الثورة وشهر رمضان
د. عامر أبو سلامة
شهر رمضان جعل الله تبارك وتعالى له من المزايا والخصائص ما يجعله خير شهر؛ عند الله تبارك وتعالى ينتفع به العابد لله تعالى, فهو هدية الله إلى المسلمين, به يضاعف الله الحسنات, وبه تغل الشياطين, وتغلق أبواب النار, وتفتح أبواب الجنة, فيه ليلة القدر خير من ألف شهر, من حرم فيه الأجر, فقد خاب وخسر, لأنه إن لم يستثمر هذا الشهر, في الفوز, فمتى يفوز؟!
يأتي شهر رمضان هذا العام, وبلدنا الحبيب سورية, يمر بأزمة, تقع فيه نازلة, على يد هذا النظام المجرم, الذي ارتكب أبشع الجرائم في حق شعبنا الكريم.....يأتي شهر رمضان وعندنا آلاف الشهداء, وعشرات الألوف من المهجرين والنازحين, وألوف الأسرى في سجون النظام.......
يأتي شهر رمضان والحزن في كل بيت, والمأساة في كل زاوية, من زوايا بلدنا الحبيب, وشعبنا يئن تحت وطأة هذا النظام الفاجر.
ورمضان شهر الصبر, ومدرسة التحمل, نتعلم فيها معاني الثبات, ونأخذ منها دروس الصمود, في مواجهة الإبتلاء, وتزرع في نفوسنا معالم الثقة بنصر الله تعالى, فلا نكل ولا نمل, ولا نلين ولا نستكين, بل نزداد إصراراً على المضي في طريقنا اللاحب, في مواجهة طغيان هذا النظام, ولو كلفنا ذلك ما كلفنا من تضحيات, فهذا هو الطريق, طريق الحرية, طريق الخروج من عبودية العباد, إلى عبودية الله الواحد القهار, فلا نخاف إلاّ منه, ولا نخشى سواه....وهذا ما ترجمه الشارع الثائر بقوله: ( ما في خوف...ما في خوف) نموت أو ننتصر.
ونتعلم من مدرسة رمضان, أنه لاإنسانية للإنسان إلاّ إذا تحقق بمفردات الحرية, ومارسها واقعاً عملياً في حياته, فالصبر على الجوع والعطش وشهوة الفرج, بالطريقة المشروعة, تعني أن يتحرر المرء من ضغط الشهوة العاجلة, ويترفع على معاني الحيوانية التي تضغط على الإنسان في حاجاته المعهودة, رفعة في معنى من معاني التحقق الإنساني آنف الذكر, وهذا بدوره يمنحنا فلسفة الحرية, التي تدفعنا إلى الإلحاح في طلبها, بحيث أنا لايمكن أن نتخلى عنها كمطلب حياتي عام, لايمكن أن نتنازل عنه.
إذا كان كثير من الناس يثورون من أجل لقمة الخبز, فإنا نثور من أجل معان أسمى من هذا المطلب, رغم أنه مطلب حق, لايمكن الإستهانة به, أو التقليل من شأنه, ولكن لايجوز أن يكون محور حياة آدمية ما ضية نحو البحث عن الكرامة والعزة والرفعة, فهذه لاتكون من خلال رغيف خبز, أو علبة( سردين) تؤكل, وهنا نقطة الفارق الأساسي, في التمييز بين الأشياء محل البحث والدراسة.
الرقي الروحي,الذي يحصل عليه المتتلمذ في مدرسة رمضان, من صلاة وصيام وقيام وذكر وقراءة قرآن, تمنح المرء قوة, وتزيده صلابة, وتعطيه الزاد, الذي لايعرف النفاد, لأنه من الله رب العالمين.
وهذا الزاد هو محور الدوام والإستمرار, والقوة المعنوية, التي تبعث على تحيير الخصم المقابل, الذي لايملك هذه القوة المعنوية, فيبحث عنها مصنعة من خلال أجهزة مخابراته, وشتان بين ماكان طبيعياً وما كان مصنعاً.
