شموس حياتنا وأقمارها

إيمان شراب

[email protected]

دخلت صفا للصغيرات ، أنشد الفطرة السليمة والبراءة  ..

وطرحت عليهن السؤال :من أكثر الناس حولك حبا لك ؟

فأجمعن : أمي وأبي .

عدت أسأل : ومن أكثر الناس تحبين ؟

فأجمعن : أمي وأبي .

ابتسمت وسألت : ولماذا هما أكثر من تحبين ؟

علامات تعجب على الوجوه الصغيرة ، ثم أجابت إحداهن : هكذا ! لأنهما أمي وأبي !

الفطرة السليمة – إذن – تحس أنه مامن أحد يحبنا كأمنا وأبينا ، ونفس الفطرة تؤكد أن الأم والأب هما المستحقان الأكبر في حياتنا للحب الأكبر... ودون أن يكون هناك سبب !

يكفي أنهما الأم والأب ..

الأجمل والأرق في حياتنا..

العطف والشفقة والرحمة .. الدفء والأمان ..

الرعاية والتوجيه .. البذل والعطاء والتضحية والإيثار ..

التسامح والصبر والحب ..

عطاؤهم لا يزنونه بميزان ، ولا يقيسونه بمقياس .. حبهم لايقف ، لاحد له ، لانهاية له .

والعجيب أن تلك المعاني الجميلة تزداد تدفقا وتكبر كلما كبروا وكبرنا ! والأعجب أنهم يفعلون ذلك كرما وفضلا وإحسانا ، من أجل أن نكون الأفضل والأحسن .

ويكبر الوالدان ، ويرسم الزمن خطوط الشيخوخة على وجهيهما الحنونين الجميلين . خطوط  قد حفرها تعب وسهر وعمل ، نحن الأبناء محوره .

عندها ينقلب الوضع  ، فتضعف صحتهما وتزداد مشاعرهما رقة وتأثرا ، ونكون نحن الأقوى ، فيزداد وجوب الحب ، وحبهما برهما ، ليبلغ أعلى درجاته : الإحسان  " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ". أمر يجمع الله – عز وجل -  فيه بين عبادته والإحسان للوالدين .

" أن اشكر لي ولوالديك " ، يقول عبدالله بن عباس : من شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه .

وبرهما أن نلقاهما بابتسامة ، أن نقبل أيديهما ورأسيهما ووجهيهما ، أن ندخل السرور على قلبيهما بكلمة وخبر وطرفة وهدية ، أن ندللهما ، ونريحهما بتدليك أقدامهما وأكتافهما ورأسيهما، أن نعاونهما في الأعمال ، ونلبي طلباتهما ، ونفاجئهما بما يسرهما ، أن ندعو لهما في أول النهار ووسطه وآخره " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " ، ونخفض لهما جناح الذل تواضعا ورحمة ، بل أن يكونا في قمة قائمة اهتماماتنا اليومية .

وألا ندعهما في حاجة للسؤال والطلب منا أو من غيرنا ، ولا نتقدم أحدهما في دخول أو خروج أو ركوب ، لا نجلس في مكان أعلى منهما ، وألا نتثاقل أو نتضايق من حاجاتهما ومن ضعفهما أو من أمراض وأعراض كبرهما في السن ...

بارُّ والديه ، يكافئه الله في الدنيا قبل الآخرة ، فيرزقه ويفتح له الأبواب المغلقة ويكتب له النجاح في مساعيه ويسهل أموره ، يزيل عنه الكربات وينزل عليه الرحمات ، ويسعده ببرّ أبنائه .

ثم تأتي المكافأة الأعظم : الجنة

فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " رغم أنفه ( ثلاثا ) ، قيل : من يارسول ؟ قال : من أدرك أبويه  عند الكبرأحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة " .

وكم هو حقهما عظيم ! فحتى بعد مماتهما يمتد برهما بـ " الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما بعدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما ، فهذا الذي بقي عليك " . هكذا أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأله عما بقي عليه من بر والديه بعد مماتهما .

عندما أتحدث عن الوالدين تحضرني لوحة مسرحية مؤثرة راقية يقوم فيها الابن المحب البار المحسن - يوسف عليه السلام – برفع أبويه ( الشمس والقمر ) على العرش .. والكواكب من حولهم تراقب المشهد في هيبة وتأثر وخضوع .

آباؤنا وأمهاتنا شموس حياتنا وأقمارها .

بالله عليكم ! هل هناك حياة بلا شمس أو قمر ؟؟