعِهِم لرَمَضان..
أولئكَ آبائِي فجئني بمثلِهُم إذا جمعتْنا يا جريرُ المجامعُ
لقد كان سلُفنا الصالح رحمه الله خيرَ مثالٍ يُقْتدى به في حنينِ الوداع ، ضَربُوا أروعَ الأمثلةِ في ذلك ، سُطِّر عبيرُ حياتهم في المصنفات ، وكُتِبَ روعةُ حَنِيْنِهِمْ في الكِتَابَات ، فانظرْ في وَدَاعِهِم لشَهْرِهِم كيف يكون ؟
فيا لله .. ما أروعَ الخطبَ وما أجلّ الموقفَ ! وما أحسنَ تلكَ الدموع وهي تقفُ تُوَدِّعُ الضيفَ الحبيبَ وقد سالتْ على الخدودِ ! وما أطربَ شجي الآهاتِ لوداعِهِ !
يالله .. كمْ أناسٍ صَلُّوا في هذا الشهر التراويح ، وأَوْقَدوا في المساجدِ طََلَباً للأجر المصابيح ، نَسَخَوا بإحسانِهم كلَّ فعلٍ قبيح ، وقبلَ التَّمام سَكَنَوا الضريح .
وهانحنُ اليومَ أَوْشَكْنا على التمام ، فكيف وَداعُ المحبِّين ؟ وما أمرُ المخْبِتِيْن ؟
تفيضُ عيوني بالدُّمُوعِ السَّواكِبِِ وماليَ لا أَبْكِي على خَيْرِ ذَاهبِ
أتظن أنلعيدَ تهنئة تسطر في جريدة ؟!
كيف سيكونُ حالُنا ؟ وما مصيرُ العمل ؟ ايقبل ام يرد ويطرح ؟
تَذكـرْتُ أيـاماً مضتْ ولياليا خَلَتْ فَجَرتْ من ذِكرهنَّ دموعُ
أَلا هلْ لها يوماً من الدَّهر عَوْدةٌ وهلْ لي إلى وقتِ الوِصَال رُجوعُ
وهل بعد إعراضِ الحبيبِ تَواصُلٌ وهل لِبـدورٍ قد أَفَلْـنَ طُلـوعُ)
وفي نهاية المطاف ..
وقبل أنْ تفرحَ بالعيد ..
وتُهيئ الملبسَ الجديد ..
ارمُقْ معي تلكَ البُنَيَّةَ اليتيمة في بلاد المسلمين ، وهي تَهْتِفُ بِتِلْكُم الكلمات المكْلُومة نحو الهلال ، تشكو له حالها .
فهل تفرحُ كما تفرحُ بُنَيَّاتُ المسلمين بالحلْوى والثياب الجديدة ؟
أنَّى لها بالفرح ! فما لها إلَّا الهلالُ لتَبُثََّ حُزْنَهَا له فتناديهِ بقولها :
غِبْ يا هِلال ..
قالوا ستجلِبُ نحوَنا العيدَ السعيد .. عيدٌ سعيد ؟!
والأرضُ ما زالت مبللةَ الثرى بدمِ الشهيد ..
والحربُ ملَّت نفسَها وتقززتْ ممن تُبيد !
عيدٌ سعيدٌ في قصور المترفين !!
عيدٌ شقيٌ في خيام الَّلاجئين !!
هَرِمت خُطانا يا هلال ..
ومَدَى السعادةِ لم يزلْ عنَّا بعيد !
غِبْ يا هِلال ..
لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين ؟ أنا لا أريدُ العيدَ مقطوعَ الوتين ..
أتظنُّ أنَّ العيدَ في حَلْوى وأثوابٍ جديدة ؟!
أتظنُّ أنَّ العيدَ تهنئةٌ تُسطَّرُ في جريدة ؟!
غِبْ يا هِلال ..
واطلَع علينا حين يبتسمُ الزمن .. وتموتُ نيرانُ الفتن ..
اطلَع علينا حين يُورِقُ في ابتسامتنا المساء ..
ويذوبُ في طرقاتنا ثلجُ الشتاء..
اطلَع علينا بالشّذى .. بالعِزِّ .. بالنصر المبين .
اطلَع علينا بالْتئامِ الشملِ بين المسلمين ..
هذا هو العيد ..
هذا هو العيدُ السعيد ..
وسواهُ ليس لنا عيد !!
غِبْ يا هِلال ..
حتى نَرى راياتِ أمتِنَا تُرفرفُ في شَمَمْ..
فهناك عيد .. أيُّ عيد ؟
هناك .. يبتسمُ الشقيُ مع السعيد ! غِبْ يا هِلال.. وَيا شهر رَمَضانَ تَرَفَّق ، دُمُوع المحبِّين تَدَفَّق ، قُلُوبُهم من أَلَمِ الفِراقِ تَشَقَّق ، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ تطفئ من نار الشوق ما أَحْرَق ، عَسَى ساعةَ تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ الصيام كل ما تخرق ، عَسَى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلْحق ، عَسَى أسيرُ الأوزارِ يُطلَق ، عَسَى من استوجبَ النار يُعْتَق ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق
يا نفسُ فازَ الصالحون بالتُّقَى وأبصرُوا الحقَّ وقلبي قد عَمِي
يا حسنَهُمْ والَّليْلُ قـدْ جنَّهُمْ ونورُهُمْ يَـفُوقُ نورَ الأنْجُمِ
تَرنَّمـوا بالـذِّكْر في ليْلِهِمُ فعيشُهُم قـدْ طابَ بالـتَّرنُّمِ
قلوبُهم للذِّكْر قدْ تفرَّغـت دموعُهُم كَلُـؤْلُـؤٍ مُنْتَظِـمِ
أسحارهُم بهم لهم قد أشرقَتْ وخِلَعُ الغُـفْرانِ خَيرُ القِـسَمِ
ويْحَـك يا نفسُ ألا تَيَقُّـظٌ ينفعُ قبـل أنْ تَـزِلَّ قـدمِي
مَضَى الزَّمانُ في توانٍ و هوىً فاسْتَدْرِكي ما قدْ بَقي واغْتَنِمِي
اللهُمَّ إنَّ هذا الشَّجنَ مما نفحَ به الخاطرُ ، وزكّاهُ الضميرُ ، وسالتْ به العبراتُ ، فهي دمعاتُ مُحِبٍّ ، وحديثُ أُنْسٍ ، وصَدقةُ قائمٍ ، ومَشاعرُ صائمٍ ، وشَهادةٌ تُؤدَّى يومَ تُكْتبُ شهادتُهم ويسألون .
لك الله يا رمضان ، وقد تصرَّمت لياليك .
فعدْ مثلما قد جِئتَ ضَيفاً مُكْرماً تُعَمِّـرُ من بُنْياننا ما تُعَمِّرُ
لك اللهُ يا رافداً مِنَ الله للـورى وبحراً من الغفرانِ لِلْخلْقِ يَغمُرُ
فمثْلُكَ شهرٌ لا تُوفَّى حُـقُوقُه وعن مَدْحِه كلُّ الأقاويلِ تقصُرُ
*رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..
رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.