رمضان بداية التغيير
ثامر سباعنه
سجن مجدو - فلسطين
اقترب أن يهل علينا الضيف الكريم ، رمضان .. ذلك الشهر العظيم الذي ينتظره المسلمون بشغف ولهفة , وينتظره المؤمنون بشوقٍ ودمعة , دموع فرح باستقبال أغلى وأكرم الشهور على قلوبهم ..
إنه شهر الخير والرحمة , شهر النقاء والعفة , شهر الطهر والصفاء، وهكذا تهب نسمات الإيمان على المؤمنين ..نسمات بها عبق الروحانية..وشذا الإخلاص..وفوح العبادة..وأريج الصدق..نسمات تستقبل شهر القرآن وشهر الصيام وشهر القيام وشهر الجود وشهر والغفران..من بلغه الله هذا الشهر فهو من المغبوطين..يارب ارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتسابا..
كيف يمكن لنا أن نجعل من شهر رمضان نقطةَ انطلاقة للتغيير وإلى الأبد؟!
· تهذيب النفس وتربيتها : رمضان .. مدرسة التقوى والقرآن .. وموسم الرحمة والغفران .. والعتق من النيران . فاصدق عزمك على فعل الطاعات .. وأن تجعل من رمضان صفحةً بيضاءَ نقية ، مليئةً بالأعمال الصالحة .. صافيةً من شوائب المعاصي . قال الفضيل: "إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك "،
· تنظيم الوقت وإدارة النفس : فالمسلم إذا صلى الفجر أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن الكريم وأذكار الصباح ويذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها بحوالي ربع ساعة أي بعد خروج وقت النهي يصلي ركعتين أو ما شاء الله ليفوز بأجر حجة وعمرة تامة كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام أسوة حسنة فقد كانوا إذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله تعالى حتى تطلع الشمس , ويلاحظ أن المسلم إذا جلس في مصلاه لا يزال في صلاة وعبادة كما وردت السنة بذلك وبعد ذلك ينام إلى وقت العمل ثم يذهب إلى عمله ولا ينسى مراقبة الله تعالى وذكره في جميع أوقاته وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة , والذي ليس عنده عمل من الأفضل له أن ينام بعد الظهر ليرتاح وليستعين به على قيام الليل فيكون نومه عبادة.
وبعد صلاة العصر يقرأ أذكار المساء وما تيسر من القرآن الكريم وبعد المغرب وقت للعشاء والراحة وبعد ذلك يصلي العشاء والتراويح وبعد صلاة التراويح يقضي حوائجه الضرورية لحياته اليومية المنوطة به لمدة ساعتين تقريبا ثم ينام إلى أن يحين وقت السحور فيقوم ويذكر الله ويتوضأ ويصلي ما كتب له ثم يشغل نقسه فبل السحور وبعده بذكر الله والدعاء والاستغفار والتوبة إلى أن يحين وقت صلاة الفجر.
والخلاصة أنه ينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يراقب الله تعالى في جميع أوقاته في سره وعلانيته وأن يلهج بذكر الله تعالى قائما وقاعدا وعلى جنبه كما وصف الله المؤمنين بذلك
· صلة الرحم والترابط الاجتماعي : صلة الارحام في شهر رمضان تعتبر من الضروريات التي ينبغي على المسلمين القيام بها ، تأكيداً لقول الرسول الكريم بالاستمرار في صلة الاقارب نظراً لكونها خطوة حقيقية في ازالة الخلافات وتوطيد الاواصر ودعم الاخوة بين المسلمين .
وقد شرع الاسلام الحنيف صلة الاقارب والارحام وحث عليها ورغب فيها ، وحذر من قطيعة الرحم والهجران لهم ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه".
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"تعلموا من انسابكم ، ما تصلون به ارحامكم ، فان صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، ونسأة في الأثر".ففي هذه الصلات الاخوية تقرب العبد الى ربه بالاعمال الصالحة والعطفعلى المحتاجين ، وصلة الارحام ، وقد امتن الله على عباده المؤمنين بالجزاء الوفير فجعل الحسنة بعشر أمثالها ، أما في شهر رمضان فجعل الحسنة بسبعمائة ضعف ، والله يضاعف لمن يشاء .
· التخلص من العادات السيئة : يذكر الخبراء أن شهر رمضان المبارك فرصة جيدة لحدوث تبديلات فيزيولوجية ونفسية تعود بالنفع على كل أعضاء الجسم ، فالصيام مثلاً يريح الجهاز الهضمي، ويريح القلب وضغط الدم، وينظم إفراز هرمون الأنسولين ومستوى سكر الدم، وهو ما يسهم في تحسين الوظيفة التنفسية، وينقي الكلية والمسالك البولية، والأهم من هذا كله، انه يتيح الفرصة للجسم للتخلص من السموم والفضلات والخلايا الميتة . والتخلص من العادات السيئة أساسه قوة الإرادة و"شهر رمضان مدرسة تربية رحمانية يتدرب بها السلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء "، " والصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثاراً لما عند الله من الرضى والمتاع.
· البناء الدعوي والتربية الروحية : الوفد العظيم جاء لترتفع الأرواح عن موبقاتها، ولتتوب النفوس من عصيانها ، وليراجع الناس حساباتهم مع ربهم تبارك وجل في علاه في أيام معدودات يتجرد فيها المؤمنون من نوازع الشهوات النفسية والدوافع الفطرية والرغباتالإنسانية التي طالما متعوا أنفسهم بها من طعام وشراب ونحوها ولا لشئ إلا رغبة فيما عند الله سبحانه من الثواب وخوفا مما أعده للعاصين من العقاب .
وهذا فيه تربية روحيه للمسلم تجعله يضاعف الجهود في سبيل استكمال فضائل الروح وتخليصها من الشركيات المهلكة والمعتقدات الباطلة والوساوس الشيطانية اللعينة ، والنوازع الشريرة والنوايا الخبيثة ، وجعلها عامرة بحب الله جل وعلا والتعرف إليه في كل حركة وسكنة والإقبال على كل ما يقرب إليه من قول جميل أو فعل حسن حتى تسمو الروح ، وترتفع إلى مدارج الجمال الإلهي ومعاني الكمال الرباني.
قال الشاعر :
فقوت الروح أرواح المعاني **** وليس بأن طعمت ولا شربت
وقال غيره:
لما علمت بأن قلبي فارغ **** عمن سواك ملأته بهداك
وملأت كلي منك حتى لم أدع **** مني مكانا خاليا لسواك