حول ربانية الراية.. وإسلامية الدعوة
د. محمد عبد الرحمن
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
مقدمة
هذه السلسلة من المفاهيم الإسلامية ، لم تأت بجديد أو تتناول موضوعات مستحدثة ، وإنما هي إعادة التذكير بمفاهيم أساسية ، وأن غياب المرجعية للأصول والقواعد هو الذي جعل بعض التساؤلات تظهر في وسائل الإعلام وبين بعض الناس ، وهي أيضا تساؤلات قديمة ولكن بألفاظ ورؤية عصرية لهذا فإن ما تقدمه هذه السلسلة من مفاهيم هي رد وتوضيح لبعض التساؤلات .
ولا يمكن أن نحيط بكل الجوانب ونستوعب المعنى الكامل إلا بالرجوع لتلك القواعد الأصول في الدعوة ؛ فهي الإطار الحاكم والمرجعية لأي تصور ، وقد أرسى ووضح أبعادها الإمام الشهيد حسن البنا .
وأخيرا نسأل الله عز وجل أن يوفقنا في حسن العرض ليصل المعنى الذي نريده واضحا ، وما كان في هذا الأمر من صواب وتوفيق فهو من فضل الله أولا وأخيرا ، وما كان غير ذلك فهو من القصور البشري والخطأ غير المقصود ، فليتسع صدر القارئ العزيز لنا ، ويغفر لنا هذا القصور ، ونسأله صالح الدعاء .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وهو الهادي لسواء السبيل .
المؤلف
د/ محمد عبد الرحمن
عضو مكتب الإرشاد
2011م
توضيح حول ربانية الراية وإسلامية الدعوة
· دعوة الإسلام التى يعمل لها الإخوان فى أى مكان من بلاد المسلمين وأقطارهم، لابد أن تنشأ منذ بدايتها إسلامية صحيحة، ترفع الراية الربانية وتهتف بالشريعة المحمدية، وتعمل للأهداف الإسلامية الشاملة، حتى وإن لم تستطع أن تسمى نفسها باسم " الإخوان " ولكن المبادئ والأهداف وجوهر العمل هو الأصل، ويؤكده ويدعمه الارتباط العضوى بالجماعة الأم . (لكن اسم وراية الإخوان يعتبر من ثوابت الدعوة فى القطر المصرى، أما فى باقى الأقطار فقد تسمح به الظروف، أو تؤجل ذلك إلى حين) .
· ولا يجوز للدعوة وسط جماهير الشعب المسلم، أن تتخلى عن هذه المبادئ الشاملة أو عن ربانية الراية وإسلامية الدعوة بحجة أن هذا قد ينفر الناس منها أو يضع المزيد من العراقيل أمامها أو يضيع منها الكثير من المكاسب الزائلة، وليس لها أن تستبدل ذلك الوضوح والشمول، بدعوات إصلاحية جزئية أو شعارات أخرى ليس فيها التميز الإسلامى والرسالة الخالدة، فهذا من التلبيس والخطأ، فشعوبنا الإسلامية حاجتها الأساسية هى إلى الإسلام بمفهومه الشامل وتطبيقه العملى الصحيح والبناء إن لم يكن على هذا الأساس الكامل الشامل وتحت هذه الراية الربانية فلن يكون مستقراً أو مستقيماً على الصراط وسيؤثر عليه هذا الخلط وتلك الشوائب فى تكوينه إن عاجلاً أو آجلاً، فدعوتنا ليست دعوة أرضية أو مؤسسة حزبية تحكمها المصالح الحزبية لكنها تسير على هدى دعوة الأنبياء وتحكمها ضوابط الإسلام، حتى وإن كان وجودها الرسمى فى بعض البلدان، تحت لافتة الحزب الذى تكونه حسب قوانين البلد، لكن تبقى الجماعة بمفهومها الشامل وأهدافها الكاملة ورايتها الربانية موجودة ومعلنة ومعروفة للناس، فهى أوسع وأعمق وأشمل من الحزب الموجود بأهدافه وأطروحاتها.
ولا يصح أن نقول أننا ندعو الناس تحت هذه الرايات الجزئية والفرعية، وبدون الشعارات الإسلامية، لكن عندما يدخلون الدعوة أو يرتقون فيها سيفهمون الإسلام ودعوتنا بشمولها وأن مناهجنا الداخلية ستعوض ذلك.
لأن الدعوة للإسلام ليست سرية فى أهدافها ورسالتها، ولابد من إعلان ذلك للناس ورفع الراية التى يلتفون حولها سواء جاءوا من الحزب الموجود التابع أو من الأحزاب الأخرى .
كما أن هذا تفريغ وإضعاف للهوية والراية، والمبدأ الإسلامى، ولا يستقيم المسار بعد ذلك عملياً ويؤدى إلى انفصال حقيقى يؤثر فى تكوين الشخصية وإذا قيل أن هذه أوعية وواجهات ومؤسسات فرعية تحكمها ضوابط الواجهات، فنقول : فأين الجماعة التى توجه هذه الواجهات وتستفيد منها، وأين صوتها وشعاراتها وخطابها للمجتمع من حولها ؟.
إنه لابد للناس من راية الإسلام بمفهومه الصحيح الكامل، حيث تناديهم الدعوة وتدعوهم وتوضح لهم دينهم ورسالتهم، حتى وإن واجهت المعوقات وتعرضت للضغوط فهذه هى طبيعة الطريق وضريبة الدعوة.
وإذا كان هناك مكان أو قطر من أقطار العالم الإسلامى، لا يستطيع الدعاة فيه أن يعلنوا عن رايتهم ورسالتهم الإسلامية، ويقولون أن هذه الرايات الجزئية هى المتاح حالياً، وأن هذا تمهيد وتهيئة فليدركوا جيداً أنهم ما زالوا لم يبدأوا الدعوة حقاً مهما تعللوا بأنهم يربون أفرادهم على الفهم الشامل، وأن هذا التمهيد لا يمكن أن يستمر هكذا دون حدود، فلابد من إعلان الدعوة إسلامية ربانية توجه رسالتها للمجتمع والأمة، وتدعوهم ليلتفوا حول رايتها ويعملوا لها، فهذا هو النهج الذى بدأ به الإمام الشهيد دعوته وحرص عليه وأوصى الإخوان به.
· يقول الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله فى هذا المجال : " .. عرض علينا البعض أن نعمل للإسلام من خلال كيان لمبدأ أرضى : الاشتراكية مثلاً، لنستفيد بما فيه من وسائل ومنابر غير متوافرة، ووضعنا غير المعترف به رسمياً كى تتاح لنا فرصة أوسع بكثير للحركة بالدعوة والعمل لها، ولكننا رفضنا ذلك ورأينا أن ما يصدر عنا وتحت رايتنا وشخصيتنا الإسلامية المستقلة، أقوى أثراً وأكبر فعالية، ولو كان حجمه قليلاً مما لو كان من خلال تلك الراية الوضعية ولو كان حجمه كبيراً .
ومن جانب أخر كيف نرضى أن نعلن الراية الأرضية فوق الراية الربانية؟ لا شك أن ذلك انتكاسة فى خط السير ومسخ لشخصيتنا الإسلامية الحرة، وفى نظر الناس أن ذلك الكيان الأرضى قد احتوانا وسنتحمل أوزاره رضينا أم لم نرض ولا مجال بعد ذلك لاستعادة مكانتنا وكرامتنا الإسلامية وثقة المسلمين بنا، خاصة وأننا نرى هذه اللافتات الأرضية تتبدل وتتغير ألفاظها ومدلولاتها"([1]) .
· وطرح الجماعة لشعارات إسلامية، لا تقصد بها المتاجرة أو الإساءة لأحد، أو أنها تحتكر الحديث عن الإسلام أو نفيه عن الآخرين، وإنما ذلك تعبير عن بواعث مشروعها وتعريف به وتركيز للمعانى والأهداف التى يحملها، فهو يمثل تحديداً للهوية، ويمثل أيضاً خطاباً شرعياً موجه للأمة ليوقظها ويربطها بإسلامها، وهو أقدر شيء لإصلاح حالها وأن تنهض وتتقدم، خاصة وأن المسلمين يشكلون غالبية الشعب.
أما عن شركاء الوطن، فإن هذا لا يمثل حاجزاً، لأنهم يتعاملون مع ذلك من منطلق وطنى وإن كان الإسلام لا يمثل ديناً لهم، لكنه يعتبر انتماء حضارياً ووطنياً بالنسبة لهم، كما لا يمنع الإخوان التيارات الأخرى أن تتقدم برؤيتها التى تقتنع بها، وأن ترفع شعاراتها التى تمثلها.
· ودقة المصطلحات والشعارات التى تتحرك بها الدعوة، أمر له اعتباره، ويجب أن يتوفر فيه الضابط الشرعى، والتعبير الصحيح عن المشروع والأهداف، أما الجرى وراء بعض الشعارات التى يطرحها البعض فى الساحة أو تحت الضغط، فإنه يؤدى إلى التشويش وعدم الثبات، فالبعض حاول إدخال مصطلحات اليمين واليسار والتقدمية للوصف الإسلامى، أو الاشتراكية والرأسمالية، وحاول أن يصنف الإسلام ودعوته تحت هذه المصطلحات كل حسب هواه متأثر بالمناخ السائد وقتها.
· وهذا كله لا يتمشى مع منهج الإسلام وتميزه، فهو فوق كل هذه المصطلحات والرؤى الأرضية، وقد يأخذ بعض هذه التيارات ببعض ما جاء فى الإسلام لكن يبقى الإسلام هو الأصل والأعم والأشمل.
· وكذلك محاولة البعض أن يصف الإسلام بوصف إضافى، وكأن هناك أنواع من الإسلام أو أنه فى حاجة لصفة إضافية، فسمعنا: الإسلام الوسطى، الإسلام المتحضر، الإسلام المعتدل .. الخ .. إن الإسلام هو الوسطية وهو الاعتدال وهو الحضارة شاملاً لكل ذلك من معانى . وإذا كان جائز فى الشرح لمفهوم الإسلام ومعانيه أن أشير إلى هذه الجوانب المتميزة فيه، لكن لا يتحول ذلك إلى شعار ومصطلح وتعريف يحدث هذا اللبس وذلك التشويش.
وإذا أخطأ أحد فى فهم الإسلام، أوضحنا جانب الخطأ حيث مرجعية الجميع فى فهمهم تكون وفق مبادئ وأصول وقواعد الإسلام .
· والجماعة تحمل مشروعاً إسلامياً متكاملاً، فهى صاحبة رسالة للأمة الإسلامية وللعالم أجمع، تعرضها عليها، وتقنعها بها لتنهض الأمة وتحملها معها، فإذا ما زالت الدعوة مجهولة عن الكثيرين، أو ما زال البعض يعارضها أو لم يتفاعل معها، فإن الجماعة لا تتخلى عن رسالتها بحجة أن هذا رأى غالبية الشعب، وإنما تواصل معهم الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مهتدية بأسلوب رسول الله r حين عارضه فى بداية الدعوة الكثيرين، ثم لا يلبثوا حتى دخلوا فى دين الله أفواجاً .
وللجماعة أمل كبير فى توفيق الله وعونه وأن الأمور والمقادير بيده سبحانه، ولها تقدير للعاطفة الإسلامية الكامنة فى نفوس أفراد الأمة، وأنهم سوف يستجيبون لدعوة الإسلام.
· والإخوان كما قال الإمام البنا أفسح الناس صدراً للآخرين، حتى ولو كانوا مخالفين، وهم فى ذلك منضبطين بتوجيهات الشرع وميزان العدل والتقوى وتاريخياً كانت الشواهد تشير إلى أن الآخرين هم الذين كانوا يضيقون بالدعوة ويحاولون إقصاءها والهجوم عليها.
ومع تقديم الإخوان لمشروعهم الإسلامى المتكامل، فإنهم يسعون للتعاون والمشاركة مع الآخرين ويسعون للوحدة ويكرهون الفرقة والتنابذ، ويعلنون مبدأهم: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فى أطروحات الإصلاح ووسائل العمل.
لكن لا يظن أحد أن هذا التعاون مع الأحزاب والقوى السياسية والوطنية يجب أن يجعلنا نتنازل عن أجزاء من مشروعنا الإسلامى وأهدافنا ليرضى الآخرين بهذا التعاون معنا، فهذا التصور أبعد عن الفهم الصحيح لدعوتنا، لأن فى منهجنا ومشروعنا مجالات ومساحات مشتركة مع الآخرين حتى وإن كان هذا الاشتراك فى الآليات والوسائل وليس فى البواعث والأولويات، وهذه المساحة المشتركة نتقدم للتعاون فيها مع القوى الأخرى لصالح الوطن ولإصلاح حاله، مع احتفاظ كل طرف بمشروعه الخاص، والأمة فى النهاية هى التى تنحاز لهذا المشروع أو ذاك .
وتستمر الجماعة فى توجيه الدعوة لهم بالأسلوب المناسب لتزداد مساحة اقتناعهم ومشاركتهم، وليس وارداً أن تتنازل الجماعة عن أهدافها ورؤيتها التى لا يوافق عليها الآخرون..
والإخوان فى تعاملهم حتى مع أشد المخالفين لهم، يتميزون بالأدب والاحترام للجميع وحسن الخلق وضبط الألفاظ وإعطاء كل ذى حق حقه.
وهم أبعد الناس عن المنابذة واتهام النوايا أو التعامل فى كبر واستعلاء.
· وكذلك أهمية وضوح الصبغة الإسلامية فى مشروع النهضة لحياة الإنسان فى كل جوانبها، فنحن نستهدف تكوين الإنسان المسلم والبيت المسلم، وليس الإنسان بمرجعية إسلامية ونستهدف كذلك إقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة والأمة المسلمة، وليس من الدقة فى صياغة الأهداف أن أقول إقامة المجتمع بمرجعية إسلامية، وإقامة دولة مدنية بمرجعية إسلامية فالإسلام يقيم دولة إسلامية فى جميع أركانها ومجالاتها ويصبغها بصبغة الإسلام، ولها دور ورسالة تؤديها.
وإذا كان من الجائز فى الشرح لمن لا يعرف ما هى الدولة الإسلامية أن أشرح وأوضح بما يمكن أن يفهمه أنها دولة مدنية وليست كهنوتية لكن صياغة الهدف والمصطلح يجب أن تكون دقيقة ومعبرة ومنضبطة بمفهومه الشرعى.
وكان الإمام الشهيد حريصاً على ضبط المصطلحات والشعارات ودقة صياغة الأهداف، وإن العدول عنها هو نوع من الانحراف والتغيير.
· وقد يتساءل البعض هل المشروع الإسلامى الذى يطرحه الإخوان يمثل مشروعاً جذرياً للتغيير لا شأن له بالإصلاح الجزئى، فهو ينتظر حتى يستكمل إمكانيات التغيير الكلى ثم يطرح مشروعه .. ؟
أم هو مشروع تغيير جزئى، وبالتالى يقبل بالواقع وينحصر فى فرعيات وجزئيات للإصلاح.
نوضح ذلك فنقول : أن المنهج الإسلامى فى التغيير والإصلاح هو منهج متميز له رؤيته وموازينه الخاصة به، فالمشروع الإسلامى الذى يحمله الإخوان يستهدف كلا الأمرين، فهو كما قال الإمام البنا نعمل فى الإصلاح لغاية قريبة وغاية بعيدة، فهو إصلاح شامل يتناول كل الأوضاع القائمة بالتعديل والتقويم، وفى نقس الوقت يهتم بالنصيحة والإصلاح فى المجالات المختلفة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً تطبيقاً للتكليف الشرعى بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
* وعن تساؤل كيف يمثل الحزب السياسى موقعه من الجماعة ومن مشروعها الإسلامى، نوضح:
لقد سبق أن أشرنا أن الجماعة لا يمكن أن تنحصر فى حزب أو فى هيئة أو فى واجهة محدودة، فهى أوسع وأشمل شمول الإسلام واتساعه.
وأن الجماعة تعمل بالمفهوم الشامل للإسلام، والعمل السياسى جزء من رسالة الدعوة فى الجماعة، لا يمكن أن ينفصل عنها، وأن الحزب السياسى وسيلة من وسائل العمل السياسى وليس قاصراً عليه .
وهذا الحزب يحمل جزءاً من رسالة الدعوة يسعى لتحقيقه ويستفيد من الوسائل المتاحة له فى ذلك، وهو لابد له من الصبغة والمرجعية الإسلامية لهذا الجزء الذى يحمله، وهو لا يسعى للسلطة وكراسى الحكم مثل باقى الأحزاب، ولا يسلك مسلك التنافس والصراع الحزبى الموجود على الساحة لكنه يعمل على مشروع الإصلاح الإسلامى بالمجتمع، ويصل بالدعوة إلى كل التيارات والمؤسسات.
والحزب لا يشكل خطاً موازياً للجماعة، وإنما وسيلة ضمن الوسائل، والواجهات التى تشكلها الجماعة.
ولا يتصور أحد أن الجماعة يمكن أن تنفصل إلى جزئين : حزب سياسى وجمعية أهلية خاصة بالمجتمع فقط .
فالجماعة بثباتها وصمودها على مبادئها وأهدافها أفشلت كل محاولات تجزئتها أو تغيير مشروعها.
ومشروعيتها تستمدها من المنهج الإسلامى الذى تحمله، ومن الإيمان الذى تنطلق منه ومن اللجوء لله والاعتصام به وبشريعته، وكذلك من مكانتها فى قلوب الجماهير التى تواصلت معها.
· وقد يطرح بعض المتعجلين تساؤلاً هل أن منهج الإخوان السلمى وتمسكهم بشعاراتهم ومشروعهم حقق لهم نجاحاً، وماذا قدم الإخوان طوال هذه السنين، وهل هم محلك سر وفقط أم أن مشروعهم يتقدم ويحقق نجاحاً نحو الأهداف المنشودة.
نوضح ذلك ونقول :
- أولاً : إن الباعث للجماعة وأفرادها هو باعث إيمانى ربانى، من منطلق العبودية والطاعة لله، وأن هذا إذا تحقق بثبات وجهاد الإخوان، فقد حققوا الغاية والهدف الأسمى.
- ثانياً: أن سنن الله فى التغيير كما وضحها القرآن ورسول الله r لا تقتصر على الجهد البشرى، رغم أنه عامل أساسى مطالبين به، وإنما هناك أيضاً فوق ذلك مشيئة الله وقدرته وعونه وتأييده لدعوته، فهو الذى يمكِّن لها فى حقيقة الأمر وما نحن إلا ستار لقدرة الله عز وجل ومجريات الأمور اختبار لنا ولثباتنا وتمحيص لإيماننا.
- وثالثاً: إن أى دعوة مهما امتلكت من وسائل أو رفعت من شعارات .. الخ، لابد لها من مرحلة ابتلاء طويل وتمحيص عميق، ليظهر ويتحقق مدى ثباتها وصمودها، وكثير من الدعوات انهارت أو تبدلت بعد سنوات، وعند أول محك للمحنة.
- رابعاً : إن هذا الثبات على المبادئ والأهداف وتواصل الأجيال، وفعاليتها وانتشارها فى كل بقاع الأرض، دليل على النجاح والتوفيق من الله، فهذا الثبات يعتبر إنجازاً ونجاحاً.
- خامسا : إن أى منصف لأثر دعوة الإخوان ولمشروعهم الإسلامى، ليشهد بذلك كل من نظر إلى حال الأمة قبل ظهور الدعوة وإلى حالها الآن من إرساء للقيم والمفاهيم الصحيحة، ومن إقبال الشباب على الإسلام، ومن إيقاظ الأمة وتزايد المقاومة للمشروع الغربى الصهيونى، ومن إحراز نجاحات متعددة على صعيد الأنشطة وعلى أرض الواقع، رغم المحاصرة والتضييق ومحاولات الإقصاء أو الاستئصال، حتى أصبحت بفضل الله أمل شعوب العالم الإسلامى .
· إن أى دعوة أو جماعة تعرضت لما تعرضت له دعوة الإخوان لانهارت وانتهت منذ سنوات بعيدة، ولكنها باقية مستمرة بفضل الله.
وقد أشار بعض الراصدين أن الجماعة تتميز بالثبات ، والقدرة على امتصاص الضربات ، والعمل فى كل الأحوال والظروف.
· ولا ندعى أن كل أثر إسلامى إيجابى فى المجتمع هو من صنع الجماعة مباشرة، ولكن كان للجماعة الفضل فى تثبيت الفكرة الإسلامية والمشروع الإسلامى ضد العواصف العاتية التى كانت تستهدف اقتلاعه، وفى تحفيز كل التيارات والأفراد فى هذا الميدان، وفى قيادة التغيير والإصلاح والتوجه نحو الإسلام، وفى كونها خط الدفاع الإسلامى وقلب المقاومة للمشروعين الأمريكي والصهيونى.
· وتعلم الجماعة أن الطريق طويل متعدد المراحل، وكثير التضحيات،يحتاج إلى الصبر والعمل الجاد، وفى نفس الوقت هى على يقين من نصر الله لدعوته والتمكين لها.
([1]) مجلة الدعوة العدد 62 – يوليو 1981 – شعبان 1401 هـ .