وصية العروس

عامر حسين زردة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

تنبهت لواجب عظيم هو "وصية العروس "ولاشك أنها من مسؤولية الأب والأم تجاه ابنتهم في حال خطبتها ، وقد اختفى هذا الواجب من زماننا، ولم نعد نسمع به أبدا ً، وإني لأعتبر هذا الأمر تقصيرا ًمن الوالدين وخاصة "الأم" لقربها من ابنتها واطلاعها على أسرارها وخصوصياتها ولتعليمها مالا يستطيع الأب من مكاشفتها به أو البوح  يمنعه حياؤه من ذلك ، ولم أشأ أن يكون مرجعي في هذا المجال أحد من الحكماء أو العلماء أو الأدباء أو "أمهات فاضلات" شهد لهن أدبنا العربي بالبلاغة والحنكة ، ذلك لأنني أكره التقليد ولاأريد أن أنقل ما قالوا  "فالإبداع "وأنا بعيد عنه ، ولاأدعيه ، هو أن تأت بجديد لم يأت به أحد غيرك مميزا يستحسنه الذواق ،وغير منقول  . وأود أن أخص بوصيتي هذه إحدى فتيات العائلة التي كتب الله لها أن ُتخْطبَ لشابٍ محام ٍعلى خلق وأدب  "هكذا نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا"  وأنتهز هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا لنؤكد له محبتنا تقديرنا وافتخارنا به ونقول له "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "ولابد لي أيضا أن أبارك لوالد العروس الأستاذ الشاعر علي الحاجي ووالدتها الموقرة مدرسة اللغة العربية حفظهما الله ورعاهما وجعل الفرح حليفهما وأبارك لأعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها وجميع الأقرباء .

بنيتي الغالية  نيرة  أنار الله قلبك بالإيمان آمين أقدم لك وأنت بمنزلة  بناتي كلمات ٍصادقاتٍ من القلب علهن ينرن طريقك ويكن سببا في سعادتك آمين

قال الله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) تفكري بنيتي بمعنى"لتسكنوا"و بمعنى"مودة ٍ ورحمة

وقال  ( هن لِباسٌ لكم وأنتم لِباسٌ لهن )

تأملي كلمة اللباس الذي هو الستر والزينة والدفء والوقاية و..

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يوصي أحد أصحابه " وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس "

 فالرضا يورث الغنى واعلمي بنيتي أن الحياة سهلة ٌجميلة ٌإذا رضيت بها وأردت أن تستمتعي بما فيها ، والحياة الزوجية جزء من هذه الحياة فلا تفوتي عليك فرصة العيش متمتعة ًمتحصنة ًمصونة ًوبما أحل الله سبحانه  لك  منها ،

وكوني كأفضل زوجة تستشعر رغبات زوجها، وحاجاته، وما يحب ، وما يكره ، وتفهمي ما يريد دون أن يطلب منك أو يبوح .

واعلمي إن كنت كذلك ، وأرضيت زوجك باهتمامك ورعايتك  وأحس بالاستقرار والراحة والسكن فلابد أنك حزت رضا الله عز وجل ثم رضا زوجك وعليك أن تعتقدي  وبيقين مطلق لا يخامره  شك  في أنك تتعبدين الله وتتقربين إليه في هذا  ولك الجزاء الحسن من الله عز وجل

بنيتي الغالية  ما أنصحك به صادقا وأدعوك للتفكر فيه بعمق هو  أنك مقبلة على بيت جديد وحياة جديدة وفترة مختلفة فعليك أن تنسجمي مع هذا الواقع الجميل إن شاء الله  ولا تنسي أن تكوني كالطبيب الذي يضع يده على العلة ليسهل علاجها وابدئي بالكتابة على صفحة جديدة ناصعة في دفتر جديد فالعاقل يكره الجدال والقيل والقال والمماحكة والكلام الذي يشتت فكر سامعه ويتعبها ، وتعلمين أن من الكلام علم لا ينفع وجهل لا يضر ،فابتعدي عنه لأنه لا ينفع ، وأن للسان آفاته المهلكة وفي الحديث "رب كلمة يتكلم بها المرء لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفا"  وفي الحديث  "وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم "

تذكري بنيتي إن سرورك غاية الجميع وإن حزنك لاقدر الله سيقع علينا دون شك ، ولاأريد أن أذكرك بأناس هدمت بيوتهم من  كلمة نابية ٍ،أو تصرف ٍأهوج ٍ،أو فعل ٍسيء ٍ، أو عناد ٍوكبر ٍ، والعاقل من اتعظ من أخطاء غيره ، واعلمي أنه بقليل من الانحناء تمر عاصفة هوجاء ، وبشيء من العفو تتجنبين المخاطر ، وببعض من صبر تبعدين مشكلة ، وبكلمة حلوة لك فيها أجر ينتهي ألم ، وبنظرة حانية تحمين القلب من الضرر ، وبنعمة النسيان يسير المركب إلى بر الأمان ، ولن تكتمل أنوثة امرأة حتى تكون بين يدي زوجها طيعة لينة مجيبة ، وإياك والحقد فإنه الطريق الأقصر لابتعاد الرجل عن المرأة  وتذكري الصحابي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم رجل من أهل الجنة وعندما تبعه أحد الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وأقام عنده تعجب من حاله وكان يريد أن يعلم عبادته وأحواله فلم ير منه أنه كثير صلاة ولا صوم وأخبره بقوله الذي استحق عليه الجنة مبشرا من النبي صلى الله عليه وسلم   "غير أني لا أنام وفي قلبي غلٌ على أحد"

أصغ إلي بنيتي جيدا ً : لا تؤنبي زوجك وإن أخطأ بحقك ، وسامحيه دون أن يطلب منك ذلك ولا تكوني عونا للشيطان عليه، وإذا شعرت بظلم واقع عليك فاصبري واحتسبي هذا الصبر في الله ، ولا تعامليه بالندية ، وكوني معه كريمة رضية ،وإن كان لك رأي بمسألة فأبديه واشرحيه ولا تفرضيه عليه ولا ترفعي صوتك بحضرته ، وتلمسي حاجته دون َمن ٍأو أذى، وأجملي إن كان لك طلب أوغرض أو اقتراح

ولا ترهقيه إن كان فقيرا "حماه الله من الفقر" وإذا ألمت به ضائقة فكوني قربه مدبرة ً مقتصدة ًراضية ً، وإن كان غنيا ً مقتدرا ً "جعله الله غني النفس والمال" فحافظي على ماله واستخدميه  بما يرضي الله عز وجل دون إسراف ،وأعلميه أنك معه تقاسميه حلو الحياة ومرَّها ، وصوني غيبته واحفظي بيته، وأكرمي أهله ، وإذا زل لسانك أو أخطأت فبادري بالاعتذار منه حتى يصفح عنك ويرضى . وحاذري أن ينام وهو عليك غضبان ، ففي الحديث الصحيح "إذا باتت المرأة هاجرة ًفراش زوجها لعنتها الملآئكة حتى تصبح" وفي الحديث الصحيح أيضا"ثلاثة لا تتجاوز صلاتهم أذانهم ومنهم امرأة باتت وزوجها عليها ساخط"   فتنبهي وعامليه برفق ورقة ، وخففي عنه وهو محزون أو مهموم  لا قدر الله  ولا تبتعدي عنه حتى يهدأ ويعود كما عهدتيه . ولا ينبغي أن توافقيه على منكر ٍأو حرام ٍ  حماه الله    لأنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وكوني وقافة عند حدود الله ، وإياك أن تطلبي رضا المخلوق بغضب الخالق وانصحي زوجك وذكريه بالله عز وجل بتأن ولطف وبأسلوب الناصح الذي يقبله المنصوح

وإياك أن تُحَمِّليه وزر الآخرين أو تنقصي من قدره بفعلهم والله يقول  (ولا تزر وازرة وزر أخرى ) واحرصي بنيتي على أن لا يرى منك ما يكره ولا تنظري إلى من هم أدنى منك منزلة في العيش إلا لتحمدي الله على ما أنت عليه من النعم، وانظري إلى من هم  أنقى وأتقى لتكوني أفضل منهم ، واعلمي أن ساعة خصام ٍتهدم شهراً من الوئام ، فلا تكوني مخاصمة ً معاندة ،ً وكوني  مصالحة متسامحة، واستبدلي ما قسا من الكلام  إن وجد  بكلمات لينة جميلة حانية ، وتذكري أن الخلاف وارد وواقع لاختلاف الطباع والبيئة والثقاقة ، لكنه عارض وزائل لتقارب الأرواح والأفكار والمعتقد ، وإن حصل فساعة ولا ينبغي أن يكون في كل ساعة ، ولا تنسي الالتزام بما فرض الله عز وجل عليك من الفرائض وخاصة الحجاب  والصلاة ، وتفقهي  بما يلزمك من فقه النساء .  وذكري زوجك بالصلاة إن هو نسيها أو نام عنها وكوني له عونا على إقامتها 

بنيتي : قد تبدو هذه الوصية مثالية وصعبة التطبيق ومرهقة للمرأة ولكنها الأصل والضابط في علاقة الزوجين ، فأي الأمرين بربك أكرم للمرأة أن تنشغل بزوجها وأولادها وبيتها وهي على ذلك مأجورة من الله أم تنشغل بدفع المشاكل التي ستنشأ من تقصيرها تجاههم

أي بنيتي : سامحيني ماعدت أستطيع الكتابة أكثر لأني ماعدت أرى السطور ولا الكلمات فدمعي الهاطل حرصا ً عليك بل  قرطاسي وجعلني كالأعشى، فحاذري وتأملي فوالله ما كتبت لك إلا لتكوني خير زوجة لأكرم زوج وأسمعيني أخبارك التي ترضي الله ورسوله ، وتسعد أبويك ، وتبهج زوجك وأخيراً أدعوه سبحانه تعالى أن ينير طريقنا بنوره الذي لا يخبو ويجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة ويشرح صدورنا بالقرآن ويجعله ربيع قلوبنا ونور حياتنا وجلاء أحزاننا آمين والحمد لله رب العالمين  واقبلي مني صادق الاحترام والتقدير

عمك/ أبو زاهر