إن الحالة المعنوية التي تصاغ بمثل هذه الروح؛ هي الرجاء في البقاء, ولأمل في العطاء, لغد أمثل, مليء بالحياة الحقيقية المرجوة, التي أشرنا لها آنفاً.
وشهر رمضان, شهر الجد والإجتهاد والتضحية, شهر العمل والجهاد, شهر الأداء للواجبات كأحسن ما تؤدى في هذا الشهر الكريم, كما في سائر الأشهر, بل أكثر تقانة وإبداعاً, وأعظم ألقاً, لأنه فيه يجتمع المادي مع المعنوي, فيتكامل الأمر, وهذا غاية المبتغى للإنسان عندما يبحث عن النجاح.
نعم شاع في الآونة الأخيرة, ارتباط الشهر الكريم بالكسل والخمول, والنوم الطويل, والجهد القليل, لدى كثير من أبناء المسلمين, وهذا خطأ ظاهر, وخلل بين تأباه طبيعة التربية الإسلامية, والممارسة العملية للمسلمين عبر التاريخ, ومن قدر الله تعالى- وفي هذا دلالة عظمى على المراد- أن كثيراً من الفتوحات والغزوات, حدثت في هذا الشهر الكريم المبارك, فغزوة بدر الكبرى كانت في رمضان, وكانت فتحاً مبيناً, ونصراً عظيماً, ومفصلاً من المفاصل التي غيرت وجه الأرض, وفصلت التاريخ بين حقبتين, فهي الفرقان بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وفي رمضان, كان فتح مكة المكرمة, وكان يوماً عظيماً في تاريخ هذه الأمة, بل في تاريخ الإنسانية.
وفي رمضان, انتصر المسلمون في موقعة( البويب) بقيادة المثنى- رحمه الله- .
وعين جالوت, كانت في رمضان, وحاصر صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- مدينة صور في رمضان, وكتب الله النصر المبين.
ولا ينسى المسلمون فتح عمورية, وتلك الهمة العالية, في الغيرة الإسلامية, وكان ذلك في رمضان.
فرمضان شهر العمل, والثوار في سورية, مثل هذا الفقه الدقيق يعطيهم الصورة الصحيحة لما ينبغي أن يفعلوه في هذا الشهر الكريم, من جهاد سلمي, ونضال بلا سيف, وتصميم في السير على طريق المطالب الحقة التي لايجوز التنازل عنها.
وفي شهر رمضان, أرسل النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- خالد بن الوليد- رضي الله عنه- ليهدم صنم العزى, وقد كان.
وكذلك فعل عمرو بن العاص- رضي الله عنه- في صنم سواع.
فتكسير الأصنام والتماثيل, في شهر الخير أمر طيب, وفعل حسن,وتعبير سلمي عن مباديء الفضيلة التي يبحث عنها الأحرار, ويدور في فلكها كل الغيارى الأبرار, لتحقيق أهداف المرء في المباديء التي يحملها, وينادي بها بل يموت لأجلها, فلا نامت أعين الجبناء.
ويمكن أن نقول: إن رمضان فرصة التصعيد, ضد هذا النظام حتى يسقط بإذن الله تعالى, فالشياطين مربطة,وأبواب النار مغلقة, وكل دواعي البشر بالخير, والأمل المنشود بالنصر, معالمها بارزة, وحقائقها واقعة بإذن الله تبارك وتعالى, والمستقبل لمطالب هذا الشعب, والنظام إلى مزبلة التاريخ.
نتعلم من رمضان, وفقهه الصحيح, أن للصائم دعوة لاترد, كما جاء في الحديث الصحيح, وهذا يدفعنا نحو سؤال الله تعالى, واللجوء إليه, فكل الأمور بيده تعالى, الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون, فزاد الدعاء زاد مهم على طريق الثورة.
ومن الأدعية التي أعجبتني...يارب رمضان, عليك بشبيحة النظام....اللهم أعنا على الصيام والقيام وإسقاط النظام....يا حنان يامنان عليك برأس النظام.