فضل الجهاد في سبيل الله وشرف المجاهدين
رضوان سلمان حمدان
لما علم الخالق جل جلاله أن الخلق فى عبادته ، وامتثال أمره وطاعته منقسمون الى فريقين.. فريق قام على قدم التسليم ، واستقام على الصراط المستقيم ( وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ) فكانوا فى معارج الوصول درجات ، ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات )
ــ وفريق خرج من طاعته ، واستطال على شرعته ، واستكبر فى أرضه بغير الحق ، ونازعه السلطان ، ودخل بقوله وقلبه وجوارحه فى حزب الشيطان . لم علم الله ذلك ، شرع لمن أطاعه جهاد من عصاه . ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة . ولئلا يظهر فى الأرض الفساد . ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ).
ــ ولما كان فى الجهاد من قتل الرجال ، وتشريد النساء والأطفال ، وإزهاق الأرواح وهلكة الأموال ، ما تكره الأنفس ، وتثاقل عنه الأبدان ، جعل الله له من الفضل والشرف ، ولأهله من المنازل والدرجات ، ما تصبو إليه الأنفس الزكية ، وتبذل فى سبيله الأرواح ، وتجود بنفائس الأموال ، وما بعد الصلاة من فريضة أكرم على الله وابلغ فى محبته من جهاد فى سبيله .
ــ اقسم على ذلك الصادق المصدوق فقال ( والذى نفس محمد بيده ما شحب وجه ، ولا اغبرت قدم فى عمل يبتغى به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد فى سبيل الله ) ألم تر أنه تعالى اشترى لأجله أنفسهم وأموالهم ، وأعاضهم عنها سلعته الغالية ، وما عنده من الرضوان والمزيد ووعدهم وعد الحق فى التوراة والإنجيل والقران ، واشهد على العقد اصدق خلقه من الملائكة والمرسلين فقال ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة) فما للمعرض الجبان ، رضى بالحياة الدنيا واطمأن بها أم هانت سلعة الرحمن .
ــ والله ما هزلت فيستامها المفلسون ، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون ـ ومال للقاعد عن السير ، الخالف عن ركابهم ..أرضى ان يكون مع الخوالف ـ ام زهد عن مغفرة من الله ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما . درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) وقال تعالى شانه ( يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده اجر عظيم ) .
ــ تالله ما بلغ منازلهم احد دونهم ، ولا طمع فى مقامهم من ترك عملهم . بل قال القوم : يا رسول الله دلنا على عمل يعدل الجهاد ، قال : (لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين او ثلاثا كل ذلك يقول : لا تستطيعونه ، ثم قال : مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله) ، فإذا كانوا وهم أهل الأنفس الأبية ، والهمم العلية . لا يستطيعون عملا يعدل الجهاد .
ــ فكيف تقرأ عين أمثالنا والبضاعة مزجاة ، والزاد قليل ، والفتن لا يرجى معها خلاص ؟لما اقام القوم على عبادته . فمنهم الصائم القائم ، ومنهم الراكع الساجد ،منهم عامر اشرف المساجد ، ومنهم ساقى الحجيج فى حر الهجير ، ظنوا أنهم والمجاهدين سواء حتى قطع الله عنهم الحجة ، وألزمهم سبيل المحجة ـ
وقال لهم فى محكم آياته ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين ).
ــ فالله ما أصبرهم على طحن المعارك ، ووهج السنابك ، إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وارتفع الغبار ، وصخت المسامع ، وكفى ببارقة السيوف فوق رؤوسهم فتنة ، لما رأى الله من صبرهم وثباتهم وصدقهم وعطائهم أحسن لهم الجزاء ، وأوفر لهم العطاء ، ومنحهم من كرمه كرامات .فان تسل عن جرح غائر ودم مهراق يسيل .
ــ فالمسك من نسماته يوضع ( وما من كلم يكلم فى سبيل الله والله اعلم بمن يكلم فى سبيله إلا جاء يوم القيامة على هيئته يوم كلمه اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) ، فهل رأيت دماء تفوح شذا وعبيرا ؟لما هانت عليهم الارواح فى سبيل خالقها هون عليهم خروجها فأخرجها من أبدانهم كالقطرة من فى السقاء .
وكم للموت على الفراش من سكرة وغصة ولا يجد الشهيد من الم القتل إلا كمس القرصة .
سكنت أرواحهم فى الدنيا رياض الإيمان ، تنعم فى ظلالها ، وتأكل من ثمارها ، فلما فاضت الى بارئها اودعها عليا الجنات ، واسكنها عنده ـ وحسبك به شرف ومكانة ـ اذ يقول سيد العالمين ـ (أرواح الشهداء فى حواصل طير خضر تسرح من الجنة حيث تشاء ثم تاوى الى قناديل معلقة فى ظل العرش )
ـ فلا والله ما ماتوا اذ فاضت منهم الارواح ، ولا انقطعت أرزاقهم اذ قطعهم سيف المنون ـ (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) عزوا على ربهم فنالوا محبته ورغبوا عن ديناهم فعوضهم جنته ، يفز ع الناس ولا يفزعون ، ويحزن الناس ولا يحزنون . ثم اطلع عليهم من فوقهم . فقال : اى شىء تريدون ـ قالوا نريد ان نرجع الى الدنيا لنقتل فى سبيلك . فقال انى قضيت أنهم اليها لا يرجعون . فلما رأى ان لا حاجة لهم تركوا .
ــ يقول امام المجاهدين ( ما احد يدخل الجنة يحب ان يرجع الى الدنيا الا الشهيد ويتمنى ان يرجع الى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرمة ) اى وربى ـ واى كرامة ـ اليس يكفيهم ما وعدهم ربهم اذ يقول رسولهم صلى الله عليه وسلم ( ان للشهيد عند الله سبع خصال أن يغفر له فى اول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويامن من الفزع الأكبر ، ويوضع على راسه تاج الوقار .. الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعون زوجة من الحور العين ، ويشفع فى سبعين إنساناً من أقاربه ) .
ــ لقد عرض الرحمن سلعته ، واقام فى سوق الايمان تجارته ، فسبق اليها المخلصون ـ فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ، وأفلس عن ثمنها الخاسرون حكمته من الله وعدلا ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . قد اختبرهم فى محبته ، فزعموا جميعا انهم أحق بها وأهلها .
ـ فسألهم على دعواهم بالبرهان ولو يعطى الناس بدعواهم لا داعى الخلى حرقة الشجى . فانكشف عنهم اللثام . وظهر من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين ـ اذا اشتبكت دموع فى خدود .. تبين من بكى ممن تباكى ، فأعلمهم ربهم انه لا يحظى بمحبته المدعون . بل اصطفى لها رجالا يطيرون على متن الجهاد مع كل هيعة وفزعة يقولون يا لبيك يا لبيك ( ان الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنان مرصوص)
من اجل ما ذكرنا من الفضائل ، وما يملا الأسفار من الشمائل جعل الله تعالى الجهاد فى سبيله ـ ذروة سنام الإسلام . وعنوان مجده وعزته ، وعلوه ورفعته.
ــ ثم غفلت امتنا عن ذلك حتى صفدت خيول الجهاد فما عادت تركض ، وأسكتها خنوع الجبناء فى عادت تصهل ،وطمست معالم الحقيقة ، وانطفأت بارقة السيوف وعلاها الصدا ، وليست الأمة ثوب الذل والعار ، وسلمت قيادها وزمامها للفجار والكفار ـ وصدق فيهم ما بشر به نبيهم ـ ( إذا تبايعتم بالعينة واخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم ) وقال ( لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله الا ضربهم الله بالفقر